« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (الثامن والثمانون): حرمة قتل المجانين والصبيان والنساء في الحرب

الموضوع: الدرس (الثامن والثمانون): حرمة قتل المجانين والصبيان والنساء في الحرب

قال المحقق الحلي في "شرائع الإسلام"[1] : "ولا يجوز قتل المجانين ولا الصبيان ولا النساء منهم، ولو عونهم إلا مع الاضطرار".

وعلق على كلامه المحقق الشيخ محمد حسن النجفي في "جواهر الكلام"[2] قائلًا: "بلا خلاف أجده في شيء من ذلك

وقد نفى الخلاف قبله السيد علي الطباطبائي في "رياض المسائل"[3] ، بل في "المنتهى"[4] الإجماع عليه في النساء والصبيان، بل وعلى قتل النساء مع الضرورة.

وعبارة العلامة الحلي في "المنتهى" هكذا: "لا يجوز قتل صبيان المشركين إجماعًا، ولا نسائهم".

[الدليل على المسألة]

والدليل على حرمة قتل هذه الأصناف الثلاثة (النساء والصبيان والمجانين) الروايات الشريفة الواردة عند الفريقين:

أولًا: روايات الشيعة الإمامية، فقد مضى خبر جميل بن دراج، والثمالي، وقد ذكرت هذه الأصناف فيهم، فف خبر جميل ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه، وأجلس بين يديه، ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا صبيًا، ولا امرأة"[5] .

ثانيًا: روايات أهل السنة

فقد ورد عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا صغيرًا، ولا امرأة".[6] [7] [8]

كما ورد في حديث الجمهوري أيضاً عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) مر بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال: "من قتل هذه؟" فقال رجل: "أنا يا رسول الله"، قال: "لم؟" قال: "نازعتني قائم سيفي"، فسكت. [9] [10] [11] [12] [13] [14]

إذاً روايات الخاصة والعامة دلت على عدم جواز قتل المجانين والصبيان (غير البالغين) لعدم تكليفهم، وكذلك دلت على عدم جواز قتل المرأة والشيخ الكبير، فقد جاء في خبر حفص بن غياث، الذي رواه المشايخ الثلاثة:

الشيخ الكليني في "الكافي"[15] .

الشيخ الصدوق في "من لا يحضره الفقيه"[16] .

الشيخ الطوسي في "تهذيب الأحكام"[17] .

في حديث أن حفص بن غياث سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النساء: "كيف سقطت الجزية عنهن ورفعت عنهن؟ فقال: "لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب، إلا أن يقاتلن أيضًا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللًا" أي في حال لا تخاف حصول الخلل فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب، كان ذلك في دار الإسلام أولى، ولو امتنعت عن قتل الجزية لم يمكن قتلها، فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، إذا امتنع الرجال عن أداء الجزية، ناقضين للعهد، وحلت دمائهم وقتلهم لأن قتل الرجال مباحٌ في دار الشرك.

وكذا المقعد من أهل الذمة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية"[18] .

ونحوه خبر الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام المروي في علل الشرائع عن الصدوق[19] .

وفي خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "اقتلوا المشركين، واستحيوا شيوخهم وصبيانهم" (أي استبقاء الشيوخ ـ كبار السن ـ، والصبيان ـ أي غير البالغين ـ). [20] [21]

وفي خبر طلحة عن أبي عبد الله (عليه السلام): "جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله".[22] [23]

ويمكن الاستدلال بخبر طلحة، بناءً على أن من لا جزية عليه لا يقتل، كما يشعر به خبر حفص بن غياث.

والمراد بالضرورة أن يتترس الكفار بالنساء أو الصبيان أو المجانين، أو يتوقف الفتح على قتلهم، بل في "المنتهى"[24] وعن "التحرير"[25] ما نصه: "لو وقفت المرأة في صف الكفار، أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم، جاز رميها، روى عكرمه قال: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وآله أهل الطائف، أشرفت إمرأةٌ فكشفت عن قبلها، فقال: ها! دونكم، فارموا، فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها"، ثم قال العلامة في "المنتهى": "ويجوز النظر إلى فرجها للرمي".

الرواية موجودة في هذين الكتابين.

لكن كلام العلامة لا يخلو من نظر؛ فالنظر إلى فرج المرأة الكاشف له في الحرب لا يصدق عليه عنوان الضرورة دائماً. نعم، لو اضطر إلى ذلك جاز، ولكن قد يستطيع رميها من دون النظر إلى فرجها المكشوف.

وخبر عكرمة من طرق العامة وليس من طرق الإمامية، فنبقى على مقتضى إطلاقات النهي، والأدلة نهت عن النظر إلى عورة المرأة، فلا يجوز النظر إلى فرجها لو كشفت عنه إلا في حال الضرورة.

نعم، لو قاتل النساء جاز قتلهن مع المراعاة، كما في خبر حفص بن غياث إذ جاء فيه: "فإن قاتلنَ أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللاً"، فلا يجوز قتل النساء إلا عند الضرورة.

لكن جاء في "المنتهى"[26] أن النبي صلى الله عليه وآله قتل يوم بني قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة.

ووقف على امرأة مقتولة فقال: "ما بالها قُتلت وهي لا تقاتل؟!"[27] [28] [29] ، وهذا الخبر فيه إشعار بجواز قتل المرأة إذا قاتلت.

 

النتيجة النهائية:

لا يجوز قتل غير البالغين والمجانين والنساء إلا عند الضرورة، وأولى من ذلك المراهقون إذا قاتلوا أو دعت الضرورة (كأن يتوقف الفتح على قتلهم)، ومع عدم الضرورة فلا يجوز قتل المراهقين نظراً لإطلاق النهي.

إلى هنا اتضح حرمة قتل النساء والمجانين والصبيان والمراهقين.

[أربع حالات للشيخ الكبير]

يبقى الكلام في الشيخ الكبير، وله أربع حالات:

الحالة الأولى: لا رأي له ولا قتال، يعني لا يستطيع أن يبدي رأياً في القتال، كما لو كان مخرف، أو كبير في السن غير قادر على النطق، فأما المخرف لا عقل له، عنده عقل ولا يستطيع يبدء رأيه، ما عنده خبر، أو غير قادر على القتال، هذا هو القدر المتيقن من حرمة قتله.

الحالة الثانية: له رأي وقدرة على القتال، يجوز قتله إذا أبدى رأياً أو قاتل.

الحالة الثالثة: له قدرة على القتال وليس له رأي، إذا قاتل يُقتل.

الحالة الرابعة: له رأي وليس له قدرة على القتال، إذا أبدى رأياً يُقتل.

هذه الأصناف الثلاثة يجوز قتلها إن قاتلت، إن أبدت.

 

أما الصنف الأول فلا يجوز قتله، لأنه لا رأي له ولا قتال،

الصنف الثاني له رأي وقتال، فإذا أبدى رأياً أو قاتل قُتل،

الصنف الثالث له قتال وليس له رأي، فإذا قاتل يقتل،

والصنف الرابع له رأيٌ وليس له قتال، فإذا أبدى رأياً يقتل.

فتحمل الروايات الواردة في حرمة قتل الشيخ الكبير على خصوص الصنف الأول (من لا رأي له ولا قتال).

لذلك لو كان هذا الشيخ الكبير ذا رأي وقتالٍ قُتل إجماعاً محكياً إن لم يكن محصلاً، كما في "تذكرة الفقهاء" للعلامة الحلي[30] و"منتهى المطلب"[31] .

إذاً هذا الإجماع يخصص عمومات الروايات، الرواية تقول: "لا يجوز قتل الشيخ الكبير" هذا مطلق يشمل الأصناف الأربعة، خرج صنف من له رأي وقتال بالإجماع المنقول إن لم يكن محصلاً، فيجوز قتل الشيخ ذا الرأي والقتال لعموم الأدلة، أي عموم أدلة القتال، الذي لا يخصصه إطلاق النهي عن قتل الشيخ الكبير، فهذا النهي ينزل على غير الفرض، أي ينزل على من لا رأي له ولا قتال، ولا يشمل الفرض من له رأي وقتال، ولو للإجماع المدعى، هذا الإجماع يصير مخصص لنهي.

بل في "المنتهى"[32] دعوى جواز القتل على ذي الرأي دون القتال، هذا الذي ذكرها الصنف الرابع، قال: لأن دريد بن الصمة الذي قُتل يوم حنين وكان له مائة وخمسون سنة، وكان خبيراً بالحرب، وكان المشركون يحملونه معهم في قفص حديد ليعرفهم كيفية القتل، فقتله المسلمون ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله،[33] [34] [35] [36] [37] [38] [39] هذا شيبه مشؤوم.

ونحوه في "التذكرة" قال: "الشيخ من المحاربين إذا كان ذا رأي وقتال جاز قتله إجماعاً، وإن كان فيه قتال ولا رأي له أو كان له رأي ولا قتال فيه، لأن دريد بن الصمة قتل يوم خيبر، والأصح يوم حنين. "[40]

وبما ذكرنا ظهر الحكم في الأحوال والأصناف الأربعة للشيخ التي يقتل في ثلاثة منها وهي:

إذا كان له رأي وقتال.

إذا كان له رأي دون قتال.

إذا كان له قتال دون رأي.

دون الحالة الرابعة، وهي إذا لم يكن له رأي ولم يكن له قتال، فلا يجوز قتله.

ويلحق بالشيخ الكبير، المقعد، والأعمى، كما ورد في خبر حفص بن غياث إذ قال: "وكذا المقعد من أهل الذمة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رُفعت عنهم الجزية"[41] .

وقد صرح بذلك العلامة الحلي في "تحرير الأحكام"[42] (ج2، ص144)، و"منتهى المطلب"[43] .

ولكن ينبغي تقييد حرمة قتل المقعد والأعمى بما إذا لم يكونا ذا رأي في الحرب ولم يقاتلا، فقد يقاتل المقعدة والأعمى، أو يبدي رأياً، فلا بدّ من تقييد حرمة قتلهما إذا لم يقاتلا ولم يبديا رأياً، ولم تدعو الضرورة إلى قتلهما كما لو تترسه الكفار بهما أو توقف الفتح على قتلهما، فحينئذٍ يجوز قتلهما.

إلى هنا اتضح حرمة قتل المجانين والصبيان غير البالغين، والنساء والمراهقين، والمقعد، والأعمى.

يبقى الكلام في الخنثى المشكل التي لم يشخص أنها ذكر أم أنثى، فهل فهل يجوز قتله؟ يأتي عليه الكلام.

 


[39] الغارات، (ج3، ص886).
logo