46/06/29
الدرس (الخمسون): سقوط شرط استئذان الإمام في الجهاد الدفاعي - الصورة الثالثة وجود حكومة إسلامية شرعية
الموضوع: الدرس (الخمسون): سقوط شرط استئذان الإمام في الجهاد الدفاعي - الصورة الثالثة وجود حكومة إسلامية شرعية
الصورة الثالثة:
وجود حكومة إسلامية شرعية
لا شك في وجوب الجهاد الدفاعي في حالة وجود حكومة إسلامية شرعية، إذا تعرض المسلمون لعدوان الكفار، فلو لم توجد حكومة، أو وجدت حكومة لكنها غير شرعية، يجب الدفاع. فمن باب أولى يجب الدفاع، لو وجدت حكومة شرعية إسلامية.
[المبنيان في جواز الدفاع بدون إذن الفقيه؟]
لكن يقع الكلام في أنه هل يجب على المكلفين النفر إلى الجهاد بدون شرط استئذان الجهة الحاكمة، سواء كانت فقيها جامعاً للشرائط أو غير فقيه، كما لو بني على حكومة هيئة الشورى، على اختلاف المباني في مشروعية الحكومة الإسلامية، هل أنها على أساس ولاية الفقيه أو أنها على أساس شورى المسلمين.
[المبنى الأول:] فهل يكون الحال كما ذكره العلامة الحلي في عبارة التحرير[1] ، من أنه لا يشترط إذن الجهة الحاكمة؟ هذا هو المبنى الأول.
المبنى الثاني: لا بد من إذن الفقيه أو الحاكم أو الجهة الحاكمة، ولا يجوز الجهاد بدون إذنه، هذان مبنيان.
[التحقيق في المسألة]
وإذا أردنا أن نبحث، لا بد أن نحقق في هذه المسألة.
الأمر الأول: أن يتوقف أصل مشروعية الجهاد الدفاعي وجوازه على إذن الفقيه أو الجهة الحاكمة، بحيث لو لم تأذن الجهة الحاكمة بالدفاع فلا مشروعية له، ولا يكون القتال جائزاً هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: بعد الفراغ عن أصل مشروعية الجهاد الدفاعي أو الوجوب، سواء اشترطنا إذن الجهة الحاكمة أو لم نشترطه، يأتي الأمر الثاني هل يجب أن يكون الجهاد تحت لوائها وقيادتها؟ فلا يجوز التعدي على أوامرها وتنظيمها للعملية الجهادية، فلا بد من الرجوع إليها في جميع جزئيات العمل الجهادي أو لا؟
إذن هذان أمران مختلفان.
الأمر الأول: أصل مشروعية الجهاد الدفاعي هل هو مشروط بالإذن أو لا؟
الأمر الثاني: سواء بنينا على الاشتراط أو لم نبنِ، هل قيادة العمليات لا بد أن تكون تحت إشراف هذه الجهة أو لا؟
فإن بنينا على المبنى الأول، ما هو المبنى الأول؟ يجب الجهاد الدفاعي وهو مشروع من دون إذن الجهة الحاكمة، فهنا لا شك ولا ريب في عدم وجوب الاستئذان، لأن مشروعية الجهاد الدفاعي ثابتة بأصل الشريعة الغراء، ولم يؤخذ فيها قيد أخذ إذن الحاكم الشرعي أو الحكومة الإسلامية، أو الحكومة الشرعية.
فيكفي التمسك بملاك ذهاب بيضة الإسلام ودروس ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من الأدلة، ودروس ذكر النبي وذهاب بيضة الإسلام لم يؤخذ فيها قيد إذن الولي الفقيه أو الحكومة الشرعية، فإذاً لا يسقط وجوب الدفاع، ولا يشترط فيه إذن الحكومة الشرعية.
بل لعل عدم إذن الحكومة الشرعية يسقط مشروعيتها، لأنها لم تنهض بالواجب الجهادي الدفاعي الذي أقرته الشريعة الغراء، وإذا بنينا على المبنى الثاني، وهو أن الجهاد الدفاعي منوط ومشروط بإذن الحكومة الشرعية، فلابد من الرجوع إلى الجهة الحاكمة، ولابد من أخذ إذن الفقيه الجامع للشرائط لأخذ أمر الجهاد، ولابد من الجهاد تحت لوائها وتحت إمرتها، والالتزام بتعاليم الجهة المنظمة للسياسة والاجتماع. فهذا هو مقتضى حاكميتها، ويكون أي قتال خارج إطارها قتال فوضوي وعبثي وليس بمشروع.
هذا تمام الكلام في حالة إمكان الاستئذان.
وأما في حالة عدم إمكان الاستئذان، أو إمكان الاستئذان لكن مدة الاستئذان تؤدي إلى استحكام قوات الكفر، إذ إن الكفار قد باغتوا المسلمين، فلو ذهبوا للإذن لذهب كل شيء، فحينئذ يجب الدفاع بلا إشكال، ولا يشترط فيه إذن الفقيه أو الجهة الحاكمة والمنظمة، وهذا ما يفهم من عبارة العلامة الحلي في التحرير، فيجب على المسلمين المبادرة إلى القتال وتنظيم أمورهم كما لو لم يكن لهم حاكم وولي.
فهذا الأمر وجود حكومة شرعية لا يزيد حالهم عن حال وجود نفس الإمام المعصوم، فحتى لو كان الإمام المعصوم حاضراً وموجوداً، ولم يمكن الوصول إليه، أو أمكن الوصول إليه لكن كان يستغرق وقتاً بحيث يفوت الأوان، فحينئذ يسقط شرط استئذان الإمام المعصوم عليه السلام، فمن باب أولى يسقط شرط استئذان الولي الفقيه أو الجهة الحاكمة.
النتيجة النهائية في الصور الثلاث: في صورة المباغتة، لا يشترط إذن الفقيه الجامع للشرائط، فسواء لم توجد حكومة، أو وجدت حكومة لكنها غير شرعية، أو وجدت حكومة شرعية، ففي هذه الصور الثلاث لو باغت الكفار المسلمين ولم يمكن الاستئذان، أو أمكن الاستئذان لكن تفوت مصالح المسلمين، فحينئذ يجب الدفاع فوراً ويسقط شرط استئذان الفقيه الجامع للشرائط.
فرع آخر: إذا كانت هناك حكومة إسلامية في بعض بلاد الإسلام وهوجمت بلاد إسلامية أخرى، فما هو الحكم إذا اعتدى الكفار على بعض بلاد الإسلام المحكومة بنظام غير إسلامي أو حتى بنظام إسلامي، وكانت هناك حكومة إسلامية في بلد آخر؟ فهل تتوقف مشروعية جهاد العدو في البلد المعتدى عليه على إذن الحاكم الإسلامي في البلد الآخر، أو أنه يجب على المسلمين في البلد المعتدى عليه الجهاد الدفاعي حتى مع الحاكم الجائر في بلدهم إذا تصدى للدفاع؟ أو لو لم يكن لهم حكومة، أو الحاكم الجائر لم يتصدى للدفاع، فهل يجب عليهم الدفاع، ولا يتوقف وجوب الجهاد عليهم على إذن الحاكم الإسلامي في البلد الآخر؟
مثال ذلك في زماننا: الآن الجمهورية الإسلامية في إيران، وعلى رأسها الولي الفقيه آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي حفظه الله، لو تعرض العراق أو لبنان أو سوريا للاعتداء كما هو حالياً من قبل إسرائيل، ولا توجد حكومة إسلامية في سوريا أو لبنان أو العراق، فهل وجوب الدفاع على المسلمين في سوريا ولبنان والعراق موقوف على إذن الولي الفقيه في إيران أو لا؟
تحقيق المسألة: إذا وجدت حكومة إسلامية شرعية في صقع من أصقاع الأرض، فحينئذ يجب عليها أن تدعم المسلمين المعتدى عليهم خارج حدودها، إذ إن ولي الأمر هو ولي أمر المسلمين جميعاً، وليس هو ولي أمر مسلمي خصوص ذلك البلد الذي يحكمه، ففي أي مكان وجد المسلمون المظلومون واعتدي عليهم، وجب الدفاع عنهم، قال تعالى:
﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾[2]
وقد ورد في تفسيرها روايات سيأتي بحثها. فهذه الآية وتفسيرها يصلحان ملاكاً لوجوب نصرة المسلمين المعتدى عليهم.
كما أنه يمكن التمسك بالعمومات من الآيات والروايات التي تدل على وجوب حفظ بيضة الإسلام وتحصين أهل الإيمان وحفظ الشريعة، كما يجب على جميع المسلمين في العالم، حتى لو لم تكن لهم حكومات عادلة أو لم تكن لهم حكومة، فحينئذ يجب عليهم نصرة المسلمين في بلد آخر إذا اعتدى عليهم الكفار بنفس ملاك الآية والعمومات والإطلاقات التي تدل على وجوب حفظ بيضة الإسلام.
وقد صرح الكثير من فقهائنا بذلك، منهم القاضي ابن البراج الطرابولسي في المهذب، حيث قال: " فان لم يكن فيهم كفاية واحتاجوا الى عدد كان الفرض لازما لمن يليهم وعليهم ان يمدوهم ويعينوهم أولا فأولا ، فان لم ينكف العدو بذلك فاحتيج الى جميع المسلمين ، وجب ذلك على الجميع "[3] .
ومن هذا يتضح أن ما قام به الشهيد السعيد السيد حسن نصر الله رحمه الله من إسناد غزة والدفاع عن مسلمي غزة هو واجب شرعي، فهو لا يجب على خصوص أهل غزة، بل يجب على أهل غزة وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وإيران واليمن وجميع مسلمي العالم، وقد نهض بهذا التكليف حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، وفصائل المقاومة في العراق، فهؤلاء كلهم قد أدوا الوظيفة الشرعية، وجزاهم الله خيراً.
[معنى إستئذان الحاكم الشرعي في البلد الآخر]
إذن يجب على جميع المسلمين الدفاع عن المسلمين المعتدى عليهم، وأما مسألة استئذان الحاكم الشرعي في البلد الآخر، فما معناها؟
يوجد احتمالان:
الاحتمال الأول: أن يكون بمعنى توقف مشروعية جهاد المعتدى عليهم على إذن الفقيه، ومن الواضح، بناءً على هذا المعنى، لا يجب أخذ إذن الفقيه، فيجب الدفاع ومشروعية الدفاع ووجوب الجهاد الدفاعي في حالة دهم العدو وعدوانه على المسلمين ثابتة بأصل الشرع، ولا يتوقف على إذن الفقيه.
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد بإذن الفقيه أن يكون الجهاد تحت إمرته، والتقيد بأمره ونهيه، وعدم جواز الإقدام على أي أمر من الأمور الجهادية إلا بإجازته.
وهذا المعنى يتوقف على تنقيح مسألة أخرى هي بمثابة الأساس لهذه المسألة:
هل الحكومة الإسلامية الشرعية في بلد من بلاد الإسلام هي حكومة جميع المسلمين في العالم، فيجب إطاعة أوامرها ونواهيها، والتقيد بنهجها كائنًا ما كان، مهما اختلفت أوضاعهم وظروفهم؟
الإحتمال الأول: فحينئذ لا يجوز لجميع مسلمي العالم خوض حرب دفاعية من دون قيادة هذه الدولة التي لها ولاية عليهم، ومن دون قيادة هذا الولي الفقيه الذي له ولاية عليهم.
هذا الاحتمال الأول.
الاحتمال الثاني: إن الحكومة الإسلامية هي حكومة المسلمين في مجال حكمها وسلطانها، فهي حكومة شعبها وصقعها، فأينما كان الولي الفقيه مبسوط اليد، فولايتها فعلية في المكان الذي تكون فيه يده مبسوطة، هذا بناءً على مبنى ولاية الفقيه العامة والمطلقة.
وأما على مبنى الشورى، ففي أي مكان أعملت الشورى وكانت تحت سلطان شورى المسلمين، فعندئذ تكون تلك البقعة تحت سلطان هيئة الشورى.
والذي يظهر من الأدلة: أن ولي الأمر هو ولي أمر جميع المسلمين في العالم، لكن نفوذ ولايته وسلطانه على خصوص الأماكن التي يكون مبسوطًا يده فيها، فنفرق بين أصل الولاية وبين فعلية الولاية، فالولاية الشأنية ثابتة لولي أمر المسلمين، من شأنه أن يحكم جميع المسلمين في العالم بخلاف فعلية الولاية وممارسة السلطة عملياً أو نفوذ قرارات الولي الفقيه، فإن فعليتها تختص بخصوص البلاد التي يحكمها.
وهذا ما يستفاد من كلام أمير المؤمنين، حيث قال: "لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ... لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم عندي أهوان من عفطة عنز"[4] .
أمير المؤمنين، إمام معصوم، ولاية ثابتة على الجميع حكمه أو لم يحكم، لكن متى أمر ونهى بالفعل، حينما قال: " وَ النَّاسُ کَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَیَّ یَنْثَالُونَ عَلَیَّ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَایَ مُجْتَمِعِینَ حَوْلِی کَرَبِیضَةِ الْغَنَمِ "[5] .
هنا قال: " وقيام الحجة بوجود الناصر "، وبالتالي، البلاد الإسلامية الأخرى لا يشترط في دفاعهم إذن الولي الفقيه أو أن تكون التشكيلات تحت نظره، فالصحيح هو القول الثاني هو عدم الدليل على ولاية الحكومة الإسلامية الشرعية في بلد في عصر الغيبة على سائر بلاد المسلمين، فمقتضى الأصل الأولي هو عدم ولاية أحد على أحد، خرجنا عن هذا الأصل الأولي إما بدليل الشورى بناءً على مشروعية الشورى عند أغلب أهل السنة وبعض الشيعة الإمامية، أو بناءً على ولاية الفقيه.
هذا تمام الكلام في بيان سقوط الشرط الأول، وهو إذن الفقيه الجامع للشرائط.
واتضح أن الجهاد الدفاعي بصوره الثلاث، سواء وجدت حكومة أو لم توجد، وسواء كانت الحكومة شرعية أو غير شرعية، فهذا الجهاد الدفاعي يسقط فيه إذن الفقيه الجامع للشرائط، بل يسقط فيه إذن الإمام المعصوم إذا لم يمكن استئذانه، أو أمكن استئذانه لكن يتضرر المسلمون من هذه المدة التي قد تفوت فيها بعض مصالحهم.
إلى هنا اتضح أن الشرط الأول ساقط في جميع فروض الجهاد الدفاعي، فما حال بقية الشروط كالذكورة والحرية والقدرة الجسدية والمالية والبلوغ وغير ذلك؟
سقوط سائر الشروط عن وجوب الجهاد الدفاعي يأتي عليها الكلام.