47/04/20
الدرس (مائة وخمسة): حكم أسرى الحرب
الموضوع: الدرس (مائة وخمسة): حكم أسرى الحرب
[📂 الموضوع المناسب للملف العلمي:أحكام أسرى الحرب بين السبي والقتل]
[حكم الإناث من الأسرى]
الأُسارى: إما ذكور وإما إناث، ولنتكلم أولًا عن حكم الإناث وثانيًا عن حكم الذكور، أما الإناث من الكفار الأصليين الحربيين الذين لم يعتصموا بعهد أو أمان أو عقد ذمة فهؤلاء يملكن بالسبي حتى لو كانت الحرب قائمة، وكذا الذراري أي غير البالغين.
[إجماع الفقهاء على استرقاق النساء والذراري]
قال صاحب الجواهر[1] : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك كما اعترف به في المنتهى بل عن الغنية والتذكرة الإجماع عليه، ويراجع[2] .
فإن كان إجماع محصّل ومنقول فهو الحجة، ويُضاف له ما أرسله العلامة في المنتهى من أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن قتل النساء والوِلدان وكان يسترقهم إذا سباهم، تُراجَع كتب الروايات عند العامة[3] ، وكتب الفقه[4] [5] ، المُغني وهذا للفقه الحنبلي.
إذًا حكم النساء بل مطلق الإناث بالغات أو غير بالغات، فنساء وإناث مجتمع الحرب حكمهم السبي ويملكن يعني يصبحن إماء، نعم يعتبر في التملك تحقّق صدق السبي والقهر لأصالة عدم التملك مع عدم السبي والقهر، فلا يكفي مجرد النظر أو الاختيار أو وضع اليد كما لو قال: هذه جاريتي، أو وضع يده عليها، هذا لا يكفي، فمثل النظر والإشارة وغير ذلك مما لا يصدق عليه السبي والقهر لا يُحقِّق ملكية الأمَة.
[شروط تحقق الملكية بالسبي والقهر]
نعم، يعتبر السبي والقهر في حدوث التملك، ولا يعتبر في استمرار التملك، فلو هربت الأمة بعد أن قهرها وسباها بقيت على ملكه، فحالها هنا حال الصيد كما لو حاز صيدًا، فإذا وضع يده على الصيد وحازه دخل في ملكه، فلو هرب منه الطير يبقى على ملكه، بل الظاهر عدم اعتبار نية التملك بعد الاستيلاء على الإناث والوِلدان على الوجه المذكور بالسبي والقهر، كما أن من حاز الصيد ملكه ولو لم يقصد التملك، فهذا تام في حيازة المباح، بل الظاهر عدم اختصاص التملك للنساء والوِلدان بالمسلمين، فلو قهر بعضهم بعضًا ملكه، فهنا نفس القهر والسبي يوجب الملكية كما أن وضع اليد على الصيد في المباحات يوجب ماذا؟ تحقّق الملكية، وقد دل على ذلك جملة من النصوص المذكورة في كتاب بيع الحيوان، تُراجَع الروايات[6] .
وقد يُدَّعى الإجماع بقسميه المنقول والمحصَّل على ذلك، فإن تم الإجماع فهو، لكن قد يُناقش في دعوى الإجماع، وبالمناقشة في دعوى الإجماع أيضًا يُتأمَّل في هذا الحكم، فقد يُقال إنه لا يستفاد ذلك من الروايات، والله العالم.
[الخنثى المشكل والممسوح]
قيل كما في كشف الغطاء للشيخ جعفر[7] ويُلحَق الخُنثى المُشكِل والممسوح البالغان بالنساء في الاسترقاق للشبهة الدارئة للقتل، بحثنا كان في سبي النساء والذراري أي غير البالغات، هذا القول يرى أن الخُنثى المُشكِل الذي لم يُشخَّص أنه ذكر أو أُنثى، وكذلك الذكر الممسوح عضوه الذكري، هذان إذا كانا بالغين حكمهما حكم النساء.
وفيه: إن ذلك لا يقتضي جواز الاسترقاق، يعني كونه خنثى مُشكِل أو ممسوح لا يقتضي الاسترقاء إلا إذا دل الدليل على أن الـ عنوان الخُنثى أو الممسوح يوجب الاسترقاء ولا دليل على ذلك، والأصل العدم، فهذا القول ليس بتام.
إلى هنا ذكرنا حكم النساء والذراري أي العنوان الأول: الإناث، العنوان الثاني: الذكور، وهم إما بالغين أو غير بالغين.
[الطالب:] في الخنثى والممسوح إذا لم يكن استرقاء، ما هو الحكم؟
يصير حكمه القتل بالغ، سيأتي حكم الذكر، هذا حربي، هذا حربي وبالغ، بالنسبة إلى الممسوح لا إشكال في ذلك، واضح بعد هو ذكر بالغ حربي هذا يُقتَل.
يبقى الكلام في الخُنثى المُشكِل، هنا يأتي المبنى في الخُنثى المُشكِل، هل يُعمَل بالقرعة؟ هل هل هل إلى آخره، هل هنا أيضًا توجد شبهة تدرأ عنه القتل أو لا؟ بعد يصير بحث فيه.
[حكم الذكور غير البالغين]
[علامات البلوغ وأثرها في الحكم]
بالنسبة إلى الذكور نتكلم أولًا عن حكم الطفل غير البالغ. فالطفل غير البالغ لا يُقتَل، ولو اشتبه الطفل بالبالغ اعتُبِر بالإنبات، وهو إنبات الشعر على العانة، فنبات الشعر الخشن على العانة وهي أعلى الذكَر، وهذا يُشخَّص باللمس أو النظر، فإن ثبت الإنبات فحكمه حكم البالغ يُقتَل، فإن لم يُنبِت وجُهِل سنه ولم يحصل العلم بالبلوغ ولو من أمارات متعددة أُلحِق بالذراري.
قال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في شيء من ذلك كما اعترف به بعضهم كالأردبيلي[8] ، فيصير حكمه أنه يُملَك بالسبي والقهر، وقد ذُكِرت علامة العانة هنا لكونها الغالب، وإلا لا فرق بينها وبين غيرها من علامات البلوغ كالاحتلام أو السن، لكن النبات نبات الشعر على العانة من العلامات الواضحة التي يسهل تشخيصها بخلاف الاحتلام أو السن فقد يخفى، فإذا لم يتحقق شيء من علامات البلوغ فالأصل عدم البلوغ.
وفي المنتهى وغيره أن سعد بن معاذ حكم في بني قُريظة بهذا وأجازه النبي صلى الله عليه وآله، أي أنه سبى الذراري.
يُراجَع[9] .
وفي خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: ان رسول الله صلىاللهعليهوآله : عرضهم يومئذ على العانات فمن وجده انبت قتله ومن لم يجده انبت الحقه بالذراري[10] [11] .
لو ادَّعى الحربي الاحتلام وكان ممكنًا في حقه كالسن أو الجسم قُبِل كلامه، لأن هذا يُعلَم من قِبَل نفسه والقرائن تساعد على ذلك، ويمكن أن يُتمسَّك بقبول قوله بعموم ما دل على قبوله في غيره، يراجع[12] .
وتأمل في هذا القول السيد الطباطبائي في الرياض[13] .
لكن هذا التأمل ليس في محله، يُقبَل قوله ما دامت القرائن تساعد على ذلك، وهذا لا يُعلَم إلا من قِبَل نفسه.
هذا تمام الكلام في النساء والصبيان.
[حكم الذكور البالغين أثناء الحرب]
يبقى الكلام في القسم الثاني من الذكور وهم الرجال أي البالغون، فتارة يُبحَث عن حكم الرجال في أثناء المعركة، وتارة يُبحَث عن حكم الرجال بعد انتهاء المعركة، أما حكمهم في أثناء الحرب والمعركة هو القتل، وأما حكمهم بعد انتهاء المعركة فالإمام مخير بين أن يَمُنَّ عليهم ويُطلِق سراحهم أو يُطالِب بفدية.
فالذكور البالغون يتعين عليهم القتل إن أُسِروا وقد كانت الحرب قائمة ولم تضع أوزارها، هذا جاء في القرآن الكريم إذا وضعت الحرب أوزارها يعني أثقالها، لأن الحرب هي أثقال تُرفَع كالحديد وغيره، هذه كناية عن إيقاف الحرب، قال صاحب الجواهر: بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه[14] .
لكن المعروف المنقول عن ابن أبي عقيل العماني أنه أطلق التخيير بين الاسترقاق والفداء بهم والمن عليهم، ومقتضى هذا الكلام عدم القتل، وهذا الحكم معلوم البطلان نصًّا وفتوى، الذي يراجع النصوص من آيات وروايات وفتاوى الفقهاء واضحة في أن الأسير الحربي أثناء الحرب يُقتَل، يُراجَع ما نُسِب إلى ابن أبي عقيل[15] .
[الطالب:] يعني يقول أثناء الحرب لا يقتل لو أنه بعد الحرب؟
لا، يعني التخيير الموجود بعد الحرب، نفس هذا التخيير موجود في أثناء الحرب، يعني هذا الأسير الحربي إما يَمُنّ عليه الإمام ويُطلِق سراحه وإما يطالب بفدية لإطلاق سراحه وإما يسترقه يجعله عبد للمسلمين، هذا التخيير الثلاثي سيأتي، هذا حكم الأسير الحربي بعد أن تضع الحرب أوزارها، أما في أثناء الحرب يُقتَل.
ولنرجع إلى الروايات، ففي خبر طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبي يقول، أي الإمام الباقر: إِنَّ لِلْحَرْبِ حُكْمَيْنِ إِذَا كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً لَمْ تَضَعْ أَوْزَارَهَا وَ لَمْ يُثْخَنْ أَهْلُهَا فَكُلُّ أَسِيرٍ أُخِذَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ ضَرَبَ عُنُقَهُ وَ إِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ بِغَيْرِ حَسْمٍ وَ تَرَكَهُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ ﴿ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ﴾[16] ، ثم قال عليه السلام: أَ لَا تَرَى أَنَّ الْمُخَيَّرَ الَّذِي خَيَّرَ اللَّهُ الْإِمَامَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَ هُوَ الْكُفْرُ ، هذا كما في نسخة الكافي[17] ، وفي نسخة تهذيب الأحكام[18] «الكلَّة».
«الكلَّة» في اللغة يعني السيف، وليس هو على أشياء مختلفة، هذه العبارة غير واضحة المعنى وفيها اختلاف في النسخ، لكن هذا لا يضر بأصل المطلب.
صاحب الجواهر رحمه الله يقول هذا: واختلاف النسخ فيما سمعته من الحكم الذي لا مدخلية له فيما نحن فيه مع عدم وضوح معناه[19] .
هذا المعنى في الجملة المعترضة غير واضح ولا دخل له فيما نحن فيه من الحكم، لكن هذا لا يضر بوضوح الرواية، القسم الأول من الرواية واضح في أن الكافر في أثناء الحرب يُقتَل.
فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ قَالَ ذَلِكَ الطَّلَبُ أَنْ تَطْلُبَهُ الْخَيْلُ حَتَّى يَهْرُبَ فَإِنْ أَخَذَتْهُ الْخَيْلُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ
أصلًا الاستشهاد بهذه الآية في غير محله، لماذا؟ لأن هذه الآية في حكم المحارب لله ولرسوله ولو كان من المسلمين، لذلك قال صاحب الجواهر رضوان الله عليه هكذا: إن الاستشهاد فيه بالآية التي هي في المحارب المسلم المشتملة على غير القتل كذلك أيضًا[20] .
[حكم الذكور البالغين بعد انتهاء الحرب]
يعني لا مدخلية له فيما نحن فيه مع عدم وضوح معناه، عمومًا الآن هذه الجملة المعترضة لا تضر بأصل المطلب، الآن فلنضع اليد على هذه الجملة المعترضة، صدر الرواية واضح حكمه القتل، ذيل الرواية أيضًا واضح، الذيل هكذا قال:
«وَ الْحُكْمُ الْآخَرُ إِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزارَها وَ أُثْخِنَ أَهْلُهَا فَكُلُّ أَسِيرٍ أُخِذَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَكَانَ فِي أَيْدِيهِمْ فَالْإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ فَأَرْسَلَهُمْ وَ إِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنْ شَاءَ اسْتَعْبَدَهُمْ فَصَارُوا عَبِيداً.»[21]
إلى هنا استشهدنا بهذه الرواية، صدرها وذيلها واضح في الحكم، ما بين الصدر والذيل الجملة المعترضة قابل للمناقشة، قابل للتأويل، أن هذا استشهاد بآية في غير محله، بعض العبارات غير واضحة لم نفهم معناها، هذا لا يقدح في التمسك بصدر وذيل الرواية.
إلى هنا ذكرنا رواية واحدة، يبقى الكلام في بيان الآيات الصريحة والواضحة في هذا الحكم، يأتي عليها الكلام.