46/04/29
الدرس (التاسع عشر): الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي
الموضوع: الدرس (التاسع عشر): الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي
ويمكن النظر إلى عدة روايات منها الروايات التي ذكرها صاحب الوسائل الحر العاملي في كتاب الجهاد الباب الأول من أبواب جهاد العدو وما يناسبه[1] ، وهي عدة أحاديث، وسنتطرق إليها بأجمعها ابتداءً بالحديث الأول منها لنراها سنداً ودلالة أنها هل تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي أو لا؟
وقد تطرق إليها المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله في كتابه[2] وناقش فيها، وسيتضح في نهاية المطاف تمامية الدليل من الكتاب والسنة والسيرة على مشروعية الجهاد الابتدائي، بل على وجوبه.
[الروايات الدالة على مشروعية الجهاد الإبتدائي]
فلنتطرق إلى هذه الروايات بشكل سريع من دون التفصيل الكثير في الأسانيد، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الحواشي الموجودة في كتاب جهاد الأمة وغير ذلك من الكتب المفصلة.
الحديث الأول ما رواه عمر بن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الخير كله في السيف ، وتحت ظلّ السيف ، ولا يقيم الناس إلا السيف ، والسيوف مقاليد الجنة والنار »[3] .
بقية الروايات نذكر الحديث الثاني إلى آخره من دون إطالة، هذه روايات الباب الأول من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.
سند الحديث
روي هذا الحديث بثلاثة:
السند الأول محمد بن يعقوب الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن أبان، وهذا السند صحيح.
السند الثاني ما رواه محمد بن الحسن الطوسي، بإسناده عن الصفار، عن محمد بن السندي، عن علي بن الحكام عن أبان، وهذا السند ضعيف بمحمد بن السندي.
السند الثالث ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين في كتابه ثواب الأعمال وفي كتابه المجالس، عن محمد بن علي ماجلويه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم.
والسند ضعيف نظراً لاشتراك محمد بن إسماعيل بين الثقة كمحمد بن إسماعيل بن بزيع، وبين المجهول مثل محمد بن إسماعيل الصيمر القمي، فمن استظهر أنه ابن بذيع كما في مشتركات الكاظمي قال بصحة السند، ومن استظهر أنه القمي كما في جامع الرواة للمحقق الأردبيلي، قال بضعف السند، ومن لم يستظهر أياً منهما يبني على ضعف السند لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين.
خلاصة البحث السندي: هذا الحديث له ثلاثة أسانيد، والسند الأول صحيح بلا إشكال فإن عدد الكليني خصوصاً الأربعة المعروفة: عدته عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، وعدته عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وعدته سهل بن زياد الآدمي، هذه العدد الثلاث صحيحة أي عدته عن الطارد وهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، وعن المطرودين أحمد بن محمد بن خالد البرقي وسهل بن زياد الآدمي اللذين قد طردهما شيخ القميين في وقته أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي.
تفصيل الكلام في بحوث الرجال ولا نطيل.
[دلالة الحديث]
هذا الحديث يدل على أفضلية الجهاد والقتال، وصدر الحديث ناظرٌ إلى القتال من أجل الإسلام فقط ولا يدل على مطلق القتال سواء كان إلى سلطة عادلة أو سلطة جائرة، كما يقول المرحوم شمس الدين[4] رحمه الله، بل نحن نستظهر أنه ناظر إلى القتال من أجل الإسلام والسلطة العادلة.
والسر في ذلك:
أن الرواية استخدمت مفردة الخير، والخير لا يكون إلا في الإسلام ولا يكون في السلطة الجائرة، فقالت الرواية: «الخير كل الخير في السيف وتحت ظل السيف» فهنا هي ناظرة إلى السيف في سبيل الله أي من أجل سلطة عادلة ولا يشمل السلطة الجائرة كما ادعى المرحوم شمس الدين رحمه الله.
ثم قال: «ولا يقيم الناس إلا السيف» أي أن عموم الناس لا ينضبطوا إلا بالقوة، لذلك تؤسس الشرطة والجيش وإلا عموم الناس لا ينضبطوا.
فهنا ولا يقيم الناس إلا السيف قد يقال إنه ناظر إلى مطلق السيف سيف عادل أو سيف جائر، لكن هذا إذا حملنا «أل» على «أل» حقيقية، ولكن ربما على تحمل «أل» العهدية أي هذا السيف الذي الخير كل الخير فيه، فهنا أيضاً يحمل على السيف في سبيل الله، أي ولا يقيم الناس ما يعدلهم إلا السيف يعني إلا السيف الذي فيه خير، وأما السيف الذي فيه جور، فقد يخرب الناس ويفسد الناس.
ثم يقول عليه السلام : «والسيوف مقاليد الجنة والنار» هنا من هذه العبارة قد يستفاد أن المراد مطلق السيوف، فهناك سيوف تقود إلى الجنة وهناك سيوف تقود إلى النار.
والصحيح: أن هذه لا تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي، وإنما هي ناظرة إلى ماذا؟ إلى فضل الجهاد في سبيل الله، فالرواية في مقام بيان الخير الذي يحصل من السيف والجهاد في سبيل الله، وليست ناظرة إلى أن هذا السيف قد يغزى به ويكون ابتدائياً، وقد يدافع فيكون الجهاد دفاعياً.
هذا تمام الكلام في الحديث الأول، واتضح أنه تام سنداً ضعيفٌ دلالةً.
الحديث الثاني ما رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه، فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم، قال: فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه إن الله أغنى أمتي بسنابك خيلها».
وفي نص آخر: «إن الله أعز أمتي»[5] أعزّ بداً عن أغنى «إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها».
سند الحديث
روي الحديث بأربعة أسانيد:
السند الأول محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم القمي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني.
وهذا السند ضعيف بالنوفلي والسكوني، والسكوني من العامة والنوفلي لم يوثق.
ولكن يمكن تصحيح هذا السند بما نقله الشيخ الطوسي في العدة من أن الطائفة عملت بروايات جملة من فاسدي المذهب كالسكوني وأكثر روايات السكوني يرويها النوفلي فيتم توثيق النوفلي عن طريق عمل الطائفة بروايات السكوني. ولا أقل إن لم نوثقهما نعمل بروايتهما، فنستفيد تصحيح المروي لا تصحيح الراوي. والفارق هو أن الثمرة من كلام الشيخ الطوسي هل هي ثمرة رجالية؟ فنستفيد من عمل الطائفة وثاقة النوفلي والسكوني، أو أن الثمرة ثمرة حديثية وروائية فنستفيد من عمل الطائفة صحة روايات السكوني والنوفلي أي أن الأصحاب قد عملوا برواياتهما حتى لو لم نلتزم بوثاقتهما.
فإذا وثقناهما تكون الرواية إما حسنة لأن إبراهيم بن هاشم القمي والد علي بن إبراهيم أقصى ما قيل فيه ما يوجب المدح والحسن ولم ينص على توثيقه فتكون الرواية حسنة، ويمكن تصحيحها إذا عملنا بما عمل به شيخنا الأستاذ الداوري حفظه الله من أن السيد ابن طاووس في كتابه فلاح السائل نقل اتفاق الأصحاب على وثاقة إبراهيم بن هاشم فوثقه.
لكننا لا نقبل هذا الإجماع لأنه من المتأخرين، الناقل هو ابن طاووس وهو من المتأخرين السيد رضي الدين بن طاووس صاحب كتاب فلاح السائل.
لكننا نبني على وثاقة إبراهيم بن هاشم نظراً لإكثار الجليل عنه وهو ولده علي بن إبراهيم القمي إذ أن تسعين في المئة من روايات علي بن إبراهيم القمي هي عن أبيه فتكون هذه الرواية صحيحة السند.
وإن لم نوثق النوفلي والسكوني فتكون هذه الرواية ضعيفة، فالسند الأول إما صحيح على مبنانا، وإما حسن على مبنى المشهور، وإما ضعيف على مبنى من يضعف النوفلي والسكوني.
السند الثاني الشيخ محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبيه عن وهب عن الصادق عليه السلام.
وهذا السند ضعيف بوهب بن وهاب وهو أبو البختري القرشي المدني عامي كذاب ضعفه كل من ذكره من السنة والشيعة.
السند الثالث ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين في المجالس عن محمد بن علي بن عيسى عن علي بن محمد ماجيلويه عن البرقي عن أبيه عن وهب عن الصادق عليه السلام.
وهذا السند ضعيف بما جيلويه ووهب بن وهب، وهذا ماجيلويه هو علي بن محمد ماجيلويه وثقه النجاشي، وهو غير محمد بن علي ماجيلويه الذي هو شيخ الشيخ الطوسي معروف، والذي يمكن توثيقه بإكثار الشيخ الطوسي عنه.
السند الرابع محمد بن علي بن الحسين الصدوق في ثواب الأعمال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن وهب، والسند الرابع ضعيف بوهب بن وهاب.
هذا تمام الكلام في سند الحديث الثالث.
[دلالة الحديث]
ويبقى الكلام في دلالة الحديث، وهذا الحديث يدل على فضل الجهاد والمجاهدين، ولكنه لا يدل على وجوب الجهاد، ولا يدل على سنخ الجهاد، وأنه ابتدائي أو دفاعي أو الأعم من الابتدائي والدفاعي.
لكن قد يقال: إن هذه الرواية ظاهرة في وجوب الجهاد تمسكاً بقوله عليه السلام : «فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه» فيفهم من منها أن المراد بالجهاد هو الجهاد الواجب لأنه لا ذم على ترك المستحب.
ويلاحظ عليه:
أولاً إن هذا اللسان واردٌ في كثير من المكروهات والمستحبات، في الذم على فعل المكروهات وترك المستحبات، وهذا اللسان لبيان الآثار الوضعية التي تترتب على فعل الشيء أو تركه، فهي تبين الآثار الوضعية التي تترتب على ترك الجهاد من أنه يورث الذل وأن الجهاد فيه عزّ وفيه غنى، وليس هذا اللسان لبيان جهة التكليف والعقوبة أو الذم على ترك التكليف، فاستفادة الوجوب من هذا الحديث خلاف الظاهر غاية ما يدل عليه الرجحان، والرجحان أعم من الوجوب والاستحباب.
وثانياً لو سلمنا دلالة الحديث على الوجوب فإنه لا ينفعنا في المقام، ونحن في مقام بيان وإثبات وجوب الابتدائي ومشروعيته، لأن موطن بحثنا هو سنخ الجهاد الواجب من ابتدائي أو دفاعي، وليس أصل وجوب الجهاد الواجب، فنحن نسلم بأصل وجوب الجهاد في الإسلام ولا حاجة للاستدلال عليه بمثل هذا الحديث.
وقد يستدل بقوله عليه السلام : «إن الله أغنى أمتي بسنابك خيرها ومراكز رماحها» فنتمسك بمفردة أغنى فيقال: إنها تدل على وجوب الجهاد الابتدائي ولا أقل على مشروعيته.
تقريب الاستدلال:
إن نتيجة الجهاد الابتدائي عند إسلام الكفار هو الحصول على الغنائم التي تغني المسلمين أو الجزية التي تمون المجاهدين، وهذا يحصل بالجهاد الابتدائي.
ويلاحظ عليه:
أولاً هذا الأثر يتوقف على إحراز انتصار المسلمين على الكفار وهزيمتهم وأخذ الغنائم منهم، وهذا غير معلوم الحصول إذ قد يهزم المسلمون فالحرب فيها إما النصر وإما الهزيمة، بل قد يسلم الكفار فلا تحصل الغنائم.
وثانياً كما أن الجهاد الابتدائي مظنة لحصول الغنائم، كذلك الجهاد الدفاعي مظنة لحصول الغنائم كالابتدائي.
وثالثاً إن الرواية رويت بمفردتين:
مفردة أغنى
مفردة أعز
وهذا الاستدلال يتقوم بالاستناد إلى مفردات أغنى، والحال إن مفردة أعز أوفق بالسياق، ومفردة أعز أي حصول العز بالجهاد، كما يشمل الجهاد الابتدائي يشمل أيضاً الجهاد الدفاعي، والأوفق بالحديث هو عبارة ماذا؟ أعز، وعلى كل تقدير سواء كان أعز أو أغنى، فإن هذه الرواية ليست في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد أنه ابتدائي أو دفاعي أو أعم، بل الرواية ناظرة إلى أن أصل الجهاد يوجب العز والغنى للمسلمين.
إذاً الرواية ليست تامة الدلالة على هذا المطلب.
الحديث الثالث فيه كلام يأتي عليه الكلام.