47/04/11
الدرس (المائة): لو أسر الحربيون مسلماً وأطلقوه بشرطٍ
الموضوع: الدرس (المائة): لو أسر الحربيون مسلماً وأطلقوه بشرطٍ
[حُكمُ إقامةِ الأسيرِ المسلمِ في دارِ الحربِ والوفاءِ بشرطِ الأمانِ مع الكفّار]
لو أُسر المسلم من قِبَلِ أهل الحرب لكنهم أطلقوه بأمان وشرطوا عليه الإقامة في دار الحرب، وشرطوا عليه أيضاً الأمن منه، لم يجب عليه الإقامة في دار الحرب، بل يُحرم عليه الإقامة في دار الحرب مع التمكن من الهجرة إلى بلاد الإسلام، وقيل: حَرُمت عليه أموالهم بالشرط إذ اشترطوا عليه الأمن منه.
هكذا ذكر العلامة في منتهى المطلب[1] ، والمهذب[2] ، تذكرة الفقهاء[3] ، معالم الدين[4] ، وناقشهم صاحب الجواهر[5] بحق قائلاً: ولكن فيه أنه شرط لا يجب الوفاء بالعقد الذي تضمنه، بل هو في الحقيقة ليس عقداً مشروعاً، ولذا لو أطلقوه على مال لم يجب الوفاء لهم به، فالأولى الاستدلال بإطلاق النهي عن الغلول والغدر، فلا يجوز له أخذ أموالهم لا بسبب الشرط في عقدهم، بل لحرمة الغدر والغلول، فقد دخل معهم في اتفاق، وهذا الاتفاق وإن كان فاسداً لكنه يتضمن الأمان، فلا يجوز له الغدر بهم.
نعم، لو هرب منهم ولم يتفق معهم كان له الأخذ من مالهم، كما ذكر العلامة في المنتهى[6] ، نظراً لإباحة أنفسهم وأموالهم للمسلمين، فليس غلولاً ولا غدراً في الحقيقة كي يشمله النهي المزبور عنهما، فأموال الحرب هدر.
فرع: لو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض مالاً من حربي، وعاد إلى دار الإسلام، ثم دخل صاحب المال إلى دار الإسلام بأمان، ففي المنتهى للعلامة الحلي: كان عليه رده إليه؛ لأن مقتضى الأمان الكف عن أموالهم[7] .
وقد علّق صاحب الجواهر بحق أيضاً قائلاً: قلت: هو كذلك وإن لم يدخل المقرض إلينا، فحتى لو لم يدخل المقرض إلى دار الإسلام وجب على المسلم الوفاء.
وذكر أيضاً العلامة هذا الفرع، قائلاً: و لو اقترض حربيّ من حربيّ مالا ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان، فإنّ عليه ردّه إليه؛ لأنّ الأصل وجوب الردّ، و لا دليل على براءة الذمّة منه[8] .
الفرع الأخير في كتاب الأمان وهو فرع مهم: لو أسلم الحربي وفي ذمته مهر لزوجته، وكانت قد أسلمت قبله أو معه، كان لها المطالبة بالمهر إن كان مما يملكه المسلم، وإذا لم يملكه المسلم كالخمر والخنزير ثبتت قيمته في ذمته.
وإن كان قد أسلم الحربي هو خاصة دون زوجته، أو أسلمت بعده، لم يكن للزوجة مطالبته ولا لوارثها الحربي، كما صرح بذلك الشيخ في المبسوط[9] ، وابن القطان في معالم الدين[10] ، والعلامة الحلي في كتبه المختلفة ومنها: قواعد الأحكام[11] ، تذكرة الفقهاء[12] ، تحرير الأحكام[13] ، منتهى المطلب[14] .
والسر في ذلك: أنهم حربيون ولا أمان لهم على مالهم، فله منعه عليهم.
بل إن صاحب المسالك وهو الشهيد الثاني قد تمسك بإطلاق المحقق الحلي للفظ الوارث، وهذا نص شرائع الإسلام: ولو أسلم الحربي وفي ذمته مهر لم يكن للزوجة مطالبته ولا لوارثها. ولفظ الوارث مطلق يشمل المسلم والحربي ولم يقيد بخصوص الوارث الحربي كما قيد العلامة في مختلف كتبه والشيخ الطوسي في المبسوط.
وقد وجّه صاحب المسالك إطلاق لفظ الوارث قائلاً: أن مقتضى إطلاق المصنف الوارث عدم الفرق بين المسلم منه والحربي ، وهو متجه من حيث إن إسلام الزوج قبلها أوجب استيلاءه على ما أمكنه من مالها الذي من جملته المهر، وكل ما استولى عليه يملكه كغيره من أموال أهل الحرب، وكونه في ذمته بمنزلة المقبوض في يده، فينبغي أن يملكه بإسلامه مع بقائها على الحربية، وحينئذ فلا يزيله ما يتجدد من إسلامها ولا موتها مع كون وارثها مسلماً، فهذا الإطلاق في محله، وكذا أطلق العلامة في كثير من كتبه[15] .
خلاصة هذا الرأي: التمسك بالإطلاق؛ لأن الحربي الذي قد أسلم يملك كل أموال زوجته الكافرة الحربية، وإسلامها بعد ذلك لا ينفي ذلك.
وقد تبعه المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان[16] ، ومقتضاه أن الحكم كذلك في سائر الديون وإن كانت ثمن مبيع، فهذا الزوج المدين لزوجته ولغيرها، فكل دين لحربي يسقط بمقتضى هذا القول؛ لأن مال الحربي هدر.
لكن ذكر المحقق الكركي في حاشيته أن البعض قد خالف في ذلك فقال: إن الذي صرح به جماعة عدم السقوط[17] .
بل حكى الشهيد الثاني في المسالك بعد ذلك عن جماعة من الأصحاب ما نصه: ذكر جماعة من الأصحاب أنّ الحربي إذا أسلم يسقط عنه مال أهل الحرب الذي كان في ذمّته، إذا كان غصبا أو إتلافا، أو غير ذلك ممّا حصل بغير التراضي والاستئمان.
ثم قال: و أمّا ما ثبت في ذمّته بالاستئمان، كالقرض و ثمن المعاوضات، فإنّه يبقى في ذمّته لشبهة الأمان، و إن لم يكن وقع صيغة أمان.
ثم قال: و يؤيّده ما ذكروه من أنّ المسلم أو الحربي لو دخل إليهم و خرج لهم بمال ليشتري به شيئا لم يجز التعرض له، لأنّه أمانة وكذا لو دفعوا الى أحد شيئا وديعة، لم يجز التعرض لها، إلحاقا للأمانة بالأمان[18] .
والصحيح: هو هذا التفصيل بين ما وقع على نحو الأمانة أو في شبهة الأمان فيجب رده كمهر الزوجة أو القرض أو عوض مبيع، وبين ما ثبت بغير التراضي والاستئمان كما لو أخذ شيئاً غصباً أو أتلف وما شاكل ذلك.
ويمكن مراجعة ما صرح به العلامة في المنتهى[19] ، وتذكرة الفقهاء[20] ، وتحرير الأحكام[21] ، فقد قال العلامة في مفروض المسألة بأنه ليس لها ولا لورثتها الكفار المطالبة، أما إذا كانوا مسلمين فإن لهم المطالبة.
إذاً العلامة في كتبه الثلاثة فرّق بين الوارث الكافر وبين الوارث المسلم، ولكن لم يفرّق بلحاظ طريقة ثبوت المال أنه بشكل الاستئمان أو وقع بغير التراضي والاستئمان.
وقال العلامة أيضاً في إرشاد الأذهان[22] : لو أسلمت الزوجة بعد إسلام الزوج، فهل لها أو لورثتها المطالبة بذلك؟ إذ أن استحقاق الوارث فرع استحقاقها، وقد صرح العلامة في باب النكاح بأن إسلام الزوج الحربي يوجب للحربية عليه نصف المهر إن كان قبل الدخول، وجميعه إن كان بعده.
وهذا التصريح ينسجم مع ما نذهب إليه؛ إذ أن المهر ثابت بالتراضي، ومقتضى ثبوت المهر لها في ذمته أن لها المطالبة به لو أسلمت أو ماتت وكان لها وارث مسلم ولو الإمام عليه السلام، بل مقتضى ما ذكره هو من التأييد أن لها المطالبة به وهي كافرة.
والتحقيق: ما ذكره المحقق المدقق الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام[23] إذ قال: ولعل التحقيق في المسألة سقوط مطالبتها به وهي حربية وعدم وجوب الأداء لها كذلك، أي أن هذا الحكم التكليفي يسقط، لكن يبقى الأثر الوضعي، فقال: ولكن لا يملكه؛ لأنه في ذمته وليس عيناً كي تدخل في ملكه باغتنامها وحيازتها، فإذا أسلمت هي بعده أو ماتت وكان لها وارث مسلم صحت المطالبة به؛ لكون المال باقياً على ملكها أو ملك وارثها، وإنما امتنع وجوب الأداء باعتبار كونها حربية فلا يجب لها على المسلم شيء، إما لأنه سبيل أو لأن المراد من جبّ الإسلام ما قبله ذلك ونحوه مما هو من التكاليف الشرعية، بخلاف ما كان بالمعاملات والتجارة عن تراضٍ وما أشبه ذلك.
إذاً صاحب الجواهر يفرّق بين الحكم التكليفي وبين الحكم الوضعي، فلو أسلم الحربي وبقيت زوجته على كفرها وحربيتها ليس لها المطالبة بمهرها ولا يجب عليه أي يعطيها المهر، هذا من ناحية الحكم التكليفي، لكن من ناحية الأثر الوضعي هو لا يملك هذا المهر، فلو أسلمت بعد ذلك أو كان وارثها مسلماً وجب عليه أن يؤدي إليه.
ثم قال صاحب الجواهر رحمه الله: ومن هنا أمكن الفرق بين عوض المتلفات والغصب ونحوهما وبين المعاملات إذا فرض كون الحكم اتفاقياً، فلا يجب الوفاء بالأولى وهي عوض المتلفات والغصب، بل تبرأ الذمة بالإسلام لكونه من قبيل التكاليف مثل قضاء الصلاة والصوم، وإن كان له جهة دينية إلا أنه ليس من جميع الوجوه، بخلاف ما كان بالمعاملة كالقرض وثمن المبيع ونحو ذلك مما يقع بين المشركين والمسلمين ويحكم بصحته، بخلاف مثل الإتلاف الذي لو وقع من المسلم لم يطالب به؛ لأن مال الحربي ونفسه هدر.
إذاً المال الذي قد يقال بثبوته لإتلافٍ أو غصبٍ، هذا لا يثبت؛ لأن هذا حكم شرعي وخاص بالمسلمين ما يشمل الكفار، بخلاف المال الذي يثبت بالمعاملة، لذلك ثمن المبيع ونحوه كالقرض أو الإيجار، استأجر عند واحد وما يدفع له إجار، يقول: مال الحربي هدر، هذا ليس بصحيح، يجب عليه الأداء؛ لأنه دين ثابت في ذمته.
وفي الختام هذا التفريع: لو ماتت الزوجة قبل إسلام الزوج وكان لها وارث مسلم ثم أسلم، أو أسلمت هي قبله ثم ماتت، طالبه وارثها المسلم دون الحربي بلا خلاف ولا إشكال.
وقد ذهب إلى ذلك الشيخ الطوسي في المبسوط[24] ، والقاضي ابن البراج في المهذب[25] ، والعلامة في تحرير الأحكام[26] ، وابن القطان في معالم الدين[27] .
أما بالنسبة إلى الأول وهو لو ماتت الزوجة قبل إسلام الزوج فالانتقال المهر للوارث المسلم فلا يسقط بإسلامه، وأما بالنسبة إلى الثاني وهي إذا أسلمت فلثبوت الحق للمسلمة وينتقل منها إلى وارثها المسلم.
هذا تمام الكلام في كتاب الأمان.
خاتمة فيها فصلان:
الفصل الأول: في التحكيم.
والفصل الثاني: في الجعالة.
التحكيم يأتي عليه الكلام.