الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مقتضى الجمع بين الروايات إثبات وجوب الخمس لخصوص أرباح المكاسب
تم الكلام في المحور الأول يعني الأدلة التي أقيمت على ثبوت الخمس في مطلق الفائدة.
الكلام في المحور الثاني يعني الأدلة التي أقيمت على ثبوت الخمس في خصوص أرباح المكاسب دون مطلق الفائدة-يمكن الإستدلال بوجوه- الوجه الرابع
إن الروايات الواردة في المقام على قسمين:
ومن الواضح عدم تعلق الحكم بالعنوانين بأن يتعلق وجوب الخمس تارة بعنوان بمطلق الفوائد وتارة أخرى بعنوان أرباح المكاسب بحيث يكون لكل عنوانين دخل في وجوب الخمس بل وجوب الخمس حكم مجعول لأحد العنوان إما مطلق الفائدة وإما أرباح المكاسب، ومقتضى حمل المطلق على المقيد تعين القول بتقييد الفوائد بخصوص أرباح المكاسب لأن ظهور المقيد أقوى من إطلاق المطلق.
فهذه الرواية لا توجب قصر الحكم على المكاسب فقط بل الظاهر من كلمة يستفيد بحسب الظهور العرفي مطلق الفائدة وما يملكه الإنسان سواء كان ذلك بالتكسب والقصد أم بغير ذلك، خصوصاً إذا تمسكنا بما ورد في ذيلها من قوله ـ عليه السلام ـ : «من قليل وكثير من جميع الضروب» فإنه يؤكد أنها ناظرة إلى مطلق الفائدة لا خصوص مكاسب معينة.
والتعبير بـ «اكتسب الخمس بعد على كل امرئ غنم» واقع في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ لا في كلام السائل، فإذا حملنا قوله ـ عليه السلام ـ «غنم» بمعنى غنيمة الحرب فحينئذ يمكن استظهار التقييد من هذه الرواية المعتبرة فيكون الإمام ـ عليه السلام ـ قد أثبت الخمس لعنوانين: العنوان الأول غنيمة دار الحرب، والعنوان الثاني خصوص الاكتساب لا الكسب، ومطلق الفائدة كسب ولا يقال له اكتساب، والاكتساب ينصرف إلى ما يحصل بالقصد كالتجارة والزراعة والإجارة والصناعة.
ولو لم نلتزم بذلك وحملنا على غنيمة دار الحرب والاكتساب على خصوص التكسب للزم خروج بعض أقسام الخمس السبعة التي لا اكتساب فيها كالكنز فإنه لا اكتساب فيه، وبالتالي لا تكون هذه الرواية دالة على التقييد.
لذلك لأن هذه مصاديق بارزة وكان بناء المجتمع عليها ومدار المعيشة على تحققها بل يرى العرف شمول المقام لغيرها كالميراث والجائزة والهبة من باب أولى، وبالتالي لا تجري قاعدة حمل المطلق على المقيد.
مناط وجوب الخمس مطلق الفائدة، فالروايات بينت المصاديق البارزة والمتداولة لمعيشة مثل ماذا؟ التجارة والصناعة والزراعة فإذا كان مناط وجوب الخمس هو ماذا؟ مطلق ما يستفيده الإنسان من أوضح مصاديق دخول الفائدة الميراث والجائزة والهبة إذ عنوان الفائدة يصدق عليها بشكل أوضح من الاستفادة كالتجارة والصناعة والزراعة، فقد يقال في تلك إنه سعي نحو الفائدة بينما في الأمور التي تحصل مجاناً يطلق عليها أنها فائدة لا استفادة.
فقد يفرق العرف بين الفائدة والاستفادة وعنوان الفائدة يصدق على الجائزة والميراث بشكل أولى من الزراعة والصناعة والتجارة التي يصدق عليها أنها استفادة، ففرق بين الفائدة وبين طلب الفائدة الهمزة والسين والتاء تدل على الطلب استحمام يعني طلب الحمام استفادة طلب الفائدة فالتجارة يصدق عليها استفادة والجائزة يصدق عليها فائدة.
أول الكلام هذا الكلام في الاستظهار يعني إذا استظهرنا من هذه الروايات أنها ناظرة إلى مطلق الفائدة وذكر المصاديق كالتجارة من باب بيان المصادق البارزة التي عليها معيشة المجتمع آنذاك بعد هذا يخضع إلى وجدان الشخص بعد ما تقول له مصادرة هذا بوجدانه استظهر أنت بوجدانك قد لا تستظهر.
ولا ريب في أن هذا الظهور في مطلق الفوائد أقوى من الظهور في التقييد فالروايات الظاهرة في الإطلاق والتعميم لمطلق الفوائد أقوى ظهوراً من الروايات المشتملة على العناوين المذكورة الظاهرة في التقيد فمقتضى الجمع العرفي عكس ما ذكر فليس مقتضاه حمل المطلق على المقييد بل لابد من رفع اليدّ عن الظهور في التقيد وحمل هذه القيود على الغالب والمصاديق البارزة ويتعين الأخذ بالمطلقات.
هكذا أفاد شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ في كتاب الخمس في فقه أهل البيت[3] .
أقول الصحيح في ردّ الوجه الرابع أن ملاك حمل المطلق على المقيد لا يتحقق في المقام من ناحية علمية وصناعية، إذ أن حمل المطلق على المقيد فرع التنافي بين المطلق والمقيد، وهذا يحصل ويتم في الدليلين المتنافيين لا الدليلين المثبتين.
ولتوضيح الفكرة نقول وبالله المستعان وإليه المرجع وعليه التكلان لو جاءنا نصّ يقول: أكرم العالم وجائنا نصّ يقول: لا تكرم الفاسق، فإن الدليلين يتنافيان في مادة الجمع وهي العالم الفاسق فإطلاق أكرم العالم يشمل الفاسق وإطلاق النهي في لا تكرم الفاسق يشمل العالم الفاسق، فتكون النتيجة حمل المطلق على المقيد وتكون النتيجة هكذا أكرم العالم إلا الفاسق منهم.
ولكن لو جاءنا دليلان مثبتان كما لو قال: أكرم العالم، وجاء الدليل الثاني وقال: أكرم الهاشمي، فهل يتنافى الدليلان في مادة الجمع وهو الهاشمي أو لا؟
الرواية الأولى تدول على استحباب زيارة الحسين ـ سلام الله عليه ـ والرواية الثانية تدل على استحباب زيارة الإمام الحسين ليلة الجمعة، وكلاهما مثبت لا أن الأول يثبت زيارة الحسين والثاني ينفي زيارة الحسين فيحمل على تعدد المطلوب، فنقول: وفقاً للرواية الأولى تستحب زيارة الحسين مطلق ووفقاً للرواية الثانية تستحب زيارة الحسين في خصوص ليلة الجمعة، فيصير مقتضى الجمع هو استحباب زيارة الحسين مطلقاً ويتأكد ذلك ليلة الجمعة.
وهذا مبدأ مهم في الصناعة الأصولية في حمل المطلق على المقيد إذ أن التنافي بين المطلق والمقيم إنما يكون في الدليلين المتنافيين أحدهما يثبت والآخر ينفي ولا يكون في الدليلين المثبتين فإذا كان الدليلان مثبتين يحمل ذلك على تعدد المطلوب.
هذا هو الوجه الفني في معالجة الموقف في المقام.
فلا توجد عندنا رواية تقول متى يصير التنافي؟ إذا الدليل الأول قال: يجب الخمس في أرباح المكاسب كالصناعة والتجارة والزراعة، وجاءنا دليل آخر يقول: لا يجب الخمس في مطلق الفائدة.
في هذه الحالة نرفع اليد عن مطلق الفائدة، ولكن لا يوجد دليل يقول: لا يجب الخمس فيه مطلق الفائدة، والروايات التي دلت على ذلك لها مخارج في كون الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام التخفيف عن شيعته.