47/04/18
الدرس (مائة وثلاثة): لو حكم الحاكم بالقتل والسبي وأخذ المال فأسلم الحربيون
الموضوع: الدرس (مائة وثلاثة): لو حكم الحاكم بالقتل والسبي وأخذ المال فأسلم الحربيون
[الموضوع لغرض الإدراج في الملف العلمي:
التحكيم والجعالة في الفقه الإسلامي: دراسة في سقوط الأحكام بالإسلام وأحكام الفدية والجزية
أحكام الجعالة في فقه الجهاد: دراسة في شروطها وتطبيقاتها في الحرب]
[حكم الحاكم بالقتل والسبي وأخذ المال ثم إسلام الحربيين]
لو حكم الحاكم بالقتل والسبي وأخذ المال فأسلم أهل الحرب سقط الحكم في القتل خاصة لا في المال، كما في القواعد[1] والمنتهى[2] والتذكرة[3] .
[سقوط القتل بالإسلام وبقاء المال والسبي]
وقد شرح هذه الفقرة الشهيد الثاني في المسالك فقال: لأن الإسلام يحقن الدم بخلاف الاسترقاق والمال فإنهما يجامعان الإسلام كما لو أسلم المشرك بعد الأسر[4] .
ومثله ما في فوائد الشرائع للمحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي إلا أن المتن هكذا: سقط الحكم في القتل لا في المال[5] .
ومقتضى هذا التعبير عدم جواز السبي، لكن علّق عليه صاحب الجواهر قائلاً: لم أجد به قائلاً، بل لا أجد خلافاً في عدم سقوط السبي وأخذ المال[6] .
والحكم على القاعدة، فإذا حكم الحاكم بالقتل والسبي وأخذ المال نفذ حكمه، فإذا أسلم أهل الحرب سقط خصوص القتل، فالإسلام يحقن دمه لكن يبقى السبي والمال وفقاً لحكم الحاكم فإنهما يجتمعان مع الإسلام.
[إشكال في استرقاق من أسلم بعد الحكم بالقتل]
نعم، ليس للحاكم استرقاق من حكم عليه بالقتل بعد سقوط القتل عنه بالإسلام، فإذا حكم عليه بالقتل ثم أسلم الحربي فلا يحق حينئذ للحاكم أن يسترقه، إذ أن موضوع القتل هو ماذا؟ الكافر الحربي قبل إسلامه، وموضوع السبي هنا الكافر الحربي بعد إسلامه وسقوط القتل عنه بإسلامه، ولا يصح سبي مسلم بعد إسلامه خلافاً لبعض العامة فجوّزوه، وقالوا: هذا حاله حال ما لو أسلم بعد الأسر فإنه يجوز استرقاقه.
وفيه: أن الأسير قد ثبت للإمام عليه السلام استرقاقه بخلاف ما نحن فيه والمفروض الذي قد تعيّن فيه القتل بحكم الحاكم، ولكن قد سقط القتل بالإسلام لقوله صلى الله عليه وآله: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ "[7] [8] [9] ، موجود هذا النص في الصحاح الستة تقريباً.
وأما بعض العامة الذين قالوا إن له استرقاقه يُراجع[10] [11] .
[حكم سبي الذرية والنساء بعد الإسلام]
نعم، لا يسقط سبي الذرية والنساء لثبوت ذلك عليهم بالحكم قبل الإسلام ولا ينافيه الإسلام بعد هذا الحكم، فالمدار على تحقق موضوع السبي وهو كونهم كفار حربيين عند التحكيم.
[الفرق بين الإسلام قبل الحكم وبعده]
نعم، لو أسلموا قبل الحكم فالموضوع قد اختلف، فبإسلامهم يكونوا قد عصموا دماءهم وأموالهم وذراريهم من القتل والاستغنام، إذ أنهم قد أسلموا وهم أحرار لم يُسترقوا وأموالهم لم تُغنم، فلا يجوز استرقاقهم ولا اغتنام أموالهم لاندراجهم حينئذ في قاعدة من أسلم حقن ماله ودمه، والفرض عدم تعلُّق حكم الحاكم به كالسابق إذ أنهم قد أسلموا قبل حكم الحاكم، بخلاف الفرض السابق إذ أسلموا بعد حكم الحاكم.
[الفدية عن أسراء المسلمين]
فرع: لو جُعلت فدية عن أسراء المسلمين للمشركين المحاربين فهل يجب الوفاء بالفدية أو لا؟ يوجد تفصيل:
الأول: إن جعل الفدية في مقابل نفس المسلم كأن عرض شراؤه فحينئذ لا يجب الوفاء بالفدية لأن المسلم حرّ ولا عوض للحر، وصرّح بذلك غير واحد كالشيخ الطوسي في المبسوط[12] ، والعلامة في التذكرة[13] ، وابن القطّان في معالم الدين[14] .
الثاني: لو جعل الفدية أو الجعل في مقابل رفع الأسر عن مسلم وليس في مقابل نفس المسلم كما في الفرع الأول، وكان المورد من موارد جواز جعل الجعالة على ذلك فحينئذ يدخل في الجُعالة الشرعية ويجب الوفاء.
[إقامة الحربي في دار الإسلام وحكم الجزية]
فرع: لو دخل الحربي بأمان إلى دار الإسلام، فقال له الإمام عليه السلام: إن رجعت إلى دار الحرب وإلا حكمت عليك حكم أهل الذمة، فأقام الحربي سنة في دار الإسلام، ففي المنتهى للعلامة الحلي: جاز أن يأخذ منه الجزية، وإن قال: اخرج إلى دار الحرب، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّاً فأقام سنة ثم قال: أقمت لحاجة، قُبل قوله ولم يجز أخذ الجزية منه لأصل البراءة، بل يُرد إلى مأمنه.
وقال الشيخ: وإن قلنا يصير ذمياً كان قوياً لأنه خالف الإمام عليه السلام[15] .
فما هو الصحيح بين القولين؟ هل قول الشيخ الطوسي الذي يرى أنه يصير ذمياً لأنه خالف شرط الإمام عليه السلام خالف قول الإمام عليه السلام، أو كلام العلامة في المنتهى الذي أجرى أصل البراءة عن وجوب دفع الجزية وأحكام الذمة؟
أقول: الصحيح ما ذهب إليه صاحب الجواهر رحمه الله وفاقاً للعلامة الحلي فلا يصير من أهل الجزية، إذ أن الذمة عقدٌ بين طرفين: بين ولي أمر المسلمين وبين الكفار الحربيين، وهنا لم يحصل عقد.
ولنعم ما قال صاحب الجواهر في جواهر الكلام إذ قال: وفيه منع المخالفة بعد فرض كون المراد من الإقامة التوطُّن لا مثل الفرض الذي لم يُعلم فيه ذلك بعد قوله: إني أقمت لحاجة، وهو شيء لا يُعلم إلا من قِبله[16] ، أي الغرض من الإقامة هل هو التوطُّن أو الحاجة مثلاً علاج، صار مريض وأقام للعلاج،
إذاً يُحمل الإقامة على التوطُّن. وإقامته لقصد التوطُّن أو لحاجةٍ، لا تُعرف إلا منه، فيُقبل قوله ولا تُجرى عليه أحكام الذمة.
[أمان المشركين المساعدين للمسلمين]
فرع: في أمان المشركين المساعدين للمسلمين:
يجوز الأمان لمن قال من المشركين: أنا أفتح لكم الحصن، لإطلاق الأدلة، وكذا من قال: أنا أدلّكم على الطريق أو أكشف لكم سراً من الأسرار، يجوز إعطاء الأمان له.
وحينئذ لو فتح الحصن ثم اشتبه بين أهل الحصن فلم يمكن تشخيص من فتح باب الحصن، فلا يُقتل أحد منهم للمقدّمة، بل عن الشافعي: ولا يُستَرق لذلك أيضاً أي للمقدّمة[17] [18] .
وعن بعض الجمهور والعامة: استخراجه بالقرعة ثم يُسترق الباقون[19] .
والاحتياط في الدم لا يأتي مثله في الاسترقاق فيُسترقون، ولكن هذا الكلام عارٍ عن الدليل، ومقتضى المقدّمة عدم جواز القتل وعدم جواز السبي، بعد يتنجّز هنا العلم الإجمالي تصير شبهة محصورة، غاب بينهم، ما يجوز قتلهم.
وكذا لو أسلم واحد منهم قبل الفتح، قبل دخول الحصن، واحد صرخ: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولم نشخّصه، فلما فُتح الحصن، قال كل واحد منهم: أنا هو، فحينئذ لا يجوز قتلهم ولا يجوز سبيهم.
وعن الأوزاعي: يسعى كل واحد منهم في قيمة نفسه ويُترك له عُشر قيمته[20] [21] .
لكن لا دليل على كلام الأوزاعي، بل مقتضى الدليل خلافه، إذ لا يوجد دليل يدل على أنه يلزم شيء عليهم، فلا يثبت القتل ولا يثبت السبي، والله العالم.
[الفصل الأول: في التحكيم]
هذا تمام الكلام في الفصل الأول في التحكيم.
[الفصل الثاني: في الجعالة]
الفصل الثاني: في الجُعالة
[جواز الجُعالة في الحرب]
لا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز لوالي الجيش إماماً أو غيره كقائد سرية جعل الجعائل لمن يدلّه على مصلحة من مصالح المسلمين كالتنبيه على عورة القلعة وطريق البلد الخفي وغير ذلك، يُراجع[22] .
[استحقاق الجُعالة بالفعل]
وحينئذ يستحق المجعول له الجُعالة بنفس فعله وعمله كغيره من أفراد الجُعالة سواءا كان مسلماً أو كافراً لعموم أدلة الجُعالة، وليس للجيش الاعتراض وإن كانت الغنيمة لهم لعموم الأدلة ولفعل النبي صلى الله عليه وآله.
[مرجعية الأدلة الشرعية في الجُعالة]
تشمله عموم أدلة الجُعالة وفعل النبي صلى الله عليه وآله، وتفصيل الكلام في الجُعالة يُبحث في كتاب الجُعالة وشروطها، لكن المحقق الحلي في شرائع الإسلام ذكر بعض التفصيل في خصوص جُعالة الحرب فقال ما نصّه رحمه الله وعلّق عليه صاحب الجواهر:
[تفصيل المحقق الحلي في الجُعالة]
إن كانت الجعالة من ماله ديناً اشتُرط كونها معلومة الوصف والقدر، وإن كانت عيناً فلا بد أن تكون مشاهدة أو موصوفة بما يرتفع به الغرر المنهي عنه.[23]
وهذا مضمون الروايات عند العامة والخاصة، يُراجع[24] [25] [26] .
[الجُعالة من مال الغنيمة]
وإن كانت الجُعالة من مال الغنيمة جاز أن تكون مجهولة كجارية وثوب للحاجة إلى ذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وآله قد جعل للسرية من الجيش الثلث أو الربع من الغنيمة المجهولة، بل في المنتهى: لا نعلم فيه خلافاً[27] [28] .
[توقف استحقاق الجُعالة على الفتح]
يبقى الكلام في المجعول له: هل يتوقف على الفتح أو لا؟ أحياناً يقول له: دلّني على الطريق، وأحياناً يقول له: دلّني على الطريق فإن فتحنا الحصن فلك كذا.
فإن لم يكن الفتح شرطاً استحق الجُعالة على خصوص فعله، وإن كان الفتح شرطاً صريحاً أو يُفهم منه ذلك لم يستحق الجُعالة إلا بالفتح.
[تفصيل الأحوال في استحقاق الجُعل]
فالعمل المجعول له إن كان مما لا يتوقف تحققه على الفتح كالدلالة على الطريق أو مخبئ ونحوه فحينئذ استحق المجعول له الجُعل بنفس ذلك الفعل وإن لم يحصل الفتح.
وإن كان المجعول له مما يتوقف على الفتح كما لو قال: من دلّنا على ما نفتح به القلعة فله كذا، فحينئذ يتوقف على الفتح.
[ما يقتضي التوقف على الفتح حكماً]
ولعل مما يتوقف على الفتح ما لو قال: من دلّنا على طريق القلعة فله الجارية المعيّنة من القلعة أو فله جارية من القلعة وأطلق كلامه، فإن جُعالة شيء من القلعة يقتضي اعتبار فتح القلعة حكماً وإن لم يذكر لفظاً.
هذا تمام الكلام في أصل بيان الجُعالة، تفريع يأتي عليها الكلام.