47/04/27
الدرس (مائة وعشرة): لو عجز الأسير الحربي عن المشي
الموضوع: الدرس (مائة وعشرة): لو عجز الأسير الحربي عن المشي
[تمهيد: حكم الأسير الحربي العاجز عن المشي]
[الرواية الأساس: خبر الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام]
لو عجز الأسير الحربي عن المشي قلنا إنه يُترك ولا يُقتل، والأصل فيه قول علي بن الحسين عليه السلام في خبر الزهري: " إِذَا أَخَذْتَ أَسِيراً فَعَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ وَ لَيْسَ مَعَكَ مَحْمِلٌ فَأَرْسِلْهُ وَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ الْإِمَامِ فِيهِ "[1] .
[مناقشة ضعف الخبر وجبره بعمل الأصحاب]
[المؤيدات:]
إن قيل أن هذا حديث ضعيف فإنه يُقال إنه ينجبر بعمل الأصحاب بناءً على كبرى الجابرية، وقد يُؤيَّد هذا الحكم بروايتين، وقلنا يُؤيَّد لأن مورد الروايتين هو العبد المشرك بخلاف مورد خبر الزهري وهو نفس الموضوع الذي نحن فيه الأسير الحربي.
المؤيد الأول: خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر كما في قرب الإسناد للحميري، قال علي بن جعفر: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْداً مُشْرِكاً وَ هُوَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ، فَقَالَ الْعَبْدُ: لَا أَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ، وَ خَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَلْحَقَ الْعَبْدُ بِالْعَدُوِّ، أَ يَحِلُّ قَتْلُهُ؟ قَالَ: «إِذَا خَافَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْقَوْمِ [يَعْنِي الْعَدُوَّ] حَلَّ قَتْلُهُ» [2] .
المؤيد الثاني: مثل هذا الخبر المروي عن كتاب مسائل علي بن جعفر حيث سأل أخاه موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام إلا أنه قال: إذا خاف أن يلحق القوم - يعني العدو - حلَّ قتله[3] [4] .
بل لعل المفروض في المسألة أولى بالقتل لكونه غير مال، إذ أن العبد الوارد في الروايتين المؤيدتين له مالية ويجوز قتله، بينما الحربي الذي يُؤسَر بعد المعركة لا مالية له فقد يُقال بجواز قتله من باب أولى إذ لا مالية له.
لكن ذكر الشهيد الأول في الدروس ونسب الأمر بإطلاق سراح الأسير الحربي إلى النهاية بعد أن حكم بعدم حل قتله، وكأنه مشعر بتردده في الحكم، فمع خبر الزهري المؤيَّد بخبري علي بن جعفر لا معنى للتردد.
نعم، نحن مورد بحثنا: الأسير إذا عجز عن المشي لا يحل قتله، ومورد الروايتين: رجل اشترى عبداً مشركاً وهو في أرض الشرك فقال العبد لا أستطيع المشي وخاف المسلمون أن يلحق العبد بالعدو، أيحل قتله؟ قال: إذا خافوا فاقتله. فهنا لم تدل الرواية على حل القتل مطلقاً بل دلت على جواز القتل مشروطاً. أما في الرواية الأولى فقيَّدته بالخوف، وأما الرواية الثانية فقيَّدته إذا خِيف أن يلحقهم العدو.
ومورد بحثنا هو ماذا؟ إذا لم يمشِ لم يستطع المشي.
ففي الروايتين لا يجوز القتل مطلقاً بل يجوز القتل في حالة مخصوصة وبشرط مخافة أن يلحق بالعدو - يعني العبد بالعدو - أو أن العدو يلحقهم كما في الرواية الثانية. فجواز القتل بهذين القيدين: إما العبد يلتحق بالعدو أو أن العدو يلحق بهم. هذا ما تدل على جواز قتله مطلقاً. فهنا نستدل بالمفهوم لا بالمنطوق، واضح إن شاء الله؟
يصير تأييد بالمفهوم، يعني منطوقها: يجوز قتل العبد إذا خِيف أن يلحق بالعدو أو يلحق العدو بنا، هذا المنطوق. المفهوم: لا يجوز قتله إذا لم يُخَف ذلك، فيصير المفهوم موافق ومؤيد لخبر الزهري.
[تحقيق الجمع بين عموم قتل المشركين وحكم الأسير للإمام]
قد يُقال بعدم وجوب القتل بالنسبة له، وأن عدم الوجوب مقتضى الجمع بين أمرين:
الأول: عموم ما دل على الأمر بقتل المشركين حيث وجدتموهم، وهذا يقتضي القتل.
الثاني: ما دل على أن حكم الأسير للإمام عليه السلام، فيصير مقتضى الجمع عدم جواز قتله إلى أن يُسلَّم إلى الإمام عليه السلام.
لكن التحقيق هو التمسك بمفاد خبر الزهري المنجبر بعمل الأصحاب، فلا يجوز قتله لهذا الدليل لا لمقتضى الجمع.
[التفصيل بين الأسير أثناء المعركة وبعدها]
ومن هنا يتضح أن الأسير الذي يُؤسَر في أثناء المعركة لا يبعد جواز قتله وإن كان عاجزاً عن المشي لكونه متعين القتل، بينما الأسير الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة وقد عجز عن المشي لا يجوز سحبه سحباً يوجب هلاكه وموته، إذ أن حكمه هو التخيير بين منّ الإمام أو الفداء أو الاسترقاق، فلا يجوز سحب الأسير الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة بعنوان الإتيان به إلى الإمام بحيث يُسحَب سحباً يؤدي إلى قتله، هذا لا يجوز.
هذا تمام الكلام في حكم الأسير في أثناء المعركة أو بعد المعركة.
[حكم قتل الأسير بغير إذن الإمام: دمه هدر]
لكن لو بادر مسلمٌ أو كافرٌ فقتله كان دمه هدراً، سواء كان الأسير من الفرد الأول الذي حكمه القتل وهو الذي يُؤسَر في أثناء المعركة، أو من الصنف الثاني الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة الذي حكمه التخيير.
والوجه في ذلك أن الأسير الحربي لا حرمة له.
قال صاحب الجواهر[5] : "فلو بدر مسلم أو كافر فقتله - أي الأسير بفرديه - كان هدراً بلا خلاف أجده فيه بيننا لعدم احترامه، فلا يترتب عليه دية ولا كفارة".
وممن قال بذلك: الشيخ الطوسي[6] ، العلامة[7] ، المحقق الكركي[8] ، الشهيد الثاني[9] .
[إشكال ضمان الفدية أو الرق والجواب عنه]
إشكال: الأسير من الصنف الثاني الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة يُخيَّر فيه الإمام بين المن والفداء أو الاسترقاق، فلو بادر مسلم أو كافر فقتله فلعل الإمام كان سيسترقه أو سيطالب بفدية له، وهذه غنيمة هذا الرق أو مال الفدية غنيمة، فكيف لا يُطالَب القاتل بدية أو كفارة أو ضمان؟
الجواب: هذا مجرد احتمال، ومجرد احتمال استرقاق الإمام للأسير أو مفاداته على وجه يكون غنيمة، لا يوجب ضمانه قبل ذلك، هذا إثبات ما لم يجب، فلا يثبت.
نعم، حرمة تكليفية أثر ما يترتب، أحسنتم، وإذا كان جاهلاً ما يترتب عليه إثم أيضاً، لأن الإثم فرع العمد، لو كان عالماً وعمداً قتله هنا يترتب عليه الإثم، لكن لو كان جاهلاً بحرمة قتل الأسير وقتله ما يترتب عليه إثم.
[الطالب:] ضيَّع على الإمام التخيير بقتله له.
هذا غير معلوم، كيف يعني؟! أصل التخيير ثابتٌ.
وانتفى الموضوع فلا يثبت التخيير سالبة بانتفاء الموضوع، وكلامنا لو كان الموضوع موجوداً فالإمام مخيَّر، فإذا انتفى الموضوع انتفى التخيير.
[وجوب إطعام الأسير وسقيه]
يجب أن يُطعَم الأسير ويُسقى وإن أُريد قتله في ذلك الوقت الذي يحتاج فيه إلى الإطعام، كما صرح به غير واحد كالشيخ الطوسي[10] ، وابن إدريس الحلي[11] ، والعلامة الحلي[12] ، والشهيد[13] .
بل نُسب وجوب إطعام الأسير إلى ظاهر الأصحاب، بل نفي الخلاف عنه عدا شاذ من المتأخرين، يعني هذا بمثابة الإجماع الذي لا يقدح فيه مخالفة شاذ من المتأخرين كما في الرياض[14] .
[الأدلة الروائية على وجوب الإطعام]
ويمكن أن يُستدَل على وجوب إطعام الأسير بأخبار:
الخبر الأول: صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ﴾[15] إلى آخر الآية. قال: "هو الأسير"، وقال: "الأسير يُطعَم وإن كان يُقدَّم للقتل"، وقال: "إن عليّاً عليه السلام كان يُطعِم مَن خُلِّد في السجن من بيت المال"[16] .
الخبر الثاني: خبر مسعدة بن زياد المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام، قال علي عليه السلام: " إِطْعَامُ الْأَسِيرِ وَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَ إِنْ قَتَلْتَهُ مِنَ الْغَدِ "[17] .
الخبر الثالث: صحيحة زرارة - وقد يُقال حسنة زرارة لأن فيها إبراهيم بن هاشم القمي والد علي بن إبراهيم، ونحن نرى أن الرواية صحيحة وفاقاً لسيدنا الأستاذ السيد موسى الشبيري الزنجاني، نرى أن إبراهيم بن هاشم ليس مجرد إمامي ممدوح بل ثبتت وثاقته إحدى طرق الوثاقة: إكثار الجليل عنه ابنه جليل علي بن إبراهيم القمي، يكفي إكثار ابنه عنه، وأمور أخرى بحثناها في الرجال.
التمسك بصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إِطْعَامُ الْأَسِيرِ حَقٌّ عَلَى مَنْ أَسَرَهُ وَ إِنْ كَانَ يُرَادُ مِنَ الْغَدِ قَتْلُهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَمَ وَ يُسْقَى وَ [يُظَلَ] وَ يُرْفَقَ بِهِ كَافِراً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ "[18] .
ومثل صحيحة زرارة خبر منصور بن حازم وجراح المدائني وسليمان بن خالد، فالمجموع ستة أحاديث تُراجَع[19] .
[رأي صاحب الجواهر في إطعام الأسير]
قال صاحب الجواهر[20] : "ولكن الإنصاف انسياق الندب من النصوص المزبورة بملاحظة بعض القرائن فيها سيما خبر أبي بصير المشتمل على تفسير الآية المساقة للمدح، مضافاً إلى معلومية عدم احترام نفس المشرك الذي هو شر الدواب المؤذية بل طُلب إتلافها. نعم، قد يُقال بإطعامه لبقاء حياته حتى يصل إلى الإمام عليه السلام، والله العالم".
[مناقشة الرأي: وجوب الإطعام لا ندبه]
أقول: ما أفاده رحمه الله قابل للمناقشة بأكمله، والصحيح هو وجوب إطعام الأسير لا أن إطعامه مندوب.
[الأمر الأول: دلالة النصوص على الوجوب]
أما الأمر الأول: وهو انسياق الندب من النصوص المزبورة فهذا ليس بتام، إذ أنها عبَّرت بـ"الحق الواجب" مما يدل على اللزوم والوجوب. كما أن الخبر الأول الذي اشتمل على تفسير الآية المساقة للمدح، فإن الإمام عليه السلام أولاً فسَّر الآية فقال: "هو الأسير"، ثم أتى بأمور إضافية وأحكام إضافية وقال: "الأسير يُطعَم وإن كان يُقدَّم للقتل"، وتعبيره "يُطعَم" فيه تأكيد على الوجوب لأنه إخبار عن الحكم وكأنه قد فُرِغ عن ثبوته، وقال: "إن علياً كان يُطعِم مَن خُلِّد في السجن من بيت مال المسلمين"، هذا للاستشهاد على لزوم الإطعام.
[الأمر الثاني: مناقشة دعوى عدم احترام المشرك]
وثانياً: قوله "معلومية عدم احترام نفس المشرك الذي هو شر الدواب المؤذية بل طُلب إتلافها" قابل للتأمل، إذ أننا نُسلِّم أن المشرك الحربي غير محترم ولكن قد تحصل بعض الخصوصيات التي قد تمنع من قتله، فالحربي الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة لا حرمة له لكن لم يثبت في حقه القتل، وإنما ثبت في حقه تخير الإمام بين الثلاثة: المن أو الاسترقاق أو الفداء. فهل يُقال بجواز قتله لأنه غير محترم وشر الدواب المؤذية ويُطلَب إتلافه؟ هذا لا يمكن المساعدة عليه.
[الأمر الثالث: مناقشة تقييد الإطعام بوصوله إلى الإمام]
وثالثاً: قوله "قد يُقال بإطعامه لبقاء حياته حتى يصل إلى الإمام عليه السلام".
وفيه: إن هذه الحيثية لم ترد في الروايات الشريفة، بل ظاهر الروايات أن هذا حق من حقوق الأسير أوصلته للإمام أو لم توصله إلى الإمام. فقد جاء في صحيحة زرارة: "إطعام الأسير حق على من أسره"، وهذا الكلام مطلق لم ترد فيه حيثية أن يُطعِمه إلى أن يصل إلى الإمام عليه السلام.
وهكذا في خبر مسعدة بن زياد، قال علي عليه السلام: "إطعام الأسير والإحسان إليه حق واجب وإن قتلته من الغد"، بل هذه ظاهرة في عدم إيصاله إلى الإمام، إذا أردت أن تقتله من الغد الليلة تُطعِمه، وإذا احتاج إلى الطعام قبل القتل تُطعِمه وتقتله.
[النتيجة: وجوب الإطعام وعدم تقييده بوصوله إلى الإمام]
فالصحيح وجوب إطعام الأسير عند حاجته إلى الطعام من دون تقييد ذلك بإبقاء حياته لكي يصل إلى الإمام عليه السلام، والله العالم.
كراهة قتل الأسير الحربي صبراً، يأتي عليها الكلام.