< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

45/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وواحد وستون: الاعتراض الثاني على التمسك بالإطلاق اللفظي في المسلك الرابع

 

الصيغة

الاعتراض الثاني على التمسك بالإطلاق اللفظي في المسلك الرابع، والاعتراض الثاني عكس ما قرر في الاعتراض الأول فالاعتراض الأول مبني على استحالة الإطلاق ثبوتاً بينما الاعتراض الثاني مبني على ضرورة ووجوب الإطلاق ثبوتاً.

وكلامنا في عالم الثبوت لا عالم الإثبات والأمر في مقام الجعل والثبوت يدور بين ثلاثة أمور:

الأول التقييد.

الثاني الإهمال.

الثالث الإطلاق.

ومبنى المعترضين هو استحالة التقييد ثبوتاً فانتفى الاحتمال الأول، كما أن الإهمال ثبوتاً غير متصور لأنه في عالم الثبوت إما الشيء مقيد وإما مطلق ولا معنى للإهمال فيتعين الأمر الثالث وهو الإطلاق ثبوتاً.

إذاً ثبت أن الإطلاق الثبوتي ضروري الثبوت والوقوع، وبالتالي لا نحتاج إلى مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق في عالم الإثبات، لأن الإطلاق ثبوتاً قد ثبت بالبرهان، وهذا الإطلاق الثبوتي الضروري والواجب لا ينفع لنفي التعبدية وإثبات التوصلية.

لأن التعبدي والتوصلي بناءً على المسلك الرابع لصاحب الكفاية ومشهور الأصوليين يمتىازان بحسب الغرض لا بحسب الجعل، ومن الواضح أن كلا الجعلين جعل الواجب التوصلي وجعل الواجب التعبدي قد تعلق الجعل فيهما بذات الفعل لا الغرض.

إلا أن الغرض في الواجب التوصلي لا يحصل إلا بقصد القربة بينما الغرض في الواجب التوصلي يحصل بدون قصد القربة، فإذا أردنا إثبات التوصلية ونفي التعبدية فلابد من إثبات الإطلاق في الغرض لا الجعل، فما هو السبيل لإثبات الإطلاق في الغرض؟

إن قلت إن الإطلاق في الجعل يكشف عن الإطلاق في الغرض، قلنا إن إطلاق الجعل يكشف عن إطلاق الغرض لو أمكن للجاعل أن لا يطلق الجعل فأطلق.

وبعبارة أخرى: إذا كان بإمكانه أن يطلق أو لا يطلق فإذا اختار الإطلاق فإطلاقه الذي تم باختياره يكشف عن إطلاق غرضه لأن الجعل يتبع الغرض، ولكن في فرض المسألة إنه لا يمكنه عدم الإطلاق لأن الإطلاق ضروري فلا يوجد له خيار آخر غير الإطلاق، وحينئذ لا يكون إطلاق الجعل كاشف عن إطلاق الغرض.

ألخصه بشكل سريع حتى نوسع فيه الآن:

الاعتراض الثاني يقول: كلامنا في الإطلاق الثبوتي لا الإطلاق الإثباتي والإطلاق الثبوتي ضروري الوقوع لأن التقييد مستحيل والإهمال مستحيل ثبوتاً فيتعين الإطلاق، وهذا الإطلاق المتعين ضروري فهو لا يكشف عن إطلاق الغرض، والذي يفيدنا بناء على المسلك الرابع لصاحب الكفاية ومشهور الأصوليين هو إطلاق الغرض ولا كاشف عن هذا الإطلاق لأن الإطلاق ضروري الوقوع وليس اختيارياً والذي يكشف هو إطلاق الاختياري هذا يكشف عن كون الغرض مطلق أو غير مطلق لا الإطلاق الضروري الوقوع.

تحقيق هذا الاعتراض:

هذا الاعتراف يتوقف تحقيقه على مطلب قد تقدم، وهو أن المهملة هل هي في قوة الجزئية أو هي في قوة المطلقة؟

ذهب المشهور إلى أن المهملة في قوة جزئية، وذهب الشهيد الصدر إلى أن المهمل في قوة المطلقة وأطلق على المهمل اسم الإطلاق الذاتي.

والسر في التسمية: أن طبيعة الذات تقتضي السريان إلى الأفراد فالذات بطبعها وبذاتها تقتضي السريان وشمول مطلق الأفراد، فالمهمل بمعنى الطبيعة التي لم يلحظ فيها التقييد في قوة المطلق، وهذا ما عبر عنه الشهيد الصدر بالإطلاق الذاتي.

ومن هنا نسأل: هل المهمل في قوة المطلق كما يقول الشهيد الصدر أو في قوة المقيد كما يقول مشهور المناطقة؟

فإن قلنا بالشق الأول وهو مختار الشهيد الصدر أن المهملة في قوة المطلق صح الاعتراض الثاني لأنه في حقيقة عندنا شقان لا ثالث لهما إما مقيد وإما مطلق ولا تقل أو مهمل لأن المهمل في قوة المطلق فالمهمل يرجع إلى المطلق، فإذا امتنع التقييد وقلنا باستحالته وجب الإطلاق، وحينئذ يكون الإطلاق في عالم الجعل والإثبات لا يكشف عن الإطلاق الغرضي وأن غرض الجاعل واقعاً مطلقٌ، فبناءً على مبنى الشهيد الصدر يتم الاعتراض الثاني.

لكن بناءً على مبنى المشهور وهو أن المهمل ليس في قوة المطلق كما يقول الشهيد الصدر بل المهمل في قوة التقييد فحينئذ لابد من ملاحظة البراهين التي أقيمت على استحالة التقييد أي استحالة تقييد الفعل بقصد القربة لنرى أن براهين إثبات استحالة التقييد هل تشمل المهمل أو لا تشمل المهمل؟

فإن قلنا أن البراهين استحالة التقييد تشمل أيضاً المهمل فحينئذ إذا استحال التقيد أو الإهمال تعين الإطلاق فيثبت أيضاً الاعتراض الثاني بناءً على هذا التوجيه.

لكن يوجد توجيه ثالث وهو إن براهين استحالة التقييد مختصة بخصوص التقييد ولا تشمل الإهمال فإذا استحال التقييد لم يتعين الإطلاق بل كان المتكلم مخيراً بين الإطلاق والإهمال، فإذا اختار الإطلاق كشف الإطلاق في عالم الجعل والإثبات عن إطلاق الغرض في عالم الثبوت.

ولنأتي إلى التطبيق فما هو البرهان الذي أقيم على استحالة التقييد؟

فإن اتبعنا برهان الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ وهو لزوم الدور فإنه كما يقتضي استحالة التقييد أيضاً يقتضي استحالة الإهمال فيتعين الإطلاق، لأن المكلف لا يقدر عند الإهمال على الامتثال إلا مع وجود الأمر على حد تعبير المحقق النائيني أو مع وصول الأمر على حدّ تعبير الشهيد الصدر.

وعليه مقتضى إشكال الدور الذي ذكره الميرزا النائيني استحالة التقييد واستحالة الإهمال فيتعين الإطلاق فإذا أصبح الإطلاق ضرورياً في عالم الجعل والإثبات فإنه لن يكون كاشفاً عن إلاطلاق في عالم الثبوت والغرض.

وفي مقابل ذلك لو اتبعنا البراهين الثلاثة الأخيرة من البراهين الأربعة التي ذكرها الشهيد الصدر واستدل بها على استحالات تقييد الفعل بقصد القربة فإن هذه البراهين الثلاثة تختص بخصوص التقييد ولا تشمل الإهمال الذي هو في قوة التقييد.

وعليه إذا استحال التقييد لا يتعين الإطلاق بل يمكن الإهمال، فإذا استحال التقييد يبقى عندنا شيئان وهما الإطلاق أو الإهمال الذي هو في قوة التقييد، فإذا اختار المولى الإطلاق فإن اختياره للإطلاق يكشف عن كون الغرض مطلقاً عنده فلا يرد الاعتراض الثاني.

خلاصة الاعتراض الثاني:

أنه واردٌ على تقدير وغير وارد على تقدير واحد، فعندنا ثلاثة تقديرات وفروض:

الفرض الأول كون المهمل في قوة مطلق، وبناء عليه يتم الاعتراض لأنه إذا تعذر التقييد والإهمال يتعين الإطلاق فيتم الاعتراض الثاني.

الفرض الثاني كوني المهمل في قوة المقيد مع شمول برهان استحالة المقيد للمهمل وبناء عليه يتم الاعتراض الثاني لأنه إذا استحال التقييد والإهمال تعين الإطلاق.

الفرض الثالث كون المهمل في قوة المقيد مع عدم شمول برهان استحالة المقيد للمهمل، وهنا لا يتم الاعتراض الثاني لأنه إذا استحال التقييد لا يتعين الإطلاق بل يوجد شيئان: إما الإطلاق وإما إهمال فإذا اختار المولى الإطلاق إثباتاً كشف ذلك عن الإطلاق ثبوتاً وأن الغرض مطلقٌ.

الخلاصة:

الاعتراض الثاني تامٌ على مبنى الشهيد الصدر الذي يرى أن المهمل في قوة المطلقة وتام على تقدير ثاني وهو أن براهين استحالة التقييد تشمل المهمل وليس بتام على تقدير ثالث وهو أن براهين استحالة التقييد لا تشمل المهمل.

الاعتراض الثالث لو تنزلنا عن الاعتراض الأول والثاني وفرضنا أن الإطلاق ليس مستحيل ثبوتاً كما فرض في الاعتراض الأول ولا واجب ثبوتاً كما فرض في الاعتراض الثاني بل يكون أمر المولى دائر بين شيئين مطلق لحاظي ومهمل لحاظي في قوة التقييد فحينئذ يقول صاحب الاعتراض الثالث:

إن الإطلاق لا يمكن إحرازه بمقدمات الحكمة بحسب عالم الإثبات لأن الإطلاق الحكمي الإثباتي في عالم الثبوت يتوقف على مقدمات الحكمة، ومرجع مقدمات الحكمة إلى دلالة عرفية وهي عدم التقييد في مقام التكلم.

ومن المعلوم أن عدم التقييد التخاطب إنما تكون له دلالة عرفية على الإطلاق الثبوت إذا أمكن للمولى أن يقيد في مقام التخاطب لكنه لم يقيد أما مع عدم قدرة المولى على التقييد كما لو أخذ بفمه ووضعت اليد أو اللاصق على فمه ومنع عن التقييد فإن عدم التقييد عند عدم إمكان التقييد لا يكشف عن الإطلاق.

وهذا معنى أن الإطلاق الحكمي الإثباتي أي الإطلاق في عالم الإثبات أخذت فيه القابلية والشأنية، فما إدعاه المحقق النائيني من أخذ القابلية إذا كان نظره إلى الإطلاق الإثباتي فهذا صحيح، وإذا كان نظره إلى الإطلاق الثبوتي فهذا غير صحيح.

فإن الكاشف العرفي عبارة عن عدم التقييد إذا أمكنه التقييد وإلا إذا لم يمكنه التقييد فلعله لم يقيد لأنه لم يتمكن من التقييد وهذا لا يكشف عن الإطلاق.

خلاصة الاعتراض الثالث:

إنه بحسب الحقيقة مبني على أن يفرض أن الدال عرفاً على الإطلاق إثباتاً إنما هو عدم بيان التقييد مع إمكان بيانه.

ولكن يمكن رد الاعتراض الثالث بأن نقول نحن لا نسلم أن النكتة العرفية في ثبوت الإطلاق إثباتاً هي عدم التقييد مع إمكان التقييد بل نرى أن النكتة مختلفة وهي عدم بيان ما يخالف الإطلاق ولو كان بنحو الإهمال وفرق كبير بين المطلبين.

فالمطلب الأول يرى أن النكتة العرفية في ثبوت الإطلاق هي عدم التقييد مع إمكان التقييد بينما المطلب يرى أن النكتة العرفية في ثبوت الإطلاق هو عبارة عن عدم مخالفة الإطلاق مع إمكانه مخالفة الإطلاق، ومخالفة الإطلاق لا تقتصر على التقييد المستحيل فرضاً بل مخالفة الإطلاق قد تحصل بتعمد الإهمال وإن كان الإهمال في قوة التقييد بناءً على مبنى المشهور لكن يكون الكاشف عن الإطلاق موجود لأن الكاشف عن الإطلاق ليس هو عدم نصب قرينه على التقييد مع إمكان التقييد لكي تشكل علينا بأن التقييد مستحيلٌ بل إن النكتة هي عدم مخالفة الإطلاق مع إمكان مخالفة الإطلاق.

ومخالفة الإطلاق قد تكون بالتقييد وهذا مستحيل حسب فرض المشهور، وقد تكون بالإهمال وهذا ممكن فإذا تكلم المتكلم، وقال: تصدق ولم يأت بما يخالف الإطلاق بأن أهمل ولم يذكر قيد قصد القربة أو عدم قصد القربة فحينئذ يمكن أن نتمسك بالإطلاق.

ولا تقل إنه لا يستطيع أن يقيد والتقييد مستحيل فهذا الإطلاق لا يكشف عن غرضه لأننا نقول إن ملاك ثبوت وتحقق الإطلاق ليس هو عدم التقييد إذا أمكن التقييد بل ملاك ثبوت الإطلاق عدم بيان ما يخالف الإطلاق إما بالتقييد وهو مستحيل على رأي المشهور وممكن على مبنانا، وإما بالإهمال الذي هو ممكن على مبنانا ومبنى المشهور، وعليه فالاعتراض الثالث ليس تاماً.

النتيجة النهائية:

ذكرنا أربعة مسالك في إمكان التمسك بالإطلاق اللفظي لإثبات ونفي التوصلية، أربعة مسالك في بيان الفارق بين الواجب التعبدي والواجب التوصلي، وقلنا بناء على المسالك الثلاثة الأول يمكن التمسك بالإطلاق اللفظي لإثبات التوصلية ونفي التعبدية، وأما بناء على المسلك الرابع لصاحب الكفاية ومشهور الأصوليين فهناك اعتراضات ثلاثة، الاعتراض الأول والثالث ليس بتام والاعتراض الثاني تام على مبنى الشهيد الصدر ومبنى آخر وليس بتام على مبنى ثالث.

فتكون النتيجة النهائية: بإمكان التمسك بالإطلاق اللفظي لإثبات التوصلية ونفي التعبدية، إلا إذا قلنا بالمسلك الرابع لصاحب ومشهور الأصوليين وبنينا على مبنى الشهيد الصدر أو المبنى الثاني فإننا نقول لا يمكن التمسك بالإطلاق اللفظي فتصل النوبة إلى المقام الثاني التمسك بالإطلاق المقامي لإثبات التوصلية ونفي التعبدية.

هذا تمام الكلام في المقام الأول التمسك بالإطلاق اللفظي، واتضح أنه تام على مبنانا لأننا نرى المسلك فضلاً عن بقية المسالك.

المقام الثاني التمسك بالإطلاق المقامي يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo