< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وأربعة وثمانون: أدلة كون السهام الستة في الخمس من باب الملكية

 

أدلة كون السهام الستة في الخمس من باب الملكية، ويمكن أن تذكر عدة وجوه للدلالة على ذلك:

الوجه الأول التمسك بظاهر آية الخمس، وهي قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[1] فإن ظاهرها كون الخمس يقسم إلى ستة سهام وأن صاحب السهم يملكه خصوصاً مع ملاحظة أن الخمس بدل عن الزكاة فكما أن الزكاة تقسم ثمانية أسهم وتكون ملكاً لكل صنف فكذلك الخمس فإنه يقسم إلى ستة أسهم وصاحب كل سهم يملك ما يستحقه.

الوجه الثاني التمسك بظاهر الروايات الكثيرة التي كادت أن تكون متواترة فإن ظاهرها كظاهر الآية الكريمة فلا يظهر من الآية الكريمة أن الخمس سهم واحد من جهة الولاية الثابتة لله تبارك، ومن بعده للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ، ومن بعده للإمام الوصي ـ سلام الله عليه ـ فلا يفهم من ظاهر الآية أن الخمس حقٌ لشخصية قانونية حقوقية وهي منصب الإمامة فقط بل يفهم من ظاهر آيات والروايات أن الخمس ملك لسهام ثلاثة يتصرف في هذه الأملاك أصحاب السهام الستة.

الوجه الثالث التمسك بالإجماع، وهو جواهر الكلام حيث ذكر ما يفهم منه اتفاق الأصحاب قال ـ رحمه الله ـ في الجواهر ما نصّه:

«بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام ـ عليه السلام ـ وان كان يجب عليه الانفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله»[2] .

فيفهم من كلامه ـ رحمه الله ـ المظاهر أصحاب أن نصف الخمس للإمام ـ عليه السلام ـ من باب الملكية وأن الحكم به قطعي كما في نصّ سابق لصاحب جواهر الكلام[3] .

نعم، يظهر من المقطع الثاني[4] عدم كون جميع الخمس للإمام وأن نصف الخمس للإمام مورد اتفاق الأصحاب.

هذا تمام الكلام في الوجوه الثلاثة التي يمكن أن يستدل بها على أن السهام الستة ملك لأصحابها، وهذه مسألة مهمة هل الخمس للإمام أو للمنصب؟

إذا كان الملك للإمام فهو ملك شخصي، وهذا ما يفهم من القول الأول أن السهام الستة في الخمس بنحو الملك، وأما إذا قيل بأن الخمس للمنصب أي منصب النبوة ومنصب الإمامة تكون الموارد الثلاثة كاليتامى والمساكين وأبناء السبيل من باب مصرف الخمس.

ومن هنا نشرع في بيان أدلة القول الثاني الوجوه التي يمكن أن تذكر على أن الحق في السهام بنحو المصرف:

الوجه الأول التمسك بآية الخمس فإن ظاهر آية الخمس وإن كان يقتضي الاشتراك في الملكية كما ذكرنا في الوجه الأول للقول الأول، لكن نرفع اليد عن ظهور الآية في الملكية ونحمل الخمس على أنه كله للنبي أو الإمام المعصوم وبقية الموارد إنما هي مصرف للخمس الذي بيد الإمام ـ عليه السلام ـ .

والسر في ذلك: وجود قرائن لبية ونكات لفظية توجب رفع اليد عن ظهور آية الخمس في الملكية فهو ظهور أولي وبدوي ويتعين حمل آية الخمس على إرادة الحق الوحداني لمنصب الإمامة.

ومن هنا نذكر ثلاث نكات قد توجب رفع اليد عن الظهور البدوي للآية في الملك وحملها على أن الخمس حق وسهم واحد لله تبارك وتعالى وبقية الموارد مصارف بيد ـ عليه السلام ـ :

النكتة الأولى التمسك بنفس سياق آية الخمس على ذلك فالآية جعلت الخمس كله لله بنحو الانحصار أولاً فقد قدمت لفظ الجلالة على كلمة الخمس فيكون جميع الخمس لله من جهة الانحصار، ثم بعد ذكر كلمة الخمس جاءت بقية الموارد أن يكون للرسول ومن بعده لذوي القربى وهو الإمام المعصوم.

فإذا دققنا الآية نجد أنها تقول: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه، فقدمت حق الله على الخمس ثم بعد إيراد لفظة الخمس جاءت بمصارف الخمس فقالت: وللرسول ولذي القربى، فذكرت حق الرسول وحق ذوي القربى بإضافة اللام لهما، ثم ذكرت الموارد الأخيرة من السهام الستة من دون إدخال اللام عليها، فقالت: واليتامى والمساكين وابن السبيل مما يعني أن هذه الموارد الثلاثة مصارف لحق الله وأن الخمس حق وحداني لله تبارك وتعالى، ومن يملك حق التصرف فيه هو النبي ومن بعده وصيه وهو الإمام المعصوم وهو الذي يملك الإذن في صرفه في الموارد الثلاثة اليتامى والمساكين وأبناء السبيل الذين انقطع بهم الطريق في السفر.

النكتة الثانية ما المراد بحق الله وملكية الله تبارك وتعالى للخمس؟

توجد احتمالات:

الاحتمال الأول أن يراد به الملكية التكوينية الحقيقية، ومن الواضح أن هذا الاحتمال ليس صحيحاً لأن ملكية الله الحقيقية والتكوينية لا تنحصر بالخمس بل جميع الكون ملك لله فجميع المخلوقات تشملها الملكية التكوينية الحقيقية لله تبارك وتعالى.

الاحتمال الثاني الملكية الاعتبارية، وهذا الاحتمال ليس صحيح أيضاً فلا معنى لكون الشيء ملكاً اعتبارياً للساحة المقدسة لله تبارك وتعالى فإن الله ليس محتاجاً إلى المال ولا إلى أي شيء.

فيتعين الاحتمال الثالث أن تكون ملكية الخمس لله ولا يراد بها الملكية التكوينية ولا يراد بها الملكية الاعتبارية، فما هو معناه ملك الله للخمس؟

إن قلت: إن المراد به الملك في سبيل الله بمعنى جعل هذا المال في سبيل الله تبارك وتعالى، لكن هذا القول لم يقل به أحد من الفقهاء، لكن يمكن أن يقال: إن المراد بملكية الله للخمس أي ملك الخمس لحيثية ولشأن من شؤون الله تبارك وتعالى المناسبة لهذه الملكية عرفاً وعقلاً، وهي شأن حاكمية الله عزّ وجل وولايته الذاتية على شؤون الناس والمجتمعات فإنه لا حكم إلا لله تبارك وتعالى وقد أكد ذلك القرآن الكريم.

فتكون النتيجة إن مالك الخمس شخصية قانونية حقوقية وهي منصب الولاية لله، وليس المراد أن الملك هو للذات الإلهية حتى نقول هذه الملكية تكوينية أو اعتبارية بل المراد أن المخول في التصرف في الخمس هو المأذون من قبل الله والمفوض من جهة منصب حاكمية الله تبارك وتعالى وهو النبي ومن بعده الإمام المعصوم وفي حال غيابه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى.

فتكون سلسلة المراتب طولية أي تصرف الفقيه الجامع لشرائط الفتوى في طول وفرع ولاية الإمام المعصوم وولاية المعصوم ـ عليه السلام ـ في فرع وطولية ولاية النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وولاية النبي في فرع وطولية ولاية الله تبارك تعالى.

هذا تمام الكلام في النكتة الثانية.

النكتة الثالثة التسمك بآية الفيء وهي سورة الحشر آية سبعة، فآية الفيء كآية الخمس من جهة السياق والسهام تماماً، ولا إشكال ولا خلاف في أن الفيء حق واحد وحداني لمنصب الإمامة واعتبر بقية السهام مصارف له.

وهذه قرينة على أن الخمس كذلك أي أن سياق الخمس يعني آية الخمس كسياق آية الأنفال وقد ذكرت فيها الموارد السبعة.

فآية الخمس تقول: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول وذي القربى وليتامى والمساكين وابن السبيل)[5] .

ولنلاحظ آيتيء الفيء الواردتين في سورة الحشر آية ستة وآية سبعة، الآية السادسة فيها أصل الفيء والآية السابعة فيها تفاصيل السهام الستة للفيء.

قال تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) ثم تقول الآية السابعة (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) فدخلت اللام على الموارد الثلاثة ولم تدخل على الموارد الثلاثة الأخرى.

وقالت الآية: (واليتامى مساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب).

ومن الواضح أن سياق آية الفيء كسياق آية الخمس وفي آية الفيء خصوصاً الآية الأولى ستة حمل الفيء على أنه منصب واحد وحق وحداني لله قال تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم أوجفتم عليه) إذا هذا ما أفاء الله على رسوله حق واحد لله تبارك وتعالى.

لكن قد يناقش فيها ويقام أن آية الأنفال واردة في الخمس المراد بالفيء هو الخمس قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله) فتحمل على إرادة الخمس، وتحمل أيضاً آية الفيء على إرادة الخمس.

وأما أحكام الفيء والأنفال فقد تضمنتها الآية السابقة وهي الآية السادسة على هذه الآية آية سبعة من سورة الحشر التي ذكرت السهام الستة، والدليل على ذلك قوله ـ عليه السلام ـ في صحيحة محمد بن مسلم: «فهذا بمنزلة المغنم»[6] .

لكن هذا الإيراد بعيد جداً فإن الآيتين ستة وسبعة من سورة الحشر قد وردتا في الفيء والأنفال والآية الأولى وهي السادسة لم تبين المصارف والآية السابعة قد بينت المصارف، واستعمال لفظ الفيء وإرادة الخمس منه بعيد في نفسه، فمن قال أن المراد بالفيء والأنفال هو نفس الخمس هذا خلاف الظاهر هذا أولاً.

وثانياً وردت روايات متعددة تدل على أن الآية ستة وسبعة من سورة الحشر قد وردتا في الفئ يعني أرض الخراج وليست في الخمس.

وأما صحيحة محمد بن مسلم فلا تدل على أن المراد بالفيء في الآية هو الخمس بل تدل على التنزيل والتنزيل لا يعني الاشتراك في جميع الوجوه.

النتيجة النهائية:

المستفاد من سياق آية الخمس ومن التسلسل الموجود في سائر الاستعمالات القرآنية كآية الفيء هو أن هذا الحق حق وحداني ويكون للولاية والحاكمية التي لا تكن إلا لله هذه هي الحاكمية الحقيقية ثم يتفرع عليها الحاكمية الاعتبارية وهي حاكمية النبي ومن بعده حاكمية الإمام المعصوم وفي حال غيبته حاكمية الفقيه الجامع للشرائط فهذه حاكميات طولية.

وأما العناوين الثلاثة الأخر اليتامى والمساكين وأبناء السبيل فهذه مجرد موارد للصرف ومصارف للخمس والمدار في الصرف عليهم إذن من بيده الولاية كالنبي أو الإمام المعصوم أو الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

الوجه الثاني يأتي عليه الكلام.


[2] جواهر الكلام، ج16، ص155.
[3] جواهر الكلام، ج16، ص87 و 88.
[4] ص155.
[6] وسائل الشيعة، ج9، ص527، الباب1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo