46/06/23
الدرس (السادس والأربعون): تنبيهات شرطية إذن الوالدين في الجهاد
الموضوع: الدرس (السادس والأربعون): تنبيهات شرطية إذن الوالدين في الجهاد
[تنبيهات شرطية إذن الوالدين في الجهاد]
التنبيه الأول:
[منع الوالدين عن الجهاد لو تعين]
إن شرطية الإذن ومانعية المنع هي في غير حالة من الجهاد على المكلف، فإذا تعين الجهاد عليه لم يجز لوالديه منعه ووجب عليه أداء الجهاد وإن منعاه، كما هو في جميع الواجبات العينية كالصلاة والصوم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق[1] .
ولا يرد هنا أن هذا من باب التزاحم نظراً، لأن أدلة الواجبات العينية حاكمة على أدلة طاعة الوالدين فتقدم عليها.
[المناقشة بوجه آخر]
نعم، يمكن المناقشة بوجه آخر، وهو ما لو تعين الجهاد على المكلف بأمر عرضي، كما لو نذر أو جاء بيمين ووجب عليه الجهاد وفاءً بالنذر أو اليمين، فقد يقال بعدم انعقاده إلا بإذن الوالدين.
ولكن لو التزمنا بانعقاده بغير إذنهما، فحينئذ يكون الخروج إلى الجهاد من باب اجتماع الأمر والنهي، فيحرم لنهي الوالدين ويجب الوفاء بالنذر غير المشروط بإذنهما.
هذا تمام الكلام في التنبيه الأول.
التنبيه الثاني:
[اشتراط الإسلام في الوالدين]
هل يعتبر في الأبوين أن يكونا مسلمين أم لا؟
صريح الشيخ الطوسي والعلامة الحلي والقاضي ابن البراج اعتبار إسلام الأبوين.
قال الشيخ الطوسي رحمه الله: "وإن كان الأبوان مشركين أو أحدهما، فله مخالفتهما على كل حال"[2] .
وقال العلامة الحلي في التحرير: "جاز له مخالفتهما والخروج مع كراهتهما"[3] .
وقال القاضي ابن البراج: "وإن كان أبواه كافرين، كان الخروج واجباً عليه"[4] .
وهو مذهب الشهيد الثاني في مسالك.[5]
وقد فرع العلامة الحلي في التحرير على ما ذهب إليه أن الأبوين إذا كانا كافرين فأسلما ومنعاه: "إن كان بعد تعينه عليه لم يعتد بمنعهما، وإن كان قبله وجب عليه الرجوع مع المكنة"[6] ، والظاهر من الشهيد الأول في اللمعة.[7]
هذا تمام الأقوال في المسألة.
[التحقيق في المسألة وأدلتها]
فهل يشترط إسلام الأبوين؟ وما هو مدركه؟ أو لا يشترط؟ وما هو مدركه؟
[الإستدلال على عدم اشتراط الإسلام في الأبوين]
قد يستدل على عدم اشتراط الإسلام في الأبوين بإطلاق أدلة طاعة الوالدين، فهي لا تختص بخصوص الأبوين المسلمين، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾[8] .
وفي آية أخرى: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾[9] .
وذكرت الوالدين ولم تقيدهما بالمسلمين، فتجب طاعة الوالدين مطلقاً، خصوصاً في الأوامر والنواهي الإشفاقية، فإذا أمر الأب ولده إشفاقاً عليه وخوفاً عليه، فهنا لا يجوز للولد المخالفة إلا إذا كان نهياً عنه واجباً عينياً أو أمراً بمحرم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
هذا تمام الكلام في الاستدلال على عدم اشتراط الإسلام.
[الإستدلال على اشتراط الإسلام للأبوين]
وأما وجه اشتراط الإسلام، فيمكن الاستدلال عليه بعدم جعل السبيل للكافر على المسلم، قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾[10] .
وفيه: إن المنع الإشفاقي ليس من باب السبيل، فإن السبيل ينصرف إلى السبيل التسلطي، والذي فيه سلطنة، وليس منهما نحن فيه، فإن أمر ونهي الوالدين الإشفاقي ليس من التسلط مفهوماً ولا مصداقاً، فبحسب فهم العرف للسبيل التسلطي وفهمهم لأوامر ونواهي الوالدين الإشفاقية لا يصدق عليها أنها تسلطية.
النتيجة النهائية: الصحيح إطلاق وجوب طاعة الوالدين، ولا يشترط فيهما الإسلام، وقد ذهبنا إلى أن الشرط في وجوب الجهاد هو عدم منع الوالدين، ولم نشترط إذن الوالدين، فالمدار على عدم منع الوالدين مطلقاً سواء كانا مسلمين أو كافرين.
التنبيه الثالث:
[لو كان أحد الأبوين ميتا أو لم يعلن عن رأيه]
نصت عبارات الفقهاء على الأبوين، فلو كان أحدهما ميتاً أو لم يعلن عن رأيه ومنع الآخر، فهل يؤثر منعه؟
صرح العلامة في التحرير بأن حكم أحدهما حكمهما[11] ، وكلامه تام لا غبار عليه، إذ ليس المراد بالوالدين مجموع، أي لابد أن يتحقق الجزءان: الأب والأم، بل المراد العموم الاستغراقي، أي الجميع الوالد والوالدة.
وبالتالي لو أجاز أحدهما ومنع الآخر، قدم المنع لأنه لابد من عدم منع الاثنين، ويكفي منع واحد منهما للمنع من الجهاد.
التنبيه الرابع:
[لو أذن أحدهما ومنع الآخر]
لو أذن أحدهما ومنع الآخر فهل يتبع إذن أحدهما أم منع الآخر؟ الظاهر اللازم اتباع منع المانع، لأن الإذن لا يقتضي أكثر من مشروعية الخروج، والمانع يقتضي التحريم، فإذا تعارض الاقتضاء واللاقتضاء، قدم الاقتضاء على اللاقضاء عند التعارض، فيقدم منع المانع ولا يجوز له الخروج.
التنبيه الخامس:
[الخروج من القتال لو شرط عدم القتال أو حضر بدون الإذن]
قال العلامة في التحرير: " لو أذن في الغزو والداه و شرطا عدم القتال فحضر تعين عليه القتال و لو خرج بغير إذنهما فحضر القتال لم يجز له الرجوع"[12] .
والتحقيق إن في تعين القتال عليه في الفرع الأول تاملاً، لأنه في الحقيقة بسبب الشرط ليس غازياً ليشمله دليل حرمة الفرار من الزحف، فإذا أذن الوالدان في الذهاب إلى ساحة القتال واشترط عدم القتال، فهو ليس غازياً وليس مقاتلاً، فلا يشمله عنوان حرمة الفرار من الزحف حتى نلتزم بتعين القتال عليه، كما أفاد العلامة الحلي رحمه الله.
وأما الفرع الثاني وهو لو خرج بغير إذنهما فحضّر القتال، فحينئذ يكون خروجه من غير إذن مشروع، فهذا الخروج غير مشروع وخروجه معصية، فيجب عليه الرجوع، لأنه لا يجوز الرجوع كما أفاد العلامة الحلي رحمه الله.
نعم، إذا اعتبرنا المنع مانعاً ولم نشترط إذنهما، اتجه كلام العلامة الحلي لأنهما على الفرض لم يمنعاه، بل هو خرج بدون إذنهما. لكن فرض المنع مخالف لما أفاده العلامة في التحريم، حيث اشترط إذنهما وجعل المانع حقاً لهما. فقال: "من له أبوان مسلمان، لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما، ولهما منعه"[13] .
إذا اشترطنا الإذن، يكون خروجه خروج معصية لأنه خرج بدون إذنهما، وإذا اشترطنا عدم المنع، يكون خروجه جائزاً لأنه ما لم يمنعاه، فحينئذٍ، إذا حضر المعركة، ما يجوز له أن يرجع، يصبح حرمة الفرار من الزحف.
هذا تمام الكلام في التنبيه الخامس.
التنبيه السادس:
[اشتراط الحرية في الوالدين]
هل يشترط في الأبوين أن يكونا حرين؟ فيتوقف جواز الخروج لو كانا رقيقين على إذنهما أو عدم منعهما، أو لا تشترط الحرية؟ ولنتطرق إلى الأقوال في المسألة ثم مدرك الأقوى.
أولاً، الأقوال في المسألة:
[القول الأول: اشتراط الحرية]
قال العلامة في التحرير: "ولو كان أبواه رقين، ففي اعتبار إذنهما إشكال، ولو كانا مجنونين لم يعتبر إذنهما"[14] .
وإلى هذا ذهب الشهيد الثاني في المسألة، حيث قال: " و في اشتراط حرّيتهما في ولاية المنع قولان، أقربهما العدم "[15] .
[القول الثاني: عدم اشتراط الحرية]
وهو مذهب الشهيد الثاني أيضاً، لكن في شرح اللمعة الدمشقية ذهب إلى أن الأقوى عدم اشتراط الحرية[16] .
وهو الظاهر من ابن البراج في المهذب، حيث لم يتعرض لذلك، ولو كان شرطاً لتعرض له، فاكتفى باعتبار إسلامهما[17] .
تقريب الاستدلال:
طاعة الوالدين وعدم إيذائهما مطلقٌ، فلم يذكر فيها قيد الإسلام، ولم يُذكر فيها قيد الحرية، فنتمسك بإطلاق أدلة طاعة الوالدين، ولا يؤثر إذنهما ومنعهما في حقوق المالك لهما، وليس محجورين عن هذا المقدار من التصرف.
فالصحيح عدم اشتراط الحرية في إذنهما أو منعهما.
وأما المجنونان، فإذا فرضنا أنهما على درجة من الوعي تجعلها يتأذيان من مخالفة أمر ونهيهما، كما لو كان جنونهما دورياً وليس مطبقاً، فحينئذٍ يشكل الحكم بعدم اعتبار منعهما، فيكون منعهما منجزاً. نعم، لو كان جنونهما مطبقياً، فحينئذٍ عبارتهما مسلوبة ولا اعتبار بإذنهما أو منعهما.
التنبيه السابع:
هل حكم الجد حكم الأبوين أو لا؟
قولان في المسألة:
[القول الأول:]
قال الشهيد الثاني في الروضة وفي الحاق بهما قول قوي[18] .
وقال العلامة الحلي في القواعد: "وفي الجدين نظر"[19] .
ولعل منشأ النظر من أنهما أبوان، لأن الأب مشترك بين الأب والجد فيشملهما دليل الأبوين، ولأن الحكم واحد في الأب والجد من حيث الولاية، فهذا منشأ شمول الأبوين للجد.
[القول الثاني:]
وأما منشأ عدم التعدي من الأب إلى الجدين والاقتصار على خصوص الأبوين، فيقال: إن الأصل عدم الاشتراك، فال للأبوين واشتراك الأبوين مع الجدين يحتاج إلى دليل، والأب منصرف عن الجد في العرف في أمثال المقام فلا يشملهما الدليل.
وحتى لو سلم الاشتراك بين الأبوين والجدين، لم يفد في شمول الحكم لهما في المقام، اللهم إلا أن يقال: لماذا لا؟ لأنه يقتضي استعمال اللفظ في معنيين: استعمال لفظ الأبوين في معنيين، معنى الأبوين والجدة في استعمال واحد وهو ممنوع.
اللهم إلا أن يقال: إن الاستعمال هنا في الجامع، وهو من ولد ومن ولد، يصدق على الأب والأبوين والجدين، ولكنه بعيد عن الفهم العرفي ولا يساعد عليه ظاهر الدليل. هنا كما يُناقض بهذا النقض أن لو التزمنا بشموله للجدين فإنه يشمل أبوي الجدين.
والصحيح اختصاص المنع بخصوص الأبوين وعدم التعدي إلى الجدين، لأن المحكم عند الشك في شمول الدليل المقيد هو عمومات وإطلاقات وجوب الجهاد، ويقتصر من دليل التقييد على القدر المتيقن، وهو الأبوين.
وقد يدعى عليه الإجماع. قال في جامع المقاصد: " و الأصح: أنه لا منع لهما، تمسكا بالأصل، و بعموم دلائل الجهاد. "[20] ، جامع المقاصد، الجزء الثالث، صفحة ثلاثمئة وسبعين. يعني الأصل عدم المانعية، وعموم الأدلة بعد الأدلة العامة.
وعلى القول بالإلحاق لو اجتمع الأبوان والجدان اعتُبِر إذن الجميع، وهو ما رجحه في المسالك.[21] مسالك الأفكار، الجزء الأول، صفحة مئة وسبع عشرة.
إذاً، الصحيح اقتصار المنع على خصوص الأبوين وعدم التعدي إلى الجدين. هذا واضح، أصلاً كل من يقرأ الآية: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾[22] ينظر إلى الوالدين، ولا تشمل الجدة.
التنبيه الثامن والأخير:
[السهم من الغنيمة لو غزا بدون إذن الأبوين]
صرح الشيخ الطوسي في المبسوط[23] . والعلامة في أنه لو غزا بغير إذن أبويه يستحق السهم[24] ، وهذا من جهة أن من حضر القتال قبل القسمة يستحق السهم، وعدم استئذان وعدم الإذن إن كان لهما آثار، فهو تكليفي لا وضعي.
هذه المسألة هي شبيهة بما إذا خرج المدين مع منع الدائن له بالخروج فهو سفره سفر معصية، لكن إذا حضر وغنم، يستحق قسمة من الغنيمة.
هذا تمام الكلام في تنبيهات الشرط الثامن إذن الوالدين.
الشرط التاسع: حضور الإمام عليه السلام، يأتي عليه الكلام.