الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/04/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الخمس- الإشكال الثاني إجمال معنى المغنم
والمعنى الثاني أعم من الأول فهو يشمل الكنز والغوص والمال المطروح في الصحراء بل يشمل كل ما يحصل عليه الإنسان مجاناً وبلا مشقة وبلا توقع. نعم، لا يشمل أرباح المكاسب وما يحصل عليه الإنسان من التجارات والصناعات والإيجارات وسائر الفوائد التي يحصل عليها الإنسان بالطرق المتعارفة كالزراعة والتجارة والإجارة.
خلاصة المعنى الثاني الفائدة التي يحصل عليها الإنسان بلا مشقة ولا توقع.
فالمعنى الثالث أعم فهو يعم مطلق الفائدة والربح ويعم الاكتساب ومطلق الفوائد أي حتى الفائدة التي يحصل عليها الإنسان من دون تكسب كالهدية والهبة.
والمتتبع لاستعمالات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يجد شيوع استعمال مفردة الغنم في المعنى الأول غنائم دار الحرب أو المعنى الثاني الفائدة التي يحصل عليها بلا مشقة.
كما أنه لو رجعنا إلى كلمات اللغويين فإننا سنجد أن أكثر كلمات اللغويين تعرف الغنيمة بالمعنى الثاني وهي الفائدة التي يحصل عليها الإنسان بلا مشقة.
وعليه يمكن أن يقام إننا لا نحرز كون المعنى الثالث هو المعنى الحقيقي للفظ غنمتم الوارد في الآية الكريمة وعلى الأقل يدور معنى غنمتم في الآية الكريمة بين المعنى الأول غنائم دار الحرب وبين المعنى الثاني الفائدة بلا مشقة ولا يعم المعنى الثالث فلا يصح التمسك بالإطلاق المذكور.
إننا لا يمكن أن نتمسك بإطلاق لفظ غنمتم فهو مجملٌ ويدور أمره بين المعنى الأول والمعنى الثاني ولا يعم المعنى الثالث فإما نستظهر خصوص المعنى الأول أو الثاني دون ثالث ولا أقل من الإجمال فلا يصح التمسك بإطلاق الآية الكريمة لكي يعم الخمس أرباح المكاسب.
هذا الإشكال ذكره سيدنا السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في كتابه كتاب الخمس الجزء الثاني صفحة عشرة،[1] وذكره كملاحظة أولى على الاستدلال بالآية الكريمة واستوجب هذا الإشكال، وانتهى في نهاية بحثه إلى عدم إمكان الاستدلال بالآية الكريمة على مطلق الغنم.
وقد وافق في ذلك المقدس الأردبيلي ـ رضوان الله عليه ـ في مجمع الفائدة والبرهان الجزء الرابع صفحة ثلاثمائة وأحد عشر،[2] وزبدة البيان صفحة مئتين وثلاثة عشر.
وأيضا وافقهم السيد محمد العاملي سبط الشهيد الثاني في مدارك الأحكام[3] صفحة ثلاث مئة وثمانية وثلاثين من الطبعة الحجرية، وأيضاً جملة من المحققين مالوا إلى ذلك بل صرح الشيخ الطوسي في الخلاف أن الذي يثبت بالآية المباركة هو الخمس الغنائم خاصة وأما في سائر الاصناف والأرباح فيثبت بالسنة، يراجع كتاب الخلاف للشيخ الطوسي كتاب الزكاة صفحة مئة وثمانية وثلاثين[4] وكذلك السيد المرتضى مال إلى هذا الرأي الانتصار صفحة ستة وثمانين.
ومن هنا قال سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي في كتاب الخمس الجزء الثاني صفحة ثمانية وثلاثين[5] وهكذا عدم صحة الاستدلال بالآية على وجوب الخمس في هذا الصنف كما أكده المحقق الأردبيلي في مجمعه وزبدته ووافقه عليه صاحب المدارك وجملة من محققين.
والصحيح تمام الاستدلال بالآية الكريمة على مطلق الفوائد وخصوص المعنى الثالث خلافاً لسيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ ووفاقاً لشيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري في كتاب الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة ستة وخمسين إلى ثمانية وخمسين إذ أن هذا الاستدلال مخدوش بوجوه:
إن الإجمال المدعى بين المعنى الثالث والمعنيين الأولين مخالف لإجماع السنة والشيعة وإجماع الفريقين إذ أن الشيعة الإمامية وهم الخاصة يرون ظهور الآية الشريفة في المعنى الثالث هكذا ذهب أكثرهم، والعامة قصروا الآية على المعنى الأول خصوص غنائم دار الحرب، وأما المعنى الثاني الذي ذكره أكثر اللغويين فلم يقل به أحد.
فدعوى الإجمال خلاف التتبع لأقوال الفريقين وخلاف إجماعهم فلنتطرق إلى تفاصيل أقوالهم بشكل موجز ولقد جمعها وأجاد وأفاد الشيخ حسين النوري الهمداني ـ حفظه الله ـ في كتاب الخمس في ضوء مدرسة أهل البيت من صفحة ستة إلى ما شاء الله إذ ذكر كلمات أعلام الشيعة وأعلام السنة وكلمات اللغويين فلنذكر ما يفيد المطلب باختصار.
أولاً نتطرق إلى آراء العامة.
فهؤلاء جميعا ذكروا اختصاص الغنيمة بخصوص غنائم دار الحرب أي قالوا بالمعنى الأول.
الغنيمة في اللغة: ما يناله الرجل بسعي ثم يقول: إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه، ولكن في الشرع قيد اللفظ بهذا النوع[8] .
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير:
الغنم: الفوز بالشيء، والغنيمة في الشريعة: ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر بالخيل والركاب
غنم في الأصل من الغنم بمعنى الربح وفسروها بما أخذ من الكفار قهر بقتال أو إيجاف.
قال في تفسير المراغي:
الغنم والمغنم والغنيمة ما يناله الإنسان ويظفر به بلا مقابل مادي وقوله: الغرم بالغرم أي يقابل به ثم قال ثم فسر الآية بقوله: ما غنمتموه من الكفار المحاربين إلى آخر الكلمات.
إذا كلماتهم واضحة في ذلك هذا بالنسبة إلى كلمات العامة.
الغنيمة: هي مطلق الفوائد وقال: ويمكن الاستدلال على وجوب الخمس في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما ذكرنا في كتب الفقه بهذه الآية لأن جميع ذلك يسمى غنيمة.[9]
قال المقداد السيوري في كنز العرفان في أحكام القرآن:
الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة واصطلح جماعة على أن ما أخذ من الكفار إن كان من غير قتال فهو فيئ وإن كان بقتال فهو غنيمة[10] .
قال: واصطلح جماعة هذا ناظر إلى جماعة يعني السنة.
والغنيمة في اللغة بل العرف الفائدة[11] .
وقال أصحابنا إن الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارة وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ويمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية فإن في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة.
ومعنى الغنيمة يشمل كل فائدة تصل إلى الإنسان فيجوز الاستدلال بالآية على وجوب الخمس فيها بهذا المعنى إلى آخر ما نقل، ويمكن تراجعونه في كتاب الخمس في ضوء مدرسة أهل البيت الشيخ حسين النوري الهمداني من الصفحة ستة إلى آخره.
الثاني إن الجمع بين المعنى الأول والمعنى الثاني هو جمع بين المتنافيين فالمعنى الأول يفسر الغنيمة بغنائم دار الحرب التي تؤخذ بالمشقة، والمعنى الثاني يفسر الغنيمة بالفائدة غير المتوقعة والتي يتحصل عليها بلا مشقة، إذاً لا يمكن الجمع بين المعنى الأول والمعنى الثاني.
ولو فسرنا الغنيمة بالمعنى الثاني كما عليه أكثر كلمات أهل اللغة للزم خروج المورد الأول وهو غنائم دار الحرب وبعض الموارد التي تستخرج بالمشقة كالغوص فإنه يستخرج بالمشقة، والمعادن فإنها تستخرج بمشقة فلو التزمنا بالمعنى الثاني لزم خروج ثلاثة موارد على الأقل وهي غنائم دار الحرب والمعادن والغوص، ولربما الكنز فالجمع بين المعنى الأول والثاني جمع بين المتنافين بخلاف المعنى الثالث فإنه يعم ويشمل المعنى الأول والمعنى الثاني.
وقد سلم به الخاصة وجملة من العامة الذين التزموا بأن الغنم في اللغة مطلق الربح والتزموا بالتقييد للإجماع.
الثالث إن دعوى استعمال مفردة الغنم أو الغنيمة في خصوص غنائم دار الحرب أو في المعنى الثاني دون الثالث دون إثباتها خرط القتات فمن يتتبع الآيات الكريمة يجد أنها استخدمت معنى الغنم بمعنى الفائدة، قال تعالى: ﴿فعند الله مغانم كثيرة﴾[13] .
وقد فسرها الخاصة والعامة بالفواضل والنعم والرزق والثواب الكثير.
تفسير مجمع للطبرسي الجزء الثالث صفحة مائة وستة وأربعين.[14]
تفسير الطبري الجزء الخامس صفحة مئتين وواحد وستين.
تفسير المنار محمد رشيد رضا الجزء الخامس صفحة مئتين وأربعة وتسعين.
التفسير الكبير للفخر الرازي الجزء أحد عشر صفحة خمسة.
وهكذا لو تتبعنا استعمالات مفردات الغنم في الأحاديث وأكثر المعاجم فإننا إن لم نقطع لكن نطمئن بكثرة استعمال مفردة الغنم في المعنى الثالث.
وقد تتبع شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ الأحاديث الشريفة وهو من أهل التتبع فوجد أكثر من سبعين مورداً قد استعمل فيها لفظ الغنم والغنيمة بالمعنى الأعم ولم يكن مختصاً بالمعنيين الأولين.
وأما المعاجم اللغوية فصحيح أن أكثر المعاجم اللغوية فسر الغنيمة بأنها الفائدة التي يتحصل عليها بلا مشقة، فلنقرأ جملة منها بشكل سريع، ولتراجع في كتاب الخمس مدرسة أهل البيت الشيخ حسين النوري الهمذاني صفحة واحد وعشرين واثنين وعشرين.
غنمت الشيء أغنمه أصبته غنيمة ومغنماً، والجمع الغنائم والمغانم والغنم والغرم بالغنم أي مقابل به فكما أن المالك يختص بالظلم ولا فيه أحد فكذلك يتحمل الغرم ولا يتحمله ولا يتحمل معه أحد.[15]
غنم بالكسر بالضم وبالفتح والتحريك وغنيمة وغنماً بالضم الفوز بالشيء بلا مشقة[16] .
الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة[17] .
الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة[18] .
الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة[19] .
قال في أقرب الموارد:
غنم الشيء فاز به بلا مشقة وناله بلا بدل[20] .
غنم الشيء غنماً فاز به.
قال في مجمع البحرين فخر الدين الطريحي:
الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة المنجد غنم الشيء يغنم فاز به له بلا بدل[21] .
إذاً أكثر كلمات اللغويين ناظرة إلى الفائدة بلا مشقة وبدال. نعم، لعل الصحيح ما في مجمع البحرين <الغنيمة هي الفائدة المكتسبة> فلو التزمنا بأن الغنيمة هي الفائدة من دون مشقة يلزم خروج غنائم دار الحرب التي هي أبرز مصداق للغنيمة.
ولو سلمنا وتنزلنا أن المراد بالغنيمة خصوص المعنى الأول غنائم الحرب كما عليه العامة أو خصوص المعنى الثاني الفائدة بلا مشقة كما عليه أكثر كلمات اللغويين فإن هذا لا يضر ببحثنا أيضاً لأن الوارد في الآية لفظ غنمتم وهو الفعل وليس لفظ الغنيمة، ولم يدعي أحد أن لفظ غنمتم ولفظ الغنم خاص بخصوص المعنى الأول وهو غنائم دار الحرب أو المعنى الثاني ما يؤخذ بلا مشقة، فنتمسك بإطلاق لفظ الغنيمة.
وبالتالي يكون الدليل منحصراً بالسنة كما عليه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، وهذا قد يقال إنه لا يتلائم مع كون القرآن تبياناً لكل شيء بخلاف كون المغنم هو المعنى العام فتكون الآية تبيان لموارد الخمس المختلفة، ولكن هذا مؤيد وليس ماذا؟ يعني أقرب للاستشعار ولا يشكل دليلاً، والله العالم.
الوجه الثاني التمسك بالآية بالرجوع إلى الروايات المفسرة للآية الكريمة.