46/04/22
الدرس (الرابع عشر): الاستدلال بالقرآن الكريم على وجوب الجهاد الابتدائي
الموضوع: الدرس (الرابع عشر): الاستدلال بالقرآن الكريم على وجوب الجهاد الابتدائي
اتضح وفقاً لاصطلاح الفقهاء أن المراد بالجهاد الابتدائي هو قتال الكفار بسبب كفرهم لأجل إدخالهم في الدين أو إخضاعهم لحكم الإسلام فالمقتضى التام لقتالهم إنما هو كفرهم لا غير، حتى لو لم يعتدوا على المسلمين لذلك يسمى جهاد الدعوة.
فالمراد بالجهاد الابتدائي هو قتال الكفار من دون عدوانٍ من أجل دعوتهم إلى الإسلام.
[الآيات الدالة على وجوب الجهاد الإبتدائي]
ويمكن أن نستعرض عشر آيات على الأقل استدل بها أو يمكن أن يستدل بها على وجوب الجهاد الابتدائي، فلنذكر هذه الآيات العشر ثم تقريب الاستدلال بها ومناقشتها.
الآية الأولى قوله تعالى:
﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾[1] .
الآية الثانية قوله تعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[2] .
الآية الثالثة قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا﴾[3] .
الآية الرابعة قوله تعالى:
﴿۞ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[4] .
الآية الخامسة قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[5] .
الآية السادسة قوله تعالى:
﴿فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾[6] .
الآية السابعة قوله تعالى:
﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[7] .
الآية الثامنة قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[8] .
الآية التاسعة قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[9] .
الآية العاشرة والأخيرة قوله تعالى:
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[10] .
هذه عشر آيات على الأقل يمكن أن يستدل بها على وجوب الجهاد الابتدائي.
تقريب الاستدلال بالآيات:
[آيات الجهاد كلها مدنية]
آيات الجهاد هذه كلها مدنية لأن الجهاد لم يشرع في مكة المكرمة، وقد شرع الجهاد في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة حيث غزوة بدر الكبرى أول غزوة للمسلمين وكانت في شهر رمضان ولم يكن المسلمون في مكة مخاطبين جهاد نظراً لما كانوا عليه من ضيق وشدة وأذية من جانب المشركين.
[استفادة الوجب بصيغة الأمر ومشتقاتها]
وإذا تأملنا في هذه الآيات المدنية المشرعة للجهاد سنجد أنها وردت بصيغة افعل أو ليفعل لام الأمر أو صيغة فعل الأمر، وبهيئاتها المختلف المستعملة في مادة جهد، قتل، نفر فتدل هذه الآيات على وجوب القتال والجهاد والنفر فيستفاد منها وجوب الجهاد الابتدائي في قتال الكفار والمشركين، سواء كانوا كتابيين أو غير كتابيين هذا من جهة، فنحن نستفيد الوجوب ببركة صيغة وهيئة فعل الأمر ومشتقاتها.
[آيات الجهاد مطلقة من حيث الزمان والمكان]
ومن جهة أخرى فإن صيغة فعل الأمر مطلقة، وهذه الأوامر مطلقة تشمل مطلق الزمان والمكان باستثناء الآية التي ورد فيها الذين يلونكم فقد قيدت بالمكان الأقرب، ولكن بقيت الآيات لم تقيد بالقرب أو البعد أو زمن دون زمن أو مكان دون مكان، وقد وردت مطلقة بلحاظ حالات الكفار سواء كانوا مسالمين أو محاربين، يؤمن جانبهم أو لا يؤمن جانبه، ومن مصادق الأمر بالجهاد المطلق الجهاد الابتدائي.
[آيات الجهاد يشمل الإبتدائي والدفاعي]
إذاً نستفيد ووجوب الجهاد الابتدائي تمسكاً بإطلاق الأوامر في آيات الجهاد العشرة، فإذا تمسكنا بالقتال والأمر به بشكل مطلق نجد أن هناك أمراً بالقتال مطلقاً سواء كان ابتداء أو على رد عدوانٍ، فلنتأمل هذه الآيات فإن إطلاقها يشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي، كقوله تعالى: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ ﴾، وقوله تعالى في الآية الثانية: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ﴾، وقوله تعالى في الآية: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، وقوله تعالى في الآية السادسة: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾، وقوله تعالى في الآية السابعة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾، وقوله تعالى في الآية التاسعة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم ﴾.
فإن هذه الأوامر: قاتلوا، اقتلوهم، فليقاتل، كتب عليكم القتال، فاقتلوه، هذه أوامر مطلقة تشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي معاً.
وكذلك الآيات التي أمرت بالجهاد، إذا عندنا مفردة القتال وعندنا مفردة الجهاد والنفر أيضاً مطلقة تشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي معاً، كقوله تعالى في الآية الخامسة: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ﴾، وقوله تعالى في الآية الثامنة: ﴿ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ﴾ ،وقوله تعالى في الآية العاشرة: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ﴾ فإن الأمر جاهد جاهدوا مطلقٌ يشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي.
وكذلك الآية الأمره بالنفر فإن الأمر فيها مطلق لجميع الحالات ولم تذكر النفر لوقت محدد أو لمكانٍ محدد، بل آية النفر مطلقة تشمل الجهاد الابتدائي وتشمل أيضا الجهاد الدفاعي، قال تعالى: ﴿ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا ﴾ فيها أمر بالنفر فانفروا أو انفروا جميعاً فنتمسك بمطلق النفر.
هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالآيات الكريمة.
وخلاصة الاستدلال بالآيات الكريمة العشر:
هو التمسك بإطلاق صيغة الأمر ومشتقاتها المستعملة في مادة «القتل والجهاد والنافر» فإطلاق صيغ الأمر في هذه المواد الثلاث يشمل الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي.
مناقشة دلالة الآيات والاستدلال بها على الجهاد الابتدائي
وقد ناقش الشيخ محمد مهدي شمس الدين الاستدلال بهذه الآيات الكريمة على وجوب الجهاد الابتدائي، وانتهى إلى أنها لا تدل على وجوب الجهاد الابتدائي ولا تشمله[11] .
وسنذكر ما استدل به وما ناقش به من تفصيل ونناقشه إن شاء الله تعالى فيما بعد.
[المناقشة بأمرين:]
ناقش الشيخ شمس الدين رحمه الله الاستدلال بالآيات على وجوب الجهاد بأمرين:
الأمر الأول مرجعه إلى عدم ثبوت المقتضي فآيات القتال لا تقتضي وليس فيها قابلية لشمول الجهاد ابتدائي.
الأمر الثاني من حيث المانع فلو سلمنا وتنزلنا في المناقشة الأولى وقلنا إن آيات الجهاد تقتضي وجوب الجهاد الابتدائي لكنها تبتلى بالمانع وهو المقيد فهناك ما يقيد من حيث وهناك ما يقيد من حيث المكان وهناك ما يقيد من حيث الكتابي وغير الكتابي وغير ذلك.
[المناقشة الأولى]
هذه خلاصة وعصارة المناقشات ولنبدأ في المناقشة، فلنبدأ بالمناقشة الأولى بالتفصيل، قال رحمه الله:
هذا الاستدلال غير صحيح لأمرين:
الأول إن جملة من الآيات المذكورة واردة لبيان أصل تشريع الجهاد القتالي في مقابل الجهاد اللساني بالحكمة والموعظة الحسنة، وليست ناظرة إلى خصوصيات هذه الفريضة وسعة موضوعها أو ضيقة، فإذا لم تكن في مقام البيان من هذه الجهة لا يكون فيها إطلاق ليصح التمسك به.
وهذه الآية هي الآيات الثانية والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والتاسعة والعاشرة في الترتيب المتقدم، على أنه يمكن المناقشة في دلالة الآيتين الخامسة والعاشرة وهم آيتي الحج والمائدة، قوله تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ﴾ على أن المراد بهما ليس القتال بالخصوص بل مطلق الجهاد بالعمل والقول والمال والقتال والعبادة وبكل ما فيه إعلاء لشأن الإسلام فتكونان أجنبيتين عن مقامنا.
إذا خلاصة هذه المناقشة: التمسك بأن الآيات الكريمة في مقام بيان أصل القتال والجهاد وليست في مقام بيان تفاصيل أخرى ككونه ابتدائياً، وبالتالي يقول الآية الخامسة والآية العاشرةأاجنبيتان إذ ورد فيهما الجهاد فيراد به مطلق الجهاد، وأما بقية الآيات عدا الخامسة والعاشرة، فهي ناظرة إلى الجهاد القتالي في مقابل الجهاد القولي والقلبي، فهي في مقام بيان أصل الجهاد، وليست في مقام بيان تفاصيل الجهاد.
هذا بالنسبة إلى الآيات.
ثم يقول وأما الآيات الأخرى فهي إما ظاهرة في غير المدعى، أو غير ظاهرة فيه على الأقل بل مجملة من جهته.
تفصيل الكلام فيما أفاده المرحوم شمس الدين، وتتمة استدلاله ومناقشته، ومناقشتنا له، يأتي عليها الكلام.