46/05/16
الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي - الدرس (التاسع والعشرون): الحديث الثالث والثلاثون من الأدلة الروائية
الموضوع: الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي - الدرس (التاسع والعشرون): الحديث الثالث والثلاثون من الأدلة الروائية
الحديث الثالث والثلاثون
الحديث الثالث والثلاثون والأخيرة من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائية ما رواه الزبيدي عن أبي عبد الله عليه السلام، والحديث طويل[1] [2] [3] قرابة عشر صفحات، نقرأ منه المقدار الذي يفيدنا في الاستدلال.
روى الزبيدي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: « قلت له : أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزّ وجلّ وآمن برسوله؟ ومن كان كذا فله ان يدعو إلى الله عزّ وجلّ وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيل الله؟ فقال : ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ، ولا يقوم به إلاّ من كان منهم فقلت : من أولئك؟ فقال : من قام بشرائط الله عزّ وجلّ في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزّ وجلّ ، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزّ وجلّ في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد والدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد ، قلت : بين لي يرحمك الله ، فقال : ان الله عزّ وجلّ أخبر في كتابه الدعاء اليه ، ووصف الدعاة اليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ويستدل ببعضها على بعض ، فأخبر انه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال : ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[4] ثم ثنى برسوله فقال : ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[5] ـ يعني : القرآن ـ ولم يكن داعيا إلى الله عزّ وجلّ من خالف أمر الله ويدعو ، اليه بغير ما أمر في كتابه (3) الذي أمر أن لا يدعى الا به ، وقال في نبيه 9 : ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[6] يقول : تدعو ، ثمّ ثلّث بالدعاء اليه بكتابه أيضا فقال تبارك وتعالى : ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾[7] ـ أي يدعو ـ ﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ثم ذكر من أذن له في الدعاء اليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[8] ثم أخبر عن هذه الامة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم وذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، الذين وصفناهم قبل هذه في صفة أمة إبراهيم (7) الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله :﴿ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾[9] يعني : أول من اتبعه (9) على الايمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزّ وجلّ من الامة التي بعث فيها ومنها واليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ، ولم يلبس ايمانه بظلم ، وهو الشرك ، ثم ذكر اتباع نبيه 9 واتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية اليه ، وأذن له في الدعاء اليه ، فقال : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[10] ثم وصف اتباع نبيه من المؤمنين فقال عزّ وجلّ :﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴾[11] الآية ، وقال :﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾[12] ـ يعني : أولئك المؤمنين ـ وقال ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ ثم حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم الا من كان منهم ، فقال فيما حلاهم به ووصفهم :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ ـ إلى قوله : ـ ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[13] وقال في صفتهم وحليتهم أيضا ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾[14] وذكر الآيتين ثم أخبر أنه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم﴿ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾[15] ، ثم ذكر وفاءهم له بعهده ومبايعته فقال :﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ فلما نزلت هذه الاية :﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ قام رجل إلى رسول الله فقال : أرأيتك يا نبي الله الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ﴾[16] وذكر الآية فبشر الله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة وقال : التائبون من الذنوب العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئاً الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون وهم الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها في ركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك ، والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه ، قال : فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزّ وجلّ : ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾[17] .
إلى هنا هذه الرواية بينت أن الجهاد خاص لظروف معينة وليس تكليف عام لجميع الأمة فذكر أربع طوائف هؤلاء يتوجه إليهم الدعوة إلى الجهاد، تتمت الرواية، الآن يأتي موطن الشاهد.
قال عليه السلام: «وذلك أن جميع ما بين السماء والأرض لله عزّ وجل ولرسوله ولأتباعهم من المؤمنين من أهل هذه الصفة، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله والمولي عن طاعتهما مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم على ما أفاء الله على رسوله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم، وإنما كان معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه أو فيه، فما رجع إلى مكانه من قولٍ أو فعلٍ فقد فاء، مثل قول الله عز وجل:﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[18] أي رجعوا.
ثم قال: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ (أي ترجع) فَإِنْ فَاءَتْ (أي رجعت) فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[19] يعني بقوله: (تفيئ) ترجع، فذلك الدليل» وفي نسخة: «فدل الدليل على أن الفيئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه، ويقال للشمس إذا زالت: قد فاءت الشمس حين يفيئ الفيئ عند رجوع الشمس إلى زوالها.
وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار فإنما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار إياهم فذلك قوله: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾[20] ما كان المؤمنون أحق به منهم، وإنما أذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الإيمان التي وصفناها، وذلك أنه لا يكون مأذوناً له في القتال حتى يكون مظلوماً، ولا يكون مظلوماً حتى يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتى يكون قائماً بشرائط الإيمان التي اشترط الله عزّ وجل على المؤمنين و المجاهدين، فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزّ وجل كان مؤمناً، وإذا كان مؤمناً كان مظلوماً، وإذا كان مظلوماً كان مأذونا له في الجهاد، لقوله عزّ وجل: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾.
وإن لم يكن مستكملاً لشرائط الإيمان فهو ظالم ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب وليس مثله مأذوناً له في الجهاد والدعاء إلى الله عزّ وجل لأنه ليس من المؤمنين المظلومين الذين أذن لهم في القرآن في القتال، فلما نزلت هذه الآية: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم أحل لهم جهادهم بظلمهم إياهم وأذن لهم في القتال.
فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم، فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟
إلى هنا الكلام في الجهاد الدفاعي، السؤال: كيف جاز قتال قيصر وكسرى؟ قيصر ملك الروم، وكسرى ملك الفرس، هنا الشاهد على الجهاد الابتدائي.
فقال: لو كان إنما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل، لأن الذين ظلموهم غيرهم، وإنما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لإخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق، ولو كانت الآية إنما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد، وكان فرضها مرفوعاً عن الناس بعدهم» وفي نسخة «[إذا لم يبق من الظالمين و المظلومين أحد]».
الشاهد الآن هنا: «وليس كما ظننت ولا كما ذكرت ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين: ظلمهم أهل مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم، فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحق به منهم، فقد قاتلوهم بإذن الله عزّ وجل لهم في ذلك، وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان، وإنما أذن الله عزّ وجل للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله عزّ وجل من الشرائط التي شرطها الله عزّ وجل على المؤمنين في الإيمان والجهاد بذلك المعنى، ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال».
إلى أن يقول: «فمن كانت قد تمت فيه شرائط الله عزّ وجل التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم في الجهاد لأن حكم الله عزّ وجل في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون».
إلى آخر الرواية، الرواية طويلة، إلى قوله عليه السلام: «فلقد لعمري جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل أن الله تعالى ينصر هذا الدين بأقوامٍ لا خلاق لهم، فليتق الله عزّ وجل أمرء وليحذر أن يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه المصير».
[إسناد الحديث]
[روي هذا الحديث بسندين:]
السند الأول روى هذه الرواية محمد بن يعقوب الكليني ثقة الإسلام في الكافي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد أوبريد، عن أبي عمر الزهري أو الزبيدي.
السند الثاني روى هذه الرواية الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن يعقوب، والسند ضعيف.
بكر بن صالح ضعيف، القاسم بن يزيد أو بريد، ولعل الصحيح بريد وهو بريد بن معاوية العجلي ثقة، وأبو عمر الزهري وفي نسخ الكافي الزبيري، وفي نسخة أخرى الزبيدي مهملٌ، قال الشيخ عبد الله المامقاني في تنقيح المقال: «من لاحظ رواياته ظهر له غزارة علم الرجل، وجودة قريحته وأنه أهل لئن يخاطب بما يخاطب إلا جهابذة العلماء، وأقل ما يفيد ذلك حسن خبره» هذا يفيد المدح.
عموماً الخبر ضعيف بـ بكر بن صالح على الأقل.
[دلالة الحديث]
يلاحظ في الحديث أمور:
الأمر الأول
بين الحديث أن الدعاة إلى الله أربعة:
الأول الله وهو يدعو إلى نفسه.
الثاني الرسول يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
الثالث الأمة والمراد بها من كان من ذرية إبراهيم وإسماعيل ممن لم يعبدوا غير الله قط، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
الرابع أتباع النبي وهذه الأمة المشار إليها، المتصفون بهذه الشروط، وهي كما يلي: معرضون عن الله، فاعلون للزكاة، حافظون لفروجهم، مراعون لأماناتهم وعهدهم، تائبون من الذنوب، عابدون لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، حامدون يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء، صائمون، راكعون، ساجدون، وهم الذين يواظبون على الصلوات الخمس، ويحافظون عليها في ركوعها وسجودها، والخشوع فيها، وعلى أوقاتها، أمرون بالمعروف بعد ذلك، وعاملون به، وناهون عن المنكر ومنتهون عنه، وفوق ذلك يشترط أن يكونوا مظلومين، بإخراجهم من ديارهم وأموالهم، أو بسلبهم ما هم أحق به من الأرض والأموال.
ويلاحظ على ذلك: أن مقتضى ذلك عدم كون الجهاد واجباً على مطلق الأمة، بل على فريق خاص منها، وهم هؤلاء الصفوة.
وهذا مخالفٌ لمبنى القائلين بوجوب الجهاد الابتدائي، بل مخالف للإجماع عند الجميع المسلمين، أنه يجب الجهاد على جميع أبناء الأمة الإسلامية، حتى لو لم يكن يصلي، أو لم يكن يصوم، يجب عليه أن يقاتل إذا وجب الجهاد، إلا أن يحمل هذا المقطع من الرواية على أن المراد به الصفوة الذين وجب عليهم الجهاد، لا حصر الجهاد بخصوص هؤلاء، وإن كان ظاهر سياق الرواية، حصر تكليف الجهاد بخصوص هذه الصفوة.
الأمر الثاني قد يلاحظ ركاكت التعبير في هذه الرواية وأنه أشبه بتصنيف المصنفين، وهذا بعض الروايات مثلاً في تحف العقول لابن شعبه الحراني، الرواية الواردة في أرباح المكاسب، سياق وسبك الرواية أشبه بسبك تصنيف العلماء، أشبه منها من حديث أهل البيت عليهم السلام.
والمهم في الرواية التمسك بما ورد من أن المقاتل يقاتل إذا كان مظلوماً، وأن المظلوم لا ينحصر ظلمه بخصوص أهل مكة، والنقطة المهمة فيها أن الجهاد الابتدائي هو عبارة عن جهاد الدعوة إلى الله، يعني ملاك الجهاد هو الدعوة إلى الله وهذه الرواية لم تجعل الملاك في الجهاد هو الدعوة إلى الله بل استرجاع الحقوق المغصوبة، فإن كسرى وقيصر وأهل مكة استولوا على الأراضي وعلى الثروات وعلى الخيرات التي هي حق المسلمين، فهذه الرواية تشرع الجهاد من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة والمسلوبة لا من أجل الدعوة إلى الله هكذا يستظهر منها.
لكنها ظاهرة في وجوب الجهاد، وظاهرة في وجوب الجهاد الابتدائي، لهم أن يبتدؤوا باسترجاع الحقوق التي هي لهم وليست لغيرهم، فقد يقال: أنه لا مانع من ذلك فالجهاد الابتدائي مشروع من أجل الدعوة إلى الله، ومن أجل استرجاع الحقوق المسلوبة.
فبهذا البيان يمكن أن يستدل بهذه الرواية على الجهاد الابتدائي، ولكن هذه الرواية ضعيفة السند فلا يمكن الاستدلال بها.
هذا تمام الكلام في الأحاديث الثلاثة والثلاثين، والتي استدل الشيخ مهدي شمس الدين باثنين وثلاثين منها على مشروعية الجهاد الابتدائي، ثم قال في صفحة 199 و صفحة 200 من كتاب جهاد الأمة، والنتيجة بعد فقدان الدلالة من الكتاب والسنة على المدعى عدم مشروعية الجهاد الابتدائي.
وقال قبل ذلك: فالأحاديث جميعها غير صالحة للاستدلال من أي وجه فرض.
وسيتضح إن شاء الله كما اتضح أن الآيات الكريمة يمكن الاستدلال بها على مشروعية الجهاد الابتدائي سيتضح أن الروايات الشريفة يمكن الاستدلال بها على مشروعية الجهاد الابتدائي، والله العالم.