الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/04/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: جلسة119.كتاب الخمس- أدلة المسألة (الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة من أرباح المكاسب)
وقد استدل على وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة من أرباح المكاسب بالكتاب والسنة والإجماع والسيرة العملية القطع المتصلة بزمن المعصومين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ .
ولنبدأ بكتاب الله فقد استدل على وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة بقوله تبارك وتعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾[1] .
ويمكن تقريب الاستدلال بوجهين:
ولنشرع في بيان الوجه الأول إن الآية الكريمة تدل على وجوب الخمس بشكل مطلق في جميع ما يغنمه الإنسان، والغنم في اللغة هو الفوز بالشيء، ولو راجعنا كتب اللغة لوجدنا أن بعضها يعرف الغانم بأنه الفوز بالشيء بلا مشقة[2] .
لكن لو راجعنا مجمع البحرين لفخر الدين الطريحي لوجدنا أنه يعرف الغنيمة بأنها الفائدة المكتسبة[3] .
والظاهر أن هذا التعريف هو الصحيح لأنه يشمل الفائدة التي تتحصل بالمشقة كالغنيمة الحربية، والفائدة التي لا تتحصل بالمشقة وإنما قد تكتسب بيسر وسهولة، فلو اعتبرنا قيد بلا مشقة الوارد في لسان العرب والقاموس المحيط وتاج العروس لخرجت الغنيمة الحربية من مصاديق الغنيمة، وهي أبرز مصداق لعنوان الغنيمة.
وقد اعترف بإطلاق لفظ الغنيمة جملةٌ من مفسري العامة، وقالوا: إن معنى الغنيمة في اللغة ولكنهم ذهبوا إلى الاختصاص بالغنائم الحربية تمسكاً بالإجماع عند فقهاء أهل السنة.
فقالوا إن العرف الشرعي هو الذي أوجب تقييد لفظ الغنيمة بهذا المعنى وهو خصوص الغنيمة الحربية[4] .
هذه تفاسير أربعة ـ ذكرت في الحاشية ـ قوية لعلماء أقوياء عند أهل السنة والعامة وقد نصوا واعترفوا أن لفظ الغنيمة مطلق يشمل مطلق الغنيمة ومطلق الفائدة المكتسبة سواء كانت غنيمة حربية أو لا لكنهم خصصوها بخصوص غنائم دار الحرب ركوناً إلى الاتفاق والإجماع عند العامة.
ثم إن هذا البحث في لفظ الغنيمة ولكن لو دققنا النظر في الآية الكريمة فإنها لم تأتي بلفظ الغنيمة حتى يدعى انصرافها إلى خصوص غنائم دار الحرب خصوصا أن الآية في سياق الآيات التي ذكرت القتال فيتمسك بقرينة السياق.
إلا أن الآيات فيها نكتتان تستدعيان التعميم:
فإذا ثبت عموم هيئة غنم لمطلق الفائدة ثبت العموم لهيئة غنيمة على وزن فعيلة إذ لم يدعي أحد أن صيغة وهيئة فعيلة من مادة غنم ظاهرة في الاختصاص بالغنيمة الحربية.
لكن قد يقال أن كلتا هاتين النكتتين وهما التمسك باللفظ غنمتم أولاً والتمسك بلفظ من شيء ثانياً إنما يقيد بقيد القتال فيدعى وجود قرينة صارفة أو ما يحتمل القرينية.
أن الآيات السابقة على آية ثمانية وأربعين من سورة الأنفال كانت في مقام بيان القتال في سبيل الله وكذلك الآيات اللاحقة لآية واحد وأربعين فيتمسك بقرينة السياق نظراً لأن الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية الكريمة كانت ناظرة إلى القتال فيحمل لفظ ﴿غنمتم﴾ ولفظ ﴿من شيء﴾ على خصوص غنائم دار الحرب.
فالآيات المتقدمة على آيات القتال يستفاد منها التعميم ناظرة إلى الغنيمة بمعنى غنائم دار الحرب وناظرة إلى الغنيمة بشكل مطلق فهي من المال الذي يوجب الفتنة كالأولاد ويحتاج إلى تقوى <ومن يتق الله يجعل له فرقاناً>.
وإن أبيت وقلت إن هذه الآيات بعيدة آية ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين من سورة الأنفال بينما آيات القتال قبل آية واحد وأربعين وبعد آية واحد وأربعين فنتمسك بالقرينة السياقية القريبة من الآية فيقال: إن المورد لا يخصص الوارد، وهذه الآية وردت في خصوص غزوة بدر الكبرى أفهل يقال إنها خاصة بخصوص غنائم بدر الكبرى فهذا هو القدر المتيقن وقد نزلت في واقعة بدر فهل يلتزم بأنه لا يتعدى من غنائم غزوة بدر إلى سائر الغنائم ومطلق غنائم دار الحرب هذا لا يمكن القول به.
فالظاهر تمامية الاستدلال بالآية الكريمة على وجوب خمس ما يفضل عن مؤونة السنة من مطلق الفوائد والله العالم.
وقد نوقش الاستدلال بهذه الآية الكريمة على وجوب الخمس في مطلق أرباح المكاسب بأمور:
كما أنه لم يكن أحدٌ من المتصدين من بعده خصوصاً خليفته ووصيه بالحقّ الإمام علي بن أبي طالب وخصوصاً في زمن خلافته الظاهرية لم يتصدى لأخذ الأخماس من الأرباح والتجارات مع أنهم كانوا يبعثون العمال لجباية الزكاة فما هو سر هذا التفريق بين الأمر بجباية الزكاة وعدم المطالبة بالخمس؟!
ولا يوجد في كتب الحديث ولا كتب التاريخ عين ولا عين ولا أثر للمطالبة بالخمس، ولو كان ثابتاً متداولاً لنقل إلينا ولو كان لبان.
ولا يوجد دليل على وجوب الخمس في أرباح المكاسب منذ صدر الإسلام الأول رسول الله أبو القاسم محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى عهد الصادقين ـ عليهما السلام ـ الإمام الباقر والإمام الصادق فالروايات القليلة الصادرة الدالة على وجوب تخميس أرباح المكاسب كلها صدرت منذ عهد الإمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ وازدادت وتكثرت منذ عهد الإمام الجواد ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وأما ما قبل الباقرين فلا يوجد لهذا المطلب عينٌ ولا أثر.
ماذا تقولون في هذا الإشكال؟ إشكال نقضي.
وكذا رسائل النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لأشخاص معينين يأمرهم بأخذ الخمس من أقوامهم بل بعث بعض الناس إلى المناطق والبلدان المختلفة وولاهم أمر جمع الخمس، ومن ضمنهم أمير المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلين ـ حينما بعثه على اليمين.
وبالتالي دعوى عدم ثبوت هذا الحكم من صاحب الشرع وعدم تعيينه لمن يقبض الخمس كما هو الحال في الزكاة وعدم وجدان الروايات فيه إلى عهد الصادقين ـ عليهما السلام ـ في غير محلها ودون إثباتها خرط القتات إلى هنا رددنا الدعوة بالدعوة.
وأتذكر كنت في نقاش مع سماحة آية الله الشيخ محمد سند قبل حوالي خمسة وعشرين سنة أو عشرين سنة حول هذا الإشكال النقدي.
فقال: هذا غير صحيح وتوجد أدلة وقد جمعها المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين النوري الهمداني ـ حفظه الله ـ في كتابه الخمس في ضوء مدرسة أهل البيت طبعة بستان كتاب ثمان مئة وثمانية وتسعين صفحة قرابة ألف صفحة.
ولقد أفاد وأجاد في أجوبة الإشكالات المتوجهة إلى هذه الآية الكريمة وبحث الموضوع من ناحية روائية وتاريخية وأثبت ذلك بالأدلة فيمكن الرجوع إلى كتاب الخمس في ضوء مدرسة أهل البيت.
مثلاً تتبع موارد استعمال مادة الغنم بأشكالها المختلفة من صفحة خمسة وعشرين إلى سبعة وثلاثين قبل ذلك تطرقت الآية واختلاف الإمامية والجمهور ويذكر آراء مفسري الإمامية وآراء مفسري الجمهور صفحة ستة وصفحة تسعة.
ثم ذكر صفحة ستة وتسعين كتب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى القبائل والملوك وفيها ذكرى الخمس بشكل مفصل.
ثم تلاعب أيدي المتأمرين بمسألة الخمس صفحة مئة وسبعة عشر.
ثم يذكر مسألة الخمس في زمن معاوية إلى زمن عمر بن عبد العزيز صفحة مئة وثلاثة وسبعين.
ثم مسألة الخمس في خلافة بني العباس صفحة مئة وسبعة وثمانين.
إلى أن يصل إلى قيام جمع من الشعراء في الدفاع عن أهل البيت وخمسهم صفحة مئتين وتسعة مثل: دعبل بن علي الخزاعي وأبو فراس الحمداني.
ثم يذكر قيام الإمام الصادق بتتميم ما ذهب إليه أبوه الإمام الباقر في مسألة الخمس صفحة مئتين وأربعين.
على العموم بحوث مفصلة تثبت أن مسألة الخمس كانت موجودة من عهد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم يبين منشأ الخلاف عدول الجمهور عن الطريق الذي عينه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ صفحة خمس مئة وسبعة وستين.
أصلاً هذا الكتاب كل هذا الكتاب ألف صفحة من أجل إثبات أن خمس أرباح المكاسب قد شرعه النبي أولاً وطالب به ثانياً ثم توالى الإعلام لتغييب هذه الفريضة الضائعة.
الأمر الثاني يأتي عليه الكلام.