47/03/28
الدرس (الخامس والتسعون): شروط العاقد للأمان والذمام
الموضوع: الدرس (الخامس والتسعون): شروط العاقد للأمان والذمام
تعريف الأمان
الأمان هو إعطاء المسلم للكافر أماناً على نفسه من القتل أو الأسر لكي يطّلع على الإسلام، فالأمان ثابت لآحاد المسلمين بالنسبة إلى الكافرين، وليس الغرض من إعطاء الأمان غرضاً شخصياً وإنما هو غرض دعوي من أجل الدعوة إلى الإسلام.
الشروط الأساسية لعاقد الأمان
فما هي شروط العاقد لعبارة الأمان والذمام؟ ذُكرت عدة شروط:
الشرط الأول: البلوغ
الشرط الثاني: العقل
الشرط الثالث: الإسلام
وهذه الشروط الثلاثة هي شروط التكليف العامة.
تفصيل شروط البلوغ والعقل
أما البلوغ فلأن عبارة الصبي والمجنون مسلوبة، وكذا من هو في حكم المجنون كفاقد العقل مثل النائم والسكران، فلا عبرة بإنشائهم وكلامهم. وأما المجنون فلا يدخل في لفظ الرجل والمسلم حقيقة، وإن دخل حكماً، فصبيان المسلمين ومجانينهم في حكم المسلمين، وإن لم يصدق عنوان الرجل والمسلم على المجنون حقيقة.
تفصيل شرط الإسلام
طبعاً بالنسبة إلى شرط الإسلام هو ظاهر النصوص المتقدمة، ولا عبرة بأمان غير المسلم وإن كان يقاتل مع المسلمين. ولا بد من ملاحظة الوجه الصناعي، فعندنا عمومات قتال الكفار وهي تشمل جميع المسلمين، خرجنا عن عمومات قتال الكفار ببركة روايات الذمام والأمان، فنقتصر في هذا الخروج على القدر المتيقن، والروايات التي دلت على جواز إعطاء الذمام والأمان واردة بالنسبة إلى خصوص المسلم، فلا تشمل الكافر، فليس له حق إعطاء الأمان.
الشرط الرابع: الاختيار
الشرط الرابع: الاختيار، فلا عبرة بأمان المكره، وقد حكى العلامة الحلي في المنتهى[1] الإجماع على اشتراط الاختيار، بل ادعى صاحب الجواهر[2] الإجماع المحصّل على اشتراط الاختيار في عاقد الأمان.
الاستدلال على شرط الاختيار
ويمكن أن يتمسك لاشتراط الاختيار بظهور الأدلة من آيات وروايات في المختار، والأصل عدم ترتب الحكم على معطي الأمان إلا ما خرج بالدليل، وما دل الدليل عليه، وهي ظاهرة في المختار.
النقل عن دعائم الإسلام
جاء في دعائم الإسلام عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " وَ إِنْ آمَنَهُمْ ذِمِّيٌّ أَوْ مُشْرِكٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَسْكَرِهِمْ فَلَا أَمَانَ لَهُ "[3] .
الشروط التي لا تُشترط في عاقد الأمان
إلى هنا ذكرنا أربعة شروط في عاقد الأمان، ثم نذكر بعض الأمور التي لا تُشترط:
عدم اشتراط الحرية
فلا يُشترط في عاقد الأمان أن يكون حراً، فلا فرق بين الحر والمملوك، وهذا المملوك سواء أُذن له أو لم يُؤذن له في الجهاد، فله إعطاء الأمان ما دام مع المسلمين في المعركة.
عدم اشتراط الذكورة
ولا فرق بين الذكر والأنثى، فللأنثى أيضاً إعطاء الأمان بلا خلاف، كما اعترف به العلامة في المنتهى[4] ، كما أن العلامة نسب هذا القول[5] إلى علمائنا وأكثر أهل العلم بالنسبة إلى العبد.
الاستدلال على عدم اشتراط الحرية والذكورة
ويمكن أن نتمسك لنفوذ أمان المملوك والأنثى بعموم قوله صلى الله عليه وآله: "يسعى بذمتهم أدناهم"[6] .
الاستدلال الخاص بالعبد
هذا بالنسبة إلى التمسك بالعموم، ويمكن التمسك في خصوص هذه المسألة بخبر مسعدة بن صدقة في العبد عن أمير المؤمنين، حيث علّل له بأنه من المؤمنين، إذ جاء فيها إن علياً عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون، وقال: "هو من المؤمنين"[7] .
رد قول أبي حنيفة
فما عن أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف من اختصاص الأمان بخصوص العبد المأذون في القتال لا دليل عليه، إذ لا حجر على العبد في ذلك.
الاستدلال على أمان المرأة
كما يمكن أن يستدل على نفوذ أمان المرأة بما في المنتهى من أن أم هاني قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: "يا رسول الله، إني أجرت أحمائي وأغلقت عليهم، وإن ابن أمي أراد قتلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ، إنما يُجير على المسلمين أدناهم"[8] .
وورد أيضاً ما نصه: "وأجارت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أبا العاص بن الربيع فأمضاه رسول الله صلى الله عليه وآله"[9] [10] ، إلى غير ذلك يُراجع منتهى المطلب للعلامة الحلي[11] .
حكم الأمان الباطل وشبهة الأمان
الأمان الباطل
بناءً على ذلك ما تقدم من شروط، لو أعطى الأمان والذمام المراهق أو المجنون أو الكافر أو المكره لم ينعقد الأمان.
شبهة الأمان
لكن لو اغتر المشرك بأمانهم وزعم الصحة وجاء بناءً على هذا الأمان، فإنه لا يُقتل ولا يُؤسر، بل يُعاد إلى مأمنه، لأنه يندرج تحت شبهة الأمان. وقد دل على ذلك فحوى خبر محمد بن حكيم، قال الصادق عليه السلام: " لَوْ أَنَّ قَوْماً حَاصَرُوا مَدِينَةً فَسَأَلُوهُمُ الْأَمَانَ فَقَالُوا لَا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَالُوا نَعَمْ فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ كَانُوا آمِنِينَ "[12] .
أمثلة على شبهة الأمان
وهكذا كل حربي دخل إلى دار الإسلام لشبهة الأمان، فدخل ديار المسلمين ظاناً أنهم أعطوه الأمان، كأن يسمع لفظاً فيعتقده أماناً، أو يصحب رفقة من المسلمين فيتوهم أنها أمان، أو يُعطى الأمان ويشتمل عقد الأمان على شرط فاسد ولكن لم يعلم الكافر فساد هذا الشرط المفسد لعقد الأمان.
فهذا كله يندرج تحت عنوان دخول دار الإسلام بشبهة الأمان، فلا يُقتل ولا يُؤسر، بل يُؤمّن إلى أن يرجع إلى المكان الذي جاء منه. وادعى صاحب الجواهر[13] الإجماع المحصّل على ذلك، إذ قال في جواهر الكلام: "بلا خلاف أجده فيه" كما اعترف به في المنتهى[14] للفحوى المزبورة، هي فحوى خبر محمد بن حكيم.
شروط قبول ادعاء الشبهة
لكن لو ادعى الكافر الشبهة من دون وجود مقتضٍ للشبهة لم يُقبل كلامه، ما لم يثبت مقتضيها، إذ تشمله عمومات الأمر بالقتل والأسر، ولا تشمله روايات عقد الأمان أو الدخول تحت شبهة الأمان، فمجرد الشبهة لا يكفي إلا مع وجود مقتضي الشبهة، كـ تضمن عقد الأمان لشرط فاسد أو وجود لفظة فهم منها أنها أمان.
نطاق حق إعطاء الأمان
السؤال الأساسي
إلى هنا ذكرنا شروط عاقد الأمان أو الذمام أو الجوار أو الإجارة، يبقى الكلام من له هذا الحق؟ هل هو مختص بخصوص ولي أمر المسلمين أو نائبه، أم أن هذا الحق ثابت لآحاد المسلمين؟
وإذا كان ثابتاً لآحاد المسلمين، فهل يثبت لهم هذا الحق لخصوص آحاد الكفار وأفرادهم، أم يشمل دولة الكفر أو أمة الكفر؟
ومن الواضح أن القدر المتيقن في هذه المسألة هو إعطاء الأمان لفرد من الكفار لآحاد الكفار، وأما إعطاء الأمان لدولة الكفار فهذا يحتاج إلى دليل.
استدلال من الأدلة
ولو رجعنا إلى أدلة الأمان لوجدنا أنها تدل على جواز أن يذمّ الواحد من المسلمين، وإن كان من أدنى المسلمين كالعبد والمرأة، فيجوز لهما إعطاء الأمان لآحاد أهل الحرب والكفار.
قول في تحديد العدد
وذهب البعض إلى أنه يجوز إعطاء الأمان إلى عشرة من الكفار فما دون، وقد صرح به جماعة كابن حمزة في الوسيلة[15] والعلامة في المختلف[16] والشهيد الثاني في المسالك[17] .
تقييد الأدلة
لكن الأدلة المتقدمة لا تنص على أنهم عشرة فما دون، لكنها لا تشمل إعطاء الذمام والأمان العام، فلا يحق لآحاد المسلمين أن يعطوا الأمان العام لأمة الكفر أو دولة الكفر، فلا يجوز لآحاد المسلمين إعطاء الأمان لسائر المشركين ولا لأهل إقليم أو بلدان معينة، اقتصاراً فيما خالف عموم الأمر بالقتل أو الأسر المستفاد من الكتاب والسنة.
عموم قتل المشركين أو أسرهم، نقتصر فيما خالف ذلك على خصوص المنساق من أدلة جواز إعطاء الأمان، يعني اقتصاراً فيما خالف الأصل على القدر المتيقن. عندنا عمومات من الكتاب والسنة تدل على جواز قتل الكفار وأسرهم، خالف ذلك روايات إعطاء الأمان، القدر المتيقن منها أن هذا إعطاء الأمان ثابت لآحاد المسلمين في حق آحاد الكافرين، ما يشمل أمة الكفر أو دولة الكفر، والمنساق من الأدلة والروايات إعطاء أمان خاص وليس إعطاء أمان عام، وأن يكون من أجل الدعوة إلى الله والإسلام وليس شخصياً.
حكم إعطاء الأمان للقرى والحصون
الخلاف في المسألة
يبقى الكلام في هذه المسألة: هل يجوز إعطاء الأمان لقرية أو حصن؟ يوجد خلاف:
القول الأول: الجواز
قيل: يجوز، كما أجاز أمير المؤمنين عليه السلام ذمام الواحد لحصن من الحصون، كما في خبر مسعدة المتقدم: إن علياً عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون وقال: "هو من المؤمنين"[18] .
كما يمكن التمسك بإطلاق قوله صلى الله عليه وآله: "يسعى بذمتهم أدناهم"[19] ، إن لم يُناقش في كون الإطلاق ناظراً إلى هذه الحيثية.
ويمكن التمسك أيضاً بخبر السكوني المشتمل على لفظ "قومٍ من المشركين"[20] .
القول الثاني: عدم الجواز
القول الثاني: لا يجوز، وقد ذهب إلى ذلك صاحب الشرائع، وقال: هو الأشبه لأصالة عدم ترتب الأثر، فيبقى عموم الأمر بقتل المشركين بحاله من دون معارض. وأما فعل علي عليه السلام فيُحمل على أنه قضية في واقعة ولا يُتعدى منها إلى غيرها.
الترجيح
أقول: إن قلنا بحجية خبر مسعدة بن صدقة، ويمكن تصحيحه على بعض المباني كوروده في كامل الزيارات، فلو التزمنا بصحة الخبر لقلنا بأن المسلم، حراً كان أو عبداً، يجوز له إعطاء الأمان لحصن من الحصون.
وإن قلنا بعدم حجية هذا الخبر فإننا نقتصر على القدر المتيقن، وهو ثبوت الأمان لآحاد المسلمين في حق آحاد الكفار، ولا يشمل الحصن فضلاً عن الأمة والدولة، والله العالم.
هذا تمام الكلام بالنسبة إلى إعطاء الأمان وأنه ثابت لآحاد المسلمين، وثابت لهم إعطاء خصوص الأمان الخاص دون الأمان العام.
حق الإمام وولي الأمر
وأما إمام المسلمين فإنه يجوز له أن يعطي الأمان لأهل الحرب بشكل عام أو بشكل خاص على حسب ما يراه من المصلحة، بلا خلاف كما اعترف به العلامة في المنتهى، لأن ولايته عامة والأمر موكول إليه.
حق النائب المنصوب
وكذلك من نصبه الإمام للنظر في جهة يجوز له أن يذمّ لأهلها وأن يعطيهم الأمان عموماً وخصوصاً، إذا كان الإمام عليه السلام أو ولي أمر المسلمين الذي له ولاية عامة قد أعطاه هذه الصلاحية بحسب ما يراه من المصلحة.
قيد الصلاحية
وأما لو تصرف في غير ما له صلاحية فيه، فحاله حال عامة المسلمين، لا يثبت له إلا إعطاء الأمان الخاص دون إعطاء الأمان العام.
هذا تمام الكلام في شروط العاقد للأمان، يبقى الكلام في وجوب الوفاء بالأمان، يأتي عليه الكلام.