« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (الثامن والأربعون): شرائط وجوب الجهاد الدفاعي

الموضوع: الدرس (الثامن والأربعون): شرائط وجوب الجهاد الدفاعي

[شروط الجهاد الدفاعي]

تطرقنا إلى شرائط وجوب الجهاد الابتدائي وذكرنا أنها تسعة شروط، فهل الجهاد الدفاعي مشروط بجميع شروط الجهاد الابتدائي التسعة، أو ليس مشروطاً بشيء منها، أو مشروط ببعضها؟

[الجهاد يطلق على القتال مع ثلاثة طوائف:]

ولابد من النظر في الروايات وفي كتب الأعلام في مصطلح الجهاد والدفاع، فعادةٌ يُطلق لفظ الجهاد في مقابل الدفاع، والجهاد يُطلق على القتال ضد ثلاث طوائف:

1. قتال المشركين غير الكتابيين.

2. قتال المشركين الكتابيين.

3. قتال البغاة، وهم على قسمين:

القسم الأول: من بغى على الحاكم الإسلامي.

القسم الثاني: إذا بغت طائفة مسلمة ضد طائفة أخرى مسلمة.

[لفظ الدفاع يطلق على قسمين:]

فلفظ الجهاد في كلمات الفقهاء يُطلق على قتال المشركين أو البغاة. وفي مقابل ذلك، لفظ الدفاع ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الدفاع عن بيضة الإسلام

القسم الثاني: الدفاع الشخصي، كما لو تعرضت النفس أو المال أو العرض لعدوان أو مكروه.

[لبيضة الإسلام موارد:]

والدفاع عن بيضة الإسلام له موارد، من أهمها ثلاثة:

1. ما لو تعرض المسلمون لعدوان فعلي.

2. ما لو أوقع الكفار فتنة بين المسلمين.

3. إذا اعتدى الكفار على بلد آخر مسلم أو غير مسلم.

إذن، لفظ الدفاع يُطلق على الدفاع إما الشخصي أو عن بيضة المسلمين.

هل لفظ الجهاد يشمل الدفاع أم لا؟

بعض استعمالات القدماء عبرت عن القتال ضد الطوائف الثلاث (المشركين الكتابيين وغير الكتابيين والبغاة من المسلمين) وعبرت عن خصوص قتال هذه الطوائف الثلاث بالجهاد.

ومن الواضح أن القتال ضد المشركين، سواء كانوا كتابيين أو غير كتابيين، يُقال له الجهاد الابتدائي. كما قد أطلقوا لفظ الجهاد على قتال البغاة، وبعضهم عبّر عن الدفاع عن بيضة الإسلام بلفظ الجهاد وأسماه بالجهاد الدفاعي. لكن الأولى، كما في كلمات العلامة الحلي، أن يُطلق عليه الدفاع.

لذلك نجد السيد الإمام الخميني رحمه الله، بعد كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحرير الوسيلة، قد حذَف أحكام الجهاد لأنه لا يرى مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة، إذ هو مشروط بإذن الإمام المعصوم بناءً على مبنى الإمام، واقتصر على أحكام الدفاع ولم يعنونها بعنوان الجهاد أو كتاب الجهاد[1] .

[الشروط المعتبرة في الجهاد الدفاعي]

فهل الشروط التسعة التي ذُكرت في الجهاد ضد الطوائف الثلاث أيضاً معتبرة في مطلق الدفاع، الشامل للدفاع الشخصي أو على الأقل الدفاع عن بيضة الإسلام؟ وقد يُطلق عليه الجهاد الدفاعي. هذا هو بحثنا.

ولا بأس ببعض التفصيل في الجهاد والدفاع. ونذكر في الجهاد ما ذكره سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، في منهاج الصالحين.[2]

طبعاً، الآيات والروايات التي فيها لفظة الجهاد تحمل على الطوائف الثلاث دون الدفاع الشخصي أو الدفاع عن بيضة الإسلام.

قال السيد الخوئي رحمه الله: "كتاب الجهاد: الجهاد مأخوذ من الجهد بالفتح، بمعنى التعب والمشقة، أو من الجهد بالضم، بمعنى الطاقة، والمراد به هنا القتال لإعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان.

وفيه فصول: الفصل الأول في من يجب قتاله، وهم طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: الكفار المشركون غير أهل الكتاب؛ فإنه يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد والإسلام. فإن قبلوا، وإلا وجب قتالهم وجهادهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا وتُطهر الأرض من لوث وجودهم، ولا خلاف في ذلك بين المسلمين قاطبةً.

ومن الواضح أنه ناظر إلى الجهاد الابتدائي، وهو جهاد الدعوة إلى الله.

ويدل على ذلك غير واحد من الآيات الكريمة، منها:

قوله تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾[3]

وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[4]

وقوله تعالى: ﴿حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾[5]

وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾[6]

وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾[7]

وغيرها من الآيات.

إذن، السيد الخوئي حمل هذه الآيات على الجهاد الابتدائي، بينما حملها المرحوم شمس الدين على الجهاد الدفاعي.

والروايات المأثورة في الحث على الجهاد وأنه مما بُني عليه الإسلام ومن أهم الواجبات الإلهية كثيرة، والقدر المتيقن من مواردها هو الجهاد مع المشركين.[8]

إذن، السيد الخوئي رحمه الله حمل الآيات والروايات على الجهاد مع المشركين، وظاهر كلامه جهاد الدعوة، أي الجهاد الابتدائي.

الطائفة الثانية: أهل الكتاب من الكفار، وهم اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس والصابئة، فإنه يجب مقاتلتهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون، ويدل عليه الكتاب والسنة.

قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[9]

والروايات الواردة في اختصاص أهل الكتاب بجواز أخذ الجزية منهم كثيرة، وسيجيء البحث عنها.

وظاهر كلام السيد الخوئي إرادة الجهاد الابتدائي وليس الجهاد الدفاعي.

الطائفة الثالثة: البغاة، وهم طائفتان:

إحداهما الباغية على الإمام عليه السلام؛ فإنه يجب على المؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر الله وإطاعة الإمام عليه السلام، ولا خلاف في ذلك بين المسلمين وسيجيء البحث عن ذلك.

والأخرى: الطائفة الباغية على الطائفة الأخرى من المسلمين؛ فإنه يجب على سائر المسلمين أن يقوموا بالإصلاح بينهما. فإن ظلت الباغية على بغيها، قاتلوها حتى تفيء إلى أمر الله. [10]

قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ﴾[11]

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى مفردة الجهاد، فإذا قيل شرائط الجهاد من دون تقييده بالابتدائي أو الدفاعي، ينصرف إلى قتال الطوائف الثلاث من المشركين غير الكتابيين والمشركين الكتابيين والبغاة.

[الفارق بين كتاب الجهاد وبين كتاب الأمر بالمعروف]

هذا هو الموضوع الفارق بين كتاب الجهاد وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوعه المسلمين بين المسلمين، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما بالقلب أو باللسان أو باليد بين المسلمين، بخلاف الجهاد للطائفة الأولى والطائفة الثانية، فهو بين المسلمين والمشركين. نعم، في الطائفة الثالثة يكون بين المسلمين والمسلمين، لكن خصوص البغاة.

هذا هو الفارق بين الجهاد وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بينما أحكام الدفاع تشمل الدفاع الشخصي، وهذا قد يكون بين المسلمين وقد يكون بين الكفار، والدفاع عن بيضة الإسلام.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى بيان مفردة الجهاد، ولنتكلم عن مفردة الدفاع.

[المراد من الدفاع]

القسم الأول: والدفاع يشمل الدفاع الشخصي، وهو دفاع المسلم عن دمه أو عرضه أو ماله إذا اعتدى عليه معتدٍ.

والقسم الثاني: هو الدفاع عن بيضة الإسلام. وهذا قد يُطلق عليه لفظ الجهاد الدفاعي، وله موارد ثلاثة، وقد تزيد عن ثلاثة.

[ثلاثة موارد للدفاع عن بيضة الإسلام:]

المورد الأول: أن يقع عدوان فعلي على المسلمين، ويداهمهم العدو، بحيث لابد من مواجهته بالقتال فورًا، وبحيث يكون أي تراخٍ بالنفر إلى حربه موجبًا لزيادة تمكينه من الناس، وزيادة ضعف المسلمين عن المواجهة. وهو أخص صور الجهاد الدفاعي وأظهرها، بل هو القدر المتيقن من الجهاد الدفاعي.

مثال ذلك في زماننا: إسرائيل اللقيطة دخلت الأراضي السورية واحتلت منطقة الجولان بالكامل، وجبل الشيخ، وجبل قاسيون، وأهم المرتفعات الاستراتيجية في سوريا، ومنابع المياه، والأراضي الخصبة الزراعية. هنا يجب الدفاع، لأنه إن تم السكوت، فإن إسرائيل قد تتوسع، ولن تنسحب من هذه الأراضي إلا بالجهاد الدفاعي.

المورد الثاني: إحداث الكفار الفتن بين المسلمين بتحزيب الأحزاب وتفريق الكلمة، مما يمكن أن يؤدي إلى إشعال نار حرب داخلية بين أبناء المجتمع الواحد المسلم، أو مجتمعات المسلمين، أو إحداث ما يوجب ضعف قوة المسلمين واستنزاف طاقاتهم. وهذا ما تفعله إسرائيل اليوم داخل إيران والعراق، فيجب الدفاع.

المورد الثالث: أن يعتدي الكفار على شعب مستضعف، إما مسلم في مجتمع آخر، أو كافر في مجتمع آخر.

[الموارد الأخرى للجهاد الدفاعي:]

هذه موارد ثلاثة ذكرها المرحوم الشيخ شمس الدين في "جهاد الأمة"، صفحة ثلاثمائة وسبعة عشر وما بعدها، وقد تُذكر موارد أخرى.

فيقال:

[الضرب الإستباقي]

المورد الرابع: ما إذا أعد الكفار العدوان على المسلمين والهجوم عليهم، لكنهم لم يبدأوا بالفعل، فعندئذٍ يقوم المسلمون بهجوم استباقي لدرء هجوم الكفار، وهو ما يُعبر عنه في زماننا بالضرب الاستباقي.

فهل الضرب الإستباقي جهاد ابتدائي أم جهاد دفاعي؟

إن قيل إن هذا جهاد ابتدائي فهو خارج عن الجهاد الابتدائي لأنه ليس قتالًا للدعوة إلى الإسلام من دون أي عدوان فعلي أو شأني، بل هو جهاد دفاعي، لأن اعتداء الكفار على المسلمين إما أن يكون فعليًا كما لو هجموا بالفعل، وإما أن يكون شأنيًا كما لو أعدوا العدوان للهجوم على المسلمين.

[تطبيق شروط الجهاد على الموارد الأربعة المذكورة]

هذه موارد ثلاثة أو أربعة. نتطرق إلى كل موردٍ من هذه الموارد وننظر إلى الشروط التسعة التي اشترطناها في الجهاد الابتدائي، فهل تُعتبر أو لا؟

المورد الأول: من موارد الجهاد الدفاعي هو أن يقع عدوان فعلي على المسلمين.

وهنا توجد حالتان:

الحالة الأولى: حضور الإمام المعصوم عليه السلام وظهوره.

الحالة الثانية: عصر غيبة الإمام المعصوم، كزماننا وهي الغيبة الكبرى.

وهذه الحالة الثانية فيها صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون للمجتمع الإسلامي نظام حكم وهيئة منظمة ومديرة.

الصورة الثانية: لا توجد حكومة منظمة وحاكمة للمجتمع الإسلامي.

في الصورة الأولى حالة وجود حكومة لها شكلان:

الشكل الأول: أن تكون الحكومة شرعية.

الشكل الثاني: أن تكون الحكومة غير شرعية، أي غير مُمضاه من الشارع المقدس. والحكومة غير الشرعية أعم من الحكومة الظالمة، أو الحكومة غير الظالمة.

[ما يسقط اعتباره من الشروط]

في جميع هذه الصور المذكورة للمورد الأول من موارد الجهاد الدفاعي، يُسقط خمسة من الشروط، وهي:

1. استئذان الإمام المعصوم عليه السلام.

2. الذكورة.

3. الحرية.

4. القدرة الجسدية والمالية، وغير ذلك كالقدرة العسكرية. نعم، لو كان زمنيًا أي فيه مرض مزمن لا يقوى على الحركة، أو كان معدمًا مشلولًا كلية، فهذا خارج تخصصًا بعد ما يتوجه إلى تكليف بالجهاد. فهنا يعتبر فيه القدرة.

5. البلوغ، وهذا أيضًا يحتاج على احتمال وكلام.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى بيان المورد الأول والشروط التي تسقط فيه والصور المتعددة.

يبقى الكلام في تفصيل سقوط الشروط في المورد الأول، ويأتي عليها الكلام.


logo