46/06/15
الدرس (الأربعون): الشرط الرابع العقل
الموضوع: الدرس (الأربعون): الشرط الرابع العقل
الشرط الرابع من شرائط وجوب الجهاد الابتدائي: العقل
لقد اتفقت كلمات الفقهاء على عدم وجوب الجهاد على المجنون، لكن تفننت تعبيراتهم في التعبير عن شرط العقل، فمنهم من عبر عنه بالتكليف، وهو أعم من اشتراط البلوغ والعقل، كالمحقق الحلي في الشرائع، حيث قال: "هو فرض على كل مكلف ... فلا يجب ... على المجنون[1] ".
وبهذا لا يجب الجهاد على الصبي.
ومنهم من عبر بسقوط الجهاد عن المجنون، كالشيخ الطوسي في النهاية.
كتاب الجهاد، الجزء التاسع، صفحة تسعة وأربعين من سلسلة الينابي الفقهية.[2]
لكن في التعبير بسقوط الجهاد تسامح.
نعم، إذا اتصل الجنون بالبلوغ أي كان الطفل مجنوناً وبلغ وهو مجنون، فحينئذٍ يكون التعبير بالسقوط عنه فيه مسامحة واضحة، لكن لو بلغ وهو عاقل ثم جن، فحينئذٍ يصح التعبير بالسقوط، إذ السقوط فرع الثبوت، والأمر سهل.
ومنهم من عبر باشتراط العقل، كالمحقق الحلي في المختصر النافع[3] ، والشهيدين[4] .
ومنهم من عبر عن اشتراط العقل باعتبار كمال العاقل، كالحلبي في إشارة السبق،[5] إشارة السبق للشيخ علاء الدين أبي المجد الحلبي، وابن زهرة الحلبي في الغنية،[6] وابن حمزة في الوسيلة إلى نيل الفضيلة[7] ، والقاضي ابن البراج الطرابلسي في المهذب[8] .
فهنا عدة تعبيرات، ومن الواضح أن مفاد التعبير عن هذا الشرط باعتبار العقل أو التكليف أو عدم الوجوب على المجنون مفاد واحد.
[اشتراط العقل أو كمال العقل]
لكن اشتراط العقل يختلف عن مفاد التعبير بكمال العقل، فإن مقتضاه عدم وجوب الجهاد على غير كامل العقل، وهو أعم من المجنون، لأنه يشمل السفيه مثلاً، فالسفيه يصدق عليه أنه مكلف وأنه غير مجنون، فمقتضى اشتراط كمال العقل عدم وجوب الجهاد على السفيه، ومقتضى اشتراط العقل أو عدم الجنون وجوب الجهاد على السفيه.
لكن لعل تعبيرهم بكمال العقل تسامح في التعبير، فمرادهم أن يكون عاقلاً غير مجنون، وهذا هو الظاهر من ابن البراج، حيث قال ما نصه: "وإنما ذكرنا كمال العقل لأن المجانين لا يجب عليهم الجهاد لأنهم غير مكلفين"[9] ، فمن نصه هذا يتضح أنه جعل المجنون في مقابل كمال العقل.
[مصداق كمال العقل في زماننا]
إذاً الشرط هو العقل وليس كمال العقل، ويمكن أن يشير مصطلح كمال العقل في زماننا هذا إلى سلامة المجند من بعض الآفات النفسية التي لا تنافي التكليف الشرعي، ففي زماننا هذا يُلحظ في الرتب العسكرية وفي المواقع أن يكون الشخص كفؤاً للمنصب الذي يتولاه، خصوصاً بعض المهمات الحساسة والتي فيها مسؤولية كبيرة، ومن هنا فإنه يخضع المرشحون للجندية في بعض الوظائف الحساسة لفحوص طبية، فيكون المراد من كمال العقل السلامة من الآفات النفسية، فيكون المراد بكمال العقل الصحة النفسية، لا ما يقابل الجنون، والصحة النفسية ليست شرطاً في أصل وجوب الجهاد في الشريعة الغراء.
النتيجة النهائية: المراد من الشرط الرابع هو اشتراط العقل وليس كمال العقل.
وأما الدليل على اشتراطه فهو واضح، حينما تطرقنا إلى الشرط الأول وهو البلوغ، فحتى لو لم يدل دليل خاص على اشتراط العقل، يكفي التمسك بالأدلة العامة لاشتراط التكليف.
الله يرحم أستاذنا الميرزا جواد التبريزي، الآن ذكرت خاطر كان يدرسنا في المسجد الأعظم، وكان يحضر معنا شيخ معمم توفي رحمه الله، أيضاً هذا كان عنده جنون أدواري، يبدو أنه كان يمتلك بساتين في شمال إيران، ونهض ضد الشاه وصودرت منه، فتأثر نفسياً. فهذا أحياناً يشكل إشكالات دقيقة، وأحياناً يشكل إشكالات تجدها في غير الوادي، ويحضر دروس جميع المراجع. ولابد أن يشكل؛ يعني أنا شفت حضور درس ميرزا جواد التبريزي، الوحيد الخراساني، السيد محمد الهاشمي الشاهرودي، السيد محمد جواد البروجردي، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي. أنا يعني بيوم معين حضرت دروس هؤلاء وشفت يحضر، أي يحضر ولازم يشكل، يأذيهم.
كنا ندرس درس الصوم وكان البحث في شرائط الصوم، ووصلنا إلى اشتراط العقل، بمجرد ما قرأ الميرزا جواد الله يرحمه نص العروة: "يشترط في وجوب الصوم العقل"، ما كمل الميرزا جواد، هذا إشكال! فالتفت إليه الميرزا جواد رحمه الله لما خلص إشكاله، قال له: "بأسألك، أنت عاقل؟".
هو ضحك أيضاً، رحمة الله عليهما.
صلى عليه الشيخ الوحيد مرة، يعني الشيخ الوحيد تأذى، فبعد السماعة أراد أن ينزل من المنبر، هو جاء وقبل الشيخ الوحيد ورجع السماعة، قال له: "واصل الدرس".
اللي قدر عليه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي قال له: "أنت في اليوم الواحد لك حق تسأل سؤال واحد، فإذا سأل السؤال الثاني يقول له: انتهت حصتك؟".
رحمة الله.
إذا الدليل على اشتراط العقل الأدلة العامة الدالة على اشتراط التكليف، اشتراط البلوغ والعقل في التكاليف الشروط العامة.
[فما هو المراد بالعقل؟]
ما هو المراد بالعقل الذي هو أحد الشروط العامة في التكاليف؟ المراد بالبلوغ واضح، ما يحصل بإتمام خمسة عشر سنة عند الرجال وإكمال تسع سنين هجرية قمرية عند النساء، أو بعض العلامات الأخرى كخروج الحيض عند النساء واحتلام الرجال، أو نبات شعر العانة، واضح علامات البلوغ.
[أربع اصلاحات للعقل]
سؤال: ما هو المراد بالعاقل؟
الجواب: يمكن تذكر أربع اصطلاحات وإطلاقات للعقل:
والأول منها هو المقصود في شروط التكليف، والاصطلاحات كما يلي:
المصطلح الأول: قوة الإدراك، والتي هي المناط في صحة جعل التكليف الشرعي على الإنسان، ويقابله الجنون. فلكي يصح توجه الخطاب بالتكليف الشرعي والعقلي إلى الإنسان، لابد أن تتوفر فيه القوة المدركة التي توجب صحة مؤاخذته على مخالفة التكاليف الشرعية والعقلية، والعقل بهذا المعنى غريزة خلقها الله عز وجل في الإنسان، والتي يكشف عنها إدراكه لمجموعة من العلوم.
المصطلح الثاني: ملكة إعمال العقل في مقام العمل والسلوك، فنفس المعنى الأول، وهو القوة المدركة، إذا تم إعمالها يُقال لها أيضاً عقلٌ.
وبهذا المعنى ورد في الكتاب والسنة فيما يتعلق بالطاعة والمعصية للتكاليف الإلهية ما يشير إلى هذا المعنى من قبيل قوله تعالى:
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[10]
فليس المراد مجرد السمع والتعقل، بل المراد العمل على وفق ما يسمع أو يتعقل.
وهكذا بعض ما روي في السنة، فقد روى الكليني في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: "العقل ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجنان"[11] (الكافي، الجزء الأول، كتاب العقل والجهل، الحديث الثالث، صفحة 11).
فليس المراد أن العقل بمعنى القوة المدركة هو الذي يوصل إلى الجنان، هو يميز طريق الجنة وطريق النار، وإنما الموصل للجنان هو العمل على وفق القوة العاقلة والمدركة.
المصطلح الثالث: يُطلق العقل على النفس الناطقة في مصطلح الفلاسفة، فيطلقون اسم العقل على مراتب النفس الأربعة، كما يطلقون العقل على قوى النفس في تلك المراتب.
المصطلح الرابع: العقل بمعنى الخبرة والحنكة، وهذا استعمال عرفي، فيقال: فلان عاقل أي خاض التجارب وحكته الحياة، فالمراد بالعقل عند العرف معرفة وجوه الحكمة والصواب في المجال العملي عند الإنسان، فيقال شاور فلان فإنه عاقل، أي خبير في الأمور، في مقابل الغباء والغبي والأحمق والساذج.
ولو راجعنا كلمات الفقهاء لتضح أن مرادهم من العقل هو خصوص المعنى الأول الذي هو مناط التكليف العقلي والشرعي، لذلك يشمل التكليف السفيه أيضًا، فالمراد بالعقل هو القوة المدركة في مقابل الجنون، فهذا العقل الذي هو مناط الأحكام ومناط المؤاخذة هو الشرط في التكليف.
لذلك جعل العقل في الروايات في مقابل الجهل، ولم يُجعل في مقابل العلم، ففي الرواية المروية في الكافي: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ إِيَّاكَ آمُرُ وَ إِيَّاكَ أَنْهَى وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ[12] .
لذلك الآن المولود إذا وُلد بشر إن شاء الله سليم، يعني سليمًا جسدًا وعقلًا، فإذا لم يكن عاقلًا فلا يتوجه إليه التكليف.
هذا تمام الكلام في الشرط الرابع وهو العام.
الشرط الخامس هو القدرة الجسدية، يأتي عليه الكلام.