« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

47/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (مائة وستة عشر): ما يعتصم من الحربي بالإسلام

الموضوع: الدرس (مائة وستة عشر): ما يعتصم من الحربي بالإسلام

ونذكر مسألتين:

الأولى: إذا أسلم الحربي في دار الحرب.

الثانية: إذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب.

[المسألة الأولى: إسلام الحربي في دار الحرب]

أما المسألة الأولى: إذا أسلم الحربي في دار الحرب حُقن دمه وعُصم ماله المنقول كالذهب والفضة والأمتعة وسائر أمواله القابلة للنقل، عدا المال الذي لا يُنقل كالأرضين والعقار فإنها فيء للمسلمين. ويلحق بالحربي إذا أسلم ولده الأصاغر الذين لم يبلغوا، حتى الحَمْل في بطن أمه.

[أقوال الفقهاء وإجماعهم]

قال صاحب الجواهر[1] : "بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، كما اعترف به غير واحد"[2] .

ويدل على ذلك الأصل، إذ الأصل بقاء الملكية والسلطنة ما لم يدلّ دليل على انتفائها، وقد دلّ الدليل على انتفاء ملكية الحربي دون المسلم، كما يمكن أن يُتمسَّك لذلك بالعمومات والدليل الخاص، وهو خصوص خبر حفص بن غياث المتقدم المنجبر بعمل أقطاب المذهب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: "إسلامه إسلام لولده الصغار وهم أحرار، وولده ومتاعه ورقيقه له، فأما الولد الكبار فهم فيء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك، فأما الدور والأرضون فهي فيء ولا يكون له، لأن الأرض هي أرض جزية لم يجرِ فيها حكم الإسلام، وليس بمنزلة ما ذكرناه لأن ذلك يمكن احتيازه وإخراجه إلى دار الإسلام"[3] .

[تبعية الأولاد والحمل]

بل يُستفاد من حديث حفص بن غياث تبعية الولد للوالد في الإسلام والكفر والحرية، إذ قال عليه السلام: "إسلامه إسلام لولده الصغار وهم أحرار"، أي أن الأب مسلم حرّ فكذا ولده.

وقد يُستفاد منه حكم الحَمْل ضرورة عدم اعتبار التولّد في التبعية للوالد، بل قد يُقال إن تبعية الحَمْل أولى من تبعية الولد الصغير الذي أنجبته أمه، لكن قد يُتأمَّل في ذلك، إذ أن ظاهر الرواية في الولد الذي أنجبته أمه، إذ أن الإمام عليه السلام فرّق بين الولد الصغار والولد الكبار، ولا يُطلق ذلك على الحَمْل، والله العالم.

[فرع: حكم الأم الحامل إذا سُبيت]

بناءً على هذا، لو سُبيت أم الحَمْل كانت رقاً دون ولدها منه، نظراً لتبعية الحَمْل لأشرف الأبوين، فالحَمْل يتبع الأب المسلم دون الأم الكافرة المسبيّة، فهي باقية على الكفر الأصلي وتندرج تحت عموم الأدلة وإطلاقها. وهكذا لو كانت الحربية حاملاً من مسلم بوطءٍ مباح كوطء الشبهة، كما لو ظنّها زوجته فوطئها واشتبهت عليه وحملت منه من ذلك الوطء، فتبقى الكافرة على كفرها، ولكن الحَمْل يلحق به فيُحكم بطهارته وحريته.

[مسألة: عتق العبد الذمي بالنذر]

مسألة: لو أعتق مسلم عبداً ذمياً بالنذر، وهنا يقع الكلام: هل يجوز عتق العبد الذمي أو لا؟

أقوال ثلاثة:

القول الأول: الجواز مطلقاً.

القول الثاني: عدم الجواز مطلقاً.

القول الثالث: جواز العتق في خصوص النذر، بناءً على اعتبار النذر في جواز عتق العبد الكافر، كما عن الشيخ الطوسي ره [4] .

[القول الأول: الجواز مطلقاً أو في النذر]

فبناءً على الجواز، إما مطلقاً أو في خصوص النذر، لو أعتق المسلم الذميَّ فلحق الذمي بدار الحرب وأسره المسلمون، جاز استرقاقه لعموم الأدلة، عموم أدلة أسر الكافر الحربي. هذا القول الأول.

[القول الثاني: عدم الجواز لتعلق الولاء]

القول الثاني: وقيل – والقائل الشيخ الطوسي في المبسوط – لا يجوز استرقاقه لتعلُّق ولاء المسلم به، ولاء العتق. ثم قال: "ولو قلنا يصح ويبطل ولاء المسلم كان قوياً"[5] .

[الترجيح الصحيح]

والصحيح هو القول الأول، إذ تشمله عمومات أسر الكافر الحربي. كما أن الشيخ الطوسي في المبسوط لم يفرض الفرض كما فرضه المحقق الحلي في شرائع الإسلام من كون عتق الذمي متعلَّق للنذر، إذ قد يُقال بعدم تعلق ولاء العتق بغير العتق التبرعي، فيصير المورد هذا مورد خاص ما يشمله ولاء العتق، يعني ولاء العتق لمن أعتق عبده تبرعاً لا بنحو اللزوم مثل ولاء النذر. هذا تمام الكلام لو أعتق المسلم الذمي.

[فرع: إذا كان المعتِق ذمياً]

فرع آخر: لو كان المُعتِق ذمياً وهرب الذمي المُعتَق إلى دار الحرب، وماذا؟ وأسره المسلمون، فالحكم هو استرقاقه إجماعاً، كما في التذكرة[6] [7] .

وحينئذ نتمسك بالعموم وبالإجماع. بخلاف الفرض الأول لو كان المُعتِق مسلماً يوجد خلاف. وأما الفرع الثاني لو كان المُعتِق ذمياً، هنا إجماع على تحقق الاسترقاق، خلافاً للشافعي في أحد وجهيه، إذ قال: لا يجوز لتعلُّق ولاء الذمي به. وهذا من الغرائب والعجائب[8] .

وردّ بأن سيده إذا التحق بدار الحرب جاز استرقاقه، فعبده أولى[9] . ومن هنا يتضح النظر في كلام الشافعي، والصحيح هو ماذا؟ جواز الاسترقاق. هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.

[المسألة الثانية: إسلام عبد الحربي في دار الحرب]

المسألة الثانية: إذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه بشرط أن يخرج قبل مولاه. والمراد بالخروج أن يسلم، وليس مجرد الالتحاق بجيش المسلمين، فالتعبير بالخروج هنا عبارة عن الخروج مسلماً إلى دار الإسلام.

[اشتراط الخروج قبل السيد]

ولو خرج العبد بعد سيده كان على رقّه، ومنهم من لم يشترط خروجه، والأول أصح وأشهر، أي اشتراط الخروج. ونسبه القاضي في المهذب البارع إلى الأكثر، يُراجع[10] . بل نُسب إلى المشهور كما في غاية المرام[11] .

وهو فتوى الشيخ الطوسي[12] ، والإسكافي على ما نُقل عنه العلامة الحلي[13] ، وابن إدريس الحلي[14] ، والعلامة الحلي في مختلف كتبه مثل[15] [16] .

وذهب إلى ذلك أنه إذا خرج بعد يصير حراً، وإذا لم يخرج يبقى على الرقية لمولاه: الشهيد الأول[17] ، والشهيد الثاني[18] ، والمحقق الكركي[19] ، وابن القطان[20] ، وابن فهد[21] .

قال صاحب الجواهر[22] رحمه الله: "بل لم نجد فيه خلافاً صريحاً". نعم، قال في محكي المبسوط بعد أن أفتى بما عليه المشهور: "وإن قلنا إنه يصير حراً على كل حال كان قوياً"[23] . ولعله لعموم نفي السبيل، قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾[24] ، وعموم "الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه"[25] ، فيُتمسك بهذين العمومين لإثبات حرية العبد سواء خرج قبل مولاه أو بعده.

والصحيح هو التفصيل: فإن خرج قبل سيده حُكم بإسلامه وحريته، وإن خرج بعد سيده فهو باقٍ على الرقية. ويدل على ذلك بعض الروايات، منها خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام إن النبي صلى الله عليه وآله حين حاصر أهل الطائف قال: "أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر، وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد"[26] .

وهذا الخبر قد يكون قوياً من ناحية السند، ولو قلنا بضعفه أمكن جبره بعمل الأصحاب. كما أنه مؤيَّد ومعتضَد بأخبار العامة، منها المروي من طرق العامة: " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ قَضِيَّتَيْنِ؛ قَضَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ سَيِّدِهِ أَنَّهُ حُرٌّ، فَإِنْ خَرَجَ سَيِّدُهُ بَعْدُ، لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَضَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْعَبْدِ ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ، رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ ".

من قوله هنا "رُدّ على سيده" يُعرف أن ويُفهم أن السيد أسلم، خرج يعني أسلم، وإلا كيف يصيرون اثنين إذا ما أسلم السيد يصير السيد عبد، وأيضاً العبد ماله عبد للمسلمين. فهنا واضح المراد بالخروج ماذا؟ الإسلام، يُراجع[27] .

وجاء في حديث آخر من طرق العامة: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتِقُ الْعَبِيدَ إذَا جَاءُوا قَبْلَ مَوَالِيهمْ "[28] .

ولا بد من تحقيق المسألة.

أقول: الأصل في المسألة هو أصالة بقاء الملك والسلطنة، ولا يُخرج عن هذا الأصل إلا بالقدر المتيقن الذي دل الدليل عليه. فإذا جئنا إلى مورد بحثنا فالعبد باقٍ على ملكية وسلطنة سيده، هذا هو مقتضى الأصل. ودل الدليل الخاص على التفصيل من أن العبد إن خرج وأسلم قبل سيده فهو حر، وإن لم يخرج قبل سيده وخرج سيده وأسلم فالعبد باقٍ على ملكية سيده.

وإذا راجعنا النصوص والفتاوى سنجد المفروغية من حرية العبد مع فرض خروجه قبل سيده، نصاً وفتوىً، بل عن المختلف الإجماع عليه، يُراجع[29] .

وقال الشهيد الثاني في المسالك بعد أن وافق المشهور، قال: "للخبر، ولأن إسلام العبد لا ينافي ملك الكافر له، غايته أنه يُجبر على بيعه، وإنما يملك نفسه بالقهر لسيده، ولا يتحقق إلا بالخروج إلينا قبله. ولو أسلم بعده لم يملك نفسه وإن خرج إلينا قبله مع احتماله لإطلاق الخبر"[30] .

وناقشه صاحب الجواهر، ونظر إلى هذا إلى قول الشهيد الثاني: "ولو أسلم بعده لم يملك نفسه وإن خرج إلينا قبله"[31] ، ناقشه بحق صاحب الجواهر قائلاً: "قلت: لا يخفى عليك كون المراد من الخروج إلينا في الخبر أنه أسلم خارجاً إلينا، ولذا قال المصنف – يعني صاحب الشرائع – ولو أسلم في دار الحرب – يعني خرج مسلماً من دار الحرب – على أن الحكم مخالف لأصالة بقاء الملك والسلطنة، فالمتجه الاقتصار فيه على المتيقن، وليس هو إلا من أسلم وخرج إلى المسلمين قبل مولاه، أما غيره فيبقى على مقتضى الأصل المزبور"[32] .

[حكم الأمة]

ومنه يُعلم حكم الأَمَة. الرواية خاصة بالعبد، العبد إذا خرج.

لو خرجت الأمة وأسلمت هل يشملها الحكم؟ نقول: أولاً، هذا خلاف الأصل، الأصل بقاء السلطنة والملكية. ثانياً، لم يدل الدليل الخاص على خروج الأَمة، فنقتصر على ما خالف الأصل على القدر المتيقن، والقدر المتيقن هو خروج خصوص العبد ولا يشمل الأمة، والله العالم.

أحكام الغنيمة – يأتي عليها الكلام.

 


[4] . النهاية، الشيخ الطوسي، ج3، ص116.
[20] معالم الدين، ابن القطان، ج1، ص292.
logo