« فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس مائة وواحد وثمانون: فصلٌ في قسمة الخمس ومستحقه

موضوع: الدرس مائة وواحد وثمانون: فصلٌ في قسمة الخمس ومستحقه

 

المسألة من العروة الوثقى قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ :

«يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح سهم لله سبحانه، وسهم للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وسهم للامام ـ عليه السلام ـ ، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان ـ أرواحنا له الفداء وعجل الله تعالى فرجه ـ ، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل».

كتاب الخمس مؤلف من فصلين:

الفصل الأول في الموارد التي يجب فيها الخمس، وهي سبعة على المشهور، وقد مضى الكلام فيها كالغنيمة والكنز والغوص وأرباح المكاسب.

الفصل الثاني في المستحقين للخمس، المشهور بين الأصحاب والفقهاء شهرة كادت أن تكون إجماعاً هو تقسيم الخمس إلى ستة أسهم: سهم لله وللنبي والإمام وهو سهم الإمام ـ عليه السلام ـ وسهم للأيتام والمساكين أبناء السبيل وهو سهم السادة كثر الله أمثالهم.

فالمشهور هو تقسيم الخمس إلى ستة أقسام، ففي الجواهر «هذه الشهرة كادت أن تكون إجماعاً»[1] بل عن صريح الانتصار للمرتضى[2] وظاهر الغنية[3] وكشف الرموز[4] أو صريحهما دعوى الإجماع عليه، وعن مجمع البيان[5] وكنز العرفان[6] أنه مذهب أصحابنا، وعن الآمالي[7] أنه من دين الإمامية[8] .

لكن وقع في موردين:

المورد الأول هل هذه الأقسام خمسة أو ستة؟

المورد الثاني في تعيين المراد بذوي القربى والأيتام والمساكين وابن السبيل، فهل هم من خصوص السادة النجباء أو الأعم من ذلك؟

ولنشرع في تفصيل الموردين تباعاً كما يلي:

المورد الأول المشهور بين الفقهاء هو أن الأقسام ستة لكن نسب القول إلى ابن الجنيد الاسكافي أنها خمسة[9] ، نعم نسب المحقق الحلي ـ رحمه الله ـ هذا القول إلى القيل[10] ، كما أن الشهيد الثاني[11] ذكر أنه لم يعرف قائله، وأما العلامة الحلي في المختلف فقد حكى عنه قول المشهور، وربما يظهر الميل إلى هذا القول من صاحب المدارك[12] .

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة.

أدلة المسألة:

ذهب المشهور إلى أن الخمس يقسم ستة أقسام والمستند فيه واضح فهو موافق للآية الكريمة وهي قوله تبارك وتعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)[13] .

فيمكن التمسك بالآية الكريمة بلا فرق بين تفسير الغنيمة بخصوص غنيمة دار الحرب أو مطلق الفائدة، كما أن الظاهر من الأدلة المتكفلة لإثبات الخمس في سائر الموارد كالغوص والمعدن والكنز وغيرها أنها ناظرة إلى بيان الخمس المعهود والمذكور في الآية الشريفة.

كما يمكن التمسك بجملة من الروايات المفسرة للآية الكريمة، والتي ذكرت ستة أقسام، وإن كان الكثير منها ضعيف السند لكن يمكن أن يدعى وجود تواتر إجمالي لهذه الروايات بحيث يطمئن بصدور بعضها عن المعصوم ـ عليه السلام ـ .

والخلاصة: مستند المشهور هو ظاهر الآية الكريمة آية الخمس هو الروايات المفسرة لهذه الآية.

وأما مستند القول المخالف الذي ذهب إلى تقسيم الخمس إلى خمسة أقسام واستثنى سهم الله تبارك وتعالى، فمستندهم صحيح ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: «كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزّ وجل لنفسه ثم يقسم أربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعاً، وكذا الإمام يأخذ كما أخذ الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ»[14] .

وقد نوقش في التمسك بهذه الرواية بعدة مناقشات[15] ، وقد لخص شيخنا الأستاذ الداوري ما ورد من إشكالات السيد الخوئي والسيد الحكيم في كتابه[16] ، والمناقشات يمكن أن تكون في أمور:

الأول إن الحديث لو دلّ على الحذف فهو لم يدل على حذف سهم الله تبارك وتعالى بل يدل على حذف سهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ولم يقل بذلك أحد حتى ابن الجنيد الإسكافي الذي نسب له هذا القول.

ففي الرواية ما نصّه: «يأخذ خمس الله عزّ وجل لنفسه» فقد ذكر سهم الله وأن النبي قد أخذه لنفسه ولكن لم يذكر سهم النبي أو الإمام ـ عليه السلام ـ في هذه الرواية، والمنسوب إلى ابن الجنيد الاسكافي تقسيم الخمس خمسة أقسام باستثناء سهم الله دون سهم النبي والإمام ـ عليهما السلام ـ .

الثاني هذه الرواية تشير إلى فعل وعمل صدر من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والفعل دليل لبي وليس لفظياً يمكن أن يتمسك بإطلاقه ففعل النبي لا يدل على أنه ليس له سهم بل له أن يفعل ما يشاء في سهمه فلعل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد أعرض عن سهمه وبذل سهمه لسائر الأصناف، ولعله أمر آخر كالتوفير وتكثير ما يصيبهم ولا تنحصر العلة في أنه لا يوجد للنبي حصة خاصة في الخمس.

وأما ما ورد في ذيل الرواية من أن الإمام ـ عليه السلام ـ يأخذ كما أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فهو في مقام التشبيه في الأخذ لا التشبيه في كيفية التقسيم، ولو تنزلنا جدلاً وقلنا أنها دالة على التشبيه في كيفية التقسيم فإننا نقول أن العمل لا يدل على أن الإمام ـ عليه السلام ـ ليس له حصة وسهم في الخمس.

الثالث لو سلمنا وتنزلنا جدلاً وقلنا إن الرواية تامة الدلالة على ما ذكر فالخمس يقسم خمسة أقسام ليس فيها سهم لله تبارك وتعالى، فحينئذ نقول: إن هذا المضمون مخالفٌ للمشهور ولم يعمل المشهور بالرواية فهي رواية شاذة، كما أنها مخالفة للكتاب والسنة وموافقة للعامة حيث إن المشهور بينهم أن سهم الرسول يصرف على مصالح المسلمين كسهم الله عزّ وجل، وعليه لابد من طرح هذه الرواية ولا يمكن العمل بها.

هذا تمام الكلام في المورد الأول واتضح أن الصحيح هو تقسيم الخمس إلى ستة أقسام، والله العالم.

المورد الثاني في تعيين الأصناف، وهم: ذو القربى والأيتام والمساكين وابن السبيل، وقد نسب إلى ابن الجنيد الإسكافي أن المراد بذي القربى مطلق قرابة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لا خصوص الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ ومن حكمه كالصديقة الطاهرة السيدة فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ .

كما أن المراد بالأيتام والمساكين وابن السبيل هو مطلق الناس لا خصوص بني هاشم كما في المختلف[17] .

إذا يوجد قولان في المسألة، وكلا القولين موافق للعامة كما حكى شيخ الطائفة الطوسي عنهم ذلك في الخلاف[18] فقد قال في موضعه ما نصّه:

«عندنا أن سهم ذي القربى للإمام وعند الشافعي لجميع ذي القربى» إلى أن يقول: «دليلنا إجماع الفرقة»[19] .

وقال الشيخ الطوسي في موضع آخر:

«الثلاثة أسهم التي هي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الخمس يختص بها من كان من آل الرسول دون غيرهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إنها لفقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل رسول الله خصوصاً دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم»[20] .

الخلاصة:

يوجد في هذه المسألة دعويان:

الدعوة الأولى أن المراد بذوي القربى هو الإمام ومن بحكمه وهو قول الشيعة الإمامية، وفي مقابل ذلك قول العامة الذين يرون أن المراد بذوي القربى مطلق قرابة النبي وليس خصوص الإمام المعصوم.

الدعوة الثانية اختصاص الأيتام والمساكين وأبناء السبيل بقرابة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هذا هو قول الشيعة الإمامية، وفي مقابله قول العامة أن المراد مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء كانوا من السادة وقرابة أو من غيرهم.

ويقع الكلام في الدعوة الأولى أن المراد بالإمام هو خصوص الإمام المعصوم وليس مطلق ذوي القربى، يدل عليه عدة روايات:

الرواية الأولى صحيحة البزنطي عن الرضا ـ عليه السلام ـ قال: «سئل ـ عليه السلام ـ عن قول الله عزّ وجل (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى) فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: للرسول، وما كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فهو للإمام»[21] ، والرواية صريحة.

الرواية الثانية صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ في قول الله عزّ وجل (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى)، قال: «هم قرابة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والخمس لله ولرسول الله ولنا»[22] .

وغيرهما من الروايات المعتبرة التي دلت على أن المراد بذوي القربى هم خصوص الأئمة المعصومين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ .

هذا تمام الكلام في بيان الدليل على الدعوة الأولى تتمة الحديث تأتي.


[1] جواهر الكلام، المحقق الشيخ محمد حسن النجفي، ج16، ص84.
[2] الانتصار، المرتضى، ص87.
[3] الغنية، الجوامع الفقهية، ص507.
[4] كشف الرموز، ج1، ص269.
[5] مجمع البيان، الطبرسي، ج4، ص805.
[6] كنز العرفان، ج1، ص250.
[7] آمالي الصدوق، ص516.
[8] مصباح الفقيه، المحقق الشيخ آقا رضا الهمداني، ج14، ص200.كتاب الخمس، الشيخ الأنصاري، ص544.
[9] مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، ج14، ص203.
[10] في شرائع الإسلام، ج1، ص135.
[11] مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج1، ص470.
[12] مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، ج5، ص397.
[14] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص112، الحديث 364.الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج2، ص75، ص186.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص510، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3. مع اختلاف يسير فيهما، أي بين الوسائل والتهذيب والاستبصار.
[15] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، ج9، ص568.مستند العروة الوثقى، السيد أبو القاسم الخوئي، كتاب الخمس، ج25 من موسوعة الإمام الخوئي، ص311.
[16] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص309.
[17] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج3، ص201.
[18] كتاب الخلاف، ج4، ص216 و 217، المسألة 39.
[19] كتاب الخلاف، ج4، ص216، المسألة 39.
[20] كتاب الخلاف، ج4، ص217 و 218، المسألة 41.
[21] تهذيب الأحكام، ج4، ص111، الحديث 362.وسائل الشيعة، ج9، ص512، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 6، مع اختلاف يسير.
[22] الكافي، الكليني، ج1، ص616، كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 2.وسائل الشيعة، ج9، ص511، الباب1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 5.
logo