< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع والثمانون: حكم أخذ العنبر من سطح الماء أو الساحل

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في كتاب العروة الوثقى المسألة السابعة والعشرون:

<العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه، وإن أخذ على وجه الماء أو الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان، والأحوط اللحوق، وأحوط منه إخراج خمسة وإن لم يبلغ النصاب أيضاً>.

أصل وجوب تخميس العنبر مما لا خلاف فيه بل قد يدعى عليه الإجماع، وإنما الخلاف في العنوان المأخوذ في وجوب تخميس العنبر.

قال صاحب الجواهر:

<لا خلاف في وجوب الخمس في العنبر[1] ، بل في المدارك والحدائق الإجماع عليه[2] ، كما أن ظاهر الغنية[3] أو صريحها تحقق الإجماع على وجوب تخميس العنبر وذلك لصحيح الحلبي>[4] .

إذا أصل وجوب تخميس العنبر مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في العنوان الذي يثبت له وجوب الخمس، ويمكن ذكر خمسة عناوين بل خمسة أقوال:

القول الأول العنبر عنوان مستقل ويجب فيه الخمس مطلقاً ولا نصاب فيه سواء أخرج من البحر بالغوص أو أخذ من سطح الماء أو أخذ من الساحل.

وهذا ظاهر النهاية للشيخ الطوسي[5] ، والوسيلة لابن حمزة[6] ، والسرائر لابن ادريس الحلي[7] الجزء الأول، ومال إليه السيد محمد العاملي في مدارك الأحكام[8] ، الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة[9] ، واستقربه المحقق السبزواري في كفاية الأحكام[10] .

القول الثاني العنبر داخل في عنوان الغوص مطلقاً فيراعى فيه نصاب الغوص.

وهو ظاهر الشيخ جعفر كاشف الغطاء[11] .

القول الثالث العنبر داخلٌ في عنوان المعدن مطلقاً فيعتبر فيه نصاب المعدن.

وقد نسب إلى المفيد في كتاب المسائل الغرية[12] .

القول الرابع التفصيل بين العنبر الذي يُخرَج من البحر فيدخل تحت عنوان الغوص ويعتبر فيه نصابه وبينما أخذ من سطح الماء أو الساحل فيدخل في المعدن ويعتبر فيه نصابه.

ونسب هذا القول إلى الأكثر ومنهم المحقق الحلي في شرائع الإسلام[13] ، وصرح به العلامة الحلي في منتهى المطلب[14] ، وكتاب تذكرة الفقهاء[15] .

القول الخامس والأخير العنبر إذا أخذ بالغوص فهو داخل تحت عنوانه ويعتبر فيه نصابه وإذا أخذ من وجه الماء أو الساحل فلا يلحق بالغوص كما هو القول الثاني ولا بالمعدن كما هو القول الثالث وكذلك الرابع بل له حكمٌ آخر مستقل وهو وجوب الخمس فيه مطلقاً أي من باب أرباح المكاسب، لعدم اندراجه تحت عنوان الغوص أو المعدن فلا يصدق عليه أحد العنوانين.

وهذا رأي السيد أبو القاسم الخوئي[16] .

إذاً يجب تخميس العنبر بلا خلاف لكن هل العنبر بنفسه وبعنوانه عنوان مستقل لوجوب التخميس مطلقاً كما عليه القول الأول أو من جهة عنوان الغوص كما عليه القول الثاني أو من جهة عنوان المعدن كما عليه القول الثالث أو التفصيل بينما أخذ بالغوص فيصدق عليه عنوان الغوص وما أخذ من سطح الماء أو الساحل فمن جهة المعدن كما عليه القول الرابع أو التفصيل في القول الخامس.

فالعنبر المأخوذ بالغوص يندرج تحت عنوان الغوص، وما أخذ من على سطح الماء أو على الساحل فلا يصدق عليه لا عنوان الغوص ولا عنوان المعدن بل عنوان أرباح المكاسب وجوهٌ بل أقوالٌ خمسة.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة.

مدرك الأقوال الخمسة

القول الأول وهو وجوب تخميس العنبر بعنوانٍ مستقلٍ مطلقاً فهو مقتضى إطلاق صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن العنبري وغوص اللؤلؤ، فقال: <عليه الخمس>[17] .

فظاهر هذه الصحيحة وجوب الخمس في العنبر وغوص اللؤلؤ مطلقاً خصوصاً أن عنوان غوص اللؤلؤ ورد معطوفاً على العنبر في الرواية وفيه إشعار بالمغايرة لأن الأصل في العطف هو التأسيس لا التوكيد.

إذاً يوجد عندنا عنوانان مستقلان:

العنوان الأول عنوان العنبر.

العنوان الثاني عنوان الغوص.

وبالتالي لا يعتبر في العنبر نصاب الغوص لأنه بعنوانه ثابتٌ، وهذا الإطلاق وإن ورد في كلام السائل ولكن الإمام ـ عليه السلام ـ لم يفصل في جوابه ولم يقيد الجواب بشيء آخر فلا مانع من التعويل عليه.

وأشكل الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه[18] قائلاً: إن عنوان العنبر بمفرده لا يدخل في الروايات الحاصرة فبعض الروايات أشارت إلى أن الخمس في خمسة أشياء.

وناقشه سيد أساتذتنا السيد الخوئي[19] قائلاً: إنه مدفوعٌ بعدم ثبوت الإجماع التعبدي على الانحصار ولا يوجد مانع من جعله عنواناً مستقلاً إذا ساعد الدليل على ذلك.

وقد التزم السيد الخوئي بعدم الحصر فتكون العناوين عنده تقريباً تسعة عناوين وإن اشتهر في كتاب الخمس ذكر سبعة عناوين[20] .

إذا مستند القول الأول التمسك بإطلاق صحيحة الحلبي.

وأما مدراك القول الثاني وهو أن العنبر يلحق بالغوص فلأنه يخرج من البحر فيلزم حينئذ إلحاقه بالغوص وإجراء حكم الغوص عليه واعتبار النصاب.

ويرد عليه إن العنبراء لا ينحصر إخراجه والحصول عليه بالغوص تحت الماء فلو كان إخراج العنبر منحصراً بخصوص الغوص داخل الماء أو البحر لتم هذا الوجه لكن العنبر قد يخرج بنفسه ويطفو على سطح البحر أو يرميه البحر على الساحل فلا يتم مدراك القول الثاني.

وأما القول الثالث فقد استدل عليه بوجهين:

الأول إن العنبر عين في البحر نظير عين الزاج والكبريت، وقد مضى الحديث في أن المعدن إذا ظهر على وجه الأرض فأخذ ترتب عليه حكم المعدن فكذلك هذا العنبر الذي موجودٌ في باطن البحر إذا خرج يترتب عليه حكم المعدن.

وفيه إن دعوى كون العنبر عيناً في البحر هو أحد المحتملات في تفسير حقيقة العنبر وهناك عدة محتملات قد مضى الحديث عنها وذكرتها كتب اللغة فلا يتم الوجه الأول.

الوجه الثاني إن العنبر له مكانٌ خاص يتكون فيه وهو البحر فيصدق على ذلك المكان أنه معدن أي منبت يعني منبت العنبر، وعلى ذلك يكون العنبر من المعادن.

وفيه إن صدق المعدن على البحر خلاف ما يفهم عرفاً فلو بنينا على ذلك لكان كل ما يوجد في البحر ويتكون فيه من المعادن كالسمك وسائر الحيوانات البحرية فإنها تتكون في البحر فينبغي عدها من المعادن، وهذا معلوم البطلان.

ولو سلمنا وجود فارق بين العنبر وسائر ما يتكون في البحر كالأسماك والحيوانات البحرية وقلنا بأن العنبر معدن فلا يمكن أن نلتزم بالإطلاق فلو أخذ هذا المعدن واستخرج بالغوص كان حكمه حكم الغوص لأن المعدن غير العنبر إذا استخرج من البحر بالغوص جرى عليه حكم الغوص فلابدّ من اعتبار نصاب الغوص.

وأما مدرك الدليل الرابع فإن شقه الأول وهو أنه إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكم الغوص تامٌ ويمكن القول به إلا أن شقه الثاني وهو أنه إذا طفى على سطح الماء أو رماه الساحل فإن حكمه حكم المعدن فهذا ليس بتامٍ لأنه لم يثبت أن العنبر من المعادن فالمتعارف عرفاً أن العنبر طيبٌ وعطرٌ من العطور لا أنه معدن من المعادن.

وأما مدرك القول الخامس للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وهو التفصيل بين العنبر الذي يخرج بالغوص فحكمه حكم الغوص وهذا الشق تامٌ وبين العنبر الذي يطفو على السطح أو يرميه الساحل فليس حكمه حكم الغوص والمعدن بل حكمه حكم تخميس مطلق الفوائد وسائر الأرباح.

فهذا الوجه من ناحية الصناعة متينٌ، ولكن صحيحة الحلبي مطلقةٌ وهي تقتضي وجوب تخميس العنبر مطلقاً.

وقد ذكر فيها عنوان العنبر في مقابل عنوان الغوص غوص اللؤلؤ فيظهر منها أن عنوان العنبر عنوانٌ مستقل وهذا ظاهر المغايرة بين عنواني العنبر وغوص اللؤلؤ فلا يرفع اليدّ عن إطلاق الصحيحة إلا بثبوت المقيد.

وقد جزم سيد أساتذتنا السيد الخوئي بوجود المقيد فإذا جزمنا بوجود المقيد في هذه الحالة نرفع اليدّ عن الإطلاق ونتمسك بالقيد وأن العنبر يجب تخميسه في خصوص ما إذا أخرج بالغوص فإن لم يخرج بالغوص شمله عنوان مطلق الفائدة ومطلق الأرباح.

لكن إذا شككنا في طروء المقيد فحينئذٍ تكون أصالة الإطلاق محكمة، وبالتالي نتمسك بإطلاق الصحيحة وعدم تقييدها للشكّ في طرق المقيد وبالتالي يثبت وجوب تخميس العنبر مطلقاً، ولا نشترط ولا نعتبر أي من النصابين لا نصاب الغوص ولا نصاب المعدن، وهذا القول لا يخلو من قوة وهو الأحوط، وإليه ذهبا شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[21] .

إذا القول الأول هو الصحيح إذ نتمسك صحيحة الحلبي الظاهرة في كون عنوان العنبر عنواناً مستقلاً.

هذا تمام الكلام في الرابع مما يجب فيه الخمس وهو الغوص، الخامس المال الحلال المخلوط بالحرام يأتي عليه الكلام.

 


[1] جواهر الكلام، ج16، ص44.
[2] مدارك الأحكام، ج5، ص377.الحدائق الناظرة، ج12، ص345.
[3] غنية النزوع، ج2، ص129.
[4] وسائل الشيعة، ج9، ص498، الباب7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[5] ج1، ص448.
[6] ص136.
[7] ج1، ص490.
[8] ج5، ص378.
[9] ج12، ص346.
[10] ج1، ص211.
[11] كشف الغطاء، ج4، ص203.
[12] مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، ج5، ص378.
[13] ج1، ص180.
[14] ج8، ص536.
[15] ج5، ص420.
[16] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص124.
[17] وسائل الشيعة، ج9، ص498، الباب7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[18] ج14، ص90.
[19] المستند في شرح الوثقى، كتاب الخمس، ص124.
[20] الواضح في شرح العروة الوثقى، الشيخ محمد الجواهري ـ حفظه الله ـ.
[21] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص474.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo