< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/03

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الأول: الطريق الأول من طرق ثبوت الهلال

نشرع اليوم السبت الثالث من شهر رمضان المبارك من عام 1444 هـ ق الموافق 5 فروردين 1402 هـ ش المصادف لـ 25 من شهر مارس من عام 2023 م، ونشرع في دورة طرق ثبوت الهلال ، ونسأل الله عزّ وجل أن يوفقنا لإتمام دورة طرق ثبوت الهلال في شهر رمضان المبارك إن شاء الله تعالى، وسنعتمد المتن الذي كتبه السيد محمد كاظم اليزدي في رسالته العملية العروة الوثقى في كتاب الصوم.

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في كتاب الصوم من العروة الوثقى:

<فصلٌ في طرق ثبوت هلال شهر رمضان وشوال للصوم والإفطار، وهي أمور:

الأول: رؤية المكلف نفسه.

الثاني: التواتر.

الثالث: الشياع المفيد للعلم، وفي حكمه كل ما يفيد العلم ولو بمعاونة القرائن، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به وإن لم يوافقه أحد بل وإن شهد وردّ الحاكم شهادته.

الرابع: مضي ثلاثين يوماً من هلال شعبان، أو ثلاثين يوماً من هلال رمضان، فإنه يجب الصوم معه في الأول والإفطار في الثاني.

الخامس: البينة الشرعية.

السادس: حكم الحاكم.>[1]

هذه ستة طرقٍ ذكرها المرحوم السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ لإثبات هلال شهر رمضان وشوال، وهذه الطرق الستة زادت أو نقصت لا تختص بخصوص هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال، ولكن صاحب العروة الوثقى ـ رحمه الله ـ خصص خصوص هلال شهر رمضان وشوال لأنهما موطن بحثه في كتاب الصوم من العروة الوثقى، ولأنهما مورد الابتلاء لعامة الناس فهلال شهر رمضان يثبت بداية شهر رمضان وهلال شهر شوال يثبت عيد الفطر السعيد، فهذه الطرق الستة عامةٌ يثبت بها جميع الشهور القمرية الاثنا عشر.

نعم، الطرق الأربع الأول وهي رؤية المكلف والتواتر والشياع المفيد للعلم ومضي ثلاثين يوماً كلها ترجع إلى العلم الذي هو حجةٌ بنفسه، وتعرض الأصحاب لذكر هذه الأمور الأربعة إنما هو كان تنبيهاً على أسباب العلم لا لخصوصية فيها، وكذلك تعرض الروايات الشريفة لجميع الأربعة أو بعضها إنما هو تنبيهٌ على أسباب العلم.

ويستفاد من الروايات الشريفة أن شهر رمضان الواقعي يجب صيامه، ومن هنا يقع الكلام في كيفية إحراز شهر رمضان الواقع إما بالعلم واليقين والقطع، وإما بالدليل العلمي أي بالدليل العلمي الذي قام على صحته برهانٌ قطعي.

فتندرج الأربع الأول، وهي: رؤية المكلف والتواتر والشياع ومضي ثلاثين يوم في تحقيق العلم والقطع واليقين بالهلال، ويندرج الخامس والسادس وهما البينة الشرعية وحكم الحاكم في الدليل العلمي فنفس البينة ونفس حكم الحاكم إنما يوجب الظن ولا يوجب القطع، ولكن لو التزمنا أن الدليل القطعي على حجية البينة وعلى حجية حكم الحاكم في مثل هذه الموضوعات فحينئذٍ يثبت الدليل العلمي.

فبقطع النظر عن الأدلة والنصوص الشرعية هذه الأمور الأربعة الأول توجب ثبوت الهلال لأنها أسبابٌ توجب العلم والقطع واليقين، لكن الروايات الشريفة دلت أيضاً على حجية هذه الأسباب الأربعة.

فالأمر الأول وهو رؤية المكلف دلت عليه الروايات الشريفة التي قد تجاوزت حدّ التواتر كـصحيح الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <فإذا رأيت الهلال فصمّ، وإذا رأيته فأفطر>[2] .

كما تعرضت الروايات لثاني وهو التواتر مثل خبر عبد الرحمن قال: <عن هلال رمضان يغم علينا ـ يغم يعني يخفى ـ في تسعٍ وعشرين من شعبان، فقال ـ عليه السلام ـ : لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصّمه>[3] .

خبر عبد الرحمن يصلح لثاني وهو التواتر ويحتمل أن يكون المراد به الثالث وهو الشياع كما يقول السيد محسن الحكيم[4] .

وأما الرابع وهو مضي ثلاثين يوماً يدل عليه صحيح محمد بن قيس قال: <فإن غم عليكم ـ أي خفى عليكم ـ فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا>[5] .

فإذا هذه الأسباب الأربعة وهذه الطرق الأربع الأول لثبوت الهلال يمكن القول بها بغض النظر عن الروايات الشريفة لأنها من أسباب حصول العلم والقطع واليقين والعلم حجةٌ بذاته، القطع حجة بذاته.

وإذا رجعنا إلى الأدلة كـالآية الكريمة قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[6] ، وكذلك الروايات الشريفة الكثيرة الناطقة بوجوب الصوم في شهر رمضان. فإن هذه الأدلة يستفاد منها بأن شهر رمضان بوجوده الواقعي لا بوجوده الظاهري هو موضوعٌ لوجوب الصوم، فلا بدّ من إحراز شهر رمضان الواقعي إما بعلمٍ وقطعٍ أو بعلمي أي دليل علمي قام عليه القطع واليقين، وهذا هو الشأن في سائر الموضوعات الخارجية التي وقعت متعلقاً للأحكام الشرعية.

وقد دلت الروايات الكثيرة أن الشهر الجديد إنما يتحقق بخروج الهلال من تحت الشعاع بحيث يكون قابلاً للرؤية، وبناءً على ذلك فإما أن يرى المكلف نفسه الهلال وإما أن يراه غيره، فإن رأه بنفسه ترتب الأثر والحكم عليه ووجب عليه الصيام في شهر رمضان والإفطار في شوال، وإن لم يره بنفسه لكن رأه غيره فهنا رؤية الغير إما أن تكون عن طريق التواتر الطريق الثاني، وإما عن طريق الشياع وهو الطريق الثالث، وإما عن طريق البنية وهو الطريق الخامس.

بالنسبة إلى الطريق الأول وهو رؤية المكلف نفسه، والطريق الثاني وهو التواتر، والطريق الثالث وهو الشياع فهذه طرقٌ توجب العلم والقطع واليقين، فلا تحتاج إلى مزيد بحث.

نعم، لو لم يتحقق العلم الوجداني لا من رؤية نفسه ولا من رؤية غيره فحينئذٍ ننتقل إلى الطريق العلمي، فهنا إما أن نلتزم بحجية خبر الواحد، وإما أن نلتزم بحجية البينة.

أما الالتزام بحجية خبر العدل الواحد أو خبر الثقة فلا محل له في موطن بحثنا وإن التزمنا فقهياً وأصولياً بحجية خبر الواحد الثقة مطلقاً في الموضوعات والأحكام معاً وفاقاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ ره ـ [7] .

فالمشهور بين القدماء هو حجية خبر الواحد الثقة في خصوص الأحكام دون الموضوعات وأما الموضوعات فلا بدّ من البينة وتأتي روايات الجبن المتنجس والأشياء كلها على ذلك حتى تستبين أو تقوم به البينة، لذلك عمل المشهور بهذه الروايات والتزموا بحجية خبر الثقة في خصوص الأحكام دون الموضوعات والهلال من الموضوعات وخالف في ذلك السيد الخوئي والسيد الشهيد الصدر وأكثر أعلام العصر الذين قالوا بحجية خبر الواحد الثقة مطلقاً في الأحكام والموضوعات معاً فخبر الثقة في الموضوعات حجة إلا ما خرج بالدليل كـ باب القضاء ففي بعض موارد القضاء والشهادات دلّ الدليل على اشتراط عدلين أو أربعة عدول كما في حدّ الزنا والسحاق واللواط والعياذ بالله.

فالمستند في حجية خبر الواحد الثقة مطلقاً في الأحكام والموضوعات معاً هو عمدة هذا المستند عمدته السيرة العقلائية التي لا يفرق فيها بين الموضوعات والأحكام، ولكن على الرغم من قيام الأدلة كـالروايات وعمدة الأدلة السيرة العقلائية على حجية خبر الواحد الثقة في الموضوعات إلا أننا لا نلتزم أن شهادة العدل الواحد فضلاً عن الثقة الواحد برؤية الهلال نرى أنه لا يوجب ثبوت الهلال، وذلك لقيام الروايات الكثيرة التي تبلغ حدّ التواتر الإجمالي والناطقة بعدم ثبوت الهلال كالطلاق بخبر العدل الواحد فضلاً عن الثقة.

وقد ذكر صاحب الوسائل ـ رضوان الله عليه ـ جملة وافرة منها في كتاب الصوم وجملة أخرى في كتاب الشهادات، وقد صرح فيها أيضاً بعدم ثبوت الهلال بشهادة النساء بل لا بدّ من شهادة رجلين عدلين فإن شهادة إمرأتين وإن كانت معتبرة في سائر المقامات مثل الدعوة على الأموال وتقوم مقام شهادة رجل واحد لكن لا عبرة بشهادة النساء في خصوص رؤية الهلال ولا عبرة بشهادة العدل الواحد فضلاً عن الثقة الواحد بمقتضى هذه النصوص.

هذا تمام الكلام في بيان الطرق الأربعة بشكلٍ إجمالي وهذا يكفي، ولذلك اكتفى الكثير من الأعلام كالسيد محسن الحكيم في المستمسك والسيد أبو القاسم الخوئي في المستند بهذا العرض الإجمالي، ولكن يمكن إقامة الأدلة على هذه الطرق الأربعة بشكلٍ مفصل.

الطريق الأول رؤية المكلف للهلال بنفسه

يدل على ذلك أولاً قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[8] ، ويدل عليه أيضاً الإجماع المحقق عند الإمامية، وقد ادعى الإجماع المحقق السيد محمد الداماد ـ ره ـ في تقرير بحثه[9] هذا بالنسبة إلى الإمامية، وأما بالنسبة إلى العامة فهذا هو المشهور عندهم.

لا يخفى.. هذا النصّ يمكن مراجعته في كتاب الصوم للسيد الإمام الخميني ذكره بشكل مفصل:

<لا يخفى أن وجوب الصوم والإفطار على من تفرد بالرؤية متفقٌ عليه عند الأصحاب وجماعة من العامة كـمالك والليث والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عطاء والحسن وابن سيرين وإسحاق: إذا انفرد الواحد برؤية الهلال لا يصوم، فلو أفطر متعمداً من رأه وحده وجبت عليه الكفارة عندنا. وقال أبو حنيفة: لا تجب لأنها عقوبة فلا يجب بفعلٍ مختلفٍ فيه كالحدّ.

وفيه: أن الكفارة ليست عقوبة ولا تقاس على الحدّ لسقوطه بالتوبة بخلاف الكفارة>[10] .

الخلاصة:

الطريق الأول

يقع البحث في الطريق الأول وهو أن يرى المكلف الهلال بنفسه في نقطتين:

النقطة الأولى إذا رأه ولم يتفرد بالرؤية.

النقطة الثانية إذا رأه وقد تفرد بالرؤية.

وفي كلتا النقطتين وفي كلا المقامين أجمع علماء الشيعة الإمامية على أن الهلال يثبت للرائي وإن تفرد بالرؤية. نعم، خالف بعض العامة في خصوص النقطة الثانية فيما لو تفرد برؤية الهلال ولم يره غيره، فقال بعضٌ بثبوت الهلال كـمالك والليث والشافعي، وقال بعض بعدم ثبوته كـالعطاء والحسن وابن سيرين وإسحاق.

أما الكلام في المقام الأول

الدليل على أن الهلال يثبت لو رأه ولم يتفرد عدة روايات فوق حدّ التواتر، نذكر منها خمس روايات:

الرواية الأولى صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <إنه سئل عن الأهلة. فقال: هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر>[11] .

الرواية الثانية صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية>[12] .

الرواية الثالثة صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : إذا رأيتم الهلال فأفطروا>[13] .

محمد بن قيس مشترك ولكن محمد بن قيس الذي يروي عن الإمام الباقر هو الثقة، وإذا رجعنا إلى الرجال نجد أن محمد بن قيس هو مشتركٌ بين أبي عبد الله البجلي وهو ثقة عينٌ وبين أبي نصر الأسدي وهو أيضاً ثقةٌ ثقة، ويمتاز البجلي عن الأسدي برواية يوسف بن عقيل البجلي الثقة، ويمتاز الأسدي برواية ابن أبي عمير عنه.

عموماً لا إشكال في صحة الرواية التي يرويها محمد بن قيس عن الإمام الباقر لأن الذي يروي عن الإمام الباقر هو محمد بن قيس الثقة.

الرواية الرابعة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: <صمّ لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته وإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فأقضه>[14] .

الرواية الخامسة موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: <في كتاب علي ـ عليه السلام ـ صمّ لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشكّ والظن فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين>[15] .

هذه الرواية موثقة على المشهور وصحيحة على مبنى سيدنا الأستاذ السيد موسى الشبيري الزنجاني فإنه يرى أن روايات إسحاق بن عمار صحيحة وأنه إمامي وليس فطحي.

هذا تمام الكلام في النقطة الأولى أو المقام الأول إذا رأه ولم يتفرد.

المقام الثاني إذا رأه وتفرد به

يدل عليه إطلاق جميع هذه الروايات المتقدمة <صمّ لرؤيته وأفطر على رؤيته> يشمله إطلاق هذه الروايات بل يدل عليه مضافاً إلى إطلاق هذه الروايات بعض النصوص الصريحة في ذلك:

منها صحيح علي بن جعفر: <أنه سأل أخاه موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره أله أن يصوم؟ قال ـ عليه السلام ـ : إذا لم يشكّ فليفطر وإلا فليصم>[16] .

يعني يرى هلال شوال في آخر يومٍ من شهر رمضان.

والصحيح الآخر لعلي بن جعفر في كتابه عن أخيه، في كتاب علي بن جعفر مطبوع الآن مسائل علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <سألته عمن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره أله أن يصوم؟! فقال: إذا لم يشكّ فيه فليصم وحده وإلا يصوم مع الناس إذا صاموا>[17] .

هذا ناظر إلى رؤية هلال شهر رمضان وليس هلال شهر شوال.

هذا تمام الكلام في إثبات الطريق الأول واتضح أنه مع غضّ النظر عن الروايات نفس الرؤية توجب ثبوت الهلال فضلاً عن دلالة الروايات الشريفة على ذلك والله العالم.

الطريق الثاني التواتر، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

 


[9] كتاب الصوم والاعتكاف، ج2، ص18، تقرير الشيخ عبد الله جوادي آملي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo