46/06/14
الدرس (التاسع والثلاثون): الشرط الثالث الذكورة
الموضوع: الدرس (التاسع والثلاثون): الشرط الثالث الذكورة
الشرط الثالث من شروط وجوب الجهاد: الذكورة
وقد اُدعي على اشتراط الذكورة بالإجماع بكلا قسميه المنقول والمُحصل.
يُراجع "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام" الجزء 21 صفحة 7.[1]
فقد اتفقت كلمة الفقهاء على اشتراط الذكورة في وجوب الجهاد، لكن الشهيد الأول لم يذكر شرط الذكورة فاستدرك عليه الشهيد الثاني في "الروضة البهية" قائلاً: وكان عليه أن يذكر الذكورية فإنها شرط، فلا يجب على المرأة.
في "الروضة البهية" في شرح "اللمعة الدمشقية" الجزء الثاني كتاب الجهاد صفحة 382.[2]
وقد عبر الشيخ الطوسي في "النهاية"[3] وابن إدريس الحلي في "السرائر"[4] عن هذا الشرط بقولهما: يسقط الجهاد عن النساء.
ومن الواضح أن هذا التعبير فيه مسامحة واضحة، إذ أن سقوط الشيء فرع ثبوته، والأمر سهل.
[أدلة اشتراط الذكورة]
ويكفي في ذلك سيرة النبي صلى الله عليه وآله المستحكمة بين المسلمين، قال السيد الخوئي رحمه الله في "منهاج الصالحين" الجزء الأول كتاب الجهاد صفحة 362:
الثاني: الذكورة فلا يجب على المرأة اتفاقاً، وتدل عليه مضافاً إلى سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله معتبرة الأصبغ[5] ، سيأتي الحديث.
وقد استدل على اشتراط الذكورة في وجوب الجهاد بعدة أخبار:
الأول: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله من أنه سئل عن النساء هل عليهن جهاد؟ فقال: لا.
وهذا الحديث ورد من طرقنا أيضاً، فقد رواه الكليني في "الكافي" في باب علة كيف صار للذكر سهمان وللأنثى سهم؟! عن علي بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله عن إسحاق بن محمد النخعي قال: سأل الفهفكي أبا محمد عليه السلام رسول المراد الإمام الحسن العسكري: ما بال المرء المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبو محمد عليه السلام: إن المرأة ليست عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة، إنما ذلك على الرجال.
فقلت في نفسي هكذا يقول الفهفكي، قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب، هكذا حدث نفسه.
قال: فأقبل أبو محمد عليه السلام علي فقال: نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منا واحد، إذا كان معنا المسألة واحدة جرى لآخرنا ما جرى لأولنا وأولنا وآخرنا في العلم سواء، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام فضلهما.[6]
في "فروع الكافي" الجزء السابع كتاب المواريث صفحة 85، الحديث الثاني.
وهذا الحديث واضح الدلالة لكنه ضعيف الإسناد بإسحاق بن محمد النخعي قال فيه النجاشي: هو معدن التخليط له كتب في التخليط،[7] وقال الغضائري: فاسد المذهب كذاب في الرواية، وضاع للحديث لا يلتفت إلى ما رواه[8] ، وقال العلامة الحلي: والإسحاقية تنسب إليه.[9]
الإسحاقية هي فرقة من الغلاة كانت بالمدائن وهم أصحاب إسحاق بن محمد النخعي، وفي "معجم الفرق الإسلامية" أنه مات بالكوفة سنة 286.
الفهفكي هو أبو بكر بن أبي طيفور المتطبب إمامي مجهول، وربما يستفاد حسنه من روايته حديثاً عن الإمام الهادي عليه السلام في النص على إمامة أبي محمد العسكر عليه السلام.
قوله: "معقلة" معنى أن المرأة لا تصير عاقلة في دية الخطأ، لأن في دية الخطأ الذي يدفع الدية هم عاقلة الرجل فيدفع الرجال، ولا تدفع النساء.
إذن الرواية الأولى ليست تامة الإسناد.
الرواية الثانية: وهي مرسلة، سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه الحج والعُمرة.[10]
وذكر هذه الرواية المرسلة الشيخ الطوسي في "المبسوط" الجزء الثاني صفحة 5،[11] دلالتها تامة لكنها ضعيفة بالإرسال.
الرواية الثالثة: رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كتب الله الجهاد على الرجال والنساء، فجهاد الرجال أن يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته.[12]
وسائر الشيعة، كتاب الجهاد أبواب جهاد العدو وما يناسبه الباب الرابع الحديث الأول.
تقريب الاستدلال: هذه الرواية استخدمت مفردة الجهاد بالمعنى اللغوي العام، وهو مطلق بذل الجهد، ولم تستخدم لفظة الجهاد بالمعنى المصطلح الخاص، أي قتال الكفار، فظاهر الكتب على الرجال والنساء يقتضي كون المكتوب من سنخ واحد، نظير قوله تعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾[13]
فما جاء بعده تفصيل للجهاد بمعناه العام، فجهاد الرجال القتل في سبيل الله، وجهاد المرأة الصبر على أذى الزوج وغيرته أو عشرته.
إن قيل: إثبات الشيء لا ينفي ما عدا، فإثبات الصبر على الزوجة على غيرة الزوج وعشرته لا ينفي صبرها على القتال.
والجواب: التفصيل قاطع للشركة، ومقتضى المقابلة بين جهاد المرأة وجهاد الرجال عدم الشركة، فجهاد الرجل يختص ببذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله، ولا يشركه جهاد المرأة، وهو الصبر على أذى الزوج، فالرواية تامة الدلالة.
لكن الكلام في الإسناد، فقد يتأمل في الإسناد، إلا أنه قابل للتصحيح.
[إسناد الحديث]
فقد روي الإسناد في الكافي كما يلي: محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم القمي عن أبيه عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة.
الكليني وعلي بن إبراهيم وأبوه إبراهيم بن هاشم، ثقات أجلاء.
أبو الجوزاء هو عبد الله بن المنبه، وقد تقدم في الروايات السابقة أنه زيدي لم يوثق.
الحسين بن علوان: تقدم أنه زيدٌ على الظاهر ولم يوثق، وقلنا هناك من يوثقهما وقد تكرر في أسانيد فيها الكثير من الزيدية.
وفي نسخ النجاشي المطبوعة حديثاً ذكر أن الحسين بن علوان ثقة[14] ، ولكن قد يُدعى أن النسخ الخطية خالية من توثيقه.
وأما ما قيل من نقل العلامة توثيقه عن ابن عقدة، فالموجود في خلاصة العلامة الحلي ما نصه: وقال ابن عقدة: إن الحسن كان أوثق من أخيه، يعني الحسين، وأحمد عند أصحابنا أوثق، يعني كلاهما ثقة، يعني الحسن والحسين، ابن علوان ثقتان.[15]
سعد بن طريف، الحنظلي الإسكاف، ويقال الخفاف، قال الشيخ في الرجال: صحيح الحديث.[16] وقال النجاشي: يعرف وينكر.[17]
وعبارة النجاشي لا تعارض عبارة الشيخ لاحتمال أن يكون المراد من عبارة النجاشي أن حديثه بعضه يُعرف وبعضه ينكر فيكون من النوادر، وهذا لا يضر بالوثاقة.
إذن، طبعاً الأصبغ بن نباتة ثقة من خواص أمير المؤمنين.
بناءً على هذا تكون الرواية ضعيفة بأبي الجوزاء والحسين بن علوان، ومن يوثقهما يرى أن الرواية معتبرة، لذلك ذكر السيد الخوئي أنه يكفي في اشتراط الذكور في وجوب الجهاد التمسك بمعتبرة الأصبغ[18] .
إذن، الرواية الثالثة تامة الدلالة، وهناك تأمل في إسنادها قابل للرفع.
الرواية الرابعة: الحديث المعروف "جهاد المرأة حسن التبعل".[19]
"وسائل الشيعة" كتاب الجهاد أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الباب الرابع، الحديث الثاني.
[إسناد الحديث]
لكن هذا الحديث مرسل فلا يمكن الاحتجاج به لمكان ضعف إسناده، كما قد يُقال إن إثبات الشيء لا ينفي ما عدا. فإثبات كون جهاد المرأة حسن التبعل لا ينفي أن يكون لها أيضاً جهاد آخر وهو القتال في سبيل الله، فإطلاق هذه الرواية لا ينافي إطلاق ما تقدّمها، ولا محذور في العمل بالمطلقين المثبتين، التنافي إنما يكون بين المتنافيين أحدهما يثبت والآخر ينفي، لكن كلاهما يثبت، الأول يثبت الجهاد للقتال في سبيل الله والثاني يثبت الجهاد لحسن التبعل.
سؤال: إذا التزمنا باشتراط الذكورة في وجوب الجهاد، فهل يجب الجهاد على الخنثى المشكل؟
الجواب: أما الخنثى المعلوم الذي يرجع إلى الذكر أو إلى الأنثى، فحكمه حكم ما يرجع إليه، وأما الخنثى المشكل فهو خارج تخصصاً، كما أن المرأة تكون خارج تخصصاً. أي أن أصل وجوب الجهاد ثابت لخصوص الرجل وما عدا الرجل لا يشمله، وما عدا الرجل يصدق على المرأة ويصدق على الخنثى، وهذا لا يستلزم وجود صنف ثالث بين الرجل والمرأة وهو الخنثى المشكل.
إنما الكلام هو اختصاص وجوب الجهاد بخصوص الرجل دون ما سواه، والخنثى المشكل لم يثبت أنه رجل، فيخرج تخصصًا.
فقد صرح العلامة الحلي في "القواعد[20] والتحرير[21] " بعدم وجوب الجهاد على الخنثى المشكل، لأن شرط الذكورة غير محرز فيها، فيكون خارجًا عن موضوع الوجوب، ومع الشك تجري البراءة الشرعية لأنه من الشك في أصل التكليف.
نعم، قد يدعى إن عمومات وإطلاقات الجهاد شاملة للخنثى المشكل، لأن الإطلاقات تحمل عنوان الذين آمنوا، المسلم، المسلمين، ولا شك في مصداقية الخنثى المشكل لهذه العناوين، فإذا ورد مقيدٌ أو مخصصٌ لهذه العمومات والإطلاقات بخصوص الرجال، يكون الشك في الخنثى المشكل حينئذٍ من الشك في شمول العام للمشتبه في مصداقيته، ولا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وهذا الكلام فيه تأمل واضح، إذ إن وجوب الجهاد بالخصوص مختص لخصوص الرجال، والخنثى المشكل خارجهم تخصصًا، فلا يشمله إطلاقات أدلة وجوب الجهاد المختص بالذكورة.
[تجنيد المرأة في الأعمال العسكرية]
من الواضح في زماننا أن الكثير من الجيوش، خصوصًا الغربية، تجند المرأة كما تجند الرجال، فالجيوش فيها مختلف الاختصاصات كالميدان والإشارة والبحرية والإدارة والطبخ وغير ذلك،
سؤال: فهل يجوز تجنيد المرأة للأعمال العسكرية أم لا؟
الجواب: الحكم الأولي هو عدم وجوب الجهاد على المرأة، لكن بالحكم الثانوي، يمكن لولي الأمر أن يوجب الجهاد عليها بالحكم الولائي، وكلامنا في خصوص الجهاد الابتدائي، وأما الجهاد الدفاعي، فإنه يجب على المرأة كما يجب على الرجل، ويجب على العبد كما يجب على الحر. وإنما الكلام في شروط وجوب الجهاد الابتدائي.
[وجوب الجهاد الإبتدائي على المرأة بالحكم الولائي]
فالأصل الأولي هو عدم وجوب الجهاد الابتدائي على المرأة، لكنه قد يجب بالحكم الولائي الذي يصدره المعصوم أو نائبه الخاص أو العام كولي أمر المسلمين، وبالتالي يجوز الانتفاع بالمرأة.
قال الشيخ الطوسي في "المبسوط": "وكان النبي صلى الله عليه وآله يحمل معه النساء في الغزوات"[22] (المبسوط الجزء الثاني صفحة 5).
وقال العلامة في "التحرير": "يجوز إخراج النساء للانتفاع بهن، ويستحب إخراج العجائز منهن، ويكره الشواب"[23] .
وأطلق القاضي ابن البراج فقال في "المهذب": "والنساء يجوز خروجهن ليعالجن الجرحى والمرضى، والمرأة إذا كان لها زوج لم يجز لها الخروج إلى الجهاد إلا بإذنه"[24] ، (المهذب للقاضي ابن البراج الجزء الأول صفحة 296).
وتقييد ابن البراج جواز خروج المرأة ذات الزوج بإذن زوجها هذا على القاعدة، فهناك مبنيان:
[المبنيان في لزوم إذن الزوج لجهاد المرأة]
الأول: لا يجوز للمرأة مطلقًا الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها.
الثاني: لا يجوز للمرأة الخروج من بيتها بدون إذن زوجها إذا نافى خروجها حق الاستمتاع للرجل.
فهنا، لو افترضنا أن الرجل لم يخرج إلى الجهاد، وكان خروجها ينافي حق الاستمتاع، هنا يجتمع المبنيان في عدم جواز خروج المرأة إلى الجهاد بدون إذن زوجها.
وأما العلامة الحلي فحينما رجح خروج العجائز، قال: "ويستحب إخراج العجائز منهن، ويكره الشواب"[25] ، فلعله لعلة تعريض الشواب للاختلاط بالجنود، فلابد من الحفاظ عليهن من الوقوع في الفتنة، وكذلك هو احتياط، فلعله المسلمون ينهازمون وتتعرض الشواب للسبي، وسبي الشواب أنكى من سبي العجائز.
النتيجة النهائية:
ثبت هذا الشرط الثالث وهو اشتراط الذكورة في وجوب الجهاد الابتدائي، والله أعلم.
الشرط الرابع يأتي عليه الكلام.