« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

46/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (السابع عشر): التحقيق: ثبوت دلالة آيات القرآن على وجوب الجهاد الابتدائي

الموضوع: الدرس (السابع عشر): التحقيق: ثبوت دلالة آيات القرآن على وجوب الجهاد الابتدائي

 

[الفارق بين الجهاد الإبتدائي والدفاعي]

وقبل أن نشرع في بيان هذه الأدلة، نركز على الفارق بين الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي.

سؤال: فقد جاءني سؤال من الكويت، وطلب الاجابة في أثناء الدرس، مفاده: لو أن الكفار احتلوا بعض أراضي المسلمين وقاتل المسلمون لتحرير أراضيهم، فهل هذا الجهاد ابتدائي أو دفاعي؟ وما هو السبب؟

والجواب: لا شك ولا ريب أن هذا الجهاد دفاعي وليس ابتدائياً لأنه قتال لصد العدوان، فالكفار قد اعتدوا على أراضي الدولة الإسلامية، وهذا القتال لرد العدوان وتحرير أراضي الإسلام.

[المراد بالجهاد الإبتدائي]

والمراد بالجهاد الابتدائي هو القتال لدعوة الكفار إلى الإسلام من دون سبق عدوان، فمقتضي الجهاد الابتدائي هو نفس الشرك والكفر، وإن كان الكفار مسالمين.

نعم، يستثنى من ذلك الكافر المعاهد أي الذي بينه وبين أمة الإسلام معاهدة سلم فحينئذ لا يشرع قتاله نظراً لوجود المعاهدة، فلو التزم بالمعاهدة حرم ماله ودمه وعرضه، وإن نقض المعاهدة استحق القتال، وهذا ما سنقرأه في مفاد الدليل الأول.

آيات القرآن التي يمكن أن يستدل بها على الجهاد ابتدائي

الدليل الأول التمسك بآيات سورة البراءة، وهي أول ستة عشر آية من سورة التوبة وبراءة، وهي قوله تبارك وتعالى ما يلي:

﴿بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)﴾[1] آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.

تقريب الاستدلال:

[الكفار على قسمين]

تطرقت سورة التوبة في مطلعها إلى قسمين من الكفار:

القسم الأول المعاهد للمسلمين.

القسم الثاني غير المعاهد.

[المعاهد على قسمين]

ثم قسمت القسم الأول إلى قسمين:

القسم الأول من التزم بالمعاهدة.

القسم الثاني من نكث ولم يلتزم بالمعاهدة.

وبينت الآية الكريمة حكم ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى الكافر غير المعاهد، ونصّت على وجوب قتاله لكفره وشركه.

الطائفة الثانية المعاهد الذي نكث عهده فيجب قتاله لأنه كافر ناقض للعهد.

الطائفة الثالثة الكافر المعاهد الذي التزم بمعاهدته، فإنه يحرم قتاله، ولابد من الالتزام بمقتضى المعاهدة.

وهذه الآيات مطلقة إذا نصّت على أن ملاك القتال، هو ماذا كونهم مشركين؟ فيتمسك بإطلاقها فتشمل الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي، فيتم المطلوب.

[الإيرادان على الإستدلال بهذه الآيات ونقده]

فإن قيل: إن هذه الآيات ناظرة إلى المشركين والمنافقين في زمن مخصوص بالمدينة المنورة إذ أن هذه الآيات نصت قائلةً في الآية ثلاثة عشر ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

فالإيراد الأول على الاستدلال أن هذه الآيات ناظرة إلى زمن الرسول فموردها خاص، ولا يمكن استفادة الإطلاق إذ أنهم نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول.

الإيراد الثاني أنها ظاهرة في الجهاد الدفاعي، إذ قالت الآية: ﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فهي ظاهرة في الجهاد الدفاعي لا الجهاد الابتدائي.

وفيه: إن الآيات الكريمات رتبت الجهاد والقتال على عنوان الشرك والكفر، فهي وإن عالجت مورداً معيناً وهم الكفار الذين نقضوا عهدهم وهموا بإخراج الرسول كما في الآية الثالثة عشر، لكن صدر سورة براءة وهي الآية الأولى وكذلك الآية الثانية علقت الأحكام على عنوان الشرك، فالآية الأولى تقول: ﴿بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، والآية الثانية تقول: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ﴾ ولم تذكر قيد المعاهدة، واستثنت من ذلك في الآية الرابعة ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾.

ثم الآية تقول: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ والآية مطلقة، وفعل الأمر اقتلوه يدل على الوجوب، ومتعلق الأمر مطلق المشرك ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾.

وهكذا الآيات وتسلسل الآيات يشير إلى المائز بين الإيمان والشرك، وأن نفس بقاء المشرك على شركه وكفره يقتضي جواز جهاده وقتاله من أجل دعوته إلى الإسلام ورجوعه إلى الله تبارك وتعالى.

هذا تمام الاستدلال على مشروعية الجهاد الابتدائي تمسكاً بآيات سورة براءة بشكل موجز، ومن أراد التفصيل يمكنه مراجعة كتاب سيدنا المرجع الديني السيد كاظم الحسيني الحائري حفظه الله فقد أطال وأسهب في الاستدلال بهذه الآية في كتابه الكفاح المسلح في الإسلام صفحة تسعة وعشرين إلى صفحة أربعة وثلاثين.

ويمكن مراجعة كتاب الجهاد للشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله صفحة سبعة وثلاثين إلى تسعة وثلاثين.

وخلاصة الاستدلال:

التمسك بإطلاق الآية الآمرة بالجهاد والقتال لحيثية الشرك والكفر.

ويراجع في هذه الأدلة أيضاً كتاب الجهاد للشيخ الآصفي في صفحة اثنين وثلاثين، وكتاب الكفاح المسلح في الإسلام السيد كاظم الحسيني الحائري صفحة ثلاثة وعشرين، ويراجع كتاب أخينا السيد علي أبو الحسن المطبوع ومؤخراً تحت عنوان بحث في أدلة مشروعية الجهاد الابتدائي في الفقه الإمامي صفحة ثلاثة وعشرين، وقد تطرق إلى سبعة وثلاثين دليل على مشروعية الجهاد الابتدائي، وأول ثمانية أدلة كان هو عبارة عن الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم على مشروعية الجهاد الابتدائي، وبعد أن انتهى من عرض الأدلة السبعة وثلاثين تطرق إلى دفع الشبهات التي ذكرها المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وغيره كالسيد محمد حسين فضل الله والشيخ حيدر حب الله حول الجهاد الابتدائي ودفعها، فيمكن أن يرجع إليه وبحث مطول أنا ما نريد نطول بشكل موجز.

[العلتان للقتال]

الدليل الثاني التمسك بعموم التعليل، فإذا راجعنا الآيات الكريمة نجد أنها تعلل قتال المشركين بعلتين:

العلة الأولى رفع الفتنة عن طريق الدعوة إلى الله وتوحيده، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[2] .

﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[3] .

العلة الثانية كف بأس الذين كفروا أي قوتهم، كما في قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا﴾[4] .

تقريب الاستدلال:

في كل مورد توجد فيه فتنة لابد أن تنهى أو نخاف بأس المشركين ولابد أن نرد بأسهم، فحينئذ يجوز قتالهم مطلقاً سواء كان القتال والجهاد ابتدائياً أو دفاعياً.

وفيه:

أولا إن الدليل أخص من المدعى إذ أن المدعى جواز قتال المشركين ابتداءً ولو لم يكن هناك فتنة ولو لم يكن لهم بأس يخاف بل المقتضي كل المقتضي لقتالهم هو دعوتهم إلى الإسلام، فالتمسك بعموم التعليل في هاتين الآيتين تكون نتيجته أخص من المدعى، تكون النتيجة جواز الجهاد الابتدائي في خصوص مورد الفتنة وخوف البأس.

وثانياً هذا التعليل لا يرقى إلى مستوى الظهور، بل هو مجرد إشعار والإشعار لا يثبت عموم التعليل.

أقول: يمكن التمسك بقوله تعالى: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ في الآية الأولى، وقول تعالى: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ في الآية الثانية، فيكون المدار كل المدار في مشروعية الجهاد الابتدائي أن يكون الدين لله ففي أي بلد وفي أي مكان وجد الكفار وأمكن أن يكون الدين لله من خلال القتال، فحينئذ يكون القتال مشروعاً، حتى لو لم تكن هناك فتنة، وحتى لو لم نخشى بأسهم، إذ أن الآية تقول: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾ أي القتال واجب ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾[5] ، والآية الأخرى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه﴾[6] .

إذا الدليل الثاني تام ويرقى إلى مستوى الظهور وليس مجرد إشعار فالغرض من قتال الكفار أن يكون الدين لله أي الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، والدعوة إلى الله مطلقة قد تكون بالقتال الابتدائي، وقد تكون بالقتال الدفاعي.

الدليل الثالث التمسك بإطلاق الآيات، كقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾[7] ، وقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾[8] .

تقريب الاستدلال:

قتال أولياء الشيطان وأئمة الكفر مطلقٌ قد يكون ابتدائياً وقد يكون دفاعياً، فأنت تقاتل من يوالي الشيطان وتقاتل رأس الحربة وأئمة الكفر لنشر الإسلام، وهذا القتال قد يكون ابتدائياً، وقد يكون دفاعياً، فنتمسك بالإطلاق، إطلاق قوله: ﴿فَقَاتِلُوا﴾.

الدليل الرابع التمسك بعموم الآيات أي عموم المتعلق فيها كقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[9] .

تقريب الاستدلال:

استخدمت الآية مفردة ﴿كَافَّةً﴾ أي جميعاً، وهي نص في العموم، فلو قلنا إن مقدمات الحكمة ليست تامة ولا ينعقد لها إطلاق في الجهاد الابتدائي فإن هذه الآية فيها عموم وهي مفردة كافة، فنتمسك بالعموم، فقتال المؤمنين كافة يعم ويشمل الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي.

إن قيل: أن هذه الآية ظاهرة في الجهاد الدفاعي إذ قالت: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾.

قلنا: القدر المتيقن من الجهاد الابتدائي هو ما جاء في صيغة قاتلوهم إن قاتلوكم، وأما هذه الصيغة ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ قد تكون ظاهرة في أنهم أعداؤكم ومقتضى عداوتهم لكم أنهم يقاتلونكم فأنتم قاتلوهم كما يقاتلونكم.

إن تم هذا الاستظهار فهو وإن لم يتم فالعمدة هو التمسك بالدليل الأول آيات سورة براءة وغيرها، ولا حاجة إلى إطالة البحث، بل إننا لو راجعنا وشروح شرائع الإسلام وتبصرة المتعلمين ومنهاج الصالحين للسيد الخوئي كتاب الجهاد، لم يستدلوا على مشروعية الجهاد الابتدائي بل ارسلوه المسلمات لوضوحه.

لذلك لا معنى لهذه الدعوة التي إدعاها المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين من أن بعض الفقهاء لما عجز عن إثبات إطلاق الآيات من جهة أو رد القيود في الآيات الأخرى من جهة أخرى عمد إلى دعوى النسخ.

بل استحكام هذا التقسيم، تقسيم الجهاد إلى ابتدائي ودفاعي، من الشيخ الطوسي في المبسوط والنهاية إلى أبي الصباح الحلبي وغيره من القدماء إلى زماننا هذا، قد يشعر بشيء إذ أن الفقه علم تراثي وليس علماً معيارياً مثل علم المنطق والفلسفة.

هذا تمام الكلام في إثبات مشروعية الجهاد الابتدائي بآيات القرآن الكريم.


logo