47/05/03
الدرس (مائة واثنا عشر): حكم الطفل المسبي في الإسلام والكفر
الموضوع: الدرس (مائة واثنا عشر): حكم الطفل المسبي في الإسلام والكفر
[تمهيد: حكم الطفل المسبي في الإسلام والكفر]
[الفرع الأول: الطفل المسبي مع أبويه أو أحدهما]
لو أُسر الطفل ذكراً كان أو أنثى فهو تابعٌ لأبويه في الحكم عليه بالإسلام أو الكفر، وما يتبعهما من الأحكام كالطهارة والنجاسة وجواز العقد وغير ذلك.
[الإجماع على التبعية]
قال المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: بلا خلاف أجده فيه، وهكذا قال صاحب الجواهر، يُراجع[1] [2] .
بل نقل السيد علي الطباطبائي الإجماع على الإلحاق، يُراجع[3] .
بل قال صاحب الجواهر رحمه الله: بل الإجماع بقسميه عليه، أي الإجماع المنقول والإجماع المحصَّل، فيمكن أن يُستدل على الإلحاق بالإجماع أولاً.
[الأدلة الروائية على التبعية]
وثانياً: يمكن القطع بهذا الحكم من السُّنة، فقد جاء في الصحيح ما نصه: عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ يَمُوتُونَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ قَالَ كُفَّارٌ. يُراجع[4] .
في اللغة: غلام لم يدرك الحِنث أي لم يجرِ عليه القلم، يُراجع[5] .
وفي الخبر: أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ وَ أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ [6] . وفي المرسل: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ وَ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ يَلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ [7] .
[التفريق بين الحكم الدنيوي والمصير الأخروي]
وبهذا المرسل يمكن تفسير الخبر السابق، إذ ذكر الخبر السابق أن أولاد المشركين مع آبائهم في النار مع أن الطفل غير مكلف، فكيف يكون في النار؟ لكن المرسل خصص الأطفال، قال: أطفال المؤمنين يُلحقون بآبائهم، فيُحمل الأولاد في الخبر السابق على البالغين دون الأطفال، فيُفرَّق بين الولد البالغ - هذا يُلحق بأبيه – بعد هذا من الكفار، والولد غير البالغ الطفل. ففرق بين الإلحاق في الحكم وبين دخول النار، إذ من الواضح أن الطفل قد رُفع عنه القلم وليس بمكلف، وبالتالي لا يُراد بقوله: "أولاد المشركين مع آبائهم في النار" الأطفال، ولو حُمل على الطفل فإنه يُحمل على الإلحاق في الحكم لا على المصير في الآخرة، والأمر سهل.
[الاستدلال بالقرآن الكريم]
وقد يُضاف إلى الاستدلال بالإجماع والروايات الاستدلال بكتاب الله كقوله تعالى: ﴿وَأَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾[8] .
[الأدلة العملية: الزكاة والعقد والصلاة]
مضافاً إلى ذلك الدليل الأخير ولعله من أقوى الأدلة، وهو ما دلَّ في مواضع متفرقة على جواز شيء مع الأطفال مع أن هذا الشيء يُشترط فيه الإسلام، كجواز إعطاء أطفال المؤمنين من الزكاة والكفارات، وجواز العقد عليهم، مع أن الزكاة - مورد الزكاة - والكفارة وعقد النكاح مورده المسلم دون الكافر، فكيف جاز إعطاء الزكاة والكفارة والعقد على طفل المسلم؟ فهذا يدل على أنه مُلحق بأبويه، وهكذا جواز تغسيل أطفال المسلمين والصلاة عليهم وغير ذلك من الأحكام الكثيرة التي يُشترط فيها الإسلام.
إذاً الطفل المسبي حكمه حكم أبويه المسبيين معه، فإن أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد، قال صاحب الجواهر[9] : بلا خلاف أجده فيه، يعني يمكن دعوى الإجماع عليه كما اعترف به بعضهم، كحالهم قبل السَّبي. ومِمَّن قال بذلك الصَّيمَري السلمابادي البحراني[10] ، وظاهر المقدس الأردبيلي[11] .
[الرواية عن حفص بن غياث: التفريق بين الكبير والصغير]
روى حفص بن غياث - وحفص بن غياث من العامة - لكن يقول الشيخ الطوسي: أجمعت الطائفة كما في كتاب العُدة للشيخ الطوسي على قبول روايات بعض العامة كحفص بن غياث. قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك؟ فقال: إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار، وهم أحرار، وولده ومتاعه ورقيقه له. فأما الولد الكبار - لاحظ هذه الرواية فرَّقت بين الولد الكبير والولد الصغير، يعني الولد كما يُطلق على الكبير يُطلق على الصغير - فأما الولد الكبار فهم فيء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك قبل أن يُؤسَروا. فأما الدور والأرضون فهي فيء، فلا يكون له لأن الأرض هي أرض جزية لم يجرِ فيها حكم الإسلام، وليس بمنزلة ما ذكرناه لأن ذلك يمكن احتيازه وإخراجه إلى دار الإسلام[12] .
[قاعدة الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه]
مضافاً إلى قاعدة: الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وهي وردت في الروايات، يُراجع[13] . وهذه الرواية مروية عند العامة والخاصة، عند العامة[14] . كما أنه في كتاب...
[ما يصير... إذا هو أسلم، هذا كافر وأسلم، إذا أسلم ابنه يلحق به صحيح؟ إذا قلنا أن ابنه لا يلحق به والحال هو هكذا قد هو حكمه الإسلام، إذا حكمه الإسلام بعد ما يصير رِقّ، ما يصير رقيق...]
هنا قد يُقال هكذا: أنه إن قُلت أن حكمه حكم الكفر وليس بمسلم فإنه يكون فيئاً ويكون عبداً، فهناك يدٌ تعلو عليه، بخلاف ما إذا قُلت بإسلامه فإنه عالٍ ولا تعلو يدٌ عليه.
[الطالب:] حتى ولو كانت يد مسلم.
حتى لو كانت - يعني بحسب هذا الاستدلال وإلا قد يُقال هذا أول الكلام: ثبِّت العرش ثم النقش، ثبِّت الإسلام - لأنه هو أول الكلام أن هذا الولد حكمه حكم الإسلام، يعني أولاً نقح الموضوع ثم ثبِّت الحكم، قد يُناقَش بهذه المناقشة.
[الاستدلال بالأولوية: الحرية والإسلام]
إذاً الأمر سهل الأدلة كثيرة من أهمها التمسك بالأولوية، إذ أن الولد يلحق بأشرف أبويه في الحرية، فابن القنّ والعبد لو تحرر أحد أبويه فإنه يتشبث بالحرية، فالولد يلحق بأشرف أبويه في الحرية، ففي الإسلام أولى. إذاً ابن الكافرين إذا أسلم أحدهما فهو مسلم، وإن سُبي مع خصوص الكافر منهما مع فرض إسلام الآخر من أبويه ولو في دار الحرب.
هذا تمام الكلام فيما لو سُبي الطفل مع أحد أبويه، إما معهما معاً أو مع واحد منهما.
[الفرع الثاني: الطفل المسبي منفرداً عن أبويه]
فرع ثاني: لو سُبي الطفل منفرداً عن أبويه الكافرين
يوجد قولان:
القول الأول: يتبع السابي في الإسلام فيلحق بالمسلم الذي سباه، وقد عبَّر صاحب الشرائع عن هذا القول بالقيل ولعله للتمريض والتضعيف. والقائل بهذا القول: الإسكافي كما نقل عنه العلامة[15] ، والشيخ الطوسي[16] ، والقاضي ابن البراج[17] ، واختاره الشهيد الأول[18] . وهذا القول هو المحكي عن المخالفين أجمع، يعني لعله هناك إجماع من العامة عليه، يُراجع[19] [20] .
هذا تمام الكلام في عرض الأقوال.
[الأدلة على القول الأول: التبعية والانقطاع]
وقد ذُكرت بعض الأدلة التي لا تدل على هذا المدعى، فلم يثبت عندنا أن المَسبِيّ المنفرد من أطفال الكفار يلحق بالسابي المسلم، فلنرجع إلى الأدلة التي ذُكرت في وجه الإلحاق.
الوجه الأول: إن الدين في الأطفال يثبت تبعاً، وقد انقطعت تبعيته لأبويه بانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما ومصيره إلى دار الإسلام تبعاً لسابيه المسلم، فكان تبعاً له في الدين.
[مناقشة هذه الأدلة ونقضها]
وفيه: لا دليل على انقطاع تبعية الولد لأبويه، فلا يوجد دليل يدل على أن الولد بانقطاعه عن أبويه وخروجه عن بلدهما تنقطع تبعيته لهما.
الوجه الثاني: التمسك بقوله عليه السلام: "كل مولودٍ يُولد على الفطرة، وإنما أبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه"[21] [22] ، فهذا مروي عند السُّنة والشيعة، فيُحمل هذا الحديث على أن الأبوين ما داما معه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه، فإذا انقطع عنهما وزالت المعية انتفى المُقتضي لكفره فيرجع إلى الفطرة.
وفيه: إن هذا الخبر ظاهر في إرادة أن المولود لو خُلِّي ونفسه لاختار الإسلام عند بلوغه بمُقتضى فطرته، ولكن أبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه بتلقينهما ذلك إياه على وجه يختارهما عند البلوغ لمكان تعليمهما، وإلا لو كان المراد أن المولود وِلادته على الإسلام - يعني محكوم بإسلامه - لولا تبعيته لأبويه لانحصر المرتد في خصوص المرتد الفطري بعد لا يصح القول بذلك عندنا قسم ثاني: المرتد المِلِّي.
والخلاصة: ظاهر الرواية في بيان أصل الخِلقة والفطرة وليست في بيان الحكم، ظاهر الرواية أن المولود على الفطرة الأصلية الإسلام، وليست في بيان أن حكمه هو الإسلام.
الوجه الثالث: قد يُقال باعتضاد هذين الوجهين بقاعدة نفي الحرج: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[23] ، والمراد بالحرج المشقة الشديدة، فهذا دليل من أدلة الأحكام الثانوية، قاعدة: لا ضرر وقاعدة: لا حرج - مثلاً - هذا الوضوء إذا يوجب الضرر أو يوجب المشقة الشديدة، ومريض إذا يتوضأ يتضرر أو ما يتضرر يصير عليه مشقة شديدة - حرج - قاعدة لا حرج تنفي وجوب الوضوء، ينتقل إلى التيمم. هنا يُقال: هذا الطفل إذا صار في مجتمع المسلمين كلهم مسلمين بس هو كافر يترتب عليه مشقة ويقع في الحرج الشديد، فيُنفى الحكم بقاعدة لا حرج.
وفيه: يمكن منع تحقق موضوع الحرج، مثال ذلك سَبْي النساء واستئجار الكافرين ونحو ذلك مما يمكن الانتفاع به وهو على نجاسته. طبعاً هنا المراد بالحرج والمشقة الشديدة ليس على الطفل، على المسلمين. كيف يتعاملون مع هذا الولد وهو نجس؟ لأن حكمه حكم الكفار. وإلا قاعدة لا حرج ليس بلحاظ نفس الطفل لأنه غير مكلف، يعني وقوع المسلمين في حرج ومشقة شديدة في التعامل مع هذا الطفل الذي في مجتمع الإسلام وحكمه حكم الكفار.
يُنقض على ذلك أيضاً: توجد نساء كافرات تُسبى وتبقى على كفرها ويستفاد من...، ويملكها المسلم يملكها وهي كافرة وهي نجسة ولا يوجد حرج ومشقة في أن تخدمه وهي أَمَتُه، وكذا إذا استأجر الكافر الذي حُكم بنجاسته.
[النتيجة: عدم ثبوت التبعية للسابي]
من هنا صرَّح غير واحد من الأعلام بعدم التبعية في الإسلام، كالمحقق الكركي[24] ، والصَّيمَري[25] ، وابن القطان[26] . والأصل عدم الإسلام، ثبوت الإسلام يحتاج إلى دليل، وإطلاق التبعية عليه وأنه يتبع سابيه المسلم وأن تبعيته لوالديه الكافرين قد انقطعت بانقطاعه عنهما لا دليل على ذلك، ولا دليل على انتقال التبعية من أبويه إلى السابي المسلم.
هذا تمام الكلام في هذا الفرع: لو سُبي الطفل منفرداً.
تتمة الحديث تأتي.