« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (السابع والثلاثون): شرائط وجوب الجهاد

الموضوع: الدرس (السابع والثلاثون): شرائط وجوب الجهاد

أن شرائط التكليف على قسمين:

القسم الأول شرائط الوجوب، وهي ما كانت شرطاً في أصل تعلق التكليف بالمكلف، كالشرائط العامة للتكليف مثل البلوغ والعقل، فهما شرطان في مختلف التكاليف، وكشرط الاستطاعة في أصل تحقق وجوب الحج على المكلف، وشرط القدرة المالية بالنسبة إلى وجوب النفقة.

القسم الثاني شرائط الواجب، وهي ما يلزم المكلف تحصيلها لامتثال التكليف المنجز عليه كمقدمات الوجوب، فإذا دخل التكليف في ذمة وعهدة المكلف كالصلاة، وجب عليه تحصيل مقدمة الوجوب كالوضوء.

[الشرائط المعتبرة في وجوب الجهاد]

والشرائط المعتبرة في وجوب الجهاد تنقسم إلى هذين القسمين.

لكن الشرائط التي ذكرها الفقهاء في كتاب الجهاد لا تخرج عن شرائط الوجوب. وقد اقتصروا على بيان شرائط وجوب الجهاد الابتدائي بالخصوص.

فذكروا إن الجهاد الابتدائي يجب مع وجود الإمام عليه السلام وبسط يديه، ولم يتعرضوا لها بالنسبة إلى الجهاد الدفاعي.

نعم، ذكروا في باب الجهاد الدفاعي سقوط معظم الشرائط المعتبرة في الجهاد الابتدائي حينما تطرقوا إلى المورد الأول من موارد الثلاثة الجهاد الدفاعي، وهو فيما لو اعتدى العدو بالفعل أو همَّ أن يغزو بلاد المسلمين، فحينئذٍ يجب الدفاع.

إذن الكلام في شرائط وجوب الجهاد هو عبارة عن شرائط وجوب الجهاد الابتدائي.

[شروط وجوب الجهاد الابتدائي]

الشرط الأول:

البلوغ

وقد اتفقت كلمات الفقهاء على اشتراط واعتبار البلوغ في وجوب الجهاد، فمنهم من عبر بالبلوغ، ومنهم من عبر بقوله يجب على المكلف، كالعلامة في القواعد، كتاب الجهاد[1] . جامع المقاصد[2] . والمحقق الحلي في الشرائع[3] .

وعبر آخرون بقولهم يسقط عن الصبيان، كالشيخ الطوسي في النهاية[4] ، من سلسلة الينابيع الفقهية[5] ، وابن إدريس الحلي في السرائر[6] .

ولكن التعبير بسقوط الجهاد عن الصبيان فيه مسامحة، لأن السقوط فرع الثبوت، والجهاد لم يثبت على الصبيان حتى يسقط عنهم، بل هو مرفوع عنهم.

[الإستدلال على اعتبار البلوغ في الجهاد]

واستدل على اعتبار البلوغ في وجوب الجهاد بالخصوص بما روي من أن عبد الله بن عمر عرض على النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فرده ولم يره بالغا، وأنه عرض عليه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة سنة، فأجازه في المقاتلة.[7]

ذكر ذلك الشيخ الطوسي في المفصل، الجزء الثاني، صفحة 5.[8]

[المناقشة في الدليل]

وناقش في هذه الرواية المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في "جهاد الأمة"، صفحة 254، قائلًا:

وهذه الرواية على فرض صحتها أخص من المدعى، لأن للبلوغ علامتين أُخريين قد تتحققان أو إحداهما قبل سن الخامسة عشر، وهما الاحتلام ونبات الشعر على العانة.

فرد النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن عمر في سن الرابعة عشر، يجتمع مع كونه بالغًا حينها، ويكون الرد لعلة أخرى كعدم إذن أبيه أو افتقاده أهلية حمل السلاح والمقاتلة أو الاستغناء عنه لقيام من به الكفاية، فالرواية إنما تصبح دليلاً على اشتراط السن المعين في الجهاد لا اشتراط حالة البلوغ.

[الرد للإشكال على الإستدلال]

أقول: هذه الرواية قد ذكر فيها علة الرد، فلا داعي إلى التكهن بعلة رد النبي لعبد الله بن عمر، إذ جاء فيها معنى الصريح: "فرده ولم يره بالغًا"، إذن المناط للرد هو عدم البلوغ، فلا داعي لتكهن علل أخرى كعدم إذن أبيه أو عدم أهليته لحمل السلاح.

والصحيح هو الاستدلال على اشتراط البلوغ في الجهاد بالأدلة المعتبرة للشرائط العامة في التكاليف، أي أدلة اشتراط البلوغ والعقل في سائر التكاليف، فالتكاليف لا تتوجه إلى الصبي غير البالغ والمجنون غير العاقل.

وهذه الأدلة غاية ما تثبت عدم توجه الخطاب بالتكليف الإلزامي بالجهاد إلى غير البالغ، فالصبي وغير البالغ لا يجب عليه الجهاد، وهذا لا يعني حرمة الجهاد على الصبي.

[الجهاد للصبي جائز وإن لم يكن واجبا]

فلو افترض أن الصبي مميز وقد أذن وليه في جهاده، فحينئذٍ لا إشكال في جواز جهاد الصبي، لكن الجهاد لا يجب عليه.

وقد صرح القاضي ابن البرّاج في المهذب، الجزء الأول، صفحة 296، قائلًا: ويجوز له الخروج بالصبيان للانتفاع بهم، وفي نسخة: ويجوز خروج الصبيان.[9]

وقال العلامة في التحرير: لو أخرج الإمام العبيد بإذن ساداتهم و النساء و الصبيان جاز الانتفاع بهم[10] .

[ما هو المراد بالإنتفاع بالصبيان في الجهاد؟]

سؤال: لكن يبقى الكلام هل عنوان الانتفاع بالصبيان يشمل الاستعانة بهم والانتفاع بهم في القتال أيضًا، أو يقتصر في الانتفاع بالصبيان على ما عدا القتال من خدمة المجاهدين؟

الجواب: مقتضى إطلاقات الجهاد جواز ذلك إذا كان واجدًا للكفاءة المناسبة، إلا أن يقال إن هذه الخطابات موجهة إلى خصوص البالغين ولا تشمل الصبي غير البالغ وإن كانوا مميزين.

والصحيح أن هذه المسألة صغرى من صغريات مشروعية عبادات الصبي وعدمها، فإن قلنا بمشروعية عبادات الصبي، فحينئذٍ يصح له القتال ويجوز، لكن لا على نحو الإلزام والوجوب، بل على نحو الرجحان إذا تحصل منه قصد القربة.

هذا تمام الكلام في الشرط الأول: اشتراط البلوغ.

الشرط الثاني:

الحرية

مقتضى العمومات الشاملة للعبد عدم اشتراط الحرية في وجوب الجهاد، ولكن المشهور شهرة عظيمة اشتراط الحرية في وجوبه، بل صرح الفقهاء بأن الجهاد لا يجب على العبد. ولم يذكر الشيخ الطوسي في كتاب النهاية الحرية من جملة الشروط[11] ، لكنه ذكر الحرية في المبسوط[12] ، وقد استدل على اشتراطها في وجوب الجهاد.

وقال ابن إدريس في آخر كتاب الجهاد من السرائر: " ولا جهاد على العبيد"[13] .

السرائر، كتاب الجهاد، باب قسمة الفيء وأحكام الأسرى، الجزء الثاني، صفحة 15.

ولعل هذا القول يعزى إلى ابن الجنيد الإسكافي حيث لم يذكر الحرية في الشرائط، ورى مرسلًا أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين ليبايعه فقال : يا أمير المؤمنين ، أبسط يدك أُبايعك على أن أدعو لك بلساني ، وأنصحك بقلبي ، وأُجاهد معك بيدي ، فقال : « حرّ أنت أم عبد؟ » فقال : عبد ، فصفق يده فبايعه.

نقل هذا الكلام عن الإسكافي السيد الطباطبائي في الرياض.[14]

وهذا الحديث مذكور في وسائل الشيعة[15] نقلًا عن العلامة في المختلف، وهو ينقل عن ابن الجنيد الإسكافي نفسه، ولكن الحديث مرسل.[16]

وأجاب العلامة في المختلف بحمل الرواية على الجهاد على تقدير الحرية أو إذن المولى أو عموم الحاجة.

لكن هذه المحامل كلها خلاف الظاهر، لأن الاستفصال والسؤال من الإمام عليه السلام مانع من التقدير، ولا ظهور في الرواية على وجود الولي أو عموم الحاجة، مع أن البيع لا يعتبر عند عموم الحاجة إلى القتال، لأن التكليف عندما يكون مضيقًا يجب الجهاد على الجميع، ومنهم العبيد سواء بايعوا أم لم يبايعوا.

والأمر سهل.

إذن الرواية ضعيفة، فلا يمكن الاحتجاج بها.

[صرف الرق مانع من وجوب الجهاد]

إذا الحرية شرط في وجوب الجهاد على المشهور، ومقتضى اشتراط الحرية أن يكون صرف الرق مانعًا من تعلق الوجوب بالجهاد، فلا يجب الجهاد على جميع أقسام الرق، فلا يجب على القن ولا المدبر ولا المكاتب، سواء كان مطلقًا أو مشروطًا، لأن المدبر والمكاتب لا يصدق عليهما أنهما حران.

وممن صرح بمانعية أصل الرق في وجوب الجهاد العلامة في القواعد والتحرير، فقال في التحرير: "فلا يجب على العبد ولا المدبر ولا المكاتب المشروط ولا المطلق وإن انعتق أكثره"[17] .

جامع المقاصد، الجزء الثالث، صفحة 368.[18]

ومثله ذكر الشهيد الثاني في الروضة.

يراجع الروضة البهية في شرح اللمع الدمشقية، الجزء الثاني، كتاب الجهاد، جلد 2، صفحة 382.[19]

وقد اشترط الشهيد الأول الحرية في اللمعة في نفس الموضوعة. [20]

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال بالنسبة إلى اشتراط الحرية في وجوب الجهاد، ويبقى الكلام في أدلة اشتراط الحرية، يأتي عليها الكلام.

 


logo