< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/14

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس العاشر: الرواية الثانية مشهورة أبي خديجة الأولى

 

استدل على حجية حكم الحاكم في ثبوت الهلال بإطلاق ما رواه الشيخ الطوسي محمد الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة، قال: <بعثني أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ إلى أصحابنا، فقال: قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء> في أصل الرواية في التهذيب جاء فيها <تدارى بينكم> التدارء هو عبارة عن التدافع في الخصومة[1] .

<أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق> في التهذيب <أن تتحاكموا اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا> في التهذيب <اجعلوا بينكم رجلاً ممن قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر>[2] .

ولابدّ من ملاحظة هذه الروايات من جهة السند أولاً والدلالة ثانياً.

أما من جهة السند فرواتها ثقاة لكن يقع الكلام في أبي الجهم فهو مجهول الحال وهو مشتركٌ بين ثلاثة أشخاص:

الأول من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو أجنبي عن مورد الرواية.

الثاني سويد ولم يوثق على أنه من أصحاب السجاد ـ عليه السلام ـ وإن بقي إلى زمان الصادق ـ عليه السلام ـ فكيف يروي عنه الحسين بن سعيد الذي لم يدرك الكاظم ـ عليه السلام ـ ؟!

الثالث بكير بن أعين أخو زرارة وهو وإن كان من الثقات الأجلاء إلا أنه مات في الصادق ـ عليه السلام ـ فكيف يمكن أن يروي عنه الحسين بن سعيد؟!

إذا فأبو الجهم الذي يروي عنه الحسين بن سعيد مجهولٌ لا محالة، ومن هنا ذهب السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أن هذا الطريق ضعيف لجهالة أبي الجهم[3] .

إلا أنه يمكن تصحيح الرواية بحمل أبي الجهم على أخ زرارة وهو بكير بن أعين وهو من أصحاب الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ ولما بلغه موته، قال في حقّه: <أما والله انزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين> ومن أحفاده الحسن ابن الجهم[4] .

ويمكن معرفة بين الواسطة الحسين بن سعيد وأبي الجهم من خلال ملاحظة الروايات التي يروي فيها الحسين سعيد عن بكير بن أعين فبعضها فيها واسطة وبعضها فيها واسطتين فإذا لاحظنا هذه الوسائط وتتبعناها واستقرأناها في الروايات ووجدناها بأجمعها فيها الثقات بل الأعاظم نكاد نطمئن بوثاقة الوساطة الساقطة.

فالإشكال بأن الحسين بن سعيد يروي عن الإمام الجواد المستشهد سنة مئتين وعشرين هجرية والإمام الهادي المستشهد مئتين وأربعة وخمسين هجرية فكيف يروي عن بكير بن أعين الذي توفي في عصر الإمام الصادق المستشهد سنة مائة وثمانية وأربعين هجرية لا يوجب القول بضعف الرواية.

وقد تتبع الشيخ جعفر السبحاني ـ حفظه الله ـ هذه الأسانيد وذكرها في كتابه[5] من هذه الأسانيد:

الأول يروي الحسين بن سعيد عن محمد بن عن أبي الجهم الرواية موجودة في التهذيب الجزء التاسع صفحة أربعة باب الصيد والزكاة الحديث التاسع، وأيضاً موجودة في الجزء الخامس صفحة أربع مئة واثنين وستين كتاب الحج الحديث مئتين وثمان وخمسين.

الثاني يروي عن حريز بن عبد الله عن بكير، التهذيب الجزء الثاني صفحة مئتين وخمسة وخمسين رقم الحديث ألف واثنا عشر.

الثالث يروي عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينه عن بكير، الاستبصار الجزء الأول صفحة واحد وستين رقم الحديث مئة واثنين وثمانين.

الرابع حماد بن عيسى عن حريز عن عبد الله عن بكير هنا تكون الوسائط ثلاث الاستبصار الجزء الأول صفحة مئتين ومئتين وثمانية واربعين رقم الحديث ثمانمئة واثنين وتسعين.

وهنا يوجد احتمالان:

يحتمل أن يكون لفظ عن مصحف عن لفظ بن فالمراد حريز بن عبد الله كما يحتمل أن يكون مراد عبد الله بن بكير.

الخامس صفوان عن عبد الله بن بكير عن أبيه بكير بن أعين، الاستبصار الجزء الأول صفحة أربعمئة وثلاثين رقم الحديث ألف وستمئة وستين.

السادس حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن بكير، الاستبصار للشيخ الطوسي الجزء الثالث مئتين وسبعين رقم الحديث تسع مئة وستين.

وهؤلاء كلهم من الثقات بل من الأعاظم، وربما يقال: إن المكنى بأبي الجهم غير بكير بن أعين وإنما هو ثوير ابن أبي فاختة الذي هو من أصحاب الإمام السجاد والباقر والصادق هذا الاحتمال الثاني.

ولكنه ضعيف إذ ليس للحسين بن سعيد رواية واحدة عن ثوير وإن احتمل المعلق على التهذيب أن يكون هو المراد في بعض الموارد[6] .

إذا هذه الرواية وهي مشهورة أبي خديجة الأولى يمكن تصحيح سندها.

وأما من ناحية الدلالة فالكلام فيها كالكلام في مقبولات عمر بن حنظلة فنستدل بإطلاق التنزيل الوارد في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ فإنه جعل قول القضاة حجةً في الأمور التي يرجع فيها إلى فساق القضاة، إذ قال ـ عليه السلام ـ : <اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر>.

لكن السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ قد تأمل في هذه الرواية واستشكل وخصها بخصوص باب المرافعات والقضاء فقال ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<فالرواية وإن كانت معتبرة بهذا الطريق> طريق ثاني سيأتي إن شاء الله وهو طريق ابن عائذ <إلا أنها قاصرة الدلالة لكونها ناظرة إلى قاضي التحقيق أي الذي يتراضى به المتخاصمان الذي لا يشترط فيه إلا معرفة شيء من أحكام القضاء لا القاضي المنصوب ابتداءً الذي هو الكلام ويعتبر فيه الاجتهاد كما تقدم وإلا فقاضى التحكيم لا يكون حكمه نافذاً في غير خصم النزاع الذي رفعه المتخاصمان إليه ورضيا به حكماً، لا في الهلال ولا في غيره بلا خلاف ولا إشكال>[7] .

وفيه إننا لم نستدل بمشهورة أبي خديجة الأولى بخصوص حيثية قاضي التحكيم حتى نخصها بخصوص المخاصمات والمرافعة وانما استدللنا بإطلاق التنزيل وهذا ثابت في مقبولة عمر بن حنظلة وثابت أيضاً في مشهورة أبي خديجة الأولى والثانية.

لذلك قال السيد محسن الحكيم ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<فإن مقتضى إطلاق التنزيل ترتيب جميع أحكام وظائف القضاة والحكام، ومنها الحكم بالهلال فإنه لا ينبغي التوقف عن الجزم بأنه من وظائفهم التي كانوا يتولونها، فإنه لم يكن بناء المسلمين في عصر صدور هذه النصوص وغيره على الاقتصار في الصوم والإفطار على الطرق السابقة أعني الرؤية والبينة فمن قام عنده بعض تلك الطرق افطر مثلاً ومن لم يقم عنده شيء منها على صومه بل كانوا يرجعون إلى ولاة الأمر من الحكام أو القضاة، فإذا حكموا افطروا بمجرد الحكم، وأقل سبر وتأمل كافٍ في وضوح ذلك كيف؟ ولولاه لزم الهرج والمرج>.[8] .

ثم يذكر عدة شواهد من الروايات الشريفة على أن في ذلك كانت هناك سيرة مستحكمة، والناس كانوا يرجعون إلى السلاطين وإلى قضاة الجور فنتمسك بعموم التنزيل.

ومن هنا ذهب صاحب الجواهر إلى الجزم بذلك وأنه لا داعي في الوسوسة إلى حكم قد يدعى أنه قام عليه الإجماع فقال صاحب الجواهر ما نصّه:

<وأضعف منه الاستناد إلى عدم ثبوت عموم حكم الحاكم لما يشمل ذلك إنما المسلم منه في خصوص موضوعات المخاصمة دون غيرها> هذا الرأي الذي ذهب إليه السيد الخوئي.

يقول صاحب الجواهر:

<إذ هو كما ترى مناف لإطلاق الأدلة وتشكيكٌ فيما يمكن تحصيل الإجماع عليه خصوصاً في أمثال هذه الموضوعات العامة التي هي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكام كما لا يخفى على من له خبرة بالشرع وسياسته وبكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة. فما صدر من بعض متأخر المتأخرين من الوسوسة في ذلك ـ إلى آخر كلامه ـ لا داعي له>.[9] .

وليس كلامنا في أنه يمكن تحصيل دعوى الإجماع عليه إذا أنه بحث ثبوت الهلال بحكم الحاكم لعله غير موجود في كلمات المتقدمين حتى يدعى الإجماع عليه وإنما هي مسألة حصلت عند المتأخرين أو متأخر المتأخرين، لكن موطن الشاهد أنه لا داعي في الوسوسة في هذه الصغرى وهو أنه في زمن الأئمة ـ عليهم السلام ـ كان الناس يرجعون إلى سلاطين الجور والقضاة في أمر ثبوت الهلال، وحسبك روايات التقية الإمام الذي يقول ماذا يقول السلطان؟ ويفطر تقية.

إذا الاستدلال بمشهورة أبي خديجة الأولى تامٌ لا غبار عليه.

الرواية الثالثة رواية أبي خديجة الثانية وهي ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين في الفقيه بإسناده عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السلام ـ : <إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا>. في الفقيه <قضائنا> <فاجعلوه بينكم> في الفقيه <قاضيا> <فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه>.

وروى هذا الحديث أيضاً الشيخ الكليني في الكافي بإسناده عن الحسين بن محمد عن معلا بن محمد عن الحسن بن علي عن أبي خديجة مثله إلا أنه قال: <شيئاً من قضائنا>.

ورواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن محمد مثله[10] .

وقد جعل السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مشهورة أبي خديجة الأولى وهي الحديث الخامس من الباب الحادي عشر من الوسائل من أبواب صفات القاضي.

ومشهورة أبي خديجة الثانية وهي الحديث الخامس من الباب الأول من أبواب صفات القاضي.

قد جعلهما رواية واحدة لها سندان، فقال ـ قدس سره ـ ما نصّه:

<فإن رويت بطريقين مع اختلاف يسير في المتن، أحدهما ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب وهذا الطريق ضعيف لجهالة أبي الجهم.

الطريق الثاني ما نقله الصدوق بإسناده عن أحمد ابن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم وكان من الأحرى أن يذكر صاحب الوسائل في هذا الباب أيضاً أي الباب إحد عشر من أبواب صفات القاضي لا الباب الأول منه كما لا يخفى.

وهذا الطريق معتبر لصحة طريق الصدوق إلى ابن عائذ وهو ثقة>[11] .

يبقى الكلام في سالم بن مكرام فقد ضعفه الشيخ الطوسي في الفهرست[12] لكنه مبني على سهو القلم واشتباه من الشيخ الطوسي ـ قدس الله نفسه الزكية ـ فإنه يوجد رجلان في بحث سالم بن مكرم أو بحث أبي خديجة:

الرجل الأول سالم بن مكرم وقد وثقه النجاشي والكشي.

قال النجاشي: <سالم بن مكرم أبو خديجة، ويقال: أبو سلمة، يقال: كنيته كانت أبا خديجة وأن أبا عبدالله ـ عليه السلام ـ كناه أبا سلمة ثقة ثقة>[13] .

فعلى ما ذكره النجاشي يكون اسم أبو خديجة سالم واسم أبيه مكرم وله كنيتان <أبو خديجة وأبو سلمة> فهو ثقة ثقة وذكر نحوه الكشي في رجاله[14] .

وعده البرقي من أصحاب الصادق ـ عليه السلام ـ قائلاً: <أبو خديجة ويكنى أبا سلمة ابن مكرم>.

إذاً هو مقبول الرواية.

يوجد سالم آخر غير سالم بن مكرم ويكنى أيضاً أبو خديجة، وهو سالم بن أبي سلامه الكندي السجستاني الذي وصف النجاشي حديثه بقوله: <ليس بالنقي، وأنه لا نعرف منه إلا خيراً>[15] .

وضعفه ابن الغضائري قال: <ضعيف جداً>[16] .

إذاً الفرق بين السالمين سالم بن مكرم وسالم بن أبي السلامة:

أن سالم بن مكرم يكنى بكنيتين: الأولى أبو خديجة والثانية أبو سلمة وهي الكنية التي كناه بها الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ فربما خلط الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ بين سالم بن مكرم الثقة المكنى بكنيتين بأبي خديجة وأبي سلمة وبين سالم بن أبي التي له كنية واحدة وهو أبو خديجة الكندي السجستاني الذي ضعفه النجاشي وابن الغضائر.

إذا الرواية تامةُ السند كما أنها تامة الدلالة لأنه نتمسك بعموم وإطلاق التنزيل الوارد فيها كما هو وارد في مقبولة عمر حنظلة ومشهورة أبي خديجة الأولى.

فسواء قلنا بأن المشهورة الأولى والثانية لأبي خديجة هي رواية واحدة كما عليه السيد الخوئي أو هي روايتان كما عليه الشيخ جعفر السبحاني وكذلك صاحب الوسائل إذ فرق بينهما في الباب الأول والباب الحادي عشر من أبواب صفات القاضي فالرواية تامة سنداً ودلالة.

وبذلك يثبت حكم الحاكم ونرى حجية حكم الحاكم في ثبوت الهلال تمسكاً بإطلاق التنزيل في مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة الأولى والثانية لا الأدلة التي ستأتي إن شاء الله تعالى.

الرواية الرابعة التمسك بالتوقيع الرفيع <وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا> يأتي عليه الكلام.


[2] وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج27، ص139، نسخة تحقيق مؤسسة آل البيت ـ عليهم السلام ـ لإحياء التراث.الباب11 من أبواب الرجوع في القضاء والفتوى، الحديث 6.النسخة القديمة ذات العشرين مجلد، ج18، الباب11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.
[6] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج5، ص462.وأيضاً ج9، الباب5 من باب الصيد والزكاة، الحديث 9.
[10] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص412.التهذيب، الشيخ الطوسي، ج6، ص12، الحديث 516.من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، الحديث 2.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج27، ص13، الباب1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.وفي النسخة القديمة، ج18، الباب1، الحديث 5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo