46/11/21
الدرس (التاسع والثمانون): حرمة قتل الخنثى المشكل في الحرب
الموضوع: الدرس (التاسع والثمانون): حرمة قتل الخنثى المشكل في الحرب
الخُنثى إما أن يكون معلوماً - إما أن يلحق بالرجال أو يلحق بالنساء - فيكون حكمه معلوماً، وإما أن يكون الخُنثى مُشكلاً فلا يُعلم أنه ذكر أم أنثى، فهل يلحق بالرجال فيجوز قتله؟، أو يلحق بالنساء فلا يجوز قتله في الحرب؟
ألحق العلامة الحلي[1] [2] والشهيدان[3] [4] الخُنثى المُشكل بالمرأة، فلا يجوز قتله في الحرب.
[تقريب حرمة قتل الخُنثى المُشكل في الحرب]
ويمكن تقريب حرمة قتل الخُنثى المُشكل في الحرب بأحد توجيهين:
الأول: ترجيح مراعاة مقدمة الحرام على مقدمة الواجب ضرورة وجوب قتل المشركين وحرمة قتل النساء، فقتل الخنثى المشكل إما مقدمة للحرام وهي قتل النساء، وإما مقدمة في الوجوب وهي قتل المشركين في الحرب، فترجح وتقدم مقدمة الحرام على مقدمة الواجب.
الثاني: دعوى عدم اندراج قتل الخُنثى المُشكل في أدلة الوجوب، نظراً لكون الخطاب في أدلة وجوب قتل المشركين إنما هو للمذكرين، ولا يشمل الخُنثى المُشكل.
والخلاصة: الخُنثى المُشكل لا تندرج تحت عمومات أدلة وجوب قتل المشركين التي هي خطاب للمذكرين، وإذا قلنا بحرمة قتل الخُنثى المُشكل، فلا بد من تقييده بعدم الضرورة، فلو اقتضت الضرورة قتل الخنثى المشكل جاز ذلك، كما في النساء فإنه يحرم قتلهن في الحرب إلا لضرورة.
هذا تمام الكلام في حكم قتل الخنثى المشكل في الحرب.
سؤال: هل يجوز قتل الراهب والأحبار؟
في المسألة قولان: قول بالجواز، وقول بعدم الجواز.
أما القول بالجواز: فمدركه التمسك بالعمومات الدالة على وجوب قتل المشركين.
وأما القول بعدم الجواز: فمدركه التمسك بخبر مسعدة بن صدقة الظاهر في النهي عن قتلهم.
بيان الأقوال في المسألة:
قال العلامة الحلي في "القواعد": يُقتل الراهب.[5]
وقال في "التحرير": الرهبان وأصحاب الصوامع يُقتلون إن كان لهم رأي وقتال.[6]
وقال في "التذكرة": الرهبان وأصحاب الصوامع يُقتلون إن كان لهم قوة ورأي أو كانوا شباناً.[7]
وقال في العلامة الحلي في "مختلف الشيعة"[8] ما نصّه قال في المبسوط: "أهل الصوامع والرهبان يُقتلون"، ونقل عن ابن الجنيد: " لا يقتل منهم شيخ فان و لا صبي و لا امرأة و لا راهب في صومعة أو حيث قد حبس نفسه فيه، إلّا أن يكون أحد منهم قد قتل أحدا من المسلمين، أو يكون منهم قتال يخاف مع ترك قتلهم النكاية في المسلمين ".
وقال العلامة أيضاً في "المنتهى"[9] : الرهبان وأصحاب الصوامع يُقتلون إن كانوا شيوخاً لهم قوة أو رأي، وكذا لو كانوا شباناً، قتلوا كغيرهم إلا من كان شيخاً فانياً للعموم، قال الشيخ: وقد روي أنهم لا يقتلون.
وهنا يعلق صاحب الجواهر في "جواهر الكلام"[10] قائلاً:
"قلت: قد سمعت النهي عن قتل المتبتل في شاهق في خبر مسعدة بن صدقة، إلا أنه غير جامع لشرائط الحجية، ومن هنا يقوى العمل بالعموم كقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾[11] ، ونحوه الشامل للمريض أيضاً الذي لم يُيأس من برئه، فإنه حينئذ بمنزلة الجريح الذي يُجهز عليه."
أقول: من ذهب إلى جواز قتل الراهب فإنه تمسك بالعمومات الدالة على وجوب قتلهم كقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾، الظاهرة في الرجال البالغين العاقلين الذين لهم رأي أو قتال، وقد يقال بدعوى انصرافها عن الرجال الذين ليس لهم رأي ولا قتال، وخصوصاً الشيخ الكبير منهم، الذي لا رأي له ولا قتال.
وأما من ذهب إلى حرمة قتل الرهبان استند إلى خبر مسعدة بن صدقة، إذ جاء فيه: "ولا تقتلوا وليداً ولا متبتلاً في شاهق"[12] [13] .
وصاحب الجواهر رحمه الله، قال: إنه غير جامع لشرائط الحجية، والصحيح إن خبر مسعدة بن صدقة جامع لشرائط الحجية فتكون الرواية معتبرة وموثقة، وبذلك لا يجوز قتل الراهب المتبتل في الشاهق.
أقول: الإشكال في الرواية هو في مسعدة بن صدقة، فجميع الرواة الواردين في سلسلة السند ثقات إلا مسعدة بن صدقة، فهو عامي لم يرد فيه توثيق خاص، ومن هنا لم يعمل جملة من الأصحاب والفقهاء المعاصرين برواياته، كصاحب الجواهر والشهيد السيد محمد باقر الصدر وغيرهما رضوان الله عليهما.
ويمكن توثيق مسعدة بن صدقة بأحد خمسة أمور:
الطريق الأول: ذكره في تفسير القمي، ومن هنا وثقه السيد الخوئي رحمه الله لأنه قد ذكر في تفسير القمي.
وفيه: نحن لا نبني على وثاقة جميع الرجال الوراردين في تفسير القمي نظراً لأن النسخة الواصلة إلينا من التفسير مختلطة بين تفسير علي بن إبراهيم القمي وتفسير أبي الجارود الزيدي وغيرهما كرسالة المحكم والمتشابه، فالطريق الأول ليس بتام.
الطريق الثاني: اندراجه في كتاب "كامل الزيارات" لجعفر بن محمد ابن قولويه.
وفيه: أن مسعدة بن صدقة وإن ذُكر في "كامل الزيارات"، لكنه ليس من المشايخ المباشرين لجعفر بن محمد بن قولويه، فيمكن توثيقه بناءً على المبنى السابق للسيد الخوئي، وهو توثيق جميع الرجال الواردين في "كامل الزيارات" من مباشرين وغير مباشرين.
لكننا نبني على ما ذهب إليه السيد الخوئي في أواخر عمره الشريف من استفادة التوثيق من ديباجة ابن قولويه في "كامل الزيارات" الناظرة لخصوص المشايخ المباشرين، وبالتالي لا يمكن توثيق مسعدة بن صدقة على هذا المبنى، فضلاً عن مبنى السيد السيستاني (حفظه الله) الذي يرى أن عبارة ابن قولويه لا تفيد التوثيق لا للمباشرين ولا لغير المباشرين.
الطريق الثالث: كونه من المعاريف، وقد ذهب شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي (رحمه الله) إلى أن الراوي إذا كان من الشخصيات المعروفة ولم يرد فيه توثيق لكن لم يرد فيه أدنى قدح، فنفس كونه من المعاريف والمشاهير مع عدم ورود قدح يكشف عن وثاقته.
وهذا المبنى يخضع للاطمئنان الشخصي، فلربما شيخنا الأستاذ استفاد هذا الاطمئنان الشخصي وجعله كقاعدة نوعية عامة، لكننا لا يحصل لنا الاطمئنان في كل مورد مورد، فلا نلتزم بأن كون الشخص من المشاهير أو المعاريف أمارة وثاقة.
الطريق الرابع: دعوى الاتحاد بين مسعدة بن صدقة ومسعدة بن زياد الذي وثقه النجاشي قائلاً: "ثقة وجه"، واسمه مسعدة بن صدقة بن زياد، وقد يُحذف اختصاراً فيقال: "مسعدة بن صدقة" ويُراد به مسعدة بن زياد الثقة. وقد ذهب إلى ذلك سيد الطائفة السيد حسين البروجردي (رحمه الله) والمرجع المعاصر السيد موسى الشبيري الزنجاني.
وفيه: من يتأمل في كلتا الترجمتين يلحظ أنهما شخصيتان وليسا شخصية واحدة، بل هناك دعوى اتحاد المساعد الثلاثة في مقال للسيد محمد جواد الشبيري الزنجاني (ابن المرجع الكبير السيد موسى الشبيري الزنجاني).
فلو راجعنا الرجال سنجد أنهم ينصون على أن مسعدة بن صدقة عامي بصري، وأن مسعدة بن زياد كوفي، فالبلد مختلف، كما أن ما يُذكر لكل منهما من كتب يختلف عن الآخر، فهناك جملة قرائن تكشف عن تعدد الشخصيتين، والأصل هو التعدد، وإثبات الاتحاد يحتاج إلى دليل.
إلى هنا اتضح أن هذه الطرق الأربعة كلها لا توثق مسعدة بن صدقة.
الطريق الخامس والأخير: إكثار الأجلاء عنه، ونحن نبني على أن إكثار الجليل عن شخص أمارة الوثاقة، فكيف إذا أكثر جمع من الأجلاء عنه؟! وممن أكثر عن مسعدة بن صدقة هارون بن مسلم الثقة الجليل، فيمكن أن يستفاد من إكثار هارون بن مسلم وثاقة مسعدة بن صدقة، وبالتالي نقبل روايته.
والبحث في مسعدة بن صدقة يُبحث في علم الأصول في أدلة البراءة، إذ توجد رواية ورد فيها مسعدة بن صدقة، وهناك بحث كبار الفقهاء المعاصرين في وثاقة مسعد بن صدقة، فيراجع.
النتيجة النهائية: هذه الرواية موثقة، لأن مسعدة بن صدقة عامي لكنه ثقة بناءً على إكثار الأجلاء عنه، فتكون النتيجة: عدم جواز قتل الراهب لما دلت عليه رواية أو موثقة مسعدة بن صدقة إذ قالت: "ولا متبتلاً في شاهق".
يبقى الكلام:
سؤال: هل يجوز قتل المريض أو لا؟
والجواب: تارةً يكون المريض لا يُيأس من برئه، فحكمه حينئذٍ حكم الجريح، وتارةً يُيأس من برئه، فحينئذٍ لا يجوز قتله كالنساء.
قال العلامة في "المنتهى[14] والتحرير[15] ": "لو يئس من برئه لم يُقتل كالنساء".
وناقشه صاحب الجواهر[16] قائلاً: "مع أنه لا يخلو من بحث للعموم، وكونهم شر الدواب، وفي قتلهم تطهير للأرض منهم".
أقول: قد يقال إن العمومات الآمرة بقتال المشركين: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ قد يقال بدعوى انصرافها عن مثل المريض الكافر الذي يُأس من برئه، والله العالم.
وبناءً على ما قاله صاحب الجواهر: يُقتل الفلاح الذي لم يقاتل. وقول عمر بن الخطاب: "اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يَبغون لكم الحرب"[17] [18] [19] ليس بحجة، خصوصاً مع معارضة الكتاب والسنة.
وحُكي عن الشافعي في أحد قوليه عدم قتل أرباب الحرف والصناعات والسوقة الذين لا يتعاطون القتال ولا يمارسون الأسلحة.[20] [21] [22]
أقول: هذا يخضع لاستظهار الفقيه، فمن يرى أن عموم قوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ شامل لهذه الأصناف، فحينئذٍ يجب قتلهم، ومن يرى أنها منصرفة عنهم بالنظر إلى خصوص المقاتلين – كما هو ليس ببعيد – فحينئذٍ لا يجوز قتلهم، والله العالم.
يبقى الكلام في جواز قتل رسول الكافر: فلو أرسل رسولاً، هل يجوز قتله أو لا؟
هذا من الواضحات أنه مستثنى، فلا يجوز قتله، وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى.