46/04/15
الدرس (التاسع): هل للنائب العام ولاية على أمر الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة؟
الموضوع: الدرس (التاسع): هل للنائب العام ولاية على أمر الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة؟
البحث الثاني
هل للنائب العام ولاية على أمر الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة؟
وبعد أن انتهينا من البحث الأول وهو دراسة الروايات الشريفة التي قد يفهم منها اشتراط حضور الإمام المعصوم، أو إذن نائبه الخاص في الجهاد الابتدائي، واتضح أنها يفهم منها ذلك في عصر حضور المعصوم، ولعلها لا تشمل عصر غيبة الإمام المعصوم عليه السلام.
[هل للنائب العام الأمر على الجهاد الإبتدائي؟]
يأتي السؤال الثاني في بحثنا الثاني وهو:
أنه في عصر غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وعدم وجود نائب خاص له كالسفراء الأربعة في الغيبة الصغرى، هل يحق لنائبه العام وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، الأمر بالجهاد الابتدائي أو لا؟
[الدليل على عدم الولاية على جهاد الإبتدائي]
[الإجماع]
وقد ادعى الإجماع على أنه لا ولاية للفقيه على الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة، وممن صرح باشتراط ذلك الشهيد الثاني، قال في مسالك[1] الأفهام ما نصّه:
«فالفقيه في حال الغيبة وإن كان منصوباً للمصالح العامة لا يجوز له مباشرة الجهاد بالمعنى الأول» ويقصد به الجهاد الابتدائي.
بل يفهم من بعض العبارات أنه مطلق الجهاد سواء كان ابتدائي أو دفاعية مشروطٌ بإذن الإمام المعصوم عليه السلام ولا ولاية للفقيه عليهما، فقد حكى السيد علي الطباطبائي في كتاب الرياض عن منتهى المطلب للعلامة الحلي ما يفهم عدم مشروعية الجهاد في عصر الغيبة وعدم ولاية النائب العام فيه على الجهاد، وكلامه مطلق فقد يفهم منه الجهاد بكلا قسميه (الابتدائي و الدفاعي)، إلا إذا حمل لفظ الجهاد على خصوص الجهاد الابتدائي.
قال صاحب الرياض رحمه الله حاكياً عنه العلامة ما نصّه:
«بلا خلاف اعلمه كما في ظاهر المنتهى وصريح الغنية إلا من أحمد»[2] ولعل المراد أحمد بن حنبل وليس أحد فقهاء الشيعة، وهنا يعلق الشيخ مهدي شمس الدين رحمه الله، ولم يتبين لنا من هو الفقيه الإمامي المراد من أحمد[3] .
[تتبع كلمات الفقهاء]
ولتحقيق المطلب لابد من تتبع كلمات الفقهاء خصوصاً المتقدمين لنرى أنها هل اطبقت على أن النائب العام وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى لا ولاية له على الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة وأن الجهاد الابتدائي من مختصات الإمام المعصوم فيشترط فيه حضور الإمام المعصوم أو إذن نائبه الخاص دون نائبه العام، فلابد من ملاحظات هذه الكلمات.
الفقيه الأول: ونبدأ الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه قال في النهاية ما نصّه:
«ومن وجب عليه الجهاد إنما يجب عليه عند شروطه، وهي أن يكون الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره، ولا يسوغ لهم الجهاد من دونه ظاهراً، أو يكون من نصبه الإمام للقيام بأمر المسلمين حاضراً، ثم يدعوهم إلى الجهاد، فيجب عليهم حينئذٍ القيام به.
ومتى لم يكن الإمام ظاهراً، ولا من نصبه حاضراً لم يجز مجاهدة العدو.
والجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يؤجر عليه، وإن أصيب كان مأثوماً»[4] .
وقريب من عبارة الشيخ الطوسي في النهاية، عبارة الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط[5] ، قال ما نصّه، وهو أول كتاب شيعي تفريعي كتبه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة أربع مائة وستين هجرية رضوان الله عليه النصّ:
«واذا اجتمعت الشروط التي ذكرناها في من يجب عليه الجهاد، فلا يجب عليه أن يجاهد إلا بأن يكون هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للجهاد، ثم يدعوهم إلى الجهاد، فيجب حينئذ على من ذكرناه الجهاد، ومتى لم يكن الإمام، ولا من نصبه الإمام سقط الوجوب، بل لا يحسن فعله أصلاً، اللهم إلا أن يدهم المسلمين أمر يخاف معه على بيضة الإسلام، ويخشى بواره أو يخاف على قوم منهم، فإنه يجب حينئذ دفاعهم. ويقصد به الدفع عن النفس والإسلام والمؤمنين، ولا يقصد الجهاد ليدخلوا في الإسلام.
وهكذا حكم من كان في دار الحرب ودهمهم عدو يخاف منه على نفسه جاز أن يجاهد مع الكفار دفعاً عن نفسه وماله دون الجهاد الذي وجب عليه في الشر
والجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام أصلاً خطأ قبيح يستحق فاعله الذم والعقاب، إن أصيب لم يؤجر وإن أصاب كان مأثوماً.
ومتى جاهدوا عدم الإمام وعدم من نصبه فظفروا وغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام خاصة، ولا يستحقون هم منها شيئاً أصلاً»[6] انتهى كلام زيد في علوه مقامه.
وكلامه رحمه الله في المبسوط اصرح من كلامه في النهاية في عدم مشروعية الجهاد الابتدائي عند عدم وجود المعصوم أو من نصبه المعصوم، هذا الأول الشيخ الطوسي.
الفقيه الثاني: أبو الحلبي قال في الكافي:
«وإن كان الداعي غير من ذكرناه» يعني الإمام المعصوم أو نائبه «وجبت التخلف عنه مع الاختيار، فإن خيف جانبه جاز النفور لخدمة الدين دونه»[7] .
الفقيه الثالث: القاضي ابن البراج الطرابلسي، قال في المهذب[8] ما نصّه:
«ويكون مأموراً به من قبل الإمام العادل أو من نصبه الإمام» إلى أن يقول: «وإنما ذكرنا أن يكون مأموراً بالجهاد من قبل الإمام أو من نصبه لأنه متى لم يكن واحداً منهما لم يجز له الخروج إلى الجهاد» الهاء تعود على المكلف أنه لا يجوز للمكلف الخروج إلى الجهاد.
إلى أن يقول: «والجهاد مع أئمة الكفر، ومع غير إمام أصلي أو من نصبه قبيحٌ يستحق فاعله العقاب، فإن أصاب كان مأثوماً، وإن أصيب لم يكن على ذلك أجر»[9] .
وكلامه قريب من كلام الشيخ الطوسي في المبسوط.
الفقيه الرابع: ابن إدريس الحلي في السرائر[10] ، هو نقل فيه عبارة الشيخ الطوسي.
الفقيه الخامس: ابن حمزة في الوسيلة، قال ما نصّه:
«لا يجوز الجهاد بغير الإمام، ولا مع أئمة الجور»[11] .
هذه خمسة أقوال للمتقدمين، يبقى المتأخرون.
الفقيه السادس: قال العلامة الحلي في التحرير: «الجهاد قد يكون للدعاء إلى الإسلام، وقد يكون للدفع بأن يدهن المسلمين عدو، ويشترط في الأول إذن الإمام العادل أو من يأمره الإمام»[12] .
وقال العلامة الحلي في قواعد الأحكام ما نصّه:
«وإنما يجب بشرط الإمام أو نائبه»[13] .
وشرح هذا الكلام المحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي، بقوله: «المراد نائبه المنصوب بخصوصه حال ظهور الإمام وتمكنه لا مطلقاً»[14] .
وبالجملة أطبقت كلمات فقهاء الإمامية على عدم جواز الجهاد الابتدائي لأجل الدعوة إلى الإسلام في حال غيبة الإمام المعصوم، وأنه يشترط في مشروعية الجهاد الابتدائي إذن الإمام المعصوم الحاضر، أو إذن نائبه الخاص المنصوب من قبله لذلك.
[كلام الشيخ الفيد يثبت الجهاد الإبتدائي للفقيه]
نعم، قد يفهم من كلام الشيخ المفيد أن للفقيه الجامع للشرائط حق الجهاد الابتدائي، ولنقرأ نص عباراته، قال الشيخ المفيد المتوفى سنة أربعمائة وثلاثة عشر ما نصّه: [15]
«فأما إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى، وهم أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام، ومن نصبوه لذلك من الأمراء والحكام، وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان، فمن تمكن من إقامتها على ولده وعبده ولم يخف من سلطان الجور إضراراً به على ذلك فليقمها، ومن خاف من الظالمين اعتراضاً عليه في إقامتها أو خاف ضرراً بذلك على نفسه أو على الدين فقط سقط عنه فرضها، وكذلك إن استطاع إقامة على من يليه من قومه وأمن من بوائق الظالمين في ذلك فقد لزمه إقامة الحدود عليهم فليقطع سارقهم ويجلد زانيهم ويقتل قاتلهم، وهذا فرض متعين على من نصبه المتغلب لذلك».
هنا الآن يبدأ الشاهد: «وهذا فرض متعين على من نصبه المتغلب لذلك على ظاهر خلافته له» شرح العبارة أي هو فرض متعين على الفقيه العادل من أهل الحق الذي نصبه سلطان الجور وكيلاً عنه أو خليفة له.
تكملة عبارة المفيد: «أو الإمارة من قبله» يعني قبل الجامع «على قوم من رعيته فيلزمه» أي الفقيه «فيلزمه إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار، ومن يستحق ذلك من الفجار.
ويجب على إخوانه المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم، ما لم يتجاوز حداً من حدود الإيمان أو يكون مطيعاً في معصية الله من نصبه من سلطان الضلال فإن كان على وفاق الظالمين في شيء يخالف الله تعالى به لم يجز لأحد من المؤمنين معونته فيه، وجاز لهم معونته بما يكون به مطيعاً لله تعالى من إقامة حد أو إنفاذ حكم على حسب ما تقتضيه الشريعة دون ما خالفها من أحكام أهل الضلال».
ثم يقول: «وللفقهاء من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس، وصلوات الأعياد والاستسقاء والخسوف والكسوف إذا تمكنوا من ذلك وآمنوا فيه من معرة أهل الفساد، ولهم أن يقضوا بينهم بالحق ويصلحوا بين المختلفين في الدعاوى، وعند عدم البينات، ويفعل جميع ما جعل إلى القضاة في الإسلام لأن الأئمة عليهم السلام قد فوضوا إليهم ذلك عند تمكنهم منه بما ثبت عنهم فيه من الأخبار، وصح به النقل عند أهل المعرفة من الآثار» انتهى كلام الشيخ المفيد رضوان الله عليه.
ولا يخفى أن ظاهر كلامه أن للفقيه الجامع للشرائط حق الجهاد الابتدائي وحق الجهاد الدفاع إذ قال: «وجهاد الكفار» أي الجهاد الابتدائي «ومن يستحق ذلك من الفجار» أي قتال البغاة الفسقة الباغين على الدولة الإسلامية.
إذاً ادعي ظهور هذا الكلام في جواز تولي الفقيه في زمن الغيبة للجهاد الابتدائي ودعوته إليه سواء تولى السلطة من قبل السلطان الجائر كما هو مفروض العبارة أو تمكن من السلطة بنفسه من باب أولى.
لكن الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله ناقش في هذه الدعوة في كتاب الجهاد[16] ، وأنكر دلالة عبارة المفيد على مشروعية الجهاد الابتدائي للفقيه الجامع، فقال رحمه الله ما نصّه:
«وفي هذه الدعوى نظر فإن العبارة واردة لبيان أن إقامة الحدود هي للإمام المعصوم عليه السلام ومن نصبه لذلك أنهم عليهم السلام فوضوا ذلك للفقهاء من شيعتهم، وعلى الفقهاء إقامة الحدود إذا تمكنوا من ذلك، ولم يخافوا من سلطان الجور إذا لم يتولوا المنصب من قبل الجائر.
وفي حالة توليهم المنصب من قبل الجائر يتعين عليهم إقامة الحدود لعدم الخوف على أهل الحق حينئذ، ولكن بشرط ألا يتجاوزوا حدّ من حدود الإيمان أو يطيعوا السلطان الجائر في معصية الله».
ثم يقول: «ويحتمل قوياً أن يكون المراد من قوله: «وجهاد الكفار» في هذا السياق، إلزامهم بتطبيق شروط الذمة، ومعاقبة من أخل بها أو طرده من بلاد الإسلام، وهذا من قبيل إقامة الحدود ولا علاقة له بالجهاد الابتدائي.
ويؤيد هذا الاستظهار بل يدل عليه، قوله بعد ذلك: «ومن يستحق ذلك من الفجار» فإن المشار إليه بذلك هو الجهاد على الفرض، وحينئذ يكون المراد من الفجار المسلمين البغاة، والمفروض أن السلطان جائر والبغي لا يكون إلا على إمام عادل، فتعين أن يكون المراد بذلك هو إقامة الحدود وردع المفسدين من المسلمين عن فسادهم».
أقول: هذا التوجيه بحمل الجهاد على تطبيق شروط الذمة وإلزامهم خلاف ظاهر العبارة، وإذا رجعنا إلى كلمات المفيد فإن ظاهر أصل الباب وظاهر أصل التفريع يؤيد أنه يريد الجهاد الابتدائي.
أولاً نفس هذا الكتاب المقنعة، المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه عبارة عن هذا الباب كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هكذا العنوان المقنعة في الأصول والفروع، عنوان الباب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد في الدين.
إذا المفيد ناظر إلى باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وباب إقامة الحدود وباب الجهاد في الدين هذا ظاهر أصل الباب.
ثانيا ثم ظاهر أصل العبارة، أصل العبارة، هو تطرق إلى الحدود، وقال: هذه من مختصات المعصوم، والمعصوم فوض ما اختص به إلى الفقيه، هكذا يقول: «فأما إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى وهم أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام ومن نصبوه لذلك من الأمراء والحكام».
ثم يقول: «وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان» ثم يبدأ بالتفريع، ما هي الأمور التي فوضوها؟
الأول قال: «فمن تمكن من إقامتها على ولده وعبده» إذا في البداية تكلم عن إقامة الحدود، ثم بدأ بالتفريع/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد الكفار وجهاد المارقين.
إذاً واضح أن الشيخ المفيد رحمه الله في مقام بيان الأمور التي فوضها الأئمة إلى الفقهاء، وذكر منها جهاد الكفار وجهاد الفاسقين.
إذاً للفقيه حق الجهاد الابتدائي والدفاعي، وقتال البغاة والفاسقين، حسب عبارة الشيخ رحمه الله، والله العالم.
تتمة الكلام يأتي عليها الكلام.