< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الواحد والعشرون: استدلال السيد الخوئي على عدم اشتراط وحدة الأفق

 

استدلال السيد الخوئي على عدم اشتراط وحدة الأفق واشتراط الاشتراك في جزء من الليل بين البلدين

ذهب المشهور منذ عهد الشيخ الطوسي في المبسوط إلى السيد محمد في مدارك الأحكام إلى اشتراط وحدة الأفق فلا بد أن يرى الهلال إما في البلد أو في بلد آخر يشترك مع نفس البلد في الأفق أي في المشارق والمغارب، وكان من يخالف ذلك يعد شاذاً.

لكن بدأ الخلاف في زمن الفيض الكاشاني ثم صاحب الحدائق في الحدائق الناظرة ثم المحقق النراقي في مستند الشيعة إلى أن أبدع السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في بيان عدم اشتراط وحدة الأفق وأنه إذا رؤي الهلال في بلد غربي كفى في ثبوت الهلال في بلد شرقي بشرط أن يشترك البلدان في الليل ولو بجزء يسير.

ولنشرع اليوم في بيان ما أفاده المحقق الخوئي ـ رحمه الله ـ لأنك كلامه أصبح محوراً للأبحاث وإن كنا نختلف معه ونذهب إلى ما ذهب إليه المشهور من اشتراط وحدة الأفق.

لكن لا بأس بالتطرق إلى كلام السيد الخوئي ونصّ كلامه[1] ، وبعد ذلك نناقش ما أفاده ـ رحمه الله وقدس الله نفسه الزكية ـ .

إذ أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لا يرى أي وجه لاعتبار الاتحاد كما ذهب إليه المشهور عدا قياس حدوث الهلال وخروج القمر عن تحت الشعاع بأوقات الصلوات يعني شروق الشمس وغروبها فكما أنها تختلف باختلاف الآفاق وتفاوت البلدان فكذلك الهلال.

فقد نصت بعض الأخبار بهذا النص وهو قوله ـ عليه السلام ـ : «إنما عليك مشرقك ومغربك»[2] .

فيرى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن المشهور قاسوا شروق الشمس وغروب الشمس وهذا بالنظر إلى ماذا؟ إلى الأرض، الشروق والغروب بالنسبة إلى الأرض قاسوه على سير القمر من بدر وهلال، لكن السيد الخوئي يقول: إن هذا تخيل فاسد وبمراحل عن الواقع بل لعل خلافه مما لا إشكال فيه بين أهل الخبرة، وإن كان هو مستند المشهور في ذهابهم إلى اعتبار الاتحاد فلا علاقة ولا ارتباط بين شروق الشمس وغروبها وبين سير القمر بوجهٍ هكذا أفاد السيد الخوئي.

وهناك من يناقشه من الأعلام كالشيخ جعفر السبحاني ـ حفظه الله ـ في كتاب الصوم.

ثم السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يبين مبدأ فلكياً يقول: [3]

«وذلك لأن الأرض بمقتضى كرويتها يكون النصف منها مواجهاً للشمس دائماً، والنصف الآخر غير مواجه كذلك، ويعبر عن الأول في علم الهيئة بقوس النهار وعن الثاني بقوس الليل، وهذان القوسان في حركة وانتقال دائماً حسب حركة الشمس أو حركة الأرض حول نفسها على الخلاف في ذلك، وإن كان الصحيح بل المقطوع به في هذه الأعصار هو الثاني» أي حركة الأرض حول نفسها.

الآن من المقرر فلكياً أن الأرض لها حركتان: حركة حول نفسها وتكون منشأ لحدوث الليل والنهار وحركة للأرض حول الشمس تكون منشأ للفصول الأربعة: الشتاء والصيف والربيع والخريف.

وكيفما كان فيتشكل من هاتيك الحركة حالات متبادلة من شروق وغروب ونصف النهار ونصف الليل وبين الطلوعين وما بين هذه الأمور من الأوقات المتفاوتة، وهذه الحالات المختلفة منتشرة في أقطار الأرض ومتشقه في بقاعها دائما هو متسقة في بقاعها دائما.

«ففي كل آن يتحقق شروق في نقطة من الأرض وغروب في نقطة أخرى مقابل لها، وذلك لأجل أن هذه الحالات إنما تنتزع من كيفية اتجاه الكرة الأرضية مع الشمس التي عرفت أنها لا تزال في تبدل وانتقال فهي نسبة قائم بين الأرض والشمس» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

تكلم السيد الخوئي فلكياً في نقاط:

النقطة الأولى في منشأ الليل والنهار وأنه ينشأ نتيجة حركة الأرض ونتيجة العلاقة بين الأرض والشمس ولا دخل للقمر بوجهٍ في منشأ الليل والنهار، وبما أن الأرض كروية فنصفها يقابل الشمس فيكون مضيئاً ويكون فيه النهار، والنصف الآخر لا يقابل الشمس فيكون معتماً ومظلماً ويصطلح على النصف المقابل للشمس في علم الهيئة والفلك بأنه قوس النهار ويصطلح على النصف الذي لا يقابل الشمس بأنه قوس الليل.

وبما أن الأرض كروية وفي حركة دائمة ففي كل آن وفي كل لحظة ينتقل جزء منها من الليل إلى النهار ومن النهار إلى الليل.

إذاً النقطة الأولى نشأة النهار والليل هو عبارة عن علاقة بين الأرض والشمس فقط، ولا دخل للقمر فيها.

النقطة الثانية يتكلم السيد الخوئي عن كيفية نشأة الهلال وتطوره إلى أن يصبح بدراً.

قال ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

«وهذا بخلاف الهلال فإنه إنما يتولد ويتكون من كيفية نسبة القمر إلى الشمس من دون مدخل لوجود الكرة الأرضية في ذلك بوجهٍ بحيث لو فرضنا خلو الفضاء عنها رأس لكان القمر متشكلاً بشتى أشكاله من هلاله إلى بدره وبالعكس كما نشاهدها الآن».

الخلاصة:

نشأة الهلال والبدر عبارة عن علاقة بين القمر والشمس فقط ولا دخل للكرة الأرضية كما أن نشأة الليل والنهار عبارة عن علاقة بين الأرض والشمس ولا دخل للقمر بوجهٍ كذلك نشأت الهلال والبدر عبارة عن علاقة بين القمر والشمس ولا دخل للأرض بوجهٍ.

«وتوضيحه إن القمر في نفسه جرم مظلم وإنما يكسب النور من الشمس نتيجة المواجهة معها فالنصف منه مستنير دائماً والنصف آخر مظلم كذلك غير أن النصف المستنير لا يستبين لدينا على الدوام بل يختلف زيادةً ونقصاً حسب اختلاف سير القمر فإنه لدى طلوعه عن الأفق من نقطة المشرق مقارناً لغروب الشمس بفاصل يسير في الليلة الرابعة عشر من كل شهر بل الخامسة عشرة فيما لو كان الشهر تاماً يكون تمام النصف منه المتجه نحو الغرب مستنيراً حينئذ لمواجهته الكاملة مع النيل الأعظم كما أن النصف الآخر المتجه نحو الشرق مظلمٌ.

ثم إن هذا النور يأخذ في قوس النزول في الليالي المقبلة وتقل سعته شيئاً فشيئاً حسب اختلاف سير القمر إلى أن ينتهي في أواخر الشهر إلى نقطة المغرب بحيث يكون نصفه المنير مواجها للشمس ويكون المواجه لنا هو تمام النصف الآخر المظلم وهذا هو الذي يعبر عنه بتحت الشعاع والمحاق فلا يرى منه أي جزء لأن الطرف المستنير غير مواجهٍ لنا، لا كلاً كما في الليلة الرابعة ولا بعضاً كما في الليالي السابقة عليها أو اللاحقة، ثم بعدئذ يخرج شيئاً فشيئاً عن تحت الشعاع ـ يعني أشعة الشمس ـ ويظهر منه من ناحية الشرق ويرى بصورة هلال ضعيف وهذا هو معنى تكون الهلال وتولده فمتى كان جزء منه قابلاً للرؤية بنحو الموجبة الجزئية فقد انتهى به الشهر القديم وكان مبدأ لشهر قمري جديد.

إذا فتكون الهلال عبارة عن خروجه تحت الشعاع بمقدار يكون قابلاً للرؤية ولو في الجملة وهذا كما ترى أمر واقعي وحداني أو وجداني لا يختلف فيه بلد عن بلد ولا صقع عن صقع لأنه كما عرفت نسبة بين القمر والشمس لا بينه وبين الأرض فلا تأثير الاختلاف بقاعها في حدوثها النظرة الكونية في جو الفضاء.

وعلى هذا فيكون حدوثها بداية لشهر قمري لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها ومغاربها وإن لم يرى الهلال في بعض مناطقها لمانعٍ خارجي من شعاع أو حيلولة الجبال وما أشبه ذلك.

أجل إن هذا إنما يتجه بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحل الرؤية في الليل ولو في جزء يسير منه بأن تكون ليلة واحدة ليلة لهما وإن كانت أول ليلة لأحدهما وآخر ليلة آخر المنطبق طبعاً على النصف من الكرة الأرضية دون النصف الآخر الذي تشرق عليه الشمس عندما تغرب عندنا بداهة الآن نهار عندهم فلا معنى بأنه أول ليلة من الشهر بالنسبة إليهم».

خلاصة النقطة الثانية:

ظاهرة الهلال والبدر تنشأ عن علاقة القمر بالشمس، وبما أن القمر كروي كالأرض فنصفه يقابل الشمس فيكون تحت الشعاع وتحت محاق الشمس، والنصف الآخر يكون مظلماً ومعتماً فلا يرى والقمر له منازل يسير فيها ففي ليلة النصف وهي الرابع عشر إن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أو الخامس عشر إن كان الشهر ثلاثون يوماً فإن القسم المقابل للأرض يكون هو القسم المنير والمضيء والذي يكون تحت شعاع الشمس.

ولكن بعد ليلة النصف يتحرك القمر تحت شعاع الشمس شيئاً فشيئاً فيتناقص القمر من البدر وصولاً إلى درجة العتمة الكاملة بحيث لا يرى يعني يصير القسم المقابل إلى الأرض هو القسم الذي لا يرى، والقسم المقابل للشمس هو تحت شعاع الشمس وتحت المحاق لا يرى بالنسبة إلينا إلى أن يتحرك القمر قليلا في منازله فيبدو كهلال فيرى.

والخلاصة: عندنا نقطتان:

النقطة الأولى نشأت الليل والنهار هي عبارة عن مقابلة الكرة الأرضية للشمس فالنصف المقابل للشمس نهار والنصف الذي لا يقابل الشمس يكون ليلاً وهذا يحصل سواء وجد قمر أو لم يوجد هذا يعني دائماً نصف الكرة الأرضية نهار ونصف الكرة الأرضية ليل.

النقطة الثانية نشأة الهلال والبدر عبارة عن علاقة بين القمر والشمس ولو لم توجد أرض فالقسم الذي يقابل الشمس يكون تحت الشعاع، والقسم الذي لا يقابل الشمس يكون معتماً ومظلماً والقمر له منازل يسير فيها بحيث في ليلة النصف من الشهر يرى كالبدر بالنسبة إلى سكان الأرض ثم يتناقص إلى أن يصل إلى العتمة بل إلى درجة الهلال من جديد فنشأة الهلال لا دخل لها بنشأة المشارق والمغارب.

وبما أن الهلال يرى في الليل إذ روايات الرؤية اشترطت رؤيته في الليل لا النهار وإلا الهلال قد يرى في النهار أحياناً، لكن روايات الرؤية اشترطت رؤية الهلال في الليل، فإذا رؤي الهلال في بلد في الليل دلّ ذلك على أن هذا الهلال يرى في جميع البلدان التي عندها ليل.

من هنا ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أن الهلال إذا رؤي في بلد في الليل ثبتت الرؤيا في جميع الأرض في خصوص البلدان التي تشترك معه في الليل، والدليل ليس هذا الأمر الفلكي الذي طرحناه اليوم هذا لتقريب الفكرة الدليل هو التمسك بإطلاق الروايات «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» ويصدق أنه هلال قد رؤي ولا معنى لاشتراط وحدة الأفق بين البلدان لأن هذا منشأه هو وجود علاقة وتوهم علاقة بين الليل والنهار وبين الهلال، فالرواية التي تقول: «إنما عليك مشارقك ومغاربك» قد يتوهم أنها ناظرة إلى ماذا؟ إلى الهلال.

هذا زبدة وعصارة ما ذهب إليه السيد الخوئي من أمر فلكي، ثم يأتي ببعض الأمور في التفسيرية قال ـ قدس سره ـ : «ولعله إلى ذلك يشير سبحانه وتعالى في قوله: ﴿ربّ المشرقين وربّ المغربين﴾[4] باعتبار انقسام بلحاظ المواجهة مع الشمس وعدمها إلى نصفين لكل منهما مشرق ومغرب فحينما تشرق على أحد النصفين تغرب عن النصف الآخر وبالعكس فمن ثم كان لها مشرقان ومغربان.

والشاهد على ذلك: قوله سبحانه: ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين﴾[5] الظاهر في أن هذا أكثر بعدٍ وأطول مسافة بين نقطتي الأرض إحداهما مشرق لهذا النصف والأخرى مشرق للنصف الآخر.

وعليه فإذا كان الهلال قابلاً للرؤية في أحد النصفين حكم بأن هذه الليلة أول الشهر بالإضافة إلى سكنة هذا النصف المشتركين في أن هذه الليلة ليلة لهم وإن اختلفوا من حيث مبدأ الليلة ومنتهاها حسب اختلاف مناطق هذا النصف قرباً وبعداً طولاً وعرضاً فلا تفترق بلاد هذا النصف من حيث الإتفاق في الأفق والاختلاف في هذا الحكم لما عرفت من أن الهلال يتولد أن يخرج القمر من تحت الشعاع مرة واحدة.

إذا فبالنسبة إلى الحالة الكونية وملاحظة واقع الأمر الفرق بين أوقات الصلوات ومسألة الهلال في غاية الوضوح حسب ما عرفت هذا ما تقتضيه نفس الحالة الكونية.

وأما بالنظر إلى الروايات فيستفاد منها أيضاً أن الأمر كذلك، وأن الثبوت الشرعي للهلال في قطرين كافٍ لجميع الأقطار وإن اختلف آفاقها»[6] .

إذاً كلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ له قسمان:

القسم الأول ناظرٌ إلى نفس الحالة الكونية والأمور الفلكية.

القسم الثاني ناظرٌ إلى الروايات الشريفة.

وفي وكلامه في كلا القسمين فيه تأمل، يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo