الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/11
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الجهة الثالثة شرط الحكم
يجب الخمس في مطلق الفائدة، ولكن متى يجب أداؤه؟ هل يجب أداؤه قبل المؤونة أم بعد المؤونة؟
والصحيح هو ثبوت وجوب الخمس بعد المؤونة، والمؤونة قسمين:
ولذلك تستثنى مؤونة التحصيل في سائر الخمس أنواع الخمس كاستخراج الكنز أو المعدن أو الحصول على الغنيمة وغير ذلك.
صحيحة علي بن مهزيار، وجاء فيها «كتب ـ عليه السلام» ـ الإمام الجواد «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عيالة وبعد خراج السلطان»[1] .
فإن السؤال كان عن مؤونة الرجل وعياله بعد المفروغية عن مؤونة نفس الصرف والتحصيل، والإمام الجواد ـ عليه السلام ـ أجاب بالشمول والعموم وأنه يعتبر استثناء مؤونة نفسه وعياله بالإضافة إلى مؤونة الضيعة، بل الإمام ـ عليه السلام ـ أكد هذا المعنى حينما ذكر في الأخير وبعد خراج السلطان أي أنه يستثني الضريبة التي يضربها السلطان على الأرض، فقد يتوهم أن المؤونة لا تشمل خراج السلطان والإمام ـ عليه السلام ـ أشار إلى أن جميع المصاريف التي تصرف على الأرض ينبغي أن تستثنى ومنها خراج السلطان فضلاً عن المؤونة التي يصرفها المزارع في زراعته.
صحيحة علي بن مهزيار أيضاً عن محمد بن الحسن الأشعري قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع، وكيف ذلك؟ فكتب ـ عليه السلام ـ بخطه: الخمس بعد المؤونة»[2] .
يحتمل في المراد بالمؤونة ثلاثة معاني:
وثبوت استثناء مؤونة التحصيل واضح على المعنى الأول إذ يراد بالمؤونة مؤونة التحصيل كما أنه واضح على الثاني وهو الأعم من مؤونة التحصيل والقوت إذ يشمل مؤونة التحصيل أيضاً، إنما الكلام في المعنى الثالث إذا حملنا لفظ المؤونة على خصوص مؤونة الرجل وعياله فقد يقال أنه لا يشمل مؤونة التحصيل.
صحيحة البزنطي قال: «كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة فكتب ـ عليه السلام ـ : بعد المؤونة»[3] .
تقريب الاستدلال في الصحيحة الثالثة كالصحيحة الثانية إذ أن لفظ المؤونة يحتمل فيه ثلاثة معاني: الأول مؤونة التحصيل، الثاني الجامع بين مؤونة التحصيل ومؤونة العيال، الثالث خصوص مؤونة العيال وتجري فيه الأولوية.
رواية محمد بن علي شجاع النيسابوري «أنه سأل أبا الحسن الثالث ـ عليه السلام ـ عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكي؟ فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً» يعني ذكر مؤونة التحصيل عمارة الضيعة ثلاثون كراّ «وبقي في يده ستون كراً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع ـ عليه السلام ـ : لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته»[4] .
إن استثناء مؤونة التحصيل قد وقع في كلام السائل حينما قال: «وذهب منه بسبب الضيعة ثلاثون كراً» وقرره الإمام ـ عليه السلام ـ على ذلك، بل أن الإمام ـ عليه السلام ـ أضااف استثناء مؤونة الرجل أيضاً فهذه الرواية تامة الدلالة، إلا أن الإشكال في سندها إذ أن ابن شجاع لم يثبت توثيقه فتصلح هذه الرواية للتأييد.
معتبرة أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد قال: «كتبت جعل لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها؟» إلى أن قال «فكتب: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد غرام أو جائزة»[5] .
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن مطلق التجارة ليس متعلقاً للخمس بل متعلق الخمس هو خصوص ربح التجارة، إذ قال ـ عليه السلام ـ : «في تجارة من ربحها» كما أنه بالنسبة إلى الزراعة لا يثبت الخمس في مطلق الحرث بل في خصوص الحرث بعد الغرام أي ما يغرمه وما ينفقه، والخسارة التي يصرفها على الحرث.
فهذه الرواية تامة الدلالة لكن الكلام في سندها ويزيد مشترك فيحمل على الأشهر وهو يزيد بن إسحاق شعر ولم يثبت توثيقه، لكن يمكن توثيقه بناء على وروده في أسانيد كتاب نوادر الحكمة ولم يستثنى[6] .
يبقى إشكال وهي أن هذه الرواية مضمرة لم يذكر فيها اسم الإمام كتبت فكتب، الكاتب واضح يزيد لكن من الذي كتب إليه؟ هذه الرواية مضمرة، ولكن يمكن حملها على الإمام ـ عليه السلام ـ بقرينة قول السائل: «جعلت لك الفداء» وهذا في لسان الرواة يذكر في حقّ الإمام فيمكن استظهار أن المسؤول هو الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ فيتم الاستدلال بها، وتعيين الإمام بلحاط طبقة الراوي.
قد يكتب إلى بعض العلماء في ذلك الزمان، يعني هذا يحتاج إلى بحث وتتبع هل في ذلك الزمان كان المألوف التوقيع والمكاتبة لخصوص الأئمة المتأخرين الإمام الجواد والهادي والعسكري ـ عليهم السلام ـ دون غيرهم من علماء العامة أو قضاة السلطة أو لا أم أنه كان إفتاء السلطان وقضاة السلطان كان من المتداول بينهم الكتابة والتوقيع هذا يحتاج إلى تتبع تاريخي حتى نثبت أن هذه قرينة ناقصة.
وهذا خاص بخصوص المورد السابع من موارد وجوب الخمس، ولا يشمل الموارد الستة المتقدمة، واستثناء مؤونة السنة في وجوب الخمس هو المشهور والمعروف بين الفقهاء، وفي الجواهر إنه صريح أكثر الأصحاب بل في المدارك نسبته إليهم مشعراً بدعوى الإجماع كنسبته في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا بل في السرائر دعواه صريحاً عليه غير مرة كظاهر إجماع غيرها[8] .
وبالتالي استثناء مؤونة السنة والعيال يحتاج إلى دليل لأن خروجه يكون خروجاً تخصيصيا بخلاف استثناء مؤونة التحصيل فإنه قد يدعى أنه حتى لو يقم الدليل على ذلك فهذا هو مقتضى القاعدة ولا نحتاج إلى دليل.
ويمكن أن يستدل على استثناء مؤونة السنة بوجهين:
صحيحة علي بن مهزيار فقد جاء فيها «عليه الخمس بعد ما مؤونته ومؤونة عياله» فقد تم التنصيص على مؤونة العيال[9] .
صحيحة علي بن مهزيار الأخرى جاء فيها ما نصّه «ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»[10] .
ومرجع الضمير في قوله ـ عليه السلام ـ «مؤنتهم» يرجع إلى الرجل وعياله لا إلى مؤونة الصرف لمن لاحظ سياق الرواية.
صحيحة علي بن مهزيار الطويلة الأولى وقد جاء فيها «ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته»[11] .
رواية النيسابوري فقد جاء فيها «لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته»[12] .
فإنها ظاهرة في مؤونة الرجل لا في مؤونة المال، وقد استثنيت مؤونة الرجل في سؤال السائل، وكان سؤاله عن الباقي بعد استثناء مؤونة التحصيل.
صحيحة البيزنطي قال: «كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة، فكتب ـ عليه السلام ـ بعد المؤونة»[13] .
وهنا نتمسك بإطلاق قوله ـ عليه السلام ـ «بعد المؤونة» فإنه كما يشمل مؤونة التحصيل يشمل أيضاً مؤونة الرجل والعيال في مؤونة.
وثانياً ماذا يراد بالسنة؟ هل السنة القمرية؟ السنة الشمسية؟ السنة الإفرنجية؟
فهذه أمور ينبغي أن تبحث يأتي عليها الكلام.