« فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس مائة وثلاثة وثمانون: الأدلة على أن المراد مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل

موضوع: الدرس مائة وثلاثة وثمانون: الأدلة على أن المراد مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل

 

الأدلة التي أقيمت على أن المراد من الأصناف الثلاثة هو مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل.

ذهب المشهور بل ادعي تسالم الأصحاب على اختصاص الأصناف الثلاثة بخصوص قرابة النبي وابن وأحفاده، وفي مقابل هذا القول يوجد قول ذهب إليه بعض العامة، وهو أن المراد مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل لا خصوص السادة والأشراف منهم، ويدل على ذلك عدة روايات نقتصر على ذكر ثلاث منها:

الرواية الأولى صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ وقد جاء فيها: «فهذا بمنزلة المغنم كان أبي ـ عليه السلام ـ يقول ذلك، وليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول وسهم القربى، ثم نحن شركاء الناس فيما بقي»[1] .

لكن هذه الرواية وإن صحت سنداً لكنها ليست تامة الدلالة لأن قوله ـ عليه السلام ـ : «ليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول وسهم القربى ثم نحن شركاء الناس فيما بقي» يدل على أن سهم الله تعالى لا يكون للإمام ـ عليه السلام ـ بل يصرف في مصالح الناس وهذا مخالف لما عليه المذهب الإمامي ولم يقل به أحد بل هو موافق للعامة.

كما يوجد احتمال آخر في توجيه الرواية بأن يكون المراد من في قول الإمام ـ عليه السلام ـ : «نحن شركاء الناس فيما بقي» هو خصوص صنف المنتسبين إلى بني هاشم أي السادة النجباء والأشراف، وإنما عبر بلفظ الناس إيهاماً بموافقة مشهور العامة الذين ذهبوا إلى مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

وهذا الاستظهار يقوى إذا استظهرنا أن الإمام كان يعيش ظروف التقية.

ولو لم نستظهر أن المراد بالناس هو خصوص السادة بل قلنا أن المراد بالناس هو مطلق الناس فحينئذ تحمل هذه الرواية على التقية لأنها موافقة للعامة الذاهبين إلى أن سهم الله تعالى يصرف في مصالح المسلمين وأن السهام الثلاثة أي سهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل لا تختص ببني هاشم بل تشمل مطلق الناس.

وهذا من موارد التعارض عندنا روايات تقول المراد به خصوص سادة ورواية يفهم منها مطلق الناس والرواية التي يفهم منها مطلق الناس موافقة للعامة فتأتي مقبولة عمر بن حنظلة: «يأتي عنكم الخبران المتعارضان فبأيهما نعمل» ومن ضمن المرجح «خذ بما خالف العامة فإن الرشد في خلافهم».

إذا الرواية الأولى وإن كانت صحيحة السند وفي مقابل الروايات التي أكثرها بل ادعى سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي أنها كلها ضعيفة السند عدا صحيحة ربعي لكن عمل بها الأصحاب حتى ادعي التسالم فالرواية الأولى لا يمكن العمل بمضمونها.

الرواية الثانية صحيحة ربعي المتقدمة ففي صحيح ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزّ وجل لنفسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعاً، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ»[2] .

وموطن الشاهد قوله: «ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقه» فهذه الصحيحة تدل على أن تقسيم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ للأخماس واقع على جميع الناس لا خصوص السادة من ذريته، وذلك لعدم وجود اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم في ذلك الوقت، ما كان عنده الذرية النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في وقت هذه الرواية حتى يكون تقسيم النبي للخمس واقعاً على أبنائه، فلا مناص من كون تقسيمه واقعاً على الأصناف الثلاثة من غير أبناءه.

واضح تقريب الاستدلال؟!

الرواية أن النبي يقسم الخمس على اليتامى والمساكين.. في وقت تقسيم النبي السادة ما كان السادة موجودين يعني سادة من أبناء فاطمة ـ سلام الله عليها ـ .

هذا الآن إذا قلنا من ذريته هو لا من مطلق بني هاشم وهو النظر إلى كنانة هذا يأتي بعد ذلك بحثه أنه ما المراد بالهاشمي أو السيد؟ وهل الذي أمه هاشمية يستحق الخمس؟ كما ذهب إليه صاحب الحدائق أو لا؟

يعني هذا الآن يتم الاستدلال لو سلمنا جدلاً أن المراد خصوص أبناء النبي من فاطمة ـ عليها السلام ـ.

وفيه: هذه الرواية حكاية عن فعل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من دون تفصيل لما فعله ولم تبين كيفية تقسيمه، فلعل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يعطي لكل صنف كان موجوداً منهم وإن كان قليلاً ثم يقسم ما زاد على غيرهم كما هو الشأن في تقسيم الحاكم الشرعي.

وبعبارة أخرى: الرواية في مقام بيان أصل التقسيم وليست في مقام بيان كيفية وأنحاء التقسيم وأنه بنحو الشمول أو عدم الشموم، وهل هذا خاص ببعض الأفراد أو يشمل جميع الأفراد؟ الرواية ساكتة عن هذا.

الرواية الثالثة رواية زكريا بن مالك الجعفي وقد جاء فيها «وأما خمس الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أننا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل»[3] .

وفيه:

أولاً هذه الرواية ضعيفة السند.

وثانياً قاصرة الدلالة، وفيها مضامين لا يمكن العمل بها.

فقد فسر فيها القربى بأقربائه ـ صلى الله عليه وآله ـ وهذا موافق للعامة، وأما الشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلى أن المراد بذو القربى هو خصوص الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ .

كما أن الرواية قد فصل فيها بين اليتامى واشترط أن يكونوا من بني هاشم وبين المساكين وأبناء السبيل ولم يشترط فيهما أن يكونوا من بني هاشم، وهذا مخالف للمشهور بين العامة والخاصة معاً إذ ذهب مشهور الإمامية إلى أن المراد من الأصناف الثلاثة هم خصوص السادة منهم، وذهب العامة ومشهور العامة إلى أن المراد بالأصناف الثلاثة مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، فمضمون هذه الرواية مخالفة للعامة والخاصة.

مضافاً إلى ذلك فقد ذكر في الرواية أن سهمين من الخمس، وهما: سهم المساكين وسهم أبناء السبيل صدقةٌ ولا تحل لبني هاشم وهذا لم يقل به أحد، إذاً هذه الرواية ضعيفةٌ سنداً ودلالة.

النتيجة النهائية:

هذه الروايات الثلاث في نفسها غير صالحة للدلالة على أن المراد هو مطلق اليتامى المساكين وأبناء السبيل، ولو تنزلنا جدلاً وقلنا بتماميتها سنداً ودلالة كما في الرواية الأولى والثانية أو دلالة فقط كما في الرواية الثالثة فإن مضمونها لا يقاوم الطائفة الأولى فهذه الثلاث مخالفة للمشهور وموافقة للعامة فيجب طرحها، والمتعين هو العمل بما ذهب إليه المشهور بل ادعى عليه الإجماع بل التسالم، والله العالم.

هذا تمام الكلام في هذه النقطة.

«تعيين نوع الحق في السهام وأنه بنحو الملك أو المصرف».

قلنا ذهب المشهور إلى تقسيم الخمس إلى ست سهام، ووقع الكلام أن هذه السهام الستة هل هي من باب الملكية كسائر الأملاك التي تورث؟ فالقسم الأول ملك لله، والقسم الثاني ملك للرسول، والقسم الثالث ملك للإمام، وهذه الأقسام الثلاثة يعبر عنها بسهم الإمام أو حقّ الإمام إذ أن من له ولاية التصرف فيها هو الإمام المعصوم عليه الذي هو صاحب الإذن في حقّ الله والرسول والإمام ـ عليه السلام ـ .

كما أن الأصناف الثلاثة يملكون النصف الثاني من الخمس وهم يتامى السادة ومساكين السادة وأبناء سبيلهم، وهذا ما يعبر عنه بسهم السادة النجباء، فيقسم الخمس إلى قسمين:

سهم الإمام يشمل الأقسام الثلاثة الأول: سهم الله والرسول والإمام.

وسهم السادة يشمل اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

القول الثاني هذه السهام الستة من باب المصرف، فالخمس حقّ واحد هو حق الله تبارك وتعالى، وهذا الحق يصرف في شؤون ولاية الله ومصالح المسلمين، وهناك طولية لا عرضية فالحق أولاً لله تبارك وتعالى ويتفرع عليه حقّ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم يتفرع عليه حقّ الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ، وما ذكر من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من السادة النجباء فهذا مصرف للخمس الذي هو حقّ الله تبارك وتعالى.

وبالتالي لا يورث السيد مصرف من مصارف السادة لا أنه يملك الخمس قولان في المسألة، كما أنه لو قلنا بالملك وأن الإمام يملك، هل هو يملك باعتبار المنصب أو يملك كشخص؟ فالإمام حينما يملك الخمس هل يملكه كشخص بحيث يورث إلى ذريته؟ أو يملكه باعتبار منصب النبوة أو الإمامة فلا يورث وإنما يملكه للصرف في موارده؟

ظاهر الأصحاب القول الأول وهو أن السهام من باب الملكية لا من باب المصرف، بل في جواهر الكلام القطع به تبعاً للمحقق الحلي صاحب الشرائع حيث قال صاحب الجواهر ما نصّه:

«نعم، ما كان قد قبضه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو الإمام ـ عليه السلام ـ من الأسهم السابقة ينتقل إلى وارثه ضرورة صيرورته حينئذ» يعني عندما قبضه «كسائر أمواله التي فرض الله تقسيمها على الوارث.

واحتمال اختصاص الإمام ـ عليه السلام ـ به أيضاً لقبض النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ له مثلاً بمنصب النبوة أيضاً باطلٌ قطعاً، إذ هو وإن كان كذلك لكنه صار ملكاً من أملاكه بقبضه، وإن كان سببه منصب.

وفرق واضح بينه وبين انتقال الاستحقاق السابق للإمام»[4] .

وظاهر هذا المقطع الأول لصاحب الجواهر أن الخمس ملك لشخص الإمام وليس ملكاً لمنصب الإمام كما أن الخمس ملك لشخص النبي وليس ملكاً لمنصب النبوة.

ويوجد مقطع ثانٍ لصاحب الجواهر عند تعرضه للزوم إيصال الخمس إلى الإمام ـ عليه السلام ـ حال حضور المعصوم، فقال صاحب الجواهر ما نصّه:

«إن ذلك الظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم ـ عليهم السلام ـ وتحليلهم ـ عليهم السلام ـ بعض الناس منه وغير ذلك مما يومئ إلى أن ولاية التصرف والقسمة إليه ـ عليه السلام ـ وللأمر بإيصاله إلى وكيله ـ عليه السلام ـ في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة.

بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام ـ عليه السلام ـ وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له ـ عليه السلام ـ ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه وحللوا منه من أرادوا»[5] .

فظاهر المقطع لصاحب الجواهر عدم الخلاف في أن النصف للإمام ـ عليه السلام ـ من باب الملكية الشخصية وأن الحكم به قطعي وأنه لا يملك من جهة المنصب، ويظهر من المقطع الثاني أن عدم كون جميع الخمس للإمام ـ عليه السلام ـ وأن للإمام النصف مورد اتفاق الأصحاب.

هذا تمام الكلام في بيان القولين في المسألة، والمسألة يترتب عليها لزوم تقسيم الخمس إلى سهمين أو سهم واحد، فبناءً على القول الأول للمشهور يلزم تقسيم إلى قسمين: سهم للإمام يكون ملكاً للإمام المعصوم وسهم سادة يكون للسادة النجباء وبما أن الفقيه أو الإمام هو ولي أمر السادة فيتصرف عن السادة بالنيابة عنهم بما هو ولي عنهم.

بخلاف القول الثاني يكون الخمس كله حق واحد لله ولا يوجد في عرضه حق للرسول فضلاً عن المعصوم وبقية السادة وتكون هذه الموارد مصارف، وعليه الخمس مورده واحد حقّ الله، والمخول في التصرف فيه هو الإمام المعصوم أو نائبه بالحق وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ولا يلزم تقسيم الخمس إلى سهمين، والمتداول في الرسائل العملية من لزوم تقسيم الخمس إلى سهمين هذا بالنظر إلى ما ذهب إليه المشهور من أن السهام الستة بنحو الملكية لا بنحو المصرف.

هذا تمام الكلام في عرض القولين.

يبقى الكلام في أدلة القولين يأتي عليه الكلام.


[1] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص318، الحديث 375.وسائل الشيعة، ج9، ص520، الباب1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ، الحديث 12.
[2] تهذيب الأحكام، ج4، ص112، الحديث 364.الاستبصار، ج2، ص75، الحديث 186.وسائل الشيعة، ج9، ص510، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3، مع اختلاف يسير فيهما.
[3] وسائل الشيعة، ج9، ص509، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
[4] جواهر الكلام، ج16، ص87 و 88.
[5] جواهر الكلام، ج16، ص155.
logo