« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

47/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (مائة وأربعة عشر): حكم سبي طفل الحربي مع أحد والدين

الموضوع: الدرس (مائة وأربعة عشر): حكم سبي طفل الحربي مع أحد والدين

[مقدمة المسألة]

حكم سبي طفل الحربي مع أحد والديه دون الآخر:

لا خلاف بين الأصحاب في بقاء طفل الكافر الحربي على حكم الكفر إذا أُسر مع أحد والديه، بل في الرياض هو بحكم الكافر قولاً واحداً منا[1] . ونفى الخلاف في الحكم صاحب الجواهر[2] ، والمقدس الأردبيلي[3] .

[مناقشة الشهيد الثاني]

لكن الشهيد الثاني في مسالك الأفهام بعد أن نسب البقاء على حكم الكفر إلى صريح كلام الشيخ الطوسي قال: "مع احتمال العدم على مذهبه لما تقدم من أن الحكم بكفره في الخبر أي خبر الفطرة معلق على الأبوين (وفي نسخة المسالك ورد لفظ (شيئين) بدل (الأبوين)) فلا يثبت مع أحدهما، إلا أن دلالة المفهوم ضعيفة"[4] .

ويرد عليه أنه يمكن أن يُستظهر أن المراد كل منهما لا مجموعهما، فالطفل يلحق بأبويه يعني بأحد أبويه وليس بمجموع أبويه.

[رأي الشيخ الطوسي]

ولو مات الأبوان بعد سبيهما معاً، أي أنه سُبي الأب والأم مع الطفل الصغير ومات الأبوان الكافران الحربيان ولم يُسلما، فهل يلحق الطفل بأبويه الكافرين أم بالسابي المسلم؟

مقتضى دليل الشيخ الطوسي تبعيته للسابي إذ مضى في الصورة الأولى، أنه إذا سُبي الطفل منفرداً عن أبويه الكافرين، وقال الشيخ الطوسي هناك في المبسوط[5] بأن الطفل يلحق بالسابي المسلم، وقد استدل بعدة أدلة هنا منها قوله صلى الله عليه وآله:

" ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه "[6] .

إذاً مقتضى دليل الشيخ الطوسي هناك أن يُحكم على الطفل الذي مات أبواه بعد سبيهما بأنه تابع للسابي، لكن الشيخ الطوسي في هذا الفرع الذي نحن فيه وهو إذا سُبي الطفل مع أحد أبويه وافق على عدم الحكم بإسلامه محتجاً بأنه مولود من كافرين فإذا مات أو مات أحدهما لم يُحكم بإسلامه كما لو كان في دار الحرب، وبأنه كافرٌ أصلي فلا يُحكم بإسلامه بموت أبويه كالبالغ، يُراجع[7] .

وذكر هذا الكلام العلامة الحلي وقرره للشيخ الطوسي بنفس اللفظ[8] ، وكذلك الشهيد الثاني[9] .

[ردّ صاحب الجواهر]

وقد ناقشه صاحب الجواهر[10] بحق قائلاً:

"ولا يخفى عليك جريان هذا بعينه فيما لو انفرد عنهما ولا فرق في شمول الخبر المزبور لهما"

أي أن هذه الضابطة التي ذكرها الشيخ الطوسي من أن هذا مولود من كافرين وإذا مات أو مات أحدهما لم يُحكم بإسلامه، وبأنه كافر أصلي فلا يُحكم بإسلامه بموت أبويه، هذه الضابطة كما تنطبق على مورد بحثنا الذي سبي مع أحد أبويه دون الآخر تنطبق أيضاً على المورد السابق وهو الكافر الذي سُبي منفرداً، الطفل الذي سُبي منفرداً عن كلا أبويه، وما يُستدل به هناك من الخبر "كل مولود يولد على الفطرة" يمكن الاستدلال به أيضاً هنا.

النتيجة النهائية: الصحيح أن الطفل الذي يُسبى مع أحد أبويه يتبع الكافر ويُحكم بنجاسته ولا يلحق بالسابي المسلم، تشمله ما دل على تبعية الطفل لأبويه، فإذا كانا كافرين أُلحق بهما حتى لو سُبي مع أحدهما دون الآخر.

إذاً هناك قولان:

القول الأول: هذا الطفل الذي سُبي مع أحد والديه يلحق بالسابي المسلم.

القول الثاني: يلحق بالكفار، ونحن نرى القول الثاني. على كلا القولين تتفرع فروع.

[الفروع الفقهية المترتبة على القولين]

يتفرع على القولين التغسيل والتكفين والصلاة عليه إن بلغ ست سنوات، فبناءً على القول الأول يجرى عليه حكم المسلم، فعلى القول بتبعيته للسابي المسلم لا بد من إجراء أحكام الإسلام عليه فيُغسل ويُكفن ويُصلى عليه إن بلغ ستاً، بخلافه على القول الآخر وهو عدم إلحاقه بالسابي المسلم وإلحاقه بأبويه الكافرين فإنه لا يُغسل ولا يُكفن ولا يُصلى عليه بل يُحكم بنجاسته حتى لو قلنا بطهارة مُلاقيه.

وأما إذا بلغ فما هو حكمه؟ فعلى القول الأول وهو إلحاقه بالسابي المسلم يُحكم بإسلامه وإن لم يُسمع منه الإسلام والاعتراف به فحاله حال ولد المسلم، بخلافه على القول الثاني وهو عدم الإلحاق بالسابي المسلم وإلحاقه بالكافر فإنه يُحكم بكفره.

وبناءً على هذا القول الثاني عدم الحكم بإسلامه والحكم بكفره لا يُحكم بطهارته قبل البلوغ وبعد البلوغ حتى يصف الإسلام بعد بلوغه وإن قلنا بطهارته قبل البلوغ، لكن يحتمل استصحاب هذه الطهارة إلى ما بعد البلوغ ما لم يُعلم عدم الإسلام منه.

ولنقرأ كلمات الأعلام وفي ختامها نذكر الصحيح:

قال في المسالك: ويظهر منه من صاحب المسالك الجزم بعدم الحكم بطهارته بعد البلوغ إلا أن يُظهر الإسلام كغيره من أولاد الكفار، قال صاحب المسالك ما نصه:

" فينبغي لمن ابتلي بذلك أن يعلّمه ما يتحقّق معه الإسلام قبل البلوغ، ويستنطقه به عند تحقق البلوغ، ليتّصل الحكم بالطهارة"[11] .

ثم قال الشهيد الثاني في المسالك:

"ولو اشتبه سنه وبلوغه بُني على أصالة العدم فيُستصحب الطهارة على القول الثاني على حسب ترتيب صاحب المسالك إلا أن يُعلم، وينبغي مراعاته عند ظهور الأمارات المفيدة للظن بالاختبار لعانته وتكرار الإقرار بالشهادتين في مختلف الأوقات"[12] .

أقول: يظهر من الأدلة أن الطفل يتبع أشرف الأبوين، فإن كان أحدهما مسلماً حُكم بطهارته، وإن كان كل منهما كافراً حُكم بكفره وترتبت على الطفل أحكام الكافر من النجاسة وعدم جواز العقد عليه وغير ذلك من أحكام الإسلام، فلا يُحكم بإسلام طفل الكافرين حتى يُسمع منه الاعتراف بالإسلام والإقرار بالشهادتين.

وإذا شككنا هل تحقق منه الإسلام أو لا؟ يمكن استصحاب بقاء الكفر والنجاسة فلا يُحكم بإسلامه ولا يُحكم بطهارته، ولم يدل الدليل على أنه يتبع السابي المسلم ولا دخل لسبيه مع كلا أبويه أو منفرداً عن كليهما أو مسبياً مع أحدهما، بل دل الدليل على أن الطفل تابع لأشرف أبويه.

بناءً على ذلك الصحيح في الصور الثلاث أن طفل الكافر تابع لأبويه الكافرين مطلقاً سواء سُبي مع كليهما أو مع أحدهما أو منفرداً عنهما، والله العالم.

الآن نتكلم عن فروع فقهية بناءً على القول الأول وهو التبعية للسابي المسلم، وبناءً على القول الثاني وهو التبعية لأبويه الكافرين:

[الفرع الأول: حكم البيع]

الفرع الأول: لا يجوز بيع الطفل المسبي لغير المسلم بناءً على القول الأول، إذ هو ملحق بالسابي المسلم، والسر في ذلك: قاعدة نفي السبيل﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾[13] ، فكيف يُباع الطفل الذي هو بحكم المسلم للكافر غير المسلم؟ لكن بناءً على القول الثاني يجوز بيعه لغير المسلم، إذ أن حكم الطفل المسبي حكم الكافر فيجوز بيعه للكافر.

ولو راجعنا المسالك[14] نجد أنه ربما احتُمل العدم لتشبثه بالإسلام واتصافه منه ببعض الأحكام بخلاف الكافر المحض ومن هو بحكمه، لكن الصحيح ما ذكرناه من أن حكمه حكم الكافر فهو تابع لأبويه.

ولا بد من بيان أحوط الأقوال بعد بيان الصحيح منها، ومن الواضح أن القول بتبعية طفل الحربي للسابي المسلم في خصوص الطهارة ليس هو أحوط القولين، بل الحكم بإسلامه أحوط في الأمر الأول والأخير هكذا في المسالك، ومن الواضح ضعف هذا الكلام، الصحيح هو ماذا؟ أنه حكمه حكم ماذا؟ حكم الكافر، ومقتضى الاحتياط أنه نجس وترتيب آثار النجاسة، هذا هو مقتضى الاحتياط.

[الفرع الثاني: حكم الإرث مع وجود وارث مسلم]

الفرع الثاني: لو مات قريبه المسلم وله وارث مسلم، فعلى القول الأول يشاركه إن كان في درجته ويختص بالإرث إن كان أقرب لأنه مسلم، وعلى الثاني لا يكون له إرث لأنه كافر ويكون الإرث للمسلم الآخر خاصة.

[الفرع الثالث: حكم الإرث عند إسلام الطفل قبل القسمة]

الفرع الثالث: لو فُرض أن طفل الكافر الحربي بلغ قبل قسمة الإرث وأسلم قبل أن توزع التركة مع تعدد الوراث، فعلى القول الأول وهو الإلحاق بالسابي المسلم شاركهم في الإرث لتحقق الموضوع وهو أنه وارث مسلم، وعلى القول الثاني اختص البقية المسلمون بالإرث دونه إذ هو بحكم الكافر.

[الفرع الرابع: حكم الإرث إذا لم يكن وارث غيره]

الفرع الرابع: لو لم يكن لقريبه الميت وارث سواه فإنه يرث قريبه بناءً على القول الأول وهو الإلحاق بالسابي المسلم، وبناءً على القول الثاني وهو التبعية للكافر لا يرث شيئاً ويكون المال للإمام عليه السلام، إذ أن الإمام وارث من لا وارث له.

[أحكام النكاح والعقد]

وهكذا أحكام كثيرة، مثلاً جواز العقد عقد النكاح أو كانت سبية مثلاً هل يجوز العقد عليها أو لا؟ بناءً على القول الأول يجوز للمسلم أن يعقد عليها، وبناءً على القول الثاني لا يجوز للمسلم أن يعقد عليها إذ حكمها حكم الكافر الحربي المشرك ولا يجوز النكاح الدائم بالمشركة.

هذا تمام الكلام في هذا الفرع.

[فرع آخر: انفساخ النكاح بالأسر]

فرع آخر، مسألة مهمة: انفساخ النكاح وعدمه بالأسر، يأتي عليه الكلام.

 


logo