47/04/25
الدرس (مائة وثمانية): تخير الإمام في كيفية قتل الكافر الحربي
الموضوع: الدرس (مائة وثمانية): تخير الإمام في كيفية قتل الكافر الحربي
[مقدمة في حكم الأسير أثناء الحرب]
الكافر الحربي إذا أُسِرَ في أثناء المعركة ولا تزال الحرب قائمة فحكمه القتل، لكن ما هي كيفية قتله؟ فالإمام مخيَّر: إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يديه ورجليه وتركه ينزف حتى يموت.
[أقوال الفقهاء في كيفية القتل]
هكذا صرّح غير واحد من الأعلام: كالشيخ الطوسي[1] ، وابن إدريس الحلّي[2] ، والعلامة الحلّي[3] ، والشهيد الأول[4] ، بل هذا هو المشهور بين الأصحاب كما في مختلف الشيعة للعلامة الحلّي[5] ، وربما يظهر من بعضٍ عدمُ الخلاف فيه، يُراجَع مجمع الفائدة والبرهان للمقدس الأردبيلي[6] ، بل في كتاب آخر دعوى الإجماع عليه، يُراجَع منتهى المطلب للعلامة الحلّي[7] .
[خبر طلحة بن زيد وأحكامه]
وقد يُستدلّ على ذلك بخبر طلحة بن زيد[8] ، وقد زِيدَ فيه ثلاثة أمور:
الأول: كون القطع من الخلاف، ففي الرواية يوجد قطع اليدين والرجلين، لكن في الآية التي استُشهِد بها في الرواية يوجد "من خلاف".
الثاني: الصلب، وقد ورد في الآية التي استُدِلّ بها.
الثالث: النفي، وقد ورد أيضاً في الآية التي استُدِلّ بها في الخبر. يقول صاحب الجواهر: "والنفي من الأرض الذي لم أجد به قائلاً هنا"، يعني في هذا المورد، إذ ورد القتل ولم يُذكَر النفي.
ولنقرأ صدر رواية طلحة بن زيد: قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبي يقول: إن للحرب حكمين. (إذاً الرواية ذكرت حكمين فقط واستشهدت بالآية التي فيها ثلاثة): كان أبي يقول: إن للحرب حكمين، إذا كانت الحرب قائمة ولم يُثخن أهلها، فكل أسير أُخِذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار: إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلافٍ بغير حسمٍ ثم يتركه يتشحَّط في دمه حتى يموت. [9]
[تفصيل الرواية: ضرب العنق والقطع من خلاف]
إذاً في صدر الرواية ذكر حكمان فقط:
الأول: ضرب العنق.
الثاني: قطع اليد والرجل من خلاف.
هنا زِيدَ "من خلاف" في هذه الرواية، وما ذكره المشهور بعضه ليس فيه "من خلاف".
[الاستشهاد بالآية الكريمة]
ثم الإمام استشهد، وفي الاستشهاد يوجد النفي والصلب. قال عليه السلام: وهو قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾[10] .
تتمة الرواية إلى أن قال عليه السلام: والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأُثخِن أهلها، فكل أسير أُخِذ على تلك الحال فكان في أيديهم، فالإمام فيه بالخيار: إن شاء منَّ عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً[11] .
إذاً هذه الرواية وهي خبر طلحة بن زيد ذكرت حكمين:
حكم الأسير في أثناء الحرب: فهو إما أن تُضرَب عنقه، وإما أن تُقطَع يده ورجله من خلاف.
وحكم الأسير الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة: فالإمام مخيَّر بين المنّ والفداء والاسترقاق.
هذا مضمون خبر طلحة بن زيد، لأنه سنحتاجه كثيراً في الاستدلال.
[مناقشة سند خبر طلحة بن زيد]
وقد يُناقَش في خبر طلحة بن زيد بأنه ضعيف، وتُحمَل أفراد القتل فيه على المثال لا الحصر، فضرب العنق والقطع من خلاف من باب المثال، فيدخل الصلب وغير ذلك من أنواع القتل.
وهكذا لو رجعنا إلى بعض الفتاوى سنجدها تذكر ضرب العنق من باب المثال للقتل، ومن هنا خيَّر القاضي ابن البرّاج بين أنواع القتل، يُراجَع[12] .
[التخيير بين أنواع القتل]
ويمكن أن يُتمسَّك لهذا التخيير بين أنواع القتل بالإطلاق، إطلاق ضرب العنق، وضرب الأعناق يُراد به ماذا؟ كناية عن القتل، ومعلومية مشروعية الإجهاز عليه مع عدم الموت بالنزف، يعني لو قُطِعت يديه وأرجله من خلاف وما مات ينزف وما مات، يجوز أن تُجهِز عليه وتقتله، كما صرّح به غير واحد: كالمحقق الكركي[13] ، والشهيد الثاني[14] .
فإذا حملنا القتل وضرب العنق على المثال، نفهم وجه تخيير الحلبي بين القتل والصلب، يُراجَع[15] .
وإلا فلا دليل على مشروعية الصلب، بل ظاهر خبر طلحة بن زيد عدم مشروعية الصلب، إذ أن الإمام خير بين أمرين فقط وهما ضرب العنق وقطع اليد والرجل من خلاف بغير حسم.
فإذا حُمِل ضرب العنق على المثال، تكون هذه المسألة غير خلافية، فيجوز الصلب ويجوز غير ذلك من سائر أنواع القتل.
[رأي صاحب الجواهر في التخيير]
ومن هنا علَّق صاحب الجواهر[16] رحمه الله: "وهو لا يخلو من قوة، خصوصاً بعدما ذكره غير واحد من كون التخيير هنا" - يعني في الأسير في أثناء المعركة - "تخيير شهوة لا اجتهاد في المصلحة، لأن المطلوب قتلهم، بخلاف التخيير الآتي" وهو الأسير بعد انتهاء المعركة يخيَّر الإمام بين الفداء والاسترقاق والمنّ، "فإنه تخيير اجتهاد فيما يرى من المصلحة باعتبار ولايته العامة"[17] .
أقول: الأصل في العناوين هو الموضوعية لا الطريقية، وحمل العنوان على الطريقية والمثال يحتاج إلى دليل وقرينة، وإذا رجعنا إلى خبر طلحة بن زيد والفتاوى سنجد أنها ذكرت عنوانين فقط:
الأول: ضرب العنق.
الثاني: قطع اليد والرجل من خلاف.
قد يُقال إن الاستشهاد في الرواية بالآية الكريمة قرينة على حمل ضرب العنق وقطع اليد والرجل من خلاف على المثال، إذ ورد في الآية القتل والصلب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي من الأرض.
لكن فيه أن النفي من الأرض ليس من أنواع القتل، كما ناقش بعض الفقهاء في الاستشهاد بالآية الكريمة وأنها قد وردت في غير موضعها، وقد مضى الكلام في ذلك.
إذاً إذا لم يقم الدليل أو القرينة على الطريقية فحينئذٍ لا يمكن الحمل على المثال، فيُقتصَر على القدر المتيقَّن وهو العنوان الوارد في الرواية.
ومن هنا بعد أن قوّى صاحب الجواهر الحمل على المثال والتخيير بين أنواع القتل وأنه تخيير شهوة وليس المراد تخيير شهوة يعني الشهوة النفسية لا الاشتهاء، يعني اختيار النفس ما يختاره بنفسه، ذكر صاحب الجواهر أن مقتضى الاحتياط الاقتصار على أحد النوعين، فقال: "ومع ذلك الأحوط اختيار أحد النوعين المذكورين في النص والفتوى، وأحوط منه مراعاة المصلحة أيضاً فيهما فإنه...".
[الطالب:] تخيير ما في اشتهاء.
نعم، ما في اشتهاء، يصير يراعي المصلحة، يعني كما في التخيير اللاحق يراعي المصلحة في التخيير السابق أيضاً يراعي المصلحة من دون اشتهاء للنفس.
قال: "وأحوط منه مراعاة المصلحة أيضاً فيهما، فإنه ربما يكون القطع أصلح باعتبار الرعب والرهب المقتضي لاتّباع ضعيف العقيدة من الكفار للمسلمين، وربما يكون ضرب العنق أصلح باعتبار آخر، والله العالم".
أقول: لا دليل على لزوم مراعاة المصلحة فهذا التخيير للإمام، نعم ما ذكره صاحب الجواهر من أن مقتضى الاحتياط هو مراعاة المصلحة في محله، إذ هو القدر المتيقَّن.
هذا تمام الكلام في الأسير الذي يُؤسَر في أثناء المعركة وحكمه القتل.
[القسم الثاني: الأسير بعد انتهاء المعركة]
الآن القسم الثاني: الأسير الذي يُؤسَر بعد انتهاء المعركة
قال صاحب الشرائع[18] : "وإن أُسِروا بعد تقضّي الحرب لم يُقتَلوا، وكان الإمام مخيَّراً بين المنّ والفداء والاسترقاق".
[التخيير الثلاثي بعد المعركة]
كما صرّح به غير واحد: كالشيخ الطوسي[19] ، وابن إدريس[20] ، ويحيى بن سعيد الحلي[21] ، وابن القطّان[22] ، بل هذا التخيير الثلاثي هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، كما يقول صاحب الجواهر[23] .
نقل ذلك العلامة[24] ، والشهيد الثاني[25] ، السيد الطباطبائي[26] ، ونسب العلامة الحلّي هذا القول إلى علمائنا أجمع، كما في تذكرة الفقهاء[27] ، ومنتهى المطلب[28] .
[الإجماع على التخيير الثلاثي]
فإن ثبت الإجماع المنقول والمحصَّل على التخيير الثلاثي كان دليلاً من الأدلة على التخيير.
ومن هنا قال صاحب الجواهر: "وهو الحجة بعد الخبر المزبور"، والمراد به خبر طلحة بن زيد، إذ جاء فيه التخيير الثلاثي، المعتضِد بظاهر الآية في المنّ والفداء الذي قد يُستفاد منه الاسترقاق، والمراد سورة محمد، قال تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾[29] .
[مناقشة الاسترقاق والفداء]
وفي الآية ورد عنوانين فقط وهما عنوان المنّ وعنوان الفداء، ولكن قد يُستفاد من الفداء الاسترقاق، إذ يدفع الفدية لكي يفكّوا عبوديته.
قد يُقال أن الفدية لفكّ الأسر لا لدفع الاسترقاق، فيُجاب بأن بعض الروايات صرّحت بأنهم وما في أيديهم فيء للمسلمين ومملوكين للمسلمين، كما في خبر الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام: " الْأَسِيرُ إِذَا أَسْلَمَ فَقَدْ حُقِنَ دَمُهُ وَ صَارَ فَيْئاً "[30] .
فإذا هو فيء للمسلمين أي مملوك للمسلمين، فيُستفاد من دفع الفدية أنه يدفع الاسترقاق.
إلى هنا اتضح أن المشهور هو التخيير الثلاثي بين المنّ والفداء والاسترقاء، وليس مع الثلاثة أمر رابع وهو القتل.
[إضافة القتل عند بعض الفقهاء]
لكن ذكر القاضي ابن البرّاج[31] هذه الأنحاء الثلاثة وزاد في أفراد التخيير القتل.
ولا دليل على ثبوت القتل فيما لو أُسِر الأسير بعد انتهاء المعركة، بل ظاهر الأدلة خلافه، إذ أن خبر طلحة بن زيد وظاهر الآية المباركة: التخيير بين أمرين، وخبر طلحة بن زيد: التخيير بين ثلاثة أمور، ولم يُذكَر في الأمرين أو الثلاثة القتل.
ومن هنا يتضح أن عندنا عموم الأمر بقتل أو أسر الكافر الحربي، وخرجنا عن هذا العموم في خصوص الأسر بعد انتهاء المعركة بظاهر الأدلة الخاصة.
ظاهر الآية التي تقول: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾[32] .
وظاهر خبر طلحة بن زيد الذي خيّر بين الأمور الثلاثة.
ومن هنا يتضح أن بعض التفاصيل لا دليل عليها.
[تفصيلات أخرى عند ابن حمزة]
فعن ابن حمزة التفصيل بين من يُقَرّ على دينه بالجزية كالكتابي فالثلاثة، يعني الكتابي الذي يُقَرّ على دينه يُخيَّر بين الثلاثة: المنّ والاسترقاق والفداء، وبين غيره الذي لا يُقَرّ على دينه، كالوثني الذي لا يُقَرّ على دينه: فالمنّ والمفاداة ويسقط الاسترقاق[33] .
بل في المختلف للعلامة الحلّي اختيار هذا القول بعد أن حكاه عن الشيخ الطوسي أيضاً[34] .
[مناقشة صاحب الجواهر للتفصيل]
وناقشه صاحب الجواهر[35] قائلاً: "وفيه أنه غير منافٍ للاسترقاق، كما في النساء منهم التي قد عرفتَ عدم الخلاف في استرقاقهن، بل الإجماع بقسميه عليه، ولذا كان صريح جماعة وظاهر الباقين عدم الفرق بين الجميع"، يعني التخيير الثلاثي ثابت للرجال والنساء.
صرّح بذلك: الكركي[36] ، والشهيد الثاني[37] . ويظهر هذا من: العلامة[38] ، والشهيد الأول في الدروس.
وظاهر النصّ والفتوى إطلاق التخيير بين الثلاثة: المنّ والفداء والاسترقاق.
[مراعاة المصلحة في التخيير]
لكن يظهر من العلامة في بعض كتبه والشهيد الثاني تعيُّن الأصلح من الثلاثة، لكون الإمام هو ولي المسلمين المكلَّف بمراعاة مصالحهم، يُراجَع[39] .
ومقتضى هذا الكلام عدم التخيير إلا مع التساوي في المصلحة، فإذا تساوت المصلحة هنا يتخيّر تخيير شهوة، ولا ريب أن مراعاة المصلحة هو الأحوط، لكن قد يُقال إنه لا دليل على لزوم مراعاة المصلحة والتخيير مطلق.
جيد. إذا الإمام اختار الاسترقاق أو الفداء بالمال، صار هذا - مال الفدوة - من الغنيمة، فيدخل في الغنيمة ويتعلَّق بها حق الغانمين، كما صرّح: العلامة[40] ، والشهيد الأول[41] ، والشهيد الثاني[42] .
هذا تمام الكلام في هذا المبحث، التتمة تأتي.