« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

47/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (التاسع والتسعون): [أحكام الأمان عند موت الكافر وأثره على النفس والمال]

الموضوع: الدرس (التاسع والتسعون): [أحكام الأمان عند موت الكافر وأثره على النفس والمال]

[انتقاض الأمان بوفاة الكافر وأثره على المال]

لو مات الكافر أو قُتل، انتقض حكم الأمان بالنسبة إلى نفسه وماله إن لم يكن له وارث مسلم، وصار ماله فيئاً ويختص به الإمام المعصوم عليه السلام، لأنه مال لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فهو من الأنفال التي جعلها الله تبارك وتعالى للمعصوم عليه السلام، فكما أن إرث من لا وارث له يكون للمعصوم عليه السلام، فكذلك الفيء والأنفال تكون للمعصوم عليه السلام، هذا لو مات الكافر في دار الكفر.

وكذا لو مات الكافر في دار الإسلام ولم يكن له وارث مسلم، نعم لو كان له وارث مسلم ورثه، لكن لو كان وارثه حربياً لم يرث ماله.

[حكم مال الكافر بعد موته وأقوال الفقهاء فيه]

والوجه في ذلك: انتقال المال إلى وارثه الكافر الذي لم يُعقد له الأمان، ولا ينتقل ماله إلى وارثه الكافر سواءً مات في دار الإسلام أو في دار الكفر.

يُراجع كلمات الفقهاء وتصريحهم كالشيخ الطوسي في المبسوط[1] ، والقاضي ابن البراج الطرابلسي في المهذب[2] ، وابن القطان في معالم الدين[3] ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء[4] .

كذلك من المتأخرين: العلامة الحلي في قواعد الأحكام، تحرير الأحكام[5] ، إرشاد الأذهان[6] ، تذكرة الفقهاء[7] .

[خلاف أحمد والمزني والشافعي في حكم مال الكافر المؤمَّن]

وخالف في ذلك أحمد بن حنبل والمزني والشافعي في أحد قوليه، فيبقى الأمان في المال لوارث الكافر الذي حصل على الأمان، نظراً لانتقال المال إليه وقد تعلق به حق الأمان فهو كالرهن ونحوه حقٌ يقبل الانتقال.

يُراجع حلية العلماء[8] ، المغني لابن قدامة[9] ، الشرح الكبير[10] .

وفيه: منع كونه حقاً يقبل التوريث، إذ لا دليل على أن هذا المال حق قابل للانتقال بالإرث، وإنما هو أمانٌ متعلق بذي المال وقد مات، فانتفى الموضوع.

وللشافعي قول آخر إذ يقول: "إن هذا المال يكون غنيمة"[11] .

وفيه: إنه غير مأخوذ بقهر وغلبة حتى يصدق عليه عنوان الغنيمة.

وكذا الكلام في الذمي لو مات في دار الإسلام وله وارث حربي، فإن وارثه الحربي لا يرث منه، بل يكون هذا المال فيئاً ويرجع إلى ولي أمر المسلمين.

[أحكام الأمان عند الأسر]

فرع: لو أسر المسلمون الكافر الحربي الذي أُعطوه الأمان، فهل يسقط هذا الأمان أو لا؟ أي أن أحد المسلمين أعطى أماناً للكافر الحربي ثم وقع في الأسر، فحينئذٍ لم يزل الأمان على ماله، يبقى الأمان على ماله.

[أحكام الأمان ومال الكافر الأسير في أربع صور]

لكن لا يخلو من أربع صور:

الحالة الأولى: أن يمن عليه الإمام عليه السلام.

الحالة الثانية: أن يفاديه الإمام عليه السلام، وفي هاتين الحالتين يرد ماله إليه.

الحالة الثالثة: أن يقتله فيكون ماله للإمام عليه السلام إذا لم يكن له وارث إلا الحربي.

الحالة الرابعة: أن يسترقه، فإذا استرقه ملك ماله تبعاً لرقبته.

[أقوال المحقق الحلّي والشهيد الثاني في حكم مال الكافر المسترق وزوال ملكيته]

وقد زاد العلامة الحلي في قواعد الأحكام قائلاً: "ولا يختص به من خصه الإمام برقبته بل للإمام وإن أعتق"[12] ، أي أن المال يكون للإمام المعصوم عليه السلام، فباسترقاقه تزول ملكيته عن ذلك المال.

وقال العلامة الحلي في المنتهى ما نصه: "وإن استرقه زال ملكه عنه لأن المملوك لا يملك شيئاً وصار فيئاً، وإن أُعتق بعد ذلك لم يُرد إليه، وكذا لو مات لم يُرد على ورثته سواءً كانوا مسلمين أو كفاراً لأنه لم يترك شيئاً"[13] .

ووافقه أيضاً الشهيد الثاني في المسالك التصريح بكون ماله فيئاً للإمام عليه السلام، وذكر صاحب المسالك قريباً مما ذكره العلامة في القواعد فقال ما نصه: "فقول المصنف ملك ماله تبعاً أراد به التبعية في الملك لا المالك، فلا يستحقه مسترقه لأنه مالٌ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، ولو أُعتق بعد ذلك لم يعد عليه، أما لو من عليه عاد إليه"[14] .

إلى هنا انتهت كلمات العلامة الحلي والشهيد الثاني رضوان الله عليهما.

ومن الواضح أن كلامهم مبني على أن العبد لا يملك، العبد وماله لمولاه، وبالتالي العبد لا يملك ابتداءً ولا يملك استمراراً، وهذه النكتة ينبغي التركيز عليها، فقد يكون هذا الكافر الحربي يملك أموالاً طائلة قبل أسره، وبعد أن أُسر استرقه الإمام عليه السلام، والقدر المتيقن من عدم ملكيته هو أنه لا يملك بعد استرقاقه، أي بعد أن أصبح عبداً لا يستطيع أن يملك ابتداءً، ولكن هل تستمر ملكيته لماله السابق أو لا؟ هذا تفصيل في المسألة.

[بحث ملكية العبد وماله]

[أولا:] فحينما نقول: "العبد وماله لمولاه"، ونفهم من ذلك أن العبد لا يملك، فهل لا يملك مطلقاً؟ ابتداءً واستمراراً، أو أنه لا يملك ابتداءً بعد استرقاقه لكنه يملك استدامة واستمراراً لماله السابق؟ هذه نكتة ينبغي تنقيحها.

وثانياً: هل يُفهم من قولهم "العبد وماله لمولاه" عدم ملكية العبد للمال أو عدم أهلية العبد للتصرف في المال؟ فالمال ماله وملكه، لكن محجور عليه ولا يجوز له التصرف في ماله إلا بإذن مولاه.

[مناقشة صاحب الجواهر لآراء العلامة الحلي والشهيد الثاني حول ملكية العبد وأهلية التصرف]

إذا تنقحت هاتان النكتتان نجد أن صاحب الجواهر أعلى الله في الخلد مقامه ناقش العلامة الحلي والشهيد الثاني قائلاً:

أولاً: نحن لا نفهم من هذه القاعدة "العبد وماله لمولاه" عدم ملكية العبد، بل نفهم عدم أهليته لتصرف.

وثانياً: حتى لو تنزلنا وقلنا بعدم الملكية، فالقدر المتيقن منها عدم الملكية الابتدائية وليس عدم الملكية الاستمرارية والاستدامية.

فلنقرأ ما أورده صاحب الجواهر على الأعلام، قال المحقق المدقق الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام[15] :

" قلت : ظاهرهم بناء المسألة على مسألة مالكية العبد وعدمها ، وأنه لا فرق في ذلك بين الابتداء والاستدامة ، فيتجه حينئذ بناء على القول بها كما هو ظاهر المصنف فيما يأتي إن شاء الله - إلي هو المحقق الحلي صاحب الشرائع - ولو لاستدامة بقاء المال على ملكيته ، ولكن يثبت سلطان المولى عليه بواسطة ثبوت سلطانه على المالك ، فيصح له جميع التصرفات فيه ، بخلاف العبد فإنه محجور عليه للآية ولثبوت حق المولى في المال ولو على الوجه المزبور ، فلا يصح تصرفه في شي‌ء منه بدون إذنه ، وحينئذ فبقاء عبارة المصنف على ظاهرها من التبعية في المالك حينئذ أولى.

بل الظاهر ذلك أيضا في غير المال المزبور من أمواله التي في دار الحرب ، ولعل هذا من أكبر الشواهد على قابلية العبد للملك ولو الاستدامي ، باعتبار كونه مالكاً قبل العبودية، وأقصى ما يدل على عدم ملكية العبد - على القول به - عدم ابتداء ملكه وهو عبد لا ما ملكه سابقاً، إذ على القول بعدمها - يعني عدم الملكية مطلقاً - يزول ملكه بمجرد استرقاقه فيبقى بلا مالك أو يدخل في ملك من استرقه وإن لم يستول على المال لكونه في دار الحرب مثلاً، أو يكون للإمام عليه السلام لأنه من الأنفال التي منها المال الذي لا مالك له، أو لمن هو في يده ولو كافراً إن كان في يدٍ وإلا فهو مباح، والكل لا تساعد عليه الأدلة بل هو مجرد تهجس.

وقولهم « العبد وماله لمولاه » لا يراد منه ما يشمل ما نحن فيه ، بل المراد به بناء على الملكية أن سلطنة التصرف للمولى وإن كانت العين ملكا للعبد ، فيصح بهذا الاعتبار نسبته إلى كل منهما ، وعلى عدم الملكية ضرب من التجوز في مالية‌ العبد كالاختصاص ونحوه" يعني أن يكون هذا المال قد اختص به العبد انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

أقول: هذا الكلام مبني على استظهار الفقيه من الأدلة، ففي مسألة: "العبد وماله لمولاه"، هل يستظهر الفقيه نفي الملكية أو نفي التصرف؟

وثانياً: لو استظهر نفي الملكية، هل يستظهر نفي الملكية مطلقاً أو نفي الملكية الابتدائية دون الملكية الاستمرارية؟

وبحث هذا في كتاب العبيد في مكان آخر، لكن لا يبعد بشكل بدوي من خلال تتبع الأدلة وأقوال الفقهاء أن مرادهم نفي الملكية وليس نفي التصرف، كما أن مرادهم نفي الملكية مطلقاً وليس خصوص نفي الملكية الابتدائية مع بقاء الملكية الاستمرارية.

وعليه ما أفاده العلامة الحلي والشهيد الثاني في محله وتام لا غبار عليه.

شيخنا أسروه بعدما أُعطوه الأمان؟!

نعم، أعطوه الأمان... افترض تمرد، أو فرض المسألة هكذا: أسره المسلمون، ما كانوا يدرون، ما كانوا يعلمون أنه قد أُعطي الأمان، مسلم أعطى هذا الشخص الأمان.

المفروض يُرد إلى مأمنه.

يرد إلى مأمنه هو عنده أمان، يعني المفروض في هذه المسألة أنه ماذا؟ أنه لو أخل، لو أخل بشيء فأسره المسلمون.

يعني لو رجع لدار الكفر مثلاً أو لو أخل بشرط.

أخل بشرط من شروط الأمان وأسروه.

يعني هنا يذكر حتى أن الإمام له أن يأخذ ماله أو شيء، حتماً لا بدّ أن يكون مُخِلاً حتى أن الإمام،...

نعم، فرض المسألة أنه أخل بشرائط الأمان فاستوجب أحد هذه الأمور الأربعة: أن يمن عليه الإمام أو يفاديه أو يقتله أو يسترقه.

[أمان المسلم في دار الحرب]

فرع: لو دخل المسلم دار الحرب مستأمناً وأعطوه الأمان، كما هو الحال في زماننا يعطونه فيزا ويذهب إلى بلدانهم فسرق وجب إعادة المسروق كما صرح بذلك الشيخ في المبسوط[16] ، وابن القطان في معالم الدين[17] ، الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء[18] ، والعلامة الحلي في تحرير الأحكام[19] ، قواعد الأحكام[20] ، تذكرة الفقهاء[21] ، منتهى المطلب[22] .

[وجه وجوب إعادة المسروق]

ولكن ما هو الوجه في وجوب إعادة المسروق؟ قيل: لظهور أمان المستأمن في عدم خيانته لهم وإن لم يكن مصرحاً به[23] ، أي أنهم إذا أعطوه الأمان فهذا الأمان يتضمن أن من استُؤمن لا يخونهم.

وناقش في ذلك صاحب الجواهر[24] رحمه الله فقال: "ولكن لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعاً، فإن الأمان لا يقتضي أزيد من مأمونية المستأمن لا العكس، هم أعطوه الأمان على نفسه، هذا ما يتضمن أن لا يخونهم وإلى آخره.

ولعل الأولى الاستدلال بالنهي عن الغلول والغدر لهم، ضرورة أولوية هذا الفرد من غيره، والله العالم".

هذا كلام صاحب الجواهر وما أفاده متين في محله، لا يجوز له أن يسرق، ولو سرق وجب أن يرد المسروق إليهم لأن هذا غدر وغلول، وقد نُهي عن الغدر والغلول.

هذا تمام الكلام في هذا الفرع، فروع أخرى تأتي.


[3] معالم الدين، ابن القطان، ج1، ص300.
[8] حلية العلماء، ج7، ص724.
[11] حلية العلماء، ج7، ص724 مختصر المزني، ص273 المجموع، ج19، ص452.
[17] معالم الدين، ابن القطان، ج1، ص301.
logo