الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/04/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: جلسة116. لو تملك الذمي من مثله بعقدٍ مشروطٍ بالقبض
المسألة خمسة وأربعين من العروة الوثقى قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ :
<لو تملك الذمي من مثله لعقدٍ مشروط بالقبض فاسلم الناقل قبل القبض ففي ثبوت الخمس وجهان أقواهما الثبوت>.[1]
هذه المسألة تتطرق إلى أنه حين المعاملة كان المشترى منه ذمياً، والمراد ليس بمسلم، ولا خصوصية للذمة فقد يكون كافراً حربياً ولكنه اسلم قبل إقباض الأرض، وإذا قلنا أن عقد البيع والشراء مشروط بالقبض ولا يتم إلا بالقبض فعند الإقباض يصدق عنوان الذمي اشترى أرضاً من المسلم، وإن كان عند بداية العقد وقبل القبض ذمياً أو كافراً حربياً، فإذا اشترى الذمي الأرض من الكافر مطلقاً سواء كان ذمياً أو حربياً فلا إشكال في عدم وجوب الخمس على الذمي إذا اسلم البائع بعد تمام البيع والقبض.
ولكن إذا كان إسلامه قبل القبض فهنا يوجد احتمالان:
فالقبض جزء من المؤثر لا أنه كاشف عن المؤثر فالقبض من مثيل ونظير القبول بالنسبة إلى الإيجاب في تأثير العقل فكما يصدق الانتقال من المسلم إذا كان الإيجاب في حال الكفر والقبول في حال الإسلام، فكذلك موطن بحثنا فيجب الخمس على الذمي نظراً لتحقق موضوعه وهو شراء الأرض وانتقالها من المسلم.
هذا كله بناءً على أن موضوع الخمس هو مطلق الانتقال لا خصوص البيع والشراء.
وأما إذا كان موضوع الخمس هو خصوص الشراء أي الأرض التي انتقلت من المسلم إلى الذمي عن طريق الشراء فقط دون مطلق المعاوضات أو مطلق الانتقام جموداً على ظاهر النص وقد قوى الماتن السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ هذا الشيء.
من أنه حتى لو التزمنا أن وجوب الخمس مختص بخصوص الشراء فإنه يمكن تصوير المسألة في بيعٍ يشترط فيه القبض.
بعض أنواع البيوع يشترط فيها القبض ماذا؟ مثل بيع الصرف في بيع الصرف لا يتم البيع إلا بالتقابض، بعد من أنواع البيع التي يشترط فيها القبض بيع السلم وهو تقديم المثمن وتأخير الثمن.
فيمكن فرض المسألة في بيع السلف وفي بيع السلام، بيع السلف تقديم المثمن وتأخير الثمن، بيع السلم بالعكس بيع السلم عكس بيع السلف.
فيمكن فرض المسألة في صورتين:
لكن هذا يتم بناء على عدم اعتبار وعدم اشتراط أن يكون الثمن من خصوص النقود كما هو المعروف بين الأعلام من أن الثمن لا يشترط أن يكون نقداً فيصدق على الأرض أنها ثمن فباع أحد الذميين مقداراً من الحنطة من صاحبه سلفاً وجعل الثمن الأرض.
واسلم المشتري قبل إقباضها فيصدق تملك الذمي الأرض من مسلم في شراء مشروط بالقبض ثمنا لا مثمناً، وحيث أن الظاهر عدم الفرق في تملك الذمي أرض المسلم بالشراء بين كون الأرض ثمنا أو مثمنا فمقتضى القاعدة هو وجوب الخمس على الذمي في هذه الصورة إذا كانت الأرض مبيعة له.
قال صاحب العروة:
<الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم>.[5]
تتطرق هذه المسألة إلى أن الذمي إذا اشترى الأرض من المسلم لكن المسلم اشترط على الذمي أن يبيعه الأرض على أن يبيعها الذمي من مسلم آخر.
والبحث في هذه المسألة يكمن في جهتين:
والمهم في بحثنا هو الجهة الثانية لكنها تترتب على الجهة الأولى.
الظاهر عدم الإشكال في صحة هذا الشرط لأنه شرط سائغ لم يحرم حلالاً ولم لم يحلل حراما فتشمله أدلة الشرط فعموم أدلة الشرط (المؤمنون عند شروطهم) يشمل هذا المورد، والنتيجة يثبت له الخيار لو تخلف الشرط.
وأما بيع الأرض ثانية على نفس المسلم البائع فهذا موطن خلاف، وفيه تفاصيل لا داعي للولوج فيها يمكن مراجعتها بالرجوع إلى الواضح في شرح العروة الوثقى الجزء السادس صفحة مئتين وأربعة عشر[6] تقرير الشيخ محمد الجواهري لبحث السيد الخوئي، وفي هذا البحث ناقش الشيخ محمد الجواهري ـ حفظه الله ـ ما ورد في تقرير الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي المستند في شرح العروة الوثقى تقرير بحث السيد الخوئي، وقال: إنه نسب إلى السيد الخوئي أنه استند إلى رواية والحال أن السيد الخوئي لا يرى هذه الفتوى والاستناد إلى هذه الرواية في مسألة أخرى ولا داعي أن أطيل وندخل في هذا البحث تقدرون تراجعون بالتوسعة.
الظاهر عدم سقوطه لأن الموضوع له هو مجرد تملك الذمي حدوثاً ولا يعتبر فيه البقاء كما تقدم، فاشتراط الخروج كنفس الخروج لا أثر له في سقوط الخمس عنه، والدليل مطلقٌ ولا وجه لدعوى انصراف الدليل عن ذلك، فالظاهر وجوب الخمس على الذمة وإن كان الذمي ملزماً ببيعها بمقتضى الشرط ويجب عليه أن يخرجها عن ملكه وفاءً للشرط الذي اشترطه عليه البائع المسلم.
<إذا اشترى المسلم من الذمي أرضاً ثم فسخ بإقالة أو بخيار ففي ثبوت الخمس وجهٌ لكن الأوجه خلافه حيث إن الفسخ ليس معارضة>.[7]
تتطرق هذه المسألة إلى أن المسلم لو اشترى الأرض من الذمي ثم فسخ المسلم عقد البيع أو طلب المسلم الإقالة من الذمي فأقاله وبالتالي رجعت الأرض إلى الذمي مرة ثانية بعد أن خرجت عن ملكه إلى ملك مسلم، فهل يجب على الذمي تخميس الأرض أو لا؟
يعني مرة ثانية الجواب: لا يجب على الذمي.
بعد ما رجعت إليه هو أولاً الذمي افترض الذمي اشتراها من مسلم وخمسها ثم باعها على مسلم والمسلم فسخ العقد أو أقال الذمي هذا إذا افترضنا أنه الذمي من قبله، أما إذا لا أصلاً الذمي ملكه هي أصلاً ورثها من أبيه مثلا يحتمل الوجهان،
وتبعه على ذلك شيخنا الأستاذ الدوري[8] ـ حفظه الله ـ إذ قال ما نصّه:
<وذلك لأن الفسخ سواء تحقق بالإقالة أو بالخيار لا يعد معارضة وتملكاً جديداً بل يعد إزالة للسبب الحادث، فلا يتحقق موضوع الانتقال من مسلم إلى الذمي حتى يجب عليه الخمس، سواء قلناه بأن الخيار فسخ من حينه أو من حين العقد بلا فرق بين أن يكون موضوع الخمس الأرض التي ملكها الذمي بالشراء أو بالمعاوضة أو بالانتقال>.
هكذا أفاد شيخنا الأستاذ ـ أيده الله ـ .
والصحيح إننا نتفق في النتيجة وهي عدم وجوب الخمس على الذمي، لكننا نختلف في مدرك النتيجة فعدم وجوب الخمس ليس لأن الفسخ أو الإقالة ليس معاوضة إذ أننا لم نلتزم باشتراط المعاوضة في ثبوت الخمس بل قلنا مطلق الانتقال سواء كان معاوضةً كالبيع والشراء أو هبة أو مطلق الانتقال كالإرث/ وشيخنا الأستاذ على هذا المبنى أيضاً.
فليس الملاك في عدم وجوب الخمس هو عدم كون الفسخ أو الإقالة من المعاوضات بل الملاك كل الملاك هو عدم كون الفسخ أو الإقالة من المملكات فلا يرى العرف ولا الشارع أن الفسخ أو الإقالة من موجبات التمليك.
والمدار في الأرض التي الذمي من المسلم أن الذمي يتملك الأرض بأحد موجبات التمليك وبأحد أسباب التمليك والمملكات، والفسخ أو الإقالة لا يصدق عليه أنه مملك من المملكات.
وقد ذكر هذا العنوان عنوان التمليك في تقرير الشيخ محمد الجواهري الواضح في شرح العروة الوثقى، الجزء السادس، صفحة مئتين وخمسة عشر وما بعدها، وهذا العنوان ذكره شيخنا الأستاذ مع العنوان الأول حيث قال:
<لا يعد معاوضة وتملكاً جديداً>.
فلا عبرة بالعنوان الأول أنه لا يعد معاوضة حتى لو لم يعد معاوضة لأن الخمس لا يترتب على عنوان المعارضة لكن المدار على القيد الثاني <وتملكا جديداً>
المسألة ثمانية وأربعين يأتي عليها.