الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/10/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس مائة وثمانية وثمانون: اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة
موضوع: الدرس مائة وثمانية وثمانون: اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة
قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى ما نصّه:
«ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان، وفي الأيتام الفقر، وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم، وإن كان غنيا في بلده».
هذا المقطع من العروة الوثقى يتطق إلى شروط استحقاق سهم السادة والمشهور والمعروف بين الفقهاء لزوم توفر شروط في الأصناف الثلاثة الأخيرة، وهم: «اليتامى والمساكين وأبناء السبيل».
والشروط الثلاثة كما يلي:
الأول الانتساب إلى بني هاشم.
الثاني الإيمان.
الثالث الفقر.
ولنشرع في اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة، والمراد بالإيمان أن يكون الهاشمي شيعياً اثنا عشرياً فلا يعطى الهاشمي المخالف، بل حتى الشيعي من غير الشيعة الإمامية كما كان زيدياً أو إسماعيلياً فضلاً عن الكافر.
وعن السيد ابن زهرة في الغنية دعوى الإجماع عليه[1] ، وظاهر الجواهر عدم الخلاف فيه[2] .
ويمكن الاستدلال على اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة بوجوه:
الوجه الأول ما ورد في الزكاة من روايات منها رواية إبراهيم الأوسي[3] عن الرضا ـ عليه السلام ـ قال صاحب الوسائل ـ رحمه الله ـ وبإسناده عن سعد يعني بإسناد الشيخ الطوسي عن سعد بن عبد الله الأشعري القمي عن بعض أصحابنا الرواية مرسلة، عن محمد بن جمهور لم يوثق، عن إبراهيم الأوسي لم يوثق، عن الرضا ـ عليه السلام ـ قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوماً فأتاه رجل، قال: إني رجلٌ من أهل الري ولي زكاة، فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا.
فقال: أليس الصدقة محرمة عليكم؟
فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا قد دفعتها إلينا.
فقال: إني لا اعرف لها أحداً.
فقال: فانتظر بها سنة».
من القائل؟ الإمام الباقر لأن الإمام الرضا يروي عن أبيه الإمام الكاظم والإمام الكاظم يروي عن أبيه الإمام الصادق وهو ينقل عن أبيه الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ ، يعني عن الرضا قال: «سمعت أبي الإمام يقول: كنت عند أبي يوماً فأتاه» يعني الرواية عن الإمام الصادق، الإمام الصادق، الإمام الكاظم ينقل عن الإمام الصادق.
فقال: «فانتظر بها سنة، قال: فإن لم أصب لها أحداً؟
قال: انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين، ثم قال له: إن لم تصب لها أحداً فصرها صرراً وأطرحها في البحر فإن الله عزّ وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا».
صاحب الوسائل الحرة العاملي علق على ذيل الرواية يعني كيف أنه يصرها صرراً ويرميها في البحر؟!
أقول: ـ هذا كلام صاحب الوسائل ـ لعل هذا من تعليق المحال على المحال لما تقدم من أنه لا تكون فريضة فرضها الله لا يوجد لها موضعٌ أو على وجه المبالغة في منع غير المؤمن، ومعلومٌ أن فرض عدم وجود المؤمن وعدم إمكان الوصول إليه في أربع سنين محالٌ عادةً، وعلى تقديره فباب سبيل الله واسع والرقاب والمستضعفون قريب من ذلك، والله اعلم».
إذا هذه الرواية واردة في خصوص الزكاة ولا تخفى دلالتها على المراد فإن المقصود بكلمة عدونا هم غير الشيعة كما هو واضح من صدر الرواية فتدل على أن الزكاة والخمس محرمان على غير الشيعة.
لكن هذه الرواية ضعيفة من جهة الإرسال وعدم توثيق إبراهيم الأوسي كما أن محمد بن جمهور فيه خلاف فالرواية تصلح للتأييد ليس إلا.
وهكذا اعتبرها السيد الخوئي أنها مؤيدة[4] ، وهكذا اعتبرها شيخنا الأستاذ الداوري مؤيده[5] .
الرواية الثانية رواية الكشي عن يونس بن يعقوب، وسند هذه الرواية كلهم ضعاف عدا يونس بن يعقوب[6] قال صاحب الوسائل: وقال من الذي قال؟ الكشي عطف على السند الثالث محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال ثقة جليل.
قال: «وجدت بخط جبرئيل بن أحمد في كتابه» هذا جبرائيل لم يرد فيه توثيق «عن أبي سعيد الآدمي وهو سهل بن زياد الآدمي» وفيه خلاف والأكثر يضعفه «عن أحمد بن محمد بن ربيع الأقرع لم يرد فيه توثيق» لا لا هذا أنا رحت للسند الخامس.
السند الرابع وقال: «وجدت بخط جبرائيل بن أحمد في كتابه عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن الربيع الأقرع» نفس السند «عن جعفر بن بكير» وفي نسخة عن جعفر بن بكر أيضاً لم يرد فيه توثيق فيكونون مجاهيل، والمجهول بمعنى لم يرد فيه توثيق، «عن يونس بن يعقوب» وفي نسخة عن يوسف بن يعقوب صحيح يونس بن يعقوب ثقة جديدة.
قال: «قلت لأبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حياً من الزكاة شيئاً؟ قال: لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة» والرواية واردة في الواقفة الذين وقفوا على إمامة الإمام الكاظم وأركان الوقف ثلاثة: علي بن أبي حمزة البطائني وكان عنده ثلاثين ألف دينار، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي وكان عنده سبعين ألف دينار.
الله يرحمه الأستاذ الميرزا جواد التبريزي يقول في الدرس كان يقول هذا عنده بس ثلاثين هذاك عنده سبعين.
فأرسل الرضا ـ عليه السلام ـ إلى زياد بن مروان القندي أو الرواسي الآن ما أتذكر رواية أن جئني بالأموال والجواري كانت ألف جارية.
فقال: أما الأموال وقد صرفتها وأما الجواري فقد تزوجتها وأما موسى بن جعفر فهو لم يموت وإنما قد غاب وهو المهدي المنتظر.
فأنكروا إمامة الإمام الرضا طمعاً في الأموال، وبعضهم رجع فيما بعد وتاب.
فهذه الرواية يستدل فيها بعموم التعليل الوارد فيها لعدم خصوصية متصورة للواقفة.
ولكن يحتمل أن هناك خصوصية للواقفة في زمن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ ولا أقل من جهة نصبهم لأبي الحسن الرضا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كما أنها ضعيفة السند فلا يصح الاستدلال بها.
الرواية الثالثة رواية المفضل بن عمر حيث جاء في ذيلها قالت فاطمة ـ عليها السلام ـ : «فإن الله رضي بذلك ورسول رضي له، وقسم على الموالاة والمتابعة لا على المعاداة والمخالفة»[7] .
يقول شيخنا الأستاذ الداوري[8] : «وهي واضحة الدلالة لكنها ضعيفة السند».
أقول: الرواية ضعيفة السند وليست واضحة الدلالة، فإنها ذكرت أن الزهراء ـ عليها السلام ـ تقول: إن الله عزّ وجل أعطاها فداك وأعطى ذراريها لأن الله قسم على الموالاة والمتابعة لا على المعاداة والمخالفة، قد يتأمل في دلالتها.
والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لم يقبل الرواية الأولى وجعلها مؤيدة، لكنه قبل روايات البدلية وأن الخمس بدل عن الزكاة، وبما أن الزكاة يشترط في مستحقها الإيمان فالزكاة لا تعطى للفقير غير الإمامي بل يشترط الإيمان في مستحقي الزكاة، فكذلك يشترط في مستحق الخمس خصوصاً سهم السادة أن يكون مؤمناً.
ولكن روايات البدلية غير نقية السند، وقد ذكر الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي في حاشية تقريره[9] قال: راجعنا السيد الأستاذ وقلنا له إن روايات بدلية الخمس عن الزكاة غير نقية السند، فحين ذاك السيد الخوئي قد استند إلى أمر آخر سيأتي بيانه في الوجه الثاني.
إلى هنا الوجه الأول ليس بتام.
الوجه الثاني إن الخمس عوضٌ عن الزكاة، وقد اعتبر في مستحق الإيمان بالإجماع، فكذلك يعتبر فيما هو عوض عنها وهو الخمس.
وقد تقدم الكلام في ذلك وهو أن مقتضى البدلية هو كون الخمس بدلاً للسادة عن الزكاة لأن الله حرم عليهم أخذ الزكاة فأجاز لهم أخذ الخمس هذا هو القدر المتيقن من البدلية، أما أن جميع خصوصيات المبدل وهو الزكاة تنسحب وتترتب على البدل وهو الخمس فهذا لا دليل عليه.
والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ التزم بأن كون الخمس بدلاً عن الزكاة لا يعني تعدية وتسرية جميع خصوصيات الزكاة للخمس، ولكن في خصوص المقام وهو اشتراط الإيمان في مستحقي الزكاة عداه إلى مستحقي الخمس، وذكر في وجه ذلك إنه يمكن المطلوب مما دلّ على أن الله تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم هذا مضمون رواية[10] .
بتقريب عدم احتمال خروج السادة عن حكمة هذا التشريع ليكونوا أسوأ حالاً وأقل نصيباً من غيرهم، وحيث أنهم ممنوعون عن الزكاة بضرورة الفقه فلا جرم يستكشف بطريق الإن أن الخمس المجعول لهم قد شرع عوضاً وبدلاً عن الزكاة إجلالاً عن أوساخ ما في أيدي الناس[11] .
فالبدلية تستفاد من الحكمة التي ذكرها السيد الخوئي على حد مدعاه.
ولكن يبقى الإشكال وهو أن مقتضى البدلية كون الخمس عوض للسادة عن حرمانهم من الصدقة، فغاية ما يقتضيه بيان السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ثبوت أصل البدلية في التشريع وليس ثبوت خصائص مميزات وتفاصيل هذه البدلية، فإثبات أن من جعل لهم ذلك هو خصوص المؤمنين من بني هاشم والأعم فلا يدل عليه ما أفاده ـ رحمه الله ـ ، فهذا الوجه ليس بتام.
الوجه الثالث التمسك بقاعدة الاشتغال فإن مقتضى أصالة الاشتغال هو اعتبار الإيمان إذ أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني والذمة مشغولة بسهم السادة ولابد من إخراجه إلى مستحقه فلا بد أن تتيقن من فراغ الذمة والتيقن يكون بإعطائه للسيد الفقير المؤمن.
ويضعف هذا الوجه بأمرين:
الأول إنه مع وجود إطلاقات الكتاب والسنة لا تصل النوبة للأصل العملي فمع وجود الدليل الاجتهادي من آيات وروايات لا تصل النوبة إلى الأصل العملي وهو أصالة الاشتغال.
الثاني لو تنزلنا وقلنا بجريان الأصل العملي فإن المورد والمرجع في هذا القسم هو ماذا؟ هذا المورد دوران الأمر بين التعيين والتخيير إما الهاشمي المؤمن معيناً وهذا قيد زائد أو الهاشمي مخيراً بين المؤمن وغير المؤمن.
فهنا يوجد شرط في التكليف زائد وهو اشتراط الإمام فتجري أصالة البراءة لنفي اعتبار قيد الإيمان في التكليف هذا هو مقتضى الصناعة الأصولية في مباحث الأصول العملية.
الوجه الرابع التمسك بما ذكره صاحب الجواهر ـ قدس سره ـ من كون الخمس كرامة ومودة لا يستحقها غير المؤمن المحادد لله[12] .
ويعلق شيخنا الأستاذ الداوري، ويقول:
«والظاهر تمامية هذا الوجه فإنه قد دلّ على ذلك غير واحد من الأخبار فمقتضى ذلك مضافاً للإجماع المدعى هو الحكم باعتبار الإيمان».
أقول: هذا الوجه أشبه بالاستحسان أنى لنا أن ندرك ملاك الأحكام فلعل الله عزّ وجل أراد أن يكرم ذرية نبيه ولو كانوا كفاراً أو مخالفين كرامة لرسول الله، فقد ورد عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ «أكرموا ذريتي الصالحين منهم لله والطالحين لي» هذا بالنسبة إلى الفاسق والصالح، وأنى لنا أن ندرك النكتة في صرف سهم السادة فلعلها إكراماً لذرية رسول الله مطلقاً ولو كانوا غير مؤمنين.
فاتضح أن الوجه الرابع ليس بتام.
وبالتالي الوجوه الأربعة التي أقيمت على اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة ليس تامة.
لكن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ قال: «والمسألة لا إشكال فيها» مع أنه ذكر دليلين ووجهين:
الوجه الأول هي الرواية الأولى ونصّ على أنها ضعيفة السند وأنها تصلح كمؤيد.
والنص الثاني روايات البدلية، وحينما ذكر له الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي أن الروايات غير نقية ذكر النكتة التي ذكرناها، وهذه النكتة ليست تامة والروايات ضعيفة، فكيف تكون المسألة لا إشكال فيها؟!
هذا كلام السيد الخوئي[13] .
لكن سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[14] ـ رحمه الله ـ قال: «لكن لا دليل عليها بل الدليل بخلافها».
فما هو الحق في المسألة؟
كما أن هذا الإجماع محتمل المدركية فيسقط عن الحجية.
أقول: الأحواط اشتراط الإيمان ولم ينهض دليل على اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة، لكن ذهاب المشهور الذي ادعي عدم الخلاف فيه بل ادعي الإجماع عليه يجعل في النفس شيء وصعوبة في مخالفتهم، فلا يوجد دليل يوجب الإفتاء باشتراط الإيمان في سهم السادة، ولكن الأحوط اشتراط الإيمان في مستحق سهم السادة، والله العالم.
هذا تمام الكلام في اشتراط الإيمان.
اشتراط الفقر في الأيتام، يأتي عليه الكلام.