46/04/12
الدرس (الثامن): أحاديث اشتراط الإذن في الجهاد الإبتدايي - الحديث التاسع ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد ع
الموضوع: الدرس (الثامن): أحاديث اشتراط الإذن في الجهاد الإبتدايي - الحديث التاسع ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد ع
الحديث التاسع ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث شرائع الدين، قال: «والجهاد واجب مع إمام عادل، ومن قتل دون ماله فهو شهيد»[1] .
والسند ضعيف إذ روي بهذا الإسناد محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الأعمش سند الصدوق إلى الأعمش في هذا الحديث هو أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي وأحمد بن الحسن القطان ومحمد بن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب وعبد الله بن محمد الصائغ وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم كلهم مشايخ الصدوق وترضى عليهم.
قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال حدثنا تميم بن بهلول، قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: «هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه»[2] الحديث والسند ضعيف بالمجاهيل.
الحديث العاشر عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون، قال: «والجهاد واجب مع إمام عادل، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد، ولا يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ، وذلك إذا لم تحذر على نفسك، ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم، والتقية في دار التقية واجبة ولا حنث على من حلف تقية يدفع ظلماً عن نفسه»[3] .
الإسناد ضعيف.
فهذه الرواية من مرسلات كتاب تحف العقول عن آل الرسول للحسن بن شعبة الحسن بن علي بن شعبة الحراني، وكتاب تحف العقول معتبر لكن اعتبار أصله لا يعني اعتبار كل رواية رواية وردت فيه إذ أن ابن شعبة الحراني قد حذف الأسانيد، وكما تعلمون فإن صاحب الوسائل أول ما يبدأ روايات الباب بالكافي بروايات الكافي ثم روايات الفقيه ثم روايات التهذيب والاستبصار ثم بقية كتب الصدوق في أواخر الباب يذكر الروايات المرسلة أو من مثل كتاب ابن شعبة الحراني.
إذا هذا الباب الثاني عشر فيه عشرة أحاديث كلها ضعيفة يمكن اعتبار رواية أو روايتين منها فقط، هذا تمام الكلام في إسناد الروايات العشرة الباب الثاني عشر من أبواب جهاد العدو من كتاب الجهاد من وسائل الشيعة.
دلالة الأحاديث
الأحاديث الشريفة بمجموعها واضحة الدلالة على حرمة الجهاد مع غير الإمام عليه السلام وحرمة الخروج إلى الجهاد مع عدم الاطمئنان بتنفيذ أحكام الشرع المقدس، فمثل هذا الجهاد بتعبير الروايات يكون حرباً على الإسلام وعلى منهج أهل البيت عليهم السلام.
[أكثر هذه الروايات ناظرة إلى زمن حضور الإمام]
لكن القدر المتيقن من هذه الروايات هو زمن حضور المعصوم عليه السلام فلو غضضنا النظر عن أسانيد الروايات وقلنا بأنها روايات عشر تشكل تواتراً، وبالتالي لا توجد مشكلة من جهة السند نظراً لتواتر الروايات، لكن الكلام في دلالة ومضمون هذه الروايات، إذ أن أكثر هذه الروايات تحكي عن ظروف وملابسات كانت في زمن المعصوم عليه السلام من أنه فتحت أبواب الجهاد والسلاح، فهل اذهب وأقاتل؟ كانت هذه الحادثة في زمن حضور المعصوم عليه السلام، وبعضها يقول الإمام الجواد: «لا اعلم جهاداً إلا الحج هذا البيت فحجوه»[4] .
فأكثر هذه الروايات ناظرة إلى زمن الأئمة عليهم السلام والقدر المتيقن منها أنها ناظرة إلى زمن حضور الإمام المعصوم، ولعلها لا تشمل زمن غيبة الإمام المعصوم، فنتمسك بعمومات الأدلة الدالة على مشروعية الجهاد الابتدائي بالنسبة إلى زمن غيبة الإمام المعصوم عليه السلام.
ولقد أجاد وأفاد سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في هذا البحث من كتاب الجهاد في منهاج الصالحين الجزء الأول العبادة صفحة ثلاثمائة وأربعة وستين وثلاثمائة وخمسة وستين، ونحن نقرأ ما أفاده بأكمله لما فيه من الفائدة العظيمة، قال قدس سره:
«إن الكلام يقع في مقامين: المقام الأول هل يعتبر إذن الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص في مشروعية أصل الجهاد في الشريعة المقدسة؟ فيه وجهان: المشهور بين الأصحاب هو الوجه الأول» أي اعتبار إذن الإمام عليه السلام.
«وقد استدل عليه بوجهين: الوجه الأول دعوى الإجماع على ذلك»[5] .
وفيه إن الإجماع لم يثبت إذ لم يتعرض جماعة من الأصحاب للمسألة، وسنتطرق إلى أقوال الأصحاب بالتفصيل في البحث الآتي، يقول السيد الخوئي، ولذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله: «ويشترط في وجوب الجهاد وجود الإمام عليه السلام أو من نصبه على المشهور بين الأصحاب، ولعل مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة» وهي الأخبار التي قرأناها عشرة أخبار «مع معارض بعموم الآيات ففي الحكم به إشكال»[6] .
ثم على تقدير ثبوته فهو لا يكون كاشفاً عن قول المعصوم عليه السلام لاحتمال أن يكون مدركه الروايات الآتية فلا يكون تعبدياً. نعم الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن ولي الأمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام بعده.
إذاً الوجه الأول وهو دعوة الإجماع ليس بتام لأنه محتمل المدركية على أنه هناك تأمل في أصل ثبوت الإجماع وهذا الإجماع منقول، والإجماع المحصل لم يحصل، وهذا الإجماع المنقول محتمل المدركية، سيأتي بحثه لأن بحثنا الأول في الروايات، البحث الثاني في أقوال العلماء.
الوجه الثاني العمدة من الروايات العشر روايتها وفيهما كلام.
«الوجه الثاني الروايات التي استدل بها على اعتبار إذن الإمام عليه السلام في مشروعية الجهاد، والعمدة منها روايتان:
الأولى:[7] رواية سويد القلاء عن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إني رأيت في المنام أني قلت لك: إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام، مثل: الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: نعم، هو كذلك، فقال أبو عبد الله عليه السلام هو كذلك هو كذلك».
هذا ذكرناه في الحديث الأول وناقشنا سنده مفصلاً، والآن السيد الخوئي يناقش السند والدلالة.
«وفيه أن هذه الرواية مضافاً إلى إمكان المناقشة في سندها على أساس أنه لا يمكن لنا إثبات أن المراد البشير الواقع في سندها هو بشير الدهان، ورواية سويد القلاء عن بشير الدهان في مورد لا تدل على أن المراد من بشير هنا هو بشير الدهان، مع أن المسمى بـبشير متعددٌ في هذه الطبقة، ولا يكون منحصراً بـبشير الدهان، نعم روى في الكافي هذه الرواية عن بشير الدهان[8] .
يعني صاحب الوسائل أولاً ذكر السند الأول ثم في نهايته في حاشيته ذكر سند الكليني في الكافي.
«وهي لا تكون حجة من جهة الإرسال وقابلة للمناقشة دلالة، فإن الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع هو حرمة القتال بأمر غير الإمام المفترض طاعته، وبمتابعته فيه، ولا تدل على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون من ذوي الآراء والخبرة فيه مصلحة عامة للإسلام وإعلاء كلمة التوحيد بدون إذن الإمام عليه السلام كزماننا هذا»[9] .
والخلاصة والزبدة: هي ناظرة إلى حرمة القتال بدون إذن الإمام المعصوم عند حضوره، وساكته عن غيبته.
«الثانية رواية عبد الله بن المغيرة» وذكرناها الحديث الخامس[10] «روى عبد الله بن المغيرة، قال: قال محمد بن عبد الله للرضا عليه السلام وأنا اسمع: حدثني أبي عن أهل بيته عن آبائه أنه قال له بعضهم: إن في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين، وعدو يقال له الديلم، فهل من جهاد؟» واضح ناظر إلى زمانه «أو هل من رباط» هنا القرينة أخرى؟ الرباط غير مشروط المرابطة يعني حراسة ثغور الدولة الإسلامية هذا ما يشترط فيه إذن الإمام المعصوم، فهذا السائل يسأل عن حكم في زمن حضور المعصوم.
«فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه، فأعاد عليه الحديث، فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدراً، وإن مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه» إلى آخر الحديث.
ولنعم ما علق السيد أبو القاسم الخوئي، قال: «ولكن الظاهر أنها في مقام بيان الحكم المؤقت لا الحكم الدائم، بمعنى أنه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص، ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد، مع أنه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الإمام عليه السلام وثبوته في زمان الغيبة، ومما يؤكد ذلك أنه يجوز أخذ الجزية في زمن الغيبة من أهل الكتاب إذا قبلوا ذلك، مع أن أخذ الجزية إنما هو في مقابل ترك القتال معهم، فلو لم يكن القتال معهم في هذا العصر مشروعاً، لم يجز أخذ الجزية منهم أيضاً.
وقد تحصل من ذلك أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة، وثبوته في كافة الأعصار لدى توفر شرائطه، وهو في زمن الغيبة منوط لتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة للإسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة أن يخسروا في المعركة.
فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم.
وأما ما ورد في عدة من الروايات من حرمة الخروج بالسيف على الحكام وخلفاء الجور قبل قيام قائمنا صلوات الله عليه فهو أجنبي عن مسألتنا هذه، وهي الجهاد مع الكفار رأساً ولا يرتبط بها نهائياً»[11] .
هذه الروايات ناظرة إلى ماذا؟
إلى الخروج على الحاكم الظالم الحاكم المسلم الظالم هذه أجنبية، مثل ما قتال البغاة أيضاً أجنبي، من بغى على الحاكم أو طائفة من المسلمين إذا بغت على طائفة أخرى من المسلمين.
إذاً ليس بحثنا هو قتال البغاة، وليس بحثنا هو جواز الخروج على الحاكم الظالم في عصر الغيبة أو عدم خروج جواز الخروج، وليس بحثنا في الجهاد الدفاعي، بل بحثنا في خصوص الجهاد الابتدائي.
والروايات الشريفة لا تدل على اشتراط إذن المعصوم مطلقاً في عصر الحضور والغيبة معاً.
وبعبارة أخرى: هل الجهاد الابتدائي يختص بخصوص حضور المعصوم، وفي عصر غيبة المعصوم تنتفي مشروعية الجهاد الابتدائي؟ هذا هو رأي المشهور، المشهور أن مشروعية الابتدائي مقيدة بحضور الإمام المعصوم أو إذنه أو إذن نائبه الخاص، ولا تشمل النائب العام، بخلاف الجهاد فإنه مشروع في عصر الغيبة لكن بشرط إذن الفقيه الجامع للشرائط، أي أنه في عصر الحضور يشترط إذن المعصوم أو النائب الخاص دون النائب العام، بخلاف عصر الغيبة فإنه يشترط إذن النائب العام.
لكن الروايات الشريفة العشر التي ذكرناها لا تدل على ما ذهب إليه المشهور، ونحن لا نرى أن عمل المشهور حجة والشهرة الفتوائية ليست حجة.
[الرأي النهائي في الجهاد الإبتدائي]
فنبني على ما بنى عليه سيد أساتذتنا السيد الخوئي من مشروعية الجهاد الابتدائي فيه عصر الغيبة، تمسكاً بعمومات الجهاد وأدلة أخرى ستأتي إن شاء الله.
وقد ذهب إلى هذا الرأي المرحوم المرجع الديني السيد محمد صادق الروحاني في كتابه وموسوعته فقه الصادق، كتاب الجهاد، الجزء الثالث عشر، صفحة ثلاثة وثلاثين، وقد ذكر جميع هذه الروايات العشر وناقشها فيرجع إلى بحثه.[12]
كما ذهب إلى هذا الرأي السيد القائد السيد علي الحسيني الخامنئي والمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
هذا تمام الكلام في البحث الأول تحقيق الروايات الدالة على اشتراط حضور المعصوم أو إذنه في الجهاد الابتدائي.
البحث الثاني
المشهور عدم ثبوت ولاية الفقيه على الجهاد الابتدائي
وهذا ما سنبحثه في كلمات الفقهاء، يعني البحث الأول بحث روائي واتضح أن الروايات لا تدل على اشتراط حضور المعصوم أو إذن في الجهاد الابتدائي.
البحث الثاني في كلمات الفقهاء، هل يمكن منها تحصيل الإجماع وهل تدل أو لا؟
يأتي عليه الكلام.