46/11/22
الدرس (التسعون): حرمة قتل رسول الكفار
الموضوع: الدرس (التسعون): حرمة قتل رسول الكفار
قال العلامة في "التذكرة"[1] : لا يقتل رسول الكافر. روى العامة عن ابن مسعود: أن رجلين أتيا النبي (صلى الله عليه وآله) رسولين لمسيلمة، فقال لهما: " اشهدا أني رسول الله " فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " لو كنت قاتلا رسولا لضربت عنقكما "[2] [3] [4] [5]
ويستفاد من هذا الحديث الأمان الذي هو مقتضى المصلحة والسياسة ضرورة مسيس الحاجة إلى ذلك، كما هو واضح في الحروب في الزمن القديم.
سؤال: هل يجوز التمثيل بالإنسان؟ سواء كان حيًا أو ميتًا، وفي خصوص الحرب أو مطلقًا؟
الجواب: لا يجوز التمثيل بالإنسان مطلقًا في حال الحرب وغيرها، قبل مماته وبعد مماته، فلا يجوز التمثيل بالكفار بقطع الآنعاف والآذان ونحو ذلك من تشويه الجثة أو قطع اللسان أو كسر الأسنان، فلا يجوز التمثيل بالجثة حال الحرب، كما يقول صاحب الجواهر "بلا خلاف أجده فيه"[6] .
وفي كثير من الأحيان حينما يقول صاحب الجواهر "بلا خلاف أجده فيه"، هذه عبارة السيد علي الطباطبائي في "الرياض"[7] في هذا المورد.
والدليل على ذلك: النصوص التي نهت عن التمثيل، وقد تطرقنا إليها. ذكرنا ثلاث روايات رواية جميل ومحمد حمران عن أبي عبد الله جاء فيها: "ولا تمثلوا"[8] .
وخبر الثمالي، وسائر الشيعة جزء خمسة عشر صفحة ثمانية وخمسين، وخبر مسعدة ابن صدقة، وجاء فيه أيضًا: "ولا تمثلوا".[9]
بالإضافة إلى هذه النصوص الثلاثة، ما ورد عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور "[10] .
وقد أوصى صلوات الله وسلامه عليه بقاتله عبد الرحمن ابن ملجم، فقال: "ولا فإن أنا مت من ضربتي هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل. فإني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
ومقتضى النصوص وأكثر الفتاوى إطلاق حرمة المثلة، فلا تجوز المثلة بلا فرق بين حال الحرب وغيرها، وما بعد الموت وقبله، ولو راجعنا "المسالك"[11] و"الرياض"[12] لوجدنا ما يشعر بالتقييد بحال الحرب، وهذا في غير محله، إذ حرمة التمثيل مطلقة.
وأيضًا تحرم المثلة بلا فرق بين ما لو فعل الكفار ذلك بالمسلمين ومثلوا بهم، وعدمه.
نعم، مقتضى قوله تعالى:
﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾[13]
هو الجواز، لكن إطلاق النص والفتاوى بحرمة التمثيل يقتضي عدم الجواز.
نعم، هناك مورد واحد، وهو قطع الرؤوس، ففي "التذكرة"[14] للعلامة الحلي: "يكره نقل رؤوس الكفار إلا مع نكاية الكفار به أي إذلالهم". [15]
وزاد العلامة الحلي في "التذكرة"[16] ما نصه: ما لو أريد معرفة المسلمين بموته، فإن أبا جهل لما قتل حمل رأسه، وإن لم يكن كذلك كان مكروهًا، فإنه لم يُنقل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رأس كافر قط.[17] [18]
فكيف يستثنى حمل الرأس؟
يمكن نفي الحرمة عن ذلك بأحد وجهين:
الأول: التخصص بأن يقال إن قطع الرأس ليس من التمثيل، بل كان متعارفًا فصل الرأس عن الجسد، فإذا قلنا بالتخصص انتفى الموضوع، وهو التمثيل، فينتفي حكمه وهو الحرمة.
الثاني: التخصيص بأن يقال إنه تمثيل، لكنه استثني من حرمة التمثيل، وهذا يتوقف على وجود دليل، فإن لم يقم الدليل على التخصيص ولم نستظهر التخصص، وقلنا باندراج قطع الرأس تحت عنوان التمثيل، خصوصًا إذا قطع الرأس بعد موت الكافر، أي أنه قتل بطعنة في قلبه أو في بطنه فمات، ثم قطع رأسه وطيف به في البلدان، فهنا لا يبعد أنه من مصاديق التمثيل، فحينئذ لا يجوز، والله العالم.
خصوصًا في زماننا هذا الذي لم يؤلف فيه قطع الرؤوس، بل يضرب بالرصاص أو المدفع، ويقتل بغير طريقة قطع الرأس.
[حرمة الغدر بالكفار]
لا يجوز الغدر بالكفار بأن يقتلوا بعد إعطائهم الأمان، قال الطريحي في "مجمع البحرين"[19] : "الغدر ترك الوفاء ونقض العهد".
وهي عين عبارة صاحب الرياض. "رياض المسائل"[20] .
ومدرك حرمة الغدر بالكفار النصوص السابقة كخبر مسعدة بن صدقة وغيره، بالإضافة إلى قبحه في نفسه وتنفير الناس عن الإسلام.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في خبر الأصبغ بن نباتة في أثناء خطبة له: " لَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَ لِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلَا وَ إِنَّ الْغَدْرَ وَ الْفُجُورَ وَ الْخِيَانَةَ فِي النَّارِ "[21] .
وفي خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام، سأله عن قريتين من أهل الحرب، لكل واحدة منهما ملك على حدة، اقتتلوا، ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه، فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو تلك المدينة. فقال أبو عبد الله عليه السلام: " لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا وَ لَا يَأْمُرُوا بِالْغَدْرِ وَ لَا يُقَاتِلُوا مَعَ الَّذِينَ غَدَرُوا وَ لَكِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ وَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ "[22] .
نعم، تجوز الخدعة في الحرب كما صرح به الفاضل وهو العلامة الحلي، وإذا قيل الفاضلان، يُراد المحقق الحلي نجم الدين صاحب الشرائع، وابن أخته العلامة الحلي صاحب التبصرة، فقد صرح العلامة في جملة من كتبه كـ"قواعد الأحكام"[23] و"تحرير الأحكام"[24] بل في "التذكرة"[25] الجزء التاسع صفحة ثلاثة وثمانين، و"منتهى المطلب"[26] دعوة إجماع على جواز الخدع في الحرب.
قال: تجوز المخادعة في الحرب، وأن يخدع المبارز قرينه ليتوصل إلى قتله إجماعًا. ثم قال: وروى العامة أن عمرو بن عبد ود بارز عليًا عليه السلام، فقال: "ما أحب ذلك يا ابن أخي؟" فقال علي عليه السلام: "لكني أحب أن أقتلك". فغضب عمرو فاقبل عليه، فقال علي عليه السلام: "ما لست لأقاتل اثنين"، فالتفت عمرو، فوثب علي عليه السلام فضربه. فقال عمرو: "خدعتني". فقال عليه السلام: "الحرب خدعة".[27] [28] [29]
وفي خبر إسحاق بن عمار، هذا الخبر الأول من طريق العامة، الآن طريقي الخاصة. ففي خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: "إن عليًا عليه السلام كان يقول: لئن تخطفني الطير أحب إلي من أن أقول على رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يقل"، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الخندق يقول: "الحرب خدعة"، ويقول: "تكلّموا بما أردتم".[30] [31]
وقال الصدوق رحمه الله: "من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله" إلى أن يقول: "الحرب خدعة"[32] [33] .
وفي خبر أبي البختري المروي عن "قرب الإسناد"[34] صفحة مائة وثلاثة، حديث أربعمائة وستة وستين، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه قال: "الحرب خدعة، وإذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله فوالله لئن أخر من السماء أو تخطفني الطير أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله بلغه أن بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان: "إذا التقيتم أنتم ومحمد، أمددناكم وأعنّاكم".
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله، وقع أن بني قريظة بعثوا إلينا: "إنّا إذا التقينا نحن وأبو سفيان أمدّونا وأعانونا"، فبلغ ذلك أبا سفيان فقال: "غدرت يهود فارتحل عنهم". [35]
وقال عدي ابن حاتم الطائي: "إن عليًا عليه السلام قال يوم التقى هو ومعاوية بصفين، فرفع بها صوته يسمع أصحابه: 'والله لاقتلن معاوية وأصحابه'. ثم قال في آخر قوله: 'إن شاء الله'، وخفض بها صوته. وكنت منه قريبًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك حلفت على ما قلت ثم استثنيت، فما أردت بذلك؟ فقال: 'إن الحرب خدعة، وأنا عند المؤمنين غير كذوب، فأردت أن أحرض أصحابي عليهم كي لا يفشلوا ولكي يطمعوا فيهم، فافهم فإنك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء الله.
واعلم أن الله عز وجل قال لموسى حيث أرسله إلى فرعون: 'فَأَتِيَا ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾[36] ' وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى، ولكن ليكون أحرص لموسى عليه السلام على الذهاب".[37] [38]
إذاً، لا تجوز الخيانة في الحرب وإعطاء الأمان ثم نكثه، وأما الخدعة، فجائزة.
وكذلك يحرم الغلول، وصرح بذلك الشيخ الطوسي في "النهاية"[39] والمحقق الحلي في "المختصر النافع"[40] والعلامة الحلي في "قواعد الأحكام"[41] و"إرشاد الأذهان"[42] و"تحرير الأحكام"[43] و"منتهى المطلب"[44] جزء أربعة عشر صفحة مائة وستة، "التذكرة الفقهاء"[45] . كل هذه العلامات الحلي له فضل كبير على المذهب رضوان الله عليه.
والشهيد الثاني في "مسالك الأفهام"[46] في شرح "شرائع الإسلام" وغيرها كابن إدريس الحلي في "السرائر"[47] ويحيى ابن سعيد الحلي في "الجامع للشرائع"[48] والمقدس الأردبيلي في "مجمع البرهان"[49] .
والوجه في ذلك هو النهي عن الغلول، الغُلول بالضم، النهي عن الغلول كما في النصوص التي تقدمت، خبر مسعدة وغيره والثمالي.
سؤال: ما هو الغلول؟
فسره في "جامع المقاصد"[50] بالسرقة من أموال الكفار،
وفيه: أنه مناف لما هو المعلوم من كون مال الحرب شيئاً للمسلمين، فيجوز للمسلم التوصل إلى مال الحربي بكل طريق إلا أن يكون هناك إجماع على الحرمة، ولا يوجد، أو يكون المراد بالغلول السرقة منهم بعد الأمان، ونحوه مما يكون به محترم المال مع كفره أو يراد به النهي عن السرقة من الغنيمة، بل قيل إنه أكثر ما يُستعمل في ذلك، بل يمكن حمل ما يقبل ذلك من عبارات الأصحاب عليه، والله العالم. هذه كلها احتمالات أوردها صاحب الجواهر في "جواهر الكلام"[51] .
أقول: الغلول بالضم من غل يغل غلولًا، والمراد به الخيانة. والغلول في اللغة والاصطلاح له معنيان: معنى خاص ومعنى عام. أما المعنى الخاص فهو السرقة من الغنيمة سرًا قبل القسمة، فإذا غنم المسلمون الغنيمة، عمد إلى الأخذ منها بطرق معينة قبل أن تُقسم، هذا يُقال له غلول، ومن الواضح أن الغنيمة ملك للمسلمين ولبيت المال.
وأما الغلول بالمعنى الأعم فهو الخيانة، ومن الواضح أن السرقة من الغنيمة قبل قسمتها خيانة لبيت المال وخيانة للمسلمين، فإذا أطلقت لفظ الغلول في كتاب الجهاد وفي الفقه فيما يتعلق بالغنيمة والحرب، فإنه يراد به السرقة من الغنيمة قبل القسمة، ومن الواضح أنه حرام بلا إشكال، ويصدق عليه الغلول بالمعنى الأخص، السرقة من الغنيمة قبل قسمتها، والغلول بالمعنى الأعم، إذ أنها خيانة لبيت المال والمسلمين.
هذا تمام الكلام في كيفية القتال، يبقى الكلام في مستحبات القتال، ذكرنا محرمات القتال.
ويبقى الكلام في مستحبات القتال، أن يبدأ القتال بعد الزوال وغير ذلك، يأتي عليه الكلام.