46/06/22
الدرس (الخامس والأربعون): الشرط السابع الخبرة العسكرية
الموضوع: الدرس (الخامس والأربعون): الشرط السابع الخبرة العسكرية
[الشرط السابع:]
[الخبرة العسكرية]
صرح ابن حمزة في الوسيلة باعتبار معرفة المكلف بالجهاد.[1]
وهو يقصد معرفته فنون القتال، وعدَّ من يسقط عنه من ليس من أهل المعرفة به، وهو الظاهر من السيد ابن زهرة في الغنية، حيث اشترط القدرة عليه. قال: "والاستطاعة له بالصحة والقدرة عليه وما يفتقر إليه فيه من ظهر ونفقة"[2] ، العبارة الأولى راجعة إلى اشتراط القدرة الجسدية، والثانية إلى المعرفة القتالية، والثالثة إلى القدرة المالية.
وأما الحلبي في إشارة السبق فقد اشترط التمكن منه.[3]
ولعله الظاهر من الشيخ الطوسي رحمه الله في النهاية، حيث عدَّ من يسقط عنهم من ليس به نهضةً إلى القيام بشرطه.[4]
ولعله لم يتعرض غير هؤلاء لهذا الشرط.
[الخبرة العسكرية من شروط الوجوب أو من شروط الواجب؟]
وهل الخبرة العسكرية من شروط الوجوب ومقدماته، كالقدرة الجسدية والاستطاعة المالية، فلا يجب على المكلف تحصيلها؟ أو أنها من مقدمات الواجب، فهي كالوجوب بالنسبة إلى الصلاة، فيجب على المكلف تحصيلها، كما يجب على المصلي تحصيل الوضوء.
[الجواب:]
ظاهر من اعتبر عدم المعرفة بفنون الحرب من مسقطات الوجوب، حيث أنهم يعتبرون الخبرة العسكرية من شروط الوجوب، كابن حمزة في الوسيلة، حيث قال: "ويُسقط الجهاد عن عشرة نفر"[5] ، وعدَّ منهم من ليس من أهل المعرفة به.
والصحيح إن التعلم والتدرب من مقدمات الواجب لا من شروط الوجوب، فهو من قبيل تعلم ومعرفة مواضع المناسك في الحج، التي يجب على المكلف تحصيلها.
فيجب بحكم العقل في موطن بحثنا على المكلف تعلم فنون القتال والتدرب عليها، لأن ذلك مما يتوقف عليه امتثال الواجب المنجز، فعندما يدخل الجهاد في عهدة المكلف، يجب عليه تهيئة مقدماته، وهي تعلم فنون القتال.
مسألتان:
المسألة الأولى:
هل وجوب تعلم فنون القتال والتدرب عليها كفائي كالجهاد نفسه بناءً على وجود هذا السِّنخ من الوجوب، كما هو المشهور من أن الجهاد واجب كفائي؟، أو أن التعلم على نحو الوجوب العيني التعيني؟
الجواب: لا شك أن وجوب التعلم عقلي من باب وجوب المقدمة وليس بنفسه، والظاهر أن هذا الوجوب فعلي متعين على المكلف، وإن كان الواجب كفائياً، لأن الواجب الكفائي هو الواجب الذي إن قام به البعض سقط عن البعض الآخر، وإن تركوه جميعاً استحق العقاب جميعاً، فالخطاب يتوجه إلى جميع المكلفين، لكنه يسقط إن قام به من به الكفاية.
فالخطاب بالواجب قبل الامتثال من تقوم بهم الكفاية شاملٌ للجميع ومنجز في حق الجميع، وسقوط التكليف عن المكلف إنما هو في حالة امتثال الغير بمقدار الكفاية، وليس في حالة تعلم الغير، ولأن التعلم من قبيل المقدمات المفوتة، فإنه إذا لم يتعلم ولم يمتثل الغير، تقع المعصية في التكليف، فيجب على الجميع أن يكونوا مهيئين للامتثال إذا لم يقم من تحصل به الكفاية.
وإذا فرضنا أن التعلم واجب على نحو الكفاية، وتعلم المقدار الذي تتحقق بهم الكفاية فقط، فحينئذٍ يتعين الجهاد على خصوص المتعلمين، ويسقط عن غير المتعلمين لعدم القدرة، وهذا خلاف كون الجهاد واجباً على نحو الكفاية، سواءً من تقوم به الكفاية متعلم أو غير متعلم.
إذًا في المسألة الأولى: الجهاد وإن كان واجباً على كفائياً، لكنه إذا واجب الجهاد، فحينئذٍ يجب تعلم فنون القتال بنحو الوجوب العيني لا بنحو الوجوب الكفائي.
المسألة الثانية:
سواءً قلنا إن التعلم واجب بنحو الوجوب العيني أو بنحو الوجوب الكفائي، هل يجب على المكلف بذل نفقة التعلم والتدريب، أو أن هذا واجب على الدولة أو من بيت المال؟
الجواب: الجهاد يجب على أعيان المكلفين، فيجب عليهم نفقة التعلم والتدريب، إلا إذا لم يتمكن من ذلك فيستحيل التكليف بغير المقدمة، كما لو استلزم التعلم نفقات مالية لا يقدر على بذلها، أو توقف على معدات ومعاهد ومدارس غير موجودة، ولا يتمكن المكلف من إيجادها، ففي هذه الحالة لا يجب عليهم، ويكون هذا من واجبات الدولة أو ولي الأمر.
هذا تمام الكلام في الشرط السابع، وهو القدرة العسكرية.
الشرط الثامن:
إذن الوالدين
هل إذن الوالدين شرط في وجوب الجهاد، أو أن منعهما يمنع من جواز الخروج؟
صريح القاضي ابن البراج في جواهر الفقه بأنه مانع، وعليه منعهما لا شرطية إذنهما، حيث قال: "يجوز لهما منعه من ذلك، أي الجهاد ما لم يتعين"[6] .
وبهذه المانعية صرح المحقق الحلي في الشرائع والعلامة الحلي في القواعد. يراجع شرائع الإسلام[7] .
قواعد الأحكام.[8]
متن جامع المقاصد.[9]
كما صرح بالمانعية الشهيد الأول في اللمعة، والشهيد الثاني في الروضة البهية[10] ، فذهب إلى أن للأبوين منعهما إذا لم يتعين عليه الجهاد.
ولكن صريح الشيخ الطوسي في المبسوط، وظاهر العلامة في التحرير شرطية الإذن، ومانعية المنع. المبسوط بالشيخ الطوسي، الجزء الثاني، صفحة ستة.
قال الشيخ الطوسي في المبسوط: " و أما الأبوان فإن كانا مسلمين لم يكن له أن يجاهد إلا بأمرهما و لهما منعه "[11] .
وقال العلامة الحلي في التحرير: "من له أبوان مسلمان، لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما، ولهما منعه".[12]
وهو الظاهر من ابن حمزة في الوسيلة، حيث صرح بالسقوط عما لم يأذن له الوالدان[13] ،ولعل مراده من عدم الإذن هو المنع.
إلى هنا ذكرنا قولين:
القول الأول: اشتراط إذن الوالدين، الشيخ الطوسي في المبسوط، والعلامة في التحرير، وابن حمزة في الوسيلة،
القول الثاني: المانعية، وهذا قال به القاضي ابن البراج، والمحقق في الشرائع، والعلامة في القواعد، والشهيدان في اللمعة والروضة.
القول الثالث: للقاضي ابن البراج الطرابلسي، فله قول آخر اختاره في المهذب، غير قوله في الجواهر، وهو أن من كان له أبوان مسلمان وهما مفتقران إليه في القيام بهما، أو النفقة عليهما، فليس يلزمه الخروج.[14] أي أن أصل وجوب الجهاد لا يثبت في حقه في حالة خاصة إذا احتاج إليه.
إذًا في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: يشترط الإذن.
القول الثاني: مانعية المانع، فلو لم يأذن ولا منعا، وجب عليه الخروج.
القول الثالث: عدم الوجوب رأسًا على المكلف، لكن في خصوص حالة افتقار الأبوين إلى الولد.
هذه أقوال ثلاثة.
دراسة أدلة شرطية الإذن ومعنية المنع
وهناك أدلة خاصة وأدلة عامة، وسيتضح أن الأدلة الخاصة لا تنهر بالدلالة على اشتراط إذن الأبوين أو مانعية منعهما، ولكن بمقتضى الأدلة العامة يمكن القول بمانعية منعهما، ولنبدأ بالأدلة الخاصة على اشتراط الشرطية.
[الأدلة الخاصة على اشتراط إذن الوالدين للجهاد]
الدليل الأول: التمسك بحديث جابر بن يزيد الجعفي، وقد روي بنحوين:
[النحوين لرواية حديث جابر]
النحو الأول: جابر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "يا رسول الله، إني راغب في الجهاد نشيط". قال: "فجاهد في سبيل الله! فإنك إن تقتل كنت حياً عند الله ترزق، وإن مت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت".
فقال: "يا رسول الله، إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي".
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أقم مع والديك، فوالذي نفسي بيده، لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة". [15]
لاحظ في الرواية النبي ابتداءً ما سأله، النبي ابتدائيًا قال له: "اذهب وجاهد". هو لما استدرك وقال: "إن لي أبوين"، النبي لم يتركه.
النحو الثاني: جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال: "إنّي رجل شاب نشيط وأحب الجهاد، ولي والدَة تكره ذلك". فقال النبي: "ارجع فكن مع والدتك، فوالذي بعثني بالحق لأنسها بك ليلة خير من جهاد في سبيل الله".[16]
[إسناد الحديث]
السند الأول والسند الثاني ضعيفان بعمر ابن شمر.
وفي السند الأول هكذا: محمد بن علي بن الحسين في المجالس عن علي بن أحمد بن عبد الله عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمر بن شمر، عن جابر.
علي بن أحمد بن عبد الله لم يوثق، والده أحمد بن عبد الله لم يوثق، أما أحمد بن أبي عبد الله البرقي فهو أحمد بن محمد بن خالد الثقة، والده محمد بن خالد مختلَف فيه ويمكن توثيقه.
أما أحمد بن النضر الخزاز فهو أبو الحسن بن الجعفي ثقة، عمر بن شمر ضعيف، طبعاً يمكن توثيقه لوروده في كامل الزيارات، ولا نبني على هذا المبنى.
جابر بن يزيد الجعفي ثقة، وإن وقع الخلاف فيها أيضاً.
السند الثاني: محمد بن يعقوب الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن سالم عن أحمد بن النضر عن عمر بن شمر عن جابر، الرواة محمد بن سالم بن عبد الحميد ثقة، باقي رجال السند تقدموا.
إذًا الرواية ضعيفة.
[دلالة الحديث]
والحديثان بمضمون واحد، وهما ضعيفان، ومع ذلك لا دلالة فيهما على شرطية الإذن ولا على مانعية المانع، فإن زعمهما الأنس به وكراهتهما خروجه أعم من المانع. فقد يكره الإنسان شيئاً ويفعله أو يأذن به، شيء طبيعي، الأب والأم لا يحبون أن يخرج الولد للقتال ثم يُقتل، لكن قد لا يمنعون، يقولون: "اذهب يا ولدي، هذا شرف وفخر لنا".
كما لا يظهر من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تقدير صدور الرواية شرطية إذنهما، إذ لم يسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولعل أمره بالبقاء حادثة في واقعة، فلعله أنه لم تكن هناك حاجة إليه لاستحقاق ما به الكفاية أو خصوصية لهذا الأمر، فالحديثان لا يدلان على المدعى.
إذاً، الدليل الأول ليس بتام.
الدليل الثاني:
التمسك بما روي من أن جاءه رجل فقال: يا رسول الله أجاهد فقال: " ألك أبوان ؟ " فقال: نعم، فقال: " ففيهما فجاهد ".[17]
استدل به الشيخ الطوسي في المبسوط[18] ، وابن البراج في الجواهر[19] .
وفيه: ليس في الحديث دلالة على الدعوة. المدعى هو ماذا؟ شرطية إذن الأبوين أو منعهما، ولم يرد في الحديث أنهما منعا ابنهما من الجهاد.
وفي هذا الحديث، النبي ابتدائيًا سأله عن الأبوين، فهذا الحديث لعله يدل على القول الثالث للقاضي ابن البراج، وهو أنه عدم الوجوب رأسًا، يعني ما دام يوجد أبوَان ويحتاجان إليهما، والأبوَان يحتاجان إلى الولد، وإن كان لم يذكر هذا القيام، لكن لعل النبي لاحظ ذلك: "ألك أبوَان؟". فقال: "نعم". قال: "ففيهما فجاهد"، يعني يحتاجان إليك، جهادك في رعاية الأبوَين.
التحقيق: أن الأدلة الخاصة لا تدل على اشتراط إذن الوالدين ولا على مانعية منعهما.
[الأدلة العامة على اشتراط إذن الوالدين للجهاد]
والصحيح أنه لو نظرنا إلى ما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة من وجوب طاعة الوالدين وبرهما، فحينئذٍ نقول: إذا تعين الجهاد على المكلف لا يشترط إذن الوالدين، وإذا لم يتعين الجهاد على المكلف وكان في خروجه أذن لأبويه ومنعاه شفقةً، فحينئذٍ يحصل تزاحم بين وجوب الجهاد وبين وجوب طاعة الأبوين، فحينئذٍ يسقط وجوب الجهاد.
وهذا ما يقال بالنسبة إلى سفر طالب العلم للدراسة. لا يشترط إذن الوالدين في السفر للدراسة، لكن لو منعه من باب الشفقة، لم يُجز له أن يسافر في طلب العلم، وهذا في السفر المستحب.
فهنا نقول: إذا حصل التزاحم، يقدم رضا الوالدين، فيكون منعهما رافعاً لوجوب الجهاد في حقه، فالصحيح هو مانعية منع الأبوين ورفعه لوجوب الجهاد عن المكلف، إلا إذا تعين الجهاد على شخص المكلف.
أما في صورة القول الثاني: إذا احتاجا إليه، بحيث إذا خرج يموتان، ما من أحد يرعاهما، فهذا واضح جداً أنه لا يجب عليه الجهاد، يعني مثلاً كان أعميين أو مقعدين، ولا كفيل لهما إلا هذا الولد، هنا واضح جداً أنه يسقط عنه وجوب الجهاد.
تنبيهات تأتي عليه الكلام.