« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (الثامن عشر): مشروعية الجهاد الابتدائي في القرآن شبهات وردود

الموضوع: الدرس (الثامن عشر): مشروعية الجهاد الابتدائي في القرآن شبهات وردود

 

بعد أن ذكرنا الأدلة من القرآن الكريم، والتي يمكن أن تقام على مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي في الإسلام، نتطرق إلى بعض الشبهات التي أثيرت حول الاستدلال بالآيات القرآنية على مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي.

ومن أراد التفصيل فليرجع إلى بحث أخينا سماحة السيد علي أبو الحسن حفظه الله من دولة الكويت والذي طبع مؤخراً تحت عنوان "بحث في أدلة مشروعية الجهاد الابتدائي في الفقه الإمامي". فقد ذكر سبعة وثلاثين دليلاً من القرآن والسنة على وجوب الجهاد الابتدائي ومشروعيته في الإسلام، وبعد ذلك تطرق إلى نقد الإشكالات على مشروع الجهاد الابتدائي.

وبحثنا ليس مبنيا على البسط والتوسعة في هذا البحث، وإلا لتطلب بحث الجهاد الابتدائي دروس كثيرة، فلنقتصر بدرس على إقامة الأدلة على وجوب الجهاد الابتدائي، وقد تطرق إلى أربعة أدلة في الدرس السابق، وفي درس اليوم نتطرق إلى الشبهات والإشكالات والجواب عليها.

ويراجع هذا الكتاب بحث في أدلة مشروعات الجهاد الابتدائي صفحة مئتين وتسعة وثلاثين.

[الإشكالات على وجوب جهاد الإبتدائي]

الإشكال الأول عدم وضوح كون المطلقات في مقام البيان.

تقرير الإشكال:

إن التمسك بإطلاق آيات والجهاد في القرآن الكريم فرع إحراز كون المتكلم في مقام البيان من الجهة التي يراد تمسك بالإطلاق فيها، ومن الوارد جداً أن تكون هذه الآيات التي يدعى إطلاقها وشمولها للجهاد الابتدائي أن تكون في مقام بيان أصل تشريعي الجهاد، فلا تكون في مقام البيان من جهة حدود متعلق الجهاد، فلا ينعقد لها إطلاق لكي تشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي معاً.

خلاصة الإشكال:

آيات الجهاد ناظرة إلى أصل تشريع الجهاد وليست في مقام بيان مطلق الجهة.

والجواب: إن أدلة الجهاد اقترنت بالغايات التي تشير إلى منتهى القتال وهو الإسلام، لذلك اشتملت بعض هذه الآيات على غاية انتفاء الفتنة، وكون الدين قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ إلى أن يقول: ﴿كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[1] .

وجاء في سورة الأنفال ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾[2] .

بل إن بعض الآيات أشارت إلى أن الكفر إذا تابوا وأقاموا الصلاة أي دخلوه في الإسلام فإنه يكف عنهم، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[3] .

وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[4] .

وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[5] .

إذاً الآيات الكريمة أشار إلى أن الغاية من الجهاد هو إيمان الكفار ودخولهم في الإسلام، واستثني من ذلك خصوص الكافر الكتابي فإنه إذا دفع الجزية فإنه يحقن دمه، وهناك خصوصية للكافر الكتابي فلعله إذا دخل في ذمة الإسلام ودفع الجزية فلربما يسلم نظرا لكونه من أهل الكتاب، فهو ليس كالوثني والكافر غير الكتابي.

هذا تمام الكلام في جواب الإشكال الأول.

والخلاصة: إن آيات الجهاد مغيات بغاية وهي الدخول في الإسلام، وهي أن يكون الدين كله لله وانتفاء الفتنة وهذه الغاية كما تشمل الجهاد الدفاعي تشمل أيضاً الجهاد الابتدائي.

الإشكال الثاني اقتران الآيات المطلقة بسيرة النبي صلى الله عليه وآله المبنية على الدفاع.

توضيح الإشكال:

لو تتبعنا النبي لوجدنا أن جميع معاركة كانت دفاعية ولم يكن فيها غزوة واحدة ابتدائية فسيرة النبي وفعله يشكل قرينة تمنع عن التمسك بهذه الإطلاقات.

وبعبارة أخرى:

سيرة النبي توجب انصراف القتال عن حالة الابتداء بالقتال، ولا أقل من كونها تمنع من التمسك بالإطلاق نظراً لاقتران الكلام بما يصلح للقرينية، والشك في قرينية الموجود مانع من التمسك بالإطلاق، كما هو معلوم.

والجواب: نمنع من أن جميع غزوات النبي دفاعية ولا توجد غزوة واحدة ابتدائية، وتفصيل ذلك محله مكان آخر، ولكن أكثر غزوات النبي دفاعية، ولكن قد يقال أن بعضها ابتدائية.

فمثلاً: غزوة بدر الكبرى النبي هو الذي بدأ بمصادرة قافلة قريش، ومن المعلوم أن إخراج بعض المسلمين للسيطرة على قافلة أبي سفيان التي جاءت من الشام إلى مكة، فإن الهجوم على هذه القافلة للاستيلاء على أموالها وأملاكها قد يتطلب القتال، فإن المشركين وخصوصاً مشركوا قريش لن يتوقفوا.

فقد يقال: إن غزوة بدر ابتدائية وليست دفاعية.

قلنا: صحيح بعد ذلك تجهز صناديد قريش وجهزوا جيشاً قوامه ألف رجل أو ألف فارس وخرج المسلمون في ثلاثمائة وثلاثة عشر للدفاع عن المدينة، ولكن أصل خروج جيش قريش كان بسبب هجوم النبي صلى الله عليه وآله وابتدائه.

وإن قلت: هذا ليس ابتداء بقتال ابتداء بماذا؟ بنهب وسلب وسيطرة، ولكن هذا قد يقتضي القتال وهذا أمر راجح عند العقلاء، ويحتمله العقلاء.

عموماً وإن أبيت وقلت: جميع غزوات النبي دفاعية ولا يوجد فيها غزوة ابتدائية لأن هناك كلام في غزوة بدر وغزوة خيبر وغيرهما، وتفصيل البحث خارج موطن بحثنا وهو كتاب الجهاد.

قلنا: إن فعل النبي صامتٌ فهو ليس دليل لفظي له إطلاق، والمحكم هو الدليل اللفظي القرآني الذي يدع الضابط وله لسان، وفعل النبي يجري على وفق الضابطة التي قررتها الآيات الكريم، فالآيات مسوقة سياق ضرب القواعد الأساسية، وأما فعل النبي صلى الله عليه وآله فهو عبارة عن جزئيات لتطبيق القاعدة العامة، فيرجع إلى القاعدة العامة المقررة في القرآن الكريم فيبقى الإطلاق وتبقى الآيات على إطلاقها، وما أسهل دعوات الانصراف.

الشبهة الثالثة عدم شمول عنوان الكفار للمسالمين.

تقرير الشبهة والإشكال

أطلق عنوان الكفار في النصوص الشرعية على حصة خاصة من غير المسلمين، وهم خصوص المعاندين، فلا تشمل كل كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر، بل تختص بخصوص الكافر المعاند.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[6] .

وبالتالي فإن الكافر المسالم والمشرك الذي ليس عنده عناد لا يشمله عنوان الكافر الذي أمرت الآيات بجهاده.

جواب هذا الإشكال والجواب بشكل مختصر

والجواب:

إن آيات الجهاد والقتال علقت الجهاد على عنوان الكفار والمشركين، وهو عنوان مطلق، يقتضي تعلق الحكم بكل من قام به الكفر بالله وبرسوله سواء أكان مسالماً أم لا، فالكفر لا يقتضي أكثر من رفض الاعتقاد بالله والرسول على ما يقتضيه الدين.

وبالتالي ينبغي على المستشكل أن يبرز المانع من الأخذ بهذا الإطلاق، فإذا جاء في بعض الآيات وذكر أن الكفر موضوعٌ لخصوص ما يتضمن العناد، فهذا لا يعني أن كل مفردة ذكر فيها الكفر، وكل آية ذكر فيها الكفر والشرك تنصرف باستعمالات القرآن الكريم إلى خصوص حصة من الكفار تتسم بالعناد.

فلا بد من التمسك بإطلاق لفظ الكفر والشرك الشامل للمعاند وغير المعاند، ولا توجد تحصر الكافر في خصوص المعاند فلا يرد الإشكال الثاني.

الإشكال الرابع إشكالٌ على الأدلة التي دلت على القتال بملاك الكفر.

تقريب الإشكال:

قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[7] .

تقريب الإشكال:

المستفاد من الآية رفع النهي عن القسط والبر للكفار الذين لم يقاتلوا في الدين ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم، ورفع النهي عن القسط والبر مساوق للأمر بهما لأنهما مطلوبان بذاتهما، وغاية الأمر أن أحدهما واجب والآخر مستحب وهذا مستلزم لعدم وجوب الجهاد في حقهم لأنه لا معنى لإيجاب جهاد قوم يؤمر بالتعامل معهم بالبر والقسط[8] .

خلاصة الإشكال:

الآيات الكريمة أمرت بالقسط والتعامل الحسن مع الكفار الذين لم يخرجونا من ديارنا، فكيف يجب الجهاد الابتدائي ضدهم لإدخالهم في الإسلام والدعوة الإسلامية مع أن الآية قد أمرت بالقسط والتعامل الحسن معهم.

والجواب: لا تنافي بين وجوب الجهاد الابتدائي وبين القسط والتعامل الحسن مع الكفار الذين لم يخرجونا من ديارنا.

والسر في ذلك:

أن المراد بوجوب الجهاد وجوب الإعداد والتهيؤ للقتال فليس معنى وجوب الجهاد أنه إذا وجب الآن نعمل السلاح، بل المراد إذا وجب الجهاد وجب النفر والتحرك للقتال، وهذا لا يتنافى مع السلوك الحسن والقسط والبر بهم، فيتحرك الجيش لقتال الكفار الذين لم يخرجونا من ديارنا، لكن مع التعامل الحسن واللطيف، فإن اسلموا فبها ونعمت، وإن لم يسلموا في هذه الحالة ودافعوا ووقفوا يجب قتالهم.

وبعبارة أخرى:

إن الجهاد والقتال إنما يكون بعد إقامة الحجة وتقدير الوقت المناسب للجهاد، فلا تنافي بين إطلاق وجوب الجهاد وبين بقاء مورد للقسط والبر مع الكفار ولو في مورد معين أو موارد محددة.

خلاصة الجواب: إن الأمر بالقتال الابتدائي لا يعني انتفاء التعامل الحسن والبر في جميع اللحظات وفي جميع الأوقات وفي جميع المراحل، بل نحتاج إلى التعامل الحسن وإلقاء الحجة والبر لدعوتهم إلى الحق. نعم، في موردٍ وفي وقت معين وهو إذا عاندوا ولم يقبلوا حينئذ يجب القتال.

الإشكال الخامس الجهاد الابتدائي عدوان وقد نهت الآية عن العدوان، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[9] .

تقريب الإشكال:

العدوان مفهومه عرفي، ومن الواضح أن العرف يرى أن الابتداء بالقتال لا لعدوان ولا لهجوم عدوان ولو كان من أجل الدفاع عن الحق والدين.

والجواب: لمعرفة مفهوم العدوان لا بد من الرجوع إلى اللغة، والعدوان في اللغة هو عبارة عن تجاوز الحد، قال المحقق الاصفهاني رحمه الله في مقام وصف ما جرى على سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها: وجاوزوا بلطم الحد تبت يد العدوان والتعدي.

إذا المراد بالعدوان تجاوز الحد، والذي يحدد الحد هو الشارع، فإذا أمر الشارع المقدس بالجهاد الابتدائي، فحينئذ لا يكون الجهاد الابتدائي عدواناً وتجاوزاً للحد، ومن قال إن جميع مصاديق العدوان أمر عرفي وينقحها العرف، فإذا جاءنا موضوع قد نقحه الشارع، فحينئذ يقدم ما نقحه الشارع، فإذا حدد الشارع الجهاد الابتدائي فحينئذ لا يكون الجهاد الابتدائي عدواناً لأنه لا يكون تجاوزاً للحد الذي حدده وأقره الشارع المقدس.

الإشكال السادس الجهاد الابتدائي يتنافى مع آية لا إكراه في الدين، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[10] .

تقريب الاستدلال:

الجهاد الابتدائي يتنافى مع قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ﴾ في لأنك تُكره الكفار على الدخول في الإسلام.

والجواب: فرق بين قولنا: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، وبين قولنا: «لا إكراه على الدين»، فتارة يكون استعلاء، وتارة تكون ظرفية، كما أن حرف لاء إما أن يكون ناف للجنس، وإما أن يكون ناهٍ.

فهنا إذا قلنا: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ تكون لا نافية وفي ظرفية، يعني لا يوجد في الدين أمر اعتقادي تكره عليه، هذا معنى لا إكراه في الدين تكون لا نافية وفي ظرفية يعني لا يوجد في اعتقاد تكره عليه لأن الدين أمر اعتقادي وقلبي فلا يوجد في الدين أمر يكرهونك عليه.

بخلاف إذا قلت: «لا إكراه على الدين» تكون لا ناهية، وعلى الدين يعني على الدخول في الدين، والآية لم تقل: لا إكراه على الدين.

ولا الناهية إذا استخدمت ناهية بالنسبة إلى الإكراه تتعدى بعلى، فيقولون: «لا إكراه على الدين» يعني ننهاك أن تكره الآخرين على الدخول في الدين.

إذا لا نافية وليست ناهية والحرف هو الظرفية وليس الاستعلاء، فبالتالي لا يوجد مانع من الإكراه على الدين، وليكن الجهاد الابتدائي إكراه على الدين، الآية ما تنهى عنه، يمكن أن تدعوه يمكن بالقتال تجبر على الدخول في الدين وفي موارد الآن هذا المرتد المرتد الفطري الملي يستتاب إما يدخل في الدين أو يقتل فلا مانع من ذلك.

التفصيل تراجعون بحث فيه أدلة مشروعية الجهاد الابتدائي في الفقه الإمامي صفحة ثلاثمائة وثمانية إلى ثلاثمائة وثلاثة عشر، نكتفي بهذا المقدار في ماالوقت بعد ما كفى لتفاصيل أكثر.

وحتى هذه ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، إذا تراجعوا التفاسير نجد أنهم فهموا منها غير الفهم الذي الآن يتناقل، مثل: تفسير آلاء الرحمن للشيخ محمد جواد البلاغي رحمة الله عليه فإنه فهم منها فمن آخر، اذكر لكم بعض الأفهام في هذه الآية.

ذهب البعض إلى أن الآية تبين وضوح الحق بحيث يقتضي العقل التمسك به من دون حاجة إلى إكراه، الشيخ محمد جواد البلاغي تفسير آلاء الرحمن، الجزء الأول، صفحة مئتين وثمانية وعشرين.[11]

وذهب البعض إلى أن الآية ناظرة إلى نفي الإكراه عن من يتبع الحق إذ لا معنى لإكراهه، ولا ينافي ذلك إكراه الجاحد، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبو السعود محمد بن محمد العمادي، الجزء الأول، صفحة مئتين وتسعة وأربعين[12] .

وذهب البعض إلى اختصاص الآية بأهل الكتاب، تفسير الطبري[13] .

وذهب البعض إلى أن الآية منسوخة بآيات القتال، الناسخ والمنسوخ، لابوجعفر النحاس[14] .

هذا تمام الكلام في أهم الإشكالات، واتضح أن مشروعية الجهاد الابتدائي تامة وثابتة بآيات القرآن الكريم، ولا شبهة في البين.


[8] جهاد الأمة، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ص119 إلى 120.
logo