« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (العشرون): الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي - الحديث الثالث من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي

الموضوع: الدرس (العشرون): الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي - الحديث الثالث من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي

 

الحديث الثالث من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنة، وأن أردية الغزاة لسيوفهم»[1] .

وقوله صلى الله عليه وآله : «إن أردية الغزاة لسيوفهم» إشارة إلى أن الغزاة يضعون سيوفهم على عواتقهم كما يضع الرجال أرديتهم على عواتقهم، وذلك إشارة إلى عزة الإسلام، وأن الغاز ينبغي أن يظهر سلاحه لا أن يخفيه تحت ردائه، فمن معالم وعلامات الغازي إظهاره للسلاح، وجعله للسلاح على عاتقه.

سند الحديث

روي هذا الحديث بأسانيد أربعة:

السند الأول كالسند الأول للحديث الثاني رواه محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني.

وهو ضعيف بالنوفلي والسكوني.

ولكن يمكن تصحيحه بناءً على شهادة الشيخ الطوسي في العدة من أن الطائفة عملت بروايات جملة من الرواة ومنهم السكوني، ويمكن أيضاً توثيق النوفلي ولا أقل من قبول رواياته عن السكوني لأن أكثر روايات السكوني وهو من العامة رواها النوفلي.

السند الثاني ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن الحسن عن الصفار عن العباس بن معروف عن أبي همام عن محمد بن غزوان عن السكوني.

وهو ضعيف بمحمد بن غزوان والسكوني، أما السكوني فهو عامي لم يرد فيه توثيق، وأما محمد بن غزوان فهو محمد بن سعيد بن غزوان وهو مجهول.

السند الثالث ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين في كتابه المجالس عن جعفر بن علي عن جده عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم السكوني.

وهو ضعيف بالسكوني، كمان أن جعفر بن علي لم يوثق لكنه من مشايخ الشيخ الصدوق وقد ترضى عليه.

السند الرابع محمد بن علي ما رواه محمد بن علي بن الحسين الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بالسند المتقدم في الحديث الثاني، وهو ما رواه الصدوق بثواب الأعمال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن وهب.

وهو ضعيف بوهب بن وهب، وهو وهب بن وهب بن عبد الله أبو البختري القرشي عامي كذاب ضعفه كل من ذكره من السنة والشيعة.

إذاً هذه الرواية ضعيفة الإسناد، لكن يمكن تصحيح السند الأول، والسند الثالث.

[دلالة الحديث]

هذا الحديث ليس فيه دلالة على وجوب الجهاد ولا على سنخ الجهاد الواجب أنه ابتدائي أو دفاعي، وغاية ما يدل عليه هذا الحديث هو محبوبية الجهاد والغزو في سبيل لأن الغازي يكون في الجنة.

إن قلت: إن استعمال كلمة الغزاة تدل على كون الحديث في مقام بيان الجهاد الابتدائي، فالمراد بالغزو هو الابتداء بالقتال من دون عدوانٍ سابق.

قلت: الغزو أعم من الابتداء ومن ردّ العدوان بغزو المعتدين، وبالجملة ليس الحديث في مقام بيان سنخ الجهاد ليدعى شموله للابتدائي بالإطلاق، هكذا أفاد المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين[2] رحمه الله.

أقول: يمكن تعميق الإشكال وتعميق الجواب

فيقال في تعميق الإشكال: إن جميع معارك النبي كانت دفاعية، وقد أطلق عليها عنوان الغزوة، وأشهرها: غزوة بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، وتبوك فهذه المعارك الدفاعية أطلق عليها أنها غزو، بل اِدعى البعض أن مصطلح الغزوة لم يرد في القرآن الكريم، وذلك يشير إلى أن جميع المعارك التي لها القرآن الكريم إنما هي معارك دفاعية، فقد تطرق إلى غزوة بدر وأحد وتبوك والخندق وفتح مكة، وعلى الرغم من ذلك لم يطلق عليها أنها غزوات.

والجواب: جاء لفظ الغزو في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾[3] فهل مصطلح الغزوة ظاهرٌ في الجهاد الابتدائي والبدء بالقتال؟ أو أن مصطلح الغزوة ليس ظاهراً في الجهاد الابتدائي؟ وبالتالي لو أطلق مصطلح الغزو على معارك النبي فلا يظهر من هذا المصطلح أنها ظاهرة في القتال الابتدائي.

الصحيح: أن من يرجع إلى تعريف الغزو في اللغة العربية سيجد أن الكثير من النحات يعرفون الغزو بهذا التعريف، وهو: «السير إلى العدو لقتاله في أرضه»[4] ، فهناك حيثية السير، والحيثية الثانية العدو، والحيثية الثالثة القتال، والحيثية الرابعة في أرضه، ولم تذكر حيثية الابتداء في الغزو.

وإذا أردنا أن نعمق المسألة نقول: الغزوة، من غزا يغزو اِغز، ومنها المغزى، والمراد بالمغزى المقصد، تقول: ما هو مغزى كلام فلان؟ يعني ما هو مراده؟ وما هو مقصده؟ هذا في أصل اللغة العربية، فأطلق المغزى والغزو والغزوة على السير لقصد قتال العدو في أرضه.

بناءً على هذا التعريف: يكون مصطلح الغزوة ليس ظاهراً في الجهاد الابتدائي فإن السير لقتال العدو في أرضه كما يكون في الجهاد الابتدائي يكون أيضاً في الجهاد الدفاعي، فلو غزانا العدو، واعتدى علينا، وأحببنا ردّ العدوان وسرنا إلى أرضه لقتاله في أرضه فإنه يقال: غزانا العدو فغزوناه.

وأما ما قيل: من أن مصطلح الغزوة لم يرد في القرآن الكريم، وإنما أطلق مصطلح الغزوة على معارك النبي صلى الله عليه وآله وهو اصطلاح من المؤرخين، وهذا الاصطلاح ليس له عين ولا أثر في الكتاب والسنة.

فهذا ليس تاماً إذ أن مصطلح الغزوة ورد في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ يعني كنتم سائرين لقتال العدو في أرضه.

كما أن مصطلح الغزوة ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وفي كتب التاريخ والحديث يفرقون بين مصطلح الغزوة وبين مصطلح السرية، فما هو الفارق بينهما؟

[الفرق بين السرية وبين الغزوة]

يقولون: الجيش الذي سار معه النبي لقتال الأعداء فهذه المعركة يقال لها: غزوة، وأما الجيش الذي سار بأمر النبي لقتال الأعداء لكن لم يكن معهم رسول الله صلى الله عليه وآله فهذه سرية.

لذلك في حديث الجهاد الأكبر «إن النبي صلى الله عليه وآله بعث بسرية، فلما رجعوا» يعني ما كان النبي معهم «فلما رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس»[5] .

إذاً في كتب التاريخ يصطلح على الغزوة بالمعركة التي حضرها النبي، وعلى السرية على المعركة التي كانت بأمر النبي لكن لم يحضرها النبي.

خلاصة الكلام في تقريب الاستدلال:

ما أفاده المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله صحيح إذ أن مصطلح الغزوة ليس ظاهراً في الجهاد الابتدائي وأن الغزو كما يمكن أن يكون في الجهاد الابتدائي يمكن أن يكون في الجهاد الدفاعي، كما أن الرواية في مقام بيان فضل الغزو والغازي، وأن مقامه الجنة ولا تدل على الوجوب ولا تدل على سنخ الوجوب.

هذا تمام الكلام في الحديث الرابع إلى هنا ثلاثة أحاديث ليست تامة الدلالة، وفيها مناقشة في الإسناد.

الحديث الرابع ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله: أخبرني جبرائيل بأمر قرت به عيني وفرح به قلبي قال: يا محمد! من غزا من أمتك في سبيل الله فأصابه قطرة من السماء أو صداع كتب الله له شهادةً يوم القيامة»، وفي نسخة «كانت له شهادة يوم القيامة»[6] .

سند الحديث

روي الحديث بثلاثة أسانيد:

السند الأول إسناد الكليني المتقدم في الحديث الثاني وهو ما رواه محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني.

وهو ضعيف بالنوفلي والسكوني.

السند الثاني ما رواه محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن ابن خالد عن أبيه عن أبي البختري.

وهو ضعيف بأبي البختري وهب بن وهب.

السند الثالث إسناد الصدوق المتقدم في الحديث الثاني وهو ما رواه محمد بن علي بن الحسين في المجالس عن محمد بن علي بن عيسى عن علي بن محمد ماجيلويه عن البرقي عن أبيه عن وهب عن الصادق.

وهو ضعيف بماجيلويه ووهب بن وهب.

إذا سند هذا الحديث ضعيف.

[دلالة الحديث]

هذا غاية ما يدل عليه فضل الجهاد ومنزلة المجاهد والغازي في سبيل الله ولا دلالة فيه على أصل وجوب الجهاد ولا على سنخ جهاد الواجب وأنه ابتدائي دفاعي، فالرواية ليست في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد حتى يتمسك بالإطلاق فيها لكي يشمل الجهاد الابتدائي.

والكلام عن مصطلح الغزوة قد تقدم في الحديث الثالث فلا نعيد، فلا يدل على الجهاد الابتدائي إذا أن الغزو هو السير لقتال العدو في أرضه.

الحديث الخامس ما رواه السكوني أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : جاهدوا تغنموا»[7] .

[سند الحديث]

روي هذا الإسناد بسند واحد هو سند الكليني المتقدم في السند الأول للحديث الثاني، محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن ابن خالد الذي هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه محمد بن خالد البرقي عن أبي البختري.

وهو ضعيف بأبي البختري وهب بن وهب.

هذا يشتبه بالسند الأول للحديث الثاني الذي هو هكذا محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني وهو ضعيف بالنوفلي والسكوني.

على مبنانا معتبر، وعلى مبنى من يرى صحة جميع أحاديث الكافي أيضاً يكون معتبر.

[دلالة الحديث]

هذه الرواية تقول: «جاهدوا» فهي تدل على الوجوب فعل الأمر يدل على الوجوب.

جاهدوا تغنموا يقع الكلام في معنى الغنيمة.

يوجد احتمالان في معنى الغنيمة:

الاحتمال الأول وأن يراد به الغنيمة الدنيوية، كغنائم الحق.

الاحتمال الثاني أن يراد به الغنيمة الأخروية، أي جاهدوا لكي تحصلوا على الثواب، ولا شك أننا لو حملنا الغنيمة على المعنى الثاني وهو الغنيمة المعنوية لأمكن حمل فعل الأمر جاهدوا على الأمر المولوي فنستفيد الوجوب، يعني يجب عليكم الجهاد وستحصلون على والثواب في الآخرة.

لكن قد يقال: هذا خلاف الظاهر.

فنقول: الاحتمال الثاني أن المراد بالغنيمة هي الغنيمة الظاهرية المادية في المعركة، فإذا حملنا الغنيمة على الغنيمة الظاهرية، فحينئذ قد يقال:

أن الأمر جاهدوا يحمل على الإرشاد ولا يحمل على المولوية، يعني النبي في مقام تحفيز وتشجيع الجند جاهدوا تغنموا، أي قاتلوا، وفيه إرشاد إلى حكم العقل وإرشاد إلى أمر عقلائي وهو الحصول على الغنائم.

وسواء حملنا الأمر جاهدوا على المولوي فنستفيد الوجوب أو على الحكم الإرشادي فلا نستفيد الوجوب، هذه الرواية ليست ناظرة إلى سنخ الوجوب وأنه ابتدائي أو دفاعي ليست ناظرة إلى سنخ الجهاد.

الإطلاق

لو استظهرنا:

أولاً أن نجاهد حكم مولوي وليست حكماً إرشادياً

وثانياً لو استظهرنا أن النبي كان في مقام البيان من جهة سنخ الوجوب والقدر المتيقن أنه ناظر أنه يتكلم في مقام بيان أصل الوجوب أصل الجهاد وليس ناظراً إلى سنخ، فلا تدل هذه الرواية على الجهاد الابتدائي.

والتمسك بالإطلاق فرض كون المتكلم في مقام البيان من هذه الجهة.

الحديث السادس ما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام قال: «قيل للنبي: ما بال الشهيد لا يفتن في قبره؟ قال: كفى بالبارقة فوق رأسه فتنةً»[8] .

[سند الحديث]

روي الإسناد روي هذا الحديث بسند واحد هو سند الكليني المتقدم في الحديث السابق. وهو ضعيف.

[دلالة الحديث]

هذا الحديث أجنبي عن محل بحثنا، والمراد بالفتنة في السؤال عذاب القبر.

ومضمون الجواب: إن الشهيد من عظم ما لاقاه في الحرب من المخاوف وآلالام وبارقة السيوف، عصمه الله من ابتلائه بعذاب القبر، والبارقة هي السيوف المسلولة للقتال.

الحديث السابع يأتي عليه الكلام.


[2] جهاد الأمة، ص138.
logo