46/06/28
الدرس (التاسع والأربعون): سقوط شرط استئذان الإمام في الجهاد الدفاعي
الموضوع: الدرس (التاسع والأربعون): سقوط شرط استئذان الإمام في الجهاد الدفاعي
[سقوط شرط إذن الإمام في الجهاد الدفاعي]
توجد هنا حالتان:
الحالة الأولى: حضور الإمام المعصوم وظهوره. فإذا وقعت في هذه الحالة اعتداء على بلاد المسلمين وكان الإمام عليه السلام حاضراً.
فهنا توجد صورتان:
الصورة الأولى: يمكن استئذانه بنحو لا يؤدي إلى التأخير في النفر للدفاع، ولا يؤدي إلى التراخي المضر بمنعت المسلمين وقدرتهم، فحينئذٍ لا شك ولا عيب في تعيين الاستئذان، ولا يجوز القتال بدون إذن الإمام عليه السلام.
الصورة الثانية: تعذر استئذان الإمام عليه السلام، أو أمكن استئذانه لكنه يؤدي إلى التأخير في النفر أو التراخي الذي يضر بمنعت المسلمين، فحينئذٍ يجب قتال العدو، ولا يشترط إذن الإمام المعصوم عليه السلام، وهذا صريح العلامة الحلي في التحرير وغيره.
الحالة الثانية: غيبة الإمام المعصوم عليه السلام كزماننا، ففي عصر غيبة الإمام المعصوم سلام الله عليه وعدم وجود نائب خاص له، فعدم وجوب استئذانه في وجوب الدفاع واضح.
ومن المفترض أنه لا يوجد له نائب خاص في الغيبة الكبرى، فيسقط اشتراط إذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص في عصر الغيبة الكبرى في الجهاد الدفاعي.
[لا يشترط إذن النائب العام في الجهاد الدفاعي]
النائب العام، وهنا يقع الكلام في اشتراط واعتبار إذن النائب العام للمعصوم. وسمي النائب العام "عاماً" لأنه نص على شروطه ولم يُنَصَّ على شخصه بخلاف النائب الخاص، فإنه قد نُصَّ على شخصه بالخصوص كالسفراء الأربعة في عصر الغيبة الصغرى. وأما في الغيبة الكبرى، فقد ذُكرت الشروط بشكل عام، وهي تنطبق على الفقيه البصير الجامع للشرائط، الخبير ببلاد المسلمين.
سؤال: فهل يُشترط إذن الفقيه الجامع للشرائط في الجهاد الدفاعي أم لا؟
الجواب بشكل إجمالي: لا يُشترط إذن الفقيه الجامع بشكل عام، وسيأتي التفصيل. وقبل التفصيل، نحتاج إلى تمهيد.
تمهيدٌ
[تعريف القتال وأقسامه]
القتال بين الناس تارةً يكون عراكاً بين أفرادهم كالمشاجرات، وتارةً يكون حرباً تخوضها جماعة سياسية أو شعب أو أمة أو دولة ضد أخرى، إما لأجل تحقيق النصر أو منع العدو من النصر، فهذه هي الحرب بمعناها العالم.
والأول، وهو العراك والمشاجرات، أمر يحدث يومياً في حياة الناس، ويمكن أن يتم بصورة عفوية وعشوائية، ويمكن أن يكون وفق تخطيط مدروس وشرائط.
والثاني وهو الحرب التي تخوضها الجماعات السياسية أو الشعب أو الأمة، فإنه من النشاطات البشرية الجماعية الهادفة، والحرب فيها نحو من التعقيد، وليست هي بالنشاط الذي يتحقق بمجرد ممارسته، وإنما هو مقدمة لتحقيق الهدف.
[الهدف من القتال في حالة الهجوم والدفاع]
الهدف في حالة الهجوم على العدو هو تحقيق النصر عليه، والهدف في حالة الدفاع وصد عدوان العدو هو تحقيق النصر عليه، وإن لم يمكن فلا أقل من صد العدوان وإيقافه وإحباط خطط العدو في السيطرة إذا لم يمكن الانتصار عليه.
وهذا الهدف، أي النصر في الحرب الهجومية، والنصر أو إيقاف العدوان في الحرب الدفاعية، لا يتحقق بصورة عفوية، وإنما هو حصيلة مجموعة من التخطيط والأعمال التي تتكون منها الحرب، ابتداءً من تجنيد المؤهلين للقتال، وتعبئة الجنود، وتسليحهم، والتخطيط للمعارك، وإدارة المعركة.
فهناك أنشطة كثيرة على صعيد التسليح والتمويل والإمداد والمواصلات، واختيار الطرق المناسبة واختيار ساحات المعركة، وتوقيت المعارك، وهناك آلاف التفاصيل الدقيقة.
فهذا النشاط المعقد إلى هذا الحد لا يمكن أن يتم بدون قيادة مركزية تأمر الناس وتوجههم وتدير المعركة من الناحية السياسية والعسكرية وما يتصل بهما في الشأن السياسي.
إذن اتضح أن وجود قيادة عسكرية وأمراء هو من صميم شؤون الحرب، وليس أمراً زائداً على الحرب بحيث يمكن أن يحصل الناس بدون وجود قيادة موحدة.
[صور المسألة]
إذا تم هذا التمهيد، نتطرق إلى صور المسألة:
إن المسلمين الذين قد اعتدى عليهم الكفار بالغزو، إما أن يكون لديهم حكومة وحاكم، وإما ألا يكون لهم حكومة، وإذا كانت لديهم حكومة، فهذه الحكومة إما حكومة شرعية إسلامية، وإما حكومة غير شرعية، وهذه الحكومة غير الشرعية إما أن تكون ظالمة، وإما أن تكون غير ظالمة.
حكومة غير شرعية يعني لم تستلم المنصب بالحق، أي حاكم، لأن موقع الحاكم هو الإمام المعصوم، فلو جاء حاكم عادل، وحكم بدون إذن الإمام المعصوم، فهو غير شرعي لأنه اغتصب المنصب، فتكون حكومته غير شرعية، إلا إذا أذن له الإمام المعصوم أو الفقيه جامع الشروط.
ومن هنا نتكلم في ثلاث صور:
الصورة الأولى:
عدم وجود حكومة
كما لو كان المسلمون مجموعات من الأفراد متفرقة لا تجمعهم روابط، ولا يضمهم نظام، أو مجموعة في غابات وبساتين وقرى ليست تحت حكومة من الحكومات، وهجم عليهم الكفار، فحينئذٍ لا شك ولا ريب يجب عليهم الدفاع، ولا يجوز لهم تسليم بلاد المسلمين للكفار.
ويجب عليهم تنظيم أنفسهم بالمقدار الممكن ليتمكنوا من التصدي للغزاة وقتالهم. وإذا احتاجوا إلى غيرهم من المسلمين، يجب عليهم الاستعانة، كما يجب على المسلمين معونتهم في دفع العدو، ولا يُشترط في وجوب الدفاع عليهم.
إذن إنما يجب عليهم تنظيم أنفسهم للعملية الدفاعية، كاتخاذ قيادة وتنظيم صفوفهم، فبأي مقدار ممكن لديهم من التنظيم لتحقيق النصر يجب ذلك عليهم.
الدليل على ذلك: التمسك بالمطلقات الدالة على أصل وجوب الجهاد:
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾[1]
والتمسك بالعمومات الدالة على حفظ بيضة الإسلام والدفاع عنها.
[المراد ببيضة الإسلام]
والمراد ببيضة الإسلام ماذا؟ أصل الإسلام. فالبيضة إذا كُسِرَت زالت، يعني أصل وجود الإسلام وعدم جواز الخضوع للكفار.
[عدم إشتراط إذن الفقيه]
فهناك عمومات من جهة تدل على وجوب القتال، ومن جهة أخرى لا يوجد دليل يخصصها أو يقيدها أو يشترط فيها إذن الفقيه العارف الجامع للشرائط، فنتمسك بالمطلقات الدالة على أصل وجوب الجهاد.
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.
الصورة الثانية:
وجود حكومة غير شرعية
وقد صرح الفقهاء في وجوب الدفاع في هذه الحالة والقتال مع الحاكم الجائر، لكن القتال مع الحكومة غير الشرعية ليس للدفاع عن الحاكم الجائر والحكومة غير الشرعية، بل لحفظ بيضة الإسلام ولحفظ النفس، فلا ينوي في قتاله الدفاع عن الحكومة غير الشرعية، بل ينوي حفظ بيضة الإسلام وحفظ المسلمين.
قال العلامة في التحرير: "ولا يجوز لأحد التخلف إلا مع الحاجة إما لحفظ المكان أو الأهل أو المال أو لمنع الإمام من الخروج، فإن أمكن استخراج إذن الإمام في الخروج إليهم وجب إذنه، وإلا فلا. ونودي بالنفير والصلاة، فإن أمكن الجمع بأن يكون العدو بعيداً، صلوا ثم خرجوا، وإلا أن يكون النفير أولاً، وصلوا على ظهور دوابهم. ولو كانوا في الصلاة أو خطبة الجمعة أتموها[2] ".
إذن الحكم هو وجوب القتال مع الحاكم الجائر أو غير الشرعي بنية حفظ بيضة الإسلام، لا بنية الدفاع عن الحاكم غير الشرعي.
[الروايتان الدالتان على وجوب الدفاع في الصورة الثانية]
الدليل على ذلك: بعد التمسك بالمطلقات والعمومات الدالة على وجوب الجهاد وحفظ بيضة الإسلام.
توجد روايتان:
الرواية الأولى: صحيحة، يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليه السلام قال: قلت له، جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطى سيفا وقوسا في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز ، وأمروه بردهما؟ ، قال : فليفعل ، قال : قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له : قد قضى الرجل قال : فليرابط ولا يقاتل قال : مثل قزوين وعسقلان والديلم وما أشبه هذه الثغور ، فقال نعم ، قال : فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال : يقاتل عن بيضة الاسلام قال : يجاهد؟ قال : لا إلا أن يخاف على دار المسلمين ، أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم ، قال : يرابط ولا يقاتل ، وان خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان ، لان في دروس الاسلام دروس ذكر محمد صل الله عليه وآله وسلم. [3]
الرواية الثانية: صحيحة محمد بن عيسى عن الرضا عليه السلام، وجاء فيها أن يونس سأل الرضا عليه السلام عن رجل من هؤلاء مات وأوصى أن يدفع من ماله فرس وألف درهم وسيف لمن يرابط عنه ويقاتل في بعض هذه الثغور ، فعمد الوصي فدفع ذلك كله إلى رجل من أصحابنا فأخذه منه وهو لا يعلم ، أنه لم يأت لذلك وقت بعد ، فما تقول يحل له أن يرابط عن الرجل في بعض هذه الثغور أم لا؟ فقال : يرد إلى الوصي ما أخذ منه ولا يرابط ، فإنّه لم يأت لذلك وقت بعد ، فقال : يرده عليه ، فقال يونس : فإنّه لا يعرف الوصي ، قال : يسأل عنه ، فقال له يونس بن عبد الرحمان : فقد سأل عنه فلم يقع عليه كيف يصنع؟ فقال : إن كان هكذا فليرابط ولا يقاتل ، قال : فإنّه مرابط فجاءه العدو حتى كاد أن يدخل عليه كيف يصنع ، يقاتل أم لا؟ فقال له الرضا عليه السلام : اذا كان ذلك كذلك فلا يقاتل عن هؤلاء ، ولكن يقاتل عن بيضة الاسلام فإنّ في ذهاب بيضة الاسلام دروس ذكر محمد صل الله عليه وآله وسلم.[4]
إن هاتين الصحيحتين صريحتان في وجوب الجهاد الدفاعي مع الحاكم الجائر وحكومته، وعدم شرطية استئذان الإمام المعصوم أو نائبه الخاص في وجوب الجهاد في هذه الحالة، بل الدهم مقتضٍ تام لتنجز القتال، إذا دهموه، يجب عليه أن يدافع عن نفسه وعن الدين.
ويمكن دعوى ظهورهما في أنهما تضمنت أمراً عاماً للمسلمين بالجهاد في هذه الحالة على نحو القضية الحقيقية، فكلما وُجد عدوان على المسلمين وجب دفعه، ولو مع الحاكم الجائر، بل هما ظاهرتان في ذلك. بل إن قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن عيسى: "إذا كان ذلك كذلك" صريح في ضرب وإبرام هذه القاعدة العامة لهذه الحالة، فكلما وقع، فكلما تحقق الدهم، وجب عليه أن يدافع عن نفسه وعن بيضة الإسلام.
سؤال: هل يجب استئذان الفقيه غير المتولي أو غير المتصدي؟
فبعد الفرع عن وجوب الجهاد الدفاعي مع الحاكم الجائر في حالة اعتداء الكافر على المسلمين، يقع الكلام في أنه هل يجب على المكلف أن يستئذن الفقيه غير المتولي للأمور وغير المبسوط اليد، حتى لو كان متصدياً أو غير متصدي لهذا الأمر أم لا يجب استئذانه؟
الجواب: الظاهر عدم وجوب الاستئذان في هذه الحالة، بمعنى عدم توقف وجوب الجهاد على إذن الفقيه المذكور، لأن الظاهر من الصحيحتين المتقدمتين، بل صريح صحيحة محمد بن عيسى، هو عدم توقف الوجوب على شيء آخر، إذا تحقق العدوان وخاف على نفسه أو على بيضة الإسلام، وجب صده.
وإن شئت قلت: إن الإمام عليه السلام أمر أمراً عاماً يشمل عصر الغيبة بوجوب الجهاد في هذه الحالة من دون أن يعلق ذلك على شرط آخر.
فرضية أخرى: لو امتنع الحاكم الجائر عن الدفاع، اعتدى الكفار على المسلمين كما هو الحال الآن حكومة غير شرعية في سوريا ودخلت إسرائيل إلى سوريا، والحاكم لم يصد الهجوم، هل يجب صد الهجوم أو لا؟ نعم، هل يشترط فيه إذن الإمام المعصوم؟ كلا.
فإذا لم يتصد الحاكم الجائر للدفاع، فهل يجب على المسلمين من رعيته التصدي بدونه، أو يجوز لهم السكون والاستسلام؟
قد يقال: بعدم الوجوب نظراً لعدم وجود حكومة شرعية أو غير شرعية تتصدى للكفار وتدعو إلى الدفاع، وغاية ما دل عليه الدليل هو وجوب التصدي للكافر مع الحكومة غير الشرعية، أما مع عدم وجود حكومة غير شرعية، فلا دليل على وجوب الدفاع.
الجواب: لكن هذا غير صحيح وليس بتام، فالحق هو وجوب الدفاع على المسلمين بنحو الواجب العيني، يتعين على كل فرد فرد من عموم المسلمين الدفاع عن أنفسهم وعن بلدهم، ويجب عليهم العمل لتهيئة المقدمات بتكوين المجموعات وتكوين التشكيلات لصد العدوان، وإن لم يتمكنوا من تشكيل جيش، فعليهم بحرب العصابات كما يقال في هذا الزمان، ولا يجوز لهم التسليم للكفار.
الدليل على ذلك: التمسك بالعمومات والمطلقات الآمرة بقتال الكفار والمشركين، والتمسك بالدليل الخاص كقول الرضا عليه السلام في صحيحة يونس بن عبد الرحمن: "أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين، لم ينبغ لهم أن يمنعوهم". وقوله عليه السلام فيها: "لأن في دروس الإسلام دروس ذكر محمد صلى الله عليه وسلم".[5]
وقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن عيسى: "وكان ذلك كذلك، فلا يقاتل عن هؤلاء، ولكن يقاتل عن بيضة الإسلام، فإن في ذهاب بيضة الإسلام".
إذن، هذه الرواية فيها تعليم بيان العلة والحكمة من القتال، بقاء ذكر محمد صلى الله عليه وسلم والحفاظ على الدين، وهذا لا يتوقف على وجود حكومة شرعية أو غير شرعية.
فإن هذا ظاهر في أن وجود الحاكم الجائر وتصديه للدفاع ليس له موضوعية بالنسبة إلى وجوب الدفاع، وإنما باعتباره متصدياً ومنظماً لعملية الدفاع، وإلا فليس وجوده وتصديه شرطاً لوجوب الجهاد والدفاع، إذ الوجوب ثابت على كل حال، وجد الحاكم أو لم يوجد، وتعليل وجوب التصدي بأن في "دروس الإسلام" أو "ذهاب بيضة الإسلام" "دروس ذكر محمد صلى الله عليه وسلم"، هذا التعليل أعم من صورة وجود الحاكم الجائر وتصديه أو عدم وجود الحاكم الجائر أو وجوده وعدم تصديه.
فحتى لو لم يوجد الحاكم على الإطلاق كما في الصورة الأولى، يجب الدفاع.
إذن، في الصورة الأولى وفي الصورة الثانية يجب الدفاع من دون اشتراط إذن المعصوم أو الفقيه الجامع للشرائط.
الصورة الأولى: عدم وجود حكومة.
الصورة الثانية: وجود حكومة، لكنها غير شرعية.
يبقى الكلام في الصورة الثالثة: وجود حكومة إسلامية شرعية، يأتي عليه الكلام.