« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي - الدرس (السادس والعشرون): الحديث الرابع والعشرون من الأدلة الروائية

الموضوع: الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي - الدرس (السادس والعشرون): الحديث الرابع والعشرون من الأدلة الروائية

 

الحديث الرابع والعشرون من الادلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «والجهاد واجب مع الإمام العادل»، وفي نسخة «مع الإمام العدل»[1] .

[إسناد الحديث]

[الإشكال الأول في السند:]

رواه الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق في عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان، وسند الشيخ الصدوق إلى الفضل بن شاذان ضعيف بعبد الواحد بن عبدوس النشابوري وعلي بن محمد بن قتيبة الواقعين في الإسناد.

إسناد الصدوق هكذا كما ورد في مشيخة من لا يحضره الفقيه، قال الصدوق ما نصّه:

« و ما كان فيه عن الفضل بن شاذان من العلل الّتي ذكرها عن الرّضا عليه السّلام فقد رويته عن عبد الواحد بن عبدوس النّيسابوريّ العطّار- رضي اللّه عنه- عن عليّ ابن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان النيسابوريّ، عن الرّضا عليه السّلام‌ »[2] .

[يمكن توثيق بن عبدوس بأمور:]

عبد الواحد بن عبدوس أو ابن محمد بن عبدوس على ما في اختلاف النسخ لم يوثق ولكن يمكن توثيقه أو استفادة حسنه ومدحه من أمور:

الأول أنه من مشايخ الصدوق وقد ترضى عليه.

الثاني أنه وقع في طريق الرواية التي تتضمن إيجاب ثلاث كفارات على من أفطر على محرم، وقد وصفها العلامة في كتابه التحرير بالصحة.

الثالث أن الصدوق رحمه الله ذكر في عيون أخبار الرضا رواية من ثلاث طرق، أحدها عبد الواحد، وقال عقيب ذلك: «وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عندي أصح».

الإشكال على توثيق بن عبدوس:]

والصحيح أن هذه الوجوه الثلاثة لا تفيد توثيق عبد الواحد بن عبوس النيسابوري العطار بنظرنا:

أما الأول فقد ذهب شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري إلى التفرقة بين ترحم الصدوق وترضي الصدوق، فقال: إن ترحم الصدوق على شخصٍ لا يفيد التوثيق لأن الرحمة تطلب للبر والفاجر، بخلاف الترضي فلو قال: رضي الله عنه فإن الترضي لا يكون إلا للصالح.

وقد تطرقنا إلى ذلك في أبحاثنا الرجالية، وقلنا لا فرق بين الترضي والترحم فكلاهما لا يفيد التوثيق. نعم الإكثار من الترضي كإكثار الجليل عن شخصٍ أمارة الوثاقة.

وأما الثاني وهو وصف العلامة الحلي لسند الرواية بالصحة وقد وقع في السند بن عبدوس. فإن وصف العلامة الحلي لها بالصحة يحمل على الصحة عند المتأخرين بمعنى أن يكون جميع الرواة الواردين في سلسلة السند عدولاً إمامية، لكننا لا نعتمد على توثيقات العلامة لكونه من المتأخرين.

نعم نحن نقبل توثيقات المتقدمين كالشيخ الطوسي والكشي والنجاشي، فإذا شككنا في حسيتها أو حدسيتها أمكن إجراء أصالة الحس في توثيقات المتقدمين وخاتمتهم الشيخ الطوسي المتوفى سنة أربعمائة هجرية، ولا يمكن إجراء أصالة الحس العقلائية بالنسبة إلى توثيقات المتأخرين كالعلامة الحلي المتوفى سنة سبعمائة وستة وعشرين هجرية نظراً لتلف الكثير من الأصول وكتب الرجال فأكثرها وصل إلى الشيخ الطوسي وتلف قبل أحد عشر سنة من هجرته إلى النجف الأشراف حينما حصلت فتنة بين السنة والشيعة بالكرخ ببغداد واتلفت مكتبة سابور بن آردشير وزير الدولة البويهي.

وأما الثالث وهو قول الصدوق رحمه الله وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عندي أصح. فهو أيضاً لا يفيد توثيق الرجل إذ أن لفظ أصح في كلام الصدوق يحمل على معنى الصحة عند المتقدمين لا المتأخرين.

والمراد بالصحة عند المتقدمين هو عبارة عن اعتضاد الخبر بقرائن تفيد صحة الصدور، فلعل الصدوق وجد أمارات تفيد تصحيح ذلك السند فلا ينحصر التصحيح بخصوص تعديل عبد الواحد بن عبدوس، فهذه الثلاثة لا تفيد توثيق عبد الواحد بن عبدوس.

هذه هي المشكلة الأولى في سند الرواية.

[الإشكال الثاني في السند]

[الأمران يقتضي التوثيق في القتيبي:]

المشكلة الثانية علي بن محمد بن قتيبة هو أبو الحسن القتيبي لم يوثق بصريح العبارة، ولكن ذكر فيه ما يقتضي التوثيق والحسن، وهو عدة أمور:

الأمر الأول قول النجاشي ما نصّه: «عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال»[3] .

الأمر الثاني قول الشيخ الطوسي في حقّه: «فاضل»[4] .

وكلاهما لا يفيد التوثيق، بل يفيد المدح والحسن، فعلى أساسه تكون الرواية حسنة لو وثقنا عبد الواحد بن عبدوس.

الفضل بن شعبان ثقة جليل متكلم وفقيه عظيم الشأن.

إذاً هذه الرواية إما أن تكون حسنة بناءً على مدح علي بن محمد بن قتيبة وتوثيق بن عبدوس، وإما أن تكون ضعيفة السند.

هذا تمام الكلام في الإسناد.

[دلالة الحديث]

الحديث يدل على وجوب الجهاد إذ قال الرضا عليه السلام: «والجهاد واجبٌ مع العادل أو العدل» فهي صريحة في وجوب الجهاد، لكنها لم تتطرق إلى سنخ الجهة وأنه جهاد ابتدائي أو جهاد دفاعي وليست في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد حتى يتمسك بالاطلاق.

فلا تدل هذه الرواية على مشروعية الجهاد الابتدائي.

الحديث الخامس والعشرون ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث: «ومن خرج في سبيل الله مجاهداً فله بكل خطوة سبعمائة ألف حسنة... وكان في ضمان الله بأي حتف مات كان شهيداً، وإن رجع رجع مغفوراً له مستجاباً دعاؤه»[5] .

[إسناد الاحديث]

الإسناد طويل وفيه الكثير من الضعاف أو المجاهيل فالسند ضعيف.

السند هكذا: محمد بن علي بن الحسين الصدوق في عقاب الأعمال، عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن جعفر، عن موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن زيد، عن حماد بن عمر النصيبي، عن أبي الحسن الخراساني، عن ميسرة، عن ابن عائشة، عن يزيد بن عمر، عن عبد العزيز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة وعبد الله بن العباس في خطبة طويلة لرسول الله صلى الله عليه وآله.

السند ضعيف جداً.

[دلالة الحديث]

هذا الحديث يدل على فضل الجهاد وثواب المجاهد، وأن من خرج فإن مات ففي أي موضع مات هو شهيد وله أجر الشهيد، وإن رجع رجع مغفوراً وقد استجيب دعاؤه، فهذا يدل على فضل الجهاد في سبيل الله، وليست الرواية ناظرة إلى أصل وجوب الجهاد من جهة، وليست ناظرة من جهة أخرى إلى سنخ وجوب الجهاد، وأنه جهاد ابتدائي أو دفاعي.

فهي أجنبية عن محل بحثنا، وهو مشروعية الجهاد الابتدائي.

الحديث السادس والعشرون ما رواه منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، وبرّ الوالدين، والجهاد في سبيل الله»[6] .

[إسناد الحديث]

أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن، عن الحسن بن علي بن زياد الوشاء عن المثنى، عن المنصور بن حازم.

[مثنى الحناط مشترك بين ثلاث أشخاص]

هذه الرواية حسنة أو ضعيفة بمثنى بن الوليد الحناط فإن مثنى الحناط في هذه الطبقة ثلاثة أشخاص كلهم لم ينص على توثيقهم.

الأول مثنى بن الوليد الحناط.[7]

الثاني مثنى بن عبد السلام. [8]

وهذان ذكرهما الكشي رحمه الله في كتابه بكلام يفيد المدح، فإن انصرف الوشاء إلى هذين دون الثالث صارت الرواية حسنة، وإن لم ينصرف إلى هذين وبقي احتمال الثالث لم يرد فيه مدح الكشي ولم يرد فيه توثيق، فتكون الرواية ضعيفة.

[دلالة الحديث]

غاية ما يدل عليه فضل الجهاد ولا يدل على سنخه، وإذا استفدنا من الترتيب في الذكر دلالة على الفضل فيكون الأفضلية أولاً للصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله، فالرواية ليست في مقام بيان أصل وجوب الجهاد وليست في بيان سنخ وجوب الجهاد.

فلا تدل على المدعى.

الحديث السابع والعشرون ما رواه الفضيل بن عياض قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجهاد أسنة هو أم فريضة؟ فقال: الجهاد على أربعة أوجه، فجهادان فرضٌ، وجهاد سنة لا تقام إلا مع الفرض، وجهاد سنة، فأما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله عزّ وجل، وهو من أعظم الجهاد، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرضٌ.

وأما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلا مع فرض فإن مجاهدة العدو فرضٌ على جميع الأمة، ولو تركوا الجهاد لآتاهم العذاب، وهذا هو من عذاب الأمة، وهو سنة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم.

وأما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها، فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال لأنها إحياء سنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء»[9] .

[إسناد الحديث]

روي هذا الحديث بأسانيد أربعة كلها قابلة للمناقشة:

السند الأول محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعاً عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن فضيل بن عياض، هنا السند ضعيف بعلي بن محمد القاساني والقاسم بن محمد.

السند الثاني الحسن بن علي بن شعبة الحراني في كتابه تحف العقول، والرواية مرسلة فتكون ضعيفة بالإرسال.

السند الثالث محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داوود المنقري عن حفص بن غياث، هذا السند ضعيف بثلاثة: علي بن محمد القاساني معرب كاشان إحدى ضواحي أصفهان، والثاني القاسم بن محمد، والثالث حفص بن غياث من العامة، لكن يمكن توثيق حفص بن غياث أو لا أقل العمل بروايته استناداً إلى ما ذكره الشيخ الطوسي في كتاب العدة من أن الطائفة عملت بروايات بعض العامة لوثاقتهم وإن كانوا فاسدي المذهب كحفص بن غياث.

السند الرابع محمد بن علي بن الحسين الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد إلى آخر السند يعني عن سليمان بن داوود المنقري عن الفضيل بن عياض.

هذا السند أيضاً ضعيف بعلي بن محمد القاساني والقاسم بن محمد، وأيضاً ورد حفص بن غياث فإن هذا السند الرابع يصير تكملته هكذا تكملة الرابع تتمة الثالث يعني يصير هكذا الرابع محمد بن علي بن الحسين الخصال عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داوود المنقري عن حفص بن غياث، فيصير السند الرابع ضعيف بثلاثة: بعلي بن محمد القاساني والقاسم بن محمد وحفص بن غياب.

إذا هذه الرواية ضعيفة السند.

[دلالة الحديث]

وأما الدلالة فيمكن استظهار مشروعية الجهاد الابتدائي منها من ثلاثة مقاطع:

[ثلاثة مقاطع للرواية]

المقطع الأول التمسك بقوله عليه السلام: «مجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرضٌ».

وقد ناقش في ذلك الشيخ شمس الدين[10] رحمه الله قائلاً: إنها دالة على وجوب الجهاد الدفاعي لا الابتدائي لأنها ظاهرة في كون الكفار في حالة عدوان على المسلمين.

أقول: لا يظهر من الرواية أنها ناظرة إلى حالة العدوان على المسلمين، بل السائل الفضيل بن عياض قال: «سألت أبا عبد الله عن الجهاد أسنة هو أم فريضة؟» يعني هذا الجهاد واجب أو مستحب، فلم يتكلم عن حالة العدوان، فهذه الفقرة مطلقة فمجاهدة الذين يلون المسلمين من الكفار فرضٌ وواجب، واجب مطلق تشمل الجهاد الابتدائي وتشمل الجهات الدفاعي.

المقطع الثاني الذي يمكن التمسك به قوله عليه السلام: «وأما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلا مع فرضٍ» فإن مجاهدة العدو فرضٌ على جميع الأمة إلى أن يقول: «وهو سنة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم».

وفيه دلالة على مشروعية الجهاد الابتدائي وأنه مشروط بإذن الإمام عليه السلام.

وناقش في دلالتها الشيخ شمس الدين وقد تمسك بالتعبير فيها بمفردة العدو، فقال: العدو لا يراد به مطلق الكافر بل أخص من الكافر وهو خصوص الكافر الذي قام بالعدوان.

أقول: حمل مفردة العدو على خصوص الكافر الذي قام بعدوان يحتاج إلى دليل، من قال إن المراد بالعدو هو خصوص من قام بالعدوان مع أن الإمام عليه السلام نصّ على أن مجاهدة الذين يلون المسلمين من الكفار فرضٌ ولم يذكر إذا اعتدوا، فيكون هذا المقطع دالٌ على مشروعية الجهاد الابتدائي.

المقطع الثالث قوله عليه السلام: «لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب» وهذا هو من عذاب الأمة فينسبق منه أنه العذاب الدنيوي، بمعنى تغلب العدو على المسلمين في حالة عدم مقاومتهم له لا العذاب الأخروي.

أقول: هذه العبارة ظاهرة في وجوب الجهاد، وسواء كان الآثار هو العذاب الدنيوية أو العذاب الأخروي فهذا نتيجة التخلف عن الواجب.

لكن هذه العبارة لا يستفاد منها مشروعية الجهاد الابتدائي، بل يستفاد منها ترتب الآثار على ترك الجهاد الواجب، فهي ناظرة إلى أصل مشروعية ووجوب الجهاد وليست ناظرة إلى سنخه.

إذاً هذا الحديث يمكن أن يقال بأنه تام الدلالة وظاهر في مشروعية الجهاد الابتدائي، لكن المشكلة في تصحيح سنده.

الحديث الثامن والعشرون يأتي عليه الكلام.


[10] جهاد الأمة، ص173.
logo