< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع والخمسون: حكم إخراج المعدن من الأرض العامرة المفتوحة عنوة

المسألة التاسعة قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين فأخرجه أحدٌ من المسلمين ملكه وعليه الخمس.

انتهينا بحمد الله عزّ وجل من القسم الأول والثاني ويقع الكلام في القسم الثالث.

القسم الأول المعدن الذي يستخرجه المالك من ملكه الشخصي.

القسم الثاني المعدن الذي يستخرجه المستخرج من ملكه غيره الشخصي.

القسم الثالث المعدن الذي يستخرجه المستخرج من الأرض المفتوحة بالقوة إذا كانت عامرة ولم تكن مواتاً.

والأرض التي فتحت عنوة كأرض العراق فهي لجميع المسلمين إذا كانت عامرة حال الفتح، وقد اختلف الأصحاب في حكم المعدن المستخرج من أرض الفتح العامرة إذا فتحت بالقوة والأقوال في ذلك ثلاثة:

القول الأول إنها من المباحات الأصلية فيملكها كل من أحياها، وقد نقل صاحب الجواهر أن هذا القول هو المشهور نقلاً وتحصيلاً.

جواهر الكلام جزء ثمانية وثلاثين صفحة مئة وثمانية.

بل قيل إنه يلوح من المبسوط للشيخ الطوسي والسرائر لابن إدريس الحلي نفي الخلاف فيه.

المبسوط الجزء الأول صفحة مئتين وستة وثلاثين والسرائر الجزء الأول صفحة أربعمئة واثنين وتسعين.

ونقل السيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة اتفاق الفريقين على ذلك.

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة الجزء السابع صفحة ستة وأربعين.

إذاً القول الأول ادعي عليه الشهرة بل الإجماع وهو أن الأرض من المباحات الأصلية فمن حاز شيئاً منها ملكه فيجب عليه خمس المعدن إذا بلغ النصاب.

القول الثاني إن المعادن تابعةٌ للأرض فتكون ملكاً للمسلمين لأن الأرض المفتوحة عنوة ملكٌ لجميع المسلمين.

وقد نسب هذا القول إلى جماعة منهم الحلي.

يراجع جواهر الكلام جزء ستة عشر صفحة مئة وتسعة وعشرين القول الثالث.

القول الثالث المعادن تكون ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ ونسب هذا القول إلى الشيخ المفيد والشيخ الكليني وسلار وعلي بن إبراهيم فقالوا إن هذه المعادن من الأنفال فتكون ملكاً للإمام ـ عليه السلام ـ خاصة.

يراجع جواهر الكلام للمحقق النجفي جزء ستة عشر صفحة مئة وتسعة وعشرين وأيضاً نفس جواهر الكلام جزء ثمانية وثلاثين صفحة مئة وثمانية.

إذاً هذه المعادن إما أن تكون من المباحات الأصلية كما عليه القول الأول فيثبت الخمس فيها إذا بلغت النصاب وإما أن تكون ملكاً لجميع المسلمين إذا قلنا إن المعادن تابعة للأرض المفتوحة وإما أن تكون من الأنفال فتكون للإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ خاصةً.

ثم إنه بناءً على القول الأول وهو أن المعادن في الأرض المفتوحة عنوة من المباحات الأصلية ويمكن تملكها لمن حازها نسأل هذا السؤال هل يختص التملك بالمسلم أو يشمل الكافر أو يفرق بينهما؟

إذاً يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول استخراج المسلم للمعدن من أرض المسلمين التي فتحت عنوة وكانت عامرة أيام الفتح.

المقام الثاني استخراج غير المسلم كالكافر للمعدن من أرض المسلمين التي فتحت عنوة وكانت عامرة أيام الفتح.

ونشرع في المقام الأول أصل المسألة وقلنا فيها أقوال ثلاثة فيما إذا استخرج المسلم المعدن من أرض المسلمين التي فتحت عنوة وكانت عامرة أيام الفتح.

قلنا توجد ثلاثة أقوال:

القول الأول إنها من المباحات الأصلية وهو القول المشهور وقد أدعي عليه الإجماع واستدل له بعدة وجوه تراجع في جواهر الكلام الجزء ثمانية وثلاثين من صفحة مئة وثمانية إلى صفحة مئة وتسعة، وقد رتبها ونقحها شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ في كتابه الخمس في فقه أهل البيت ـ عليهم السلام ـ الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وسبعة وأربعين.

يمكن الاستدلال على القول الأول بأربعة وجوه وكلها قابلٌ للمناقشة فيكون الاحتياط في محله إن لم تثبت هذه الوجوه الأربعة ويبدو من السيد الماتن أن بعض هذه الوجوه تامة لديه لذلك أفتى وقال ملكه وعليه الخمس فأفتى بأن مستخرج المعدن من الأرض المفتوحة عنوة وكانت عامرة يملك المعدن ويجب عليه تخميس المعدن لذلك نشرع في بيان هذه الوجوه الأربعة والمناقشة فيها.

الوجه الأول التمسك بالأصل لقوله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وهو يدل على أن ما في الأرض جميعاً يكون مباحاً للمؤمنين وهم فيها شرعٌ سواء سواءً مثل الماء والنار والكلئ فتكون المعادن من المباحات الأصلية وكل من حازها وأحياها فقد ملكها.

هذا مع عدم الدليل على الخروج عن هذا الأصل لأن عمدة الدليل أحد وجهين وكلاهما ليس بتام.

الوجه الأول الأدلة الدالة على أن هذه الأرض ملكٌ للمسلمين وهو غير تامٍ لأنها قاصرة عن الشمول لما في باطن الأرض فالمذكور في هذه الأدلة رقبة الأرض وأن منافعها وخراجها للمسلمين وأما ما في باطن الأرض من الأراضي التي فتحت عنوة فلم يرد فيه ولا رواية واحدة بأنها ملكٌ لجميع المسلمين.

الوجه الثاني السيرة العقلائية على إلحاق ما في باطن الأرض في الطبقات العالية بنفس الأرض وهذا أيضاً غير تامٍ لاختصاص السيرة في الأملاك الشخصية وهي القدر المتيقن وأما في غير الأملاك الشخصية كالأراضي المفتوحة عنوة التي تكون لجميع المسلمين أو الأراضي الموات ومن الموارد الأخرى غير الشخصية ما نحن فيه الأراضي التي مفتوحة عنوة فلم يثبت وجود هكذا سيرة على ما يستخرج من الأراضي المفتوحة عنوة فمقتضى الأصل بقاؤها على الإباحة الأصلية.

إذاً خلاصة الدليل الأول وجود المقتضي وعدم المانع، المقتضى هو التمسك بمقتضى الأصل (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) يعني أصالة الإباحة، وعدم المانع من أدلة روائية لفظية وأدلة لبية كالسيرة العقلائية فتكون النتيجة أن المعادن المستخرجة من الأراضي المفتوحة عنوة يتعامل معها معاملة المباح الأصلي.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول الذي قد يستدل به على ما نسب إلى المشهور.

وفيه إنه يكفي في الخروج عن الأصل نفس التبعية لملكية الأرض فإن المفروض أن الأرض مملوكة للمسلمين جميعاً وما في باطنها تابعٌ لها كسائر الأملاك السيرة القائمة على التبعية إذ لا فرق في السيرة العقلائية بين الأملاك الشخصية وما يملكه الإمام ـ عليه السلام ـ وما يملكه جميع المسلمين لأن الملاك في التبعية واحدٌ في الجميع وليس الملاك من جهة المالك ليس ملاك التبعية من جهة المالك أنه الإمام ـ عليه السلام ـ أو جميع المسلمين أو شخص واحد أو جماعة من الأشخاص وإنما الملاك هو أن ما في الأرض تابعٌ لها فيكون ما يستخرج من باطن الأرض تابعاً لها.

نعم يستثنى من ذلك مورد واحد وهو الأنفال فيستفاد من الروايات الشريفة أن الإمام ـ عليه السلام ـ قد أذن بالتصرف فيها بالإحياء في زمان الغيبة وهي ملكٌ له ـ عليه السلام ـ فتكون كالمباحات الأصلية ببركة إذن الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ فيصح استملاكها بالإحياء وكذلك ما في بطنها من المعادن وأما بالنسبة إلى الأراضي التي تكون ملكاً لجميع المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة فلم يرد الإذن فيها فيبقى الحكم فيها على التبعية.

إذاً النتيجة النهائية هي أن الأصل أصيل حيث لا دليل وحيث قد قام الدليل فإلى الأصل لا نميل، فنحن نسلم أن الإباحة هي مقتضى الأصل الأولي ولكن يوجد عندنا سيرة قائمة على التبعية ويوجد عندنا استظهار أن الأرض يلحق بها ما في باطنها وما في جوفها تابعٌ لها.

خرجنا عن هذا الأصل ولا نريد أن نقول خرجنا عن هذا الأصل وإنما نصّ على خصوص الأنفال فالأنفال يملكها المعصوم ـ عليه السلام ـ والمعصوم ـ عليه السلام ـ قد أذن في الأراضي الموات وفي الأنفال (مالنا لشيعتنا) فيجوز لك شيعي أحيا أرضاً مواتاً من الأنفال أو حازها يجوز له تملكها وبالتالي يملك ما في جوفها من المعادن.

وأما في غير الأنفال مثل الأرض التي هي للمسلمين جميعاً فهي تابعةٌ للأرض فإذا كانت الأرض والرقبة لجميع المسلمين فيكون ما يستخرج منها أيضاً لجميع المسلمين هكذا ناقش شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري الوجه الأول.

وفيه إن الجزم بإطلاق التبعية مشكلٌ جداً فنحن نسلم أن ظاهر الأرض في الأنفال للمعصوم ـ عليه السلام ـ وظاهر الأرض في الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين وظاهر الأرض في الأملاك الشخصية للمالك الشخصي.

كما أننا نجزم بأن بعض الأجزاء القريبة من ظاهر الأرض تابعةٌ للأرض كـعمق متر أو عشرة أمتار أو عشرين متر بحيث أنه إذا لم نلحقه بالأرض حصل الإضرار بالمالك وأما أعماق الأرض إلى التخوم فمن أين نجزم أنه تابعٌ لها؟!

وهذا ما قرره شيخنا الأستاذ فنحن نشكل عليه بما أفاده فيما مضى.

إذاً لبّ مناقشتنا لشيخنا الأستاذ فيما أفاده سابقاً من مبناه الذي هو مبنى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن الجزم بمطلق التبعية بحيث يشمل تخوم الأرض وعنان السماء أمرٌ مشكلٌ جداً.

ولو كان نظره كما أفدت فهذا ينافي نصّ كلامه صفحة ثلاثمئة وخمسين إذ قال وليس الملاك من جهة المالك فإنه لا فرق في التبعية بين كون المالك واحداً أو جماعة من الأشخاص كألف شخصٍ مثلاً أو أزيد أو الإمام ـ عليه السلام ـ وإنما الملاك هو الملكية والباطن تابعٌ له.

وقال قبل ذلك يقول هكذا فإن المفروض أن الأرض مملوكة للمسلمين وما في باطنها تابعٌ لها كسائر الأملاك بالسيرة القائمة على التبعية إذ لا فرق فيها بين الأملاك الشخصية وغيرها لأن الملاك في التبعية في الجميع واحدٌ.

إذاً لا فرق بين ملكية جميع المسلمين حتى نقول أنها أقوى وبين ملكية الشخص الواحد وبين ملكية الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ .

هذا تمام الكلام في الوجه الأول ومناقشته واتضح أن الوجه الأول وجيهٌ لكنه قابلٌ للتأمل خلافاً للشيخنا الأستاذ الذي يرى أن الوجه الأول ليس بتام.

لأننا يعني لا نستطيع أن نجزم بخروج ما في باطن الأرض كما أننا لا نستطيع أن نجزم بتبعية ما في باطن الأرض.

يعني هناك شبه اطمئنان أنه ظاهر الأرض وتوابعها أما ما في البواطن خارجٌ يعني في الباطن في تخوم الأرض ولكن الاحتياط حسن.

الخروج عن الخلاف أحياناً هكذا إذا مسألة فيها قولان أو ثلاثة ولم تجزم بوجهٍ.

أي هنا مقتضى الاحتياط التخميس يعني لا نفتي بوجوب التخميس بل نقول الأحوط وجوباً التخميس هذا يصير مقتضى الاحتياط يعني قال صاحب العروة ملكه وعليه الخمس نقول على الأحوط وجوباً ما نجزم إذا جزمنا بالتبعية يصير إفتاء بالملكية وبوجوب الخمس، إذا لم نجزم نحتاط وجوباً بالتخميس أما إذا جزمنا بالخروج إذا ما يملكه ولا يخمسه.

الوجه الثاني لقول المشهور التمسك بقيام السيرة القطعية المستمرة في سائر الأعصار والأمصار في زمان تسلطهم عليهم السلام وغيرهم على الأخذ من الأراضي المفتوحة عنوة من دون أخذ الأذن منهم عليهم السلام ولا من المسلمين لا في الأراضي الموات ولا في الأراضي العامرة المفتوحة عنوة المملوكة للمسلمين فإن بناء الشرع والعرف قد استقر على جواز استملاكها وحيازتها وذلك دليل على أنها باقية على الإباحة الأصلية وليست تابعة لرقبة الأرض وإلا لم يجز تملكها بدون أخذ الإذن من جميع المسلمين ومن دون أخذ مصلحة المسلمين.

إذاً توجد سيرة قطعية مستمرة على أنه من حاز ملك مطلقاً في الأراضي الموات وفي الأراضي المفتوحة عنوة.

وفيه إننا نسلم وجود هكذا سيرة متصلة في خصوص الأراضي الموات وروؤس الجبال وبطون الأودية وغيرها من الأنفال وأن من استخرج شيئاً من الأرض الموات ملكه من دون حاجة إلى إذن المعصوم ـ عليه السلام ـ لأن الإذن قد صدر من المعصوم ـ عليه السلام ـ في الأنفال.

إلا أن تعميم هذه السيرة إلى الأراضي الخراجية والأراضي التي فتحت عنوة وكانت عامرة غير تام إذ لم تثبت هذه السيرة بل صرح سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ قائلاً وليس ببعيد قيام السيرة على الخلاف.

يراجع المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة ثمانية وخمسين.

إذاً هناك دعويان في السيرة بالنسبة إلى الأرض الخراجية الأرض التي فتحت عنوة وكانت عامرة فالسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يقول دعوى قيام السيرة على الخلاف ليس ببعيد يعني أنه من حاز شيئاً من الأرض الخراجية لا يملكها وهذا خلاف دعوى الدليل الثاني قيام السيرة المتصلة على أنه من حاز ملك مطلقاً من أين هذا الكلام؟! فإذا أرض للإمام ـ عليه السلام ـ تدعي أنه من حاز ملك؟! من أين هذا الكلام؟!

نعم في خصوص الأنفال قلنا بأنه من حاز ملك لإذن الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ لشيعته في ذلك وهكذا في الأرض الموات من حاز ملك أما تعدية وتعميم هذه السيرة إلى الأراضي المفتوحة عنوة مشكلٌ جداً.

هذا تمام الكلام في الدليل الأول والثاني واتضح أن الوجه الثاني ليس بتام.

الوجه الثالث يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo