< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث العرفان

39/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الكشف والشهود

 

الدرس التاسع الكشف والشهود

إذا تقدم العارف في سيره وسلوكه إلى الله “عز وجل” أشرقت الأنوار الإلهية في قلبه وقواه الإدراكية وتفتح له أبواب المشاهدات والمعاينات والكشوفات فيصل إلى مستوى عال من الإدراك ويرى حقائق قد انكشفت له لم تنكشف له من قبل ﴿لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد﴾[1] ، المؤمن قد تخفى عليه الكثير من الأمور ولكن في البرزخ ويوم القيامة يكشف له الغطاء العارف الإلهي في طوال حركته السلوكية وسيره وسلوكه إلى الله تنكشف له الحقائق وتتفاوت هذه الحقائق باختلاف قربه وبعده من الله “عز وجل” وباختلاف استعداده الروحي وقابلياته.

تعريف الكشف

يقول الشيخ محمود القيصري في شرحه على خصوص الحكم لابن العربي يقول أعلم أن الكشف لغة رفع الحجاب يقال كشفت المرأة وجهها أي رفعت نقابها واصطلاحا هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية من خلال هذا التعريف تفهم ثلاثة أمور:

الأمر الأول أن الكشف نوع من الإدراك والفهم.

الأمر الثاني أن الكشف هو من الإدراكات والعلوم الشهودية والحضورية.

الأمر الثالث إن الكشف عن الحقائق يحصل من خلال إزاحة الحجب أمام السالك إلى الله.

 

أقسام المكاشفات

قسم القيصري المكاشفات إلى نوعين صوري ومعنوي وشرح بعد ذلك كل واحد منهما وقبل أن أقرأ نص كلامه لا بأس ببيان كلا الكشفين بنحو مبسط أما الكشف الأول وهو الكشف الصوري فهناك ثلاثة عوالم رئيسية عند الفلاسفة والعرفاء

العالم الأول هو عالم المادة الذي عبرنا عنه بعالم الناسوت

العالم الثاني عالم المجردات من المادة كعالم العقل وعالم الأرواح وهو الذي عبرنا عنه بعالم الجبروت

العالم الثالث وهناك عالم يتوسط بينهما ويتخللهما وهو عالم المثال

فعالم المثال هو العالم الذي ليس بعالم مادة محضة كما في العالم الأول عالم الناسوت وليس بعالم مجرد محض عن المادة كما في العالم الثالث عالم الجبروت العالم المتوسط هو عالم المثال عالم الصور الكشف الصوري يحصل في هذا العالم الأحلام والرؤى الصادقة تكون في هذا العالم مثلا الإنسان إذا نام ورأى رؤيا حلم حلما هنا هذا الإنسان له جسد مادي أو لا نعم له روح نعم لكن حينما الرؤيا هذه الرؤيا وهذا الحلم هل هو من المادة المحضة الجواب لا فليس من العالم الأول عالم الناسوت هذا الحلم هل هو عالم مجرد عن المادة ولا يتصل بالمادة الجواب لا الروح مرتبطة بالجسد مرتبطة بالمادة بالجسم جسم الإنسان فهنا قد يحصل للإنسان كشف معين هذا الكشف في عالم المثال يقال له الكشف الصوري والكشف في عالم المثال أو الكشف الصوري كما يحصل في النوم يحصل أيضا في اليقظة.

 

وأما كيفية الكشف

فالإنسان له حواس مادية خمسة وهي الباصرة كالعين الذائقة كالفم السامعة كالأذن الشامة كالأنف اللامسة كاليد وإلى جانب الحواس الخمسة الظاهرة توجد حواس خمس أخرى باطنة فالذي يبصر ليس العين الباصرة المادية فقط بل توجد حاسة باطنية عند الإنسان لذلك تجد بعض الناس عينه الظاهرية سليمة لكنه لن يرى أو انفه الظاهري سليم لكنه لا يشم ولسانه وفمه الظاهري سليم لكنه لا يذوق إذاً كما توجد حواس خمسة ظاهرة توجد أيضا حواس خمسة باطنة من خلال الحواس الباطنة تكشف له الأشياء في عالم المثال فيكون الكشف كشفا صوريا بخلاف الكشف المعنوي فالكشف المعنوي كشف بعيد عن عالم المادة والحواس إذ تكشف الحجب بأكملها فيرى العارف تلك الحقائق المجردة إذاً في الكشف الصوري لا تكون الكشوفات كشوفات مجردة بالكامل بينما الكشف في عالم المعنوية يكون من حقائق العالم المجرد وهناك عدة أنواع للكشف المعنوي نقرأها إن شاء الله.

الكشف الصوري

تعريفه كما في فصوص الحكم صفحة 107 وهو ما يحصل في عالم المثال عن طريق الحواس الخمس يعني كيف عن طريق الحواس الخمسة ما يحصل في عالم المثال يعني عالم الملكوت الذي يتوسط ويتخلل بين عالم الناسوت المادة وعالم الجبروت عالم المجردات عن طريق الحواس الخمس يعني الحواس الخمسة الباطنة فالعرفاء يقسمون العالم إلى ثلاثة أقسام:

عالم المادة وهو عالم الناسوت

عالم التجرد وهو عالم الجبروت

عالم المثال وهو عالم الملكوت

فيكون الإنسان ثلاث مراتب الحس هذا متعلق بالمادة التجرد متعلق بعالم التجرد والمجردات والجبروت والمثال وهو يتعلق بعالم المثال فبواسطة الحس والمثال والتجرد يدرك الإنسان الموجودات ويتعاطى معها والأحلام والمنامات التي يراها الإنسان هي درجة متدنية من عالم المثال والعرفاء يعتقدون أن الإنسان كما له حواس خمس ظاهرية كذلك يوجد له حواس خمس باطنية فإذا أدرك بالحواس الظاهرية كانت معرفته مختصة بعالم المادة وإذا أدرك بالحواس الباطنية أمكنه الاطلاع على ما فوق المادة والإنسان السالك نتيجة لجهوده في سيره وسلوكه إلى الله يدرك بحواسه الباطنية الحقائق الموجودة في عالم المثال المتوسط بين المادة والمجردات هذا الكشف قد يحصل له في اليقظة وقد يحصل له في النوم لكنه سواء كان في اليقظة أو في النوم يتعلق بالحواس الخمس الباطنية لا الظاهرية.

قال الإمام الصادق "عليه السلام" كتاب فلاح السائل للسيد ابن طاووس صفحة 108 و107 وأيضا ذكره الإمام الخميني في الأربعون حديثا صفحة 436 (ما زلت أكرر آيات الله حتى بلغت إلى حال كأنني سمعت مشافهة ممن أنزلها[2] على المكاشفة والعيان فلم تعم القوة البشرية بمكاشفة الجلالة الإلهية) هذا تمام الكلام في الكشف الأول الصوري

كشف المعنوي

الكشف الثاني كشف المعنوي عبارة عن ظهور المعاني الغيبية والحقائق العينية كما في شرح فصوص الحكم صفحة 10 الكشف المعنوي بعيد عن عالم المادة والحواس إذ تكشف الحجب فيرى السالك حقائق العالم المجرد.

الخلاصة الكشف الصوري موضوعه متعلقه عالم الصورة والمثال الكشف المعنوي موضوعه ومتعلقه عالم المجردات هناك عدة أقسام لهذا الكشف تدرس في محلها في الكتب المطولة في العرفان الأول الكشف الحدسي الثاني الكشف القدسي الثالث الكشف الإلهامي الرابع الكشف الوحي الخامس الكشف السري السادس الكشف الخفي والإخفاء.

دور المكاشفات في السلوك

المكاشفات من العنايات الإلهية الخاصة للسالكين وفي الكشف فوائد عديدة من أبرزها:

الأمر الأول أولا يتمكن السالك بواسطة الكشف من الاطلاع على نواقصه ويعرف مقامه ومنزلته.

الأمر الثاني يجعل الكشف السالك يستأنس بما هو فيه فيجتهد ويجد في السير والسلوك إلى الله.

الأمر الثالث الكشف يساعد السالك في الوصول إلى بعض المقامات التي لا يمكن له الوصول إليها إلا بالكشف.

طرق نفوذ الخطأ إلى المكاشفات وهذه مشكلة قد تكون وسوسة شيطانية فيتصور السالك أنها نفحة رحمانية فالمعرفة الشهودية والقلبية كالمعارف الأخرى المعرفة النقلية والمعرفة العقلية لا تخلو من الاشتباهات والإشكالات فالوصول إلى المعرفة الشهودية القلبية الصحيحة يحتاج إلى مقدمات وفقد هذه المقدمات يؤدي إلى وقوع الخلل والاشتباه في المكاشفات والمقدمات عبارة عن تهذيب الباطن وتوجه النفس وإشغال النفس بالأمور الصحيحة وابتعادها عن الدنيا ومتعلقات الدنيا والالتزام الدقيق بأحكام الشريعة الغراء لذلك أفضل طريق لمعرفة العارف الحقيقي من المزيف أنه يلتزم بالأحكام الشرعية أو لا إذا كان لا يلتزم ويتخبط فاعلم أنه ليس بمتشرع ولا عارف ذكر العرفاء مجموعة من العوامل التي تؤدي إلى انحراف المكاشفات من أبرزها أربعة أمور:

الأمر الأول ضعف الجسم بسبب الأمور الطبيعية كالمرض فيصير الإنسان مشغول بمرضه ويشغله المرض عن الصعود إلى الله “عز وجل”.

الأمر الثاني السير والسلوك بناء على اعتقادات باطلة وغير صحيحة إذا عقائديا هو عنده إشكال فكيف يصل إلى هذه المكاشفات.

الأمر الثالث الابتعاد عن الشريعة.

الأمر الرابع عدم تطهير الباطن بشكل كامل من الرذائل والصفات الباطنة.

معايير صحة المكاشفات

يوجد معيار عام ويوجد معيار خاص لأن الإنسان قد يرى مكاشفات فهي تدور بين الخطأ والصواب بين الوسوسة الشيطانية والنفحة الرحمانية لذلك ذكر العرفاء معيارين الأول عام لجميع الناس والثاني خاص.

المعيار العام

القرآن الكريم والروايات الصحيحة الواردة عن النبي والأئمة "عليهم السلام" فما دامت هذه المكاشفات لا تخالف النص القرآني والروائي ولم تأتي الآيات والروايات بما يناقض هذه المكاشفة ويطعن فيها فيمكن القول حينئذ بصحة هذه المكاشفة أما إذا كانت هذه المكاشفات مخالفة للكتاب والسنة فإنها غير تامة.

الأمر الثالث الذي ينبغي أيضا مطابقته العقل الفطري والعقل السليم فلو كانت المكاشفة مخالفة لحكم عقلي قطعي ففي هذه الحالة لا يمكن التعويل على هذه المكاشفة، إذاً المعيار العام لقبول المكاشفة عدم مخالفتها لكتاب الله وسنة رسول الله والعقل القطعي هذا المعيار العام.

المعيار الخاص

يقول القيصري شرح خصوص الحكم صفحة 101 ومنها ما هو خاص وهو ما يتعلق بحال كل منهم الفائض عليه من الاسم الحاكم اسم الله “عز وجل” والصفة الغالبة عليه يعني مثلا يقولون الإنسان تارة ينطبق عليه عنوان يعني يتجسد فيه صفة من صفات الله أو اسم من أسمائه المنتقم المقتدر أحيانا يكون تجلي إلى صفة من صفات الله “عز وجل” العالم وأحيانا تجلي لصفة من صفات الله الرزاق فهنا إذا حصلت لهذا العارف مكاشفة هذه المكاشفة تتنافى مع صفة الرزاق تتنافى مع صفة العالم تتنافى مع صفة القادر المنتقم فحينئذ يعلم أن هذه المكاشفة الخاصة غير صحيحة والمعيار الذي اكتشف بها معيار خاص وهو عدم انطباق الاسم الحاكم عليها أو الصفة الحاكمة على هذه الجزئية هذا تمام الكلام في الدرس التاسع الكشف والشهود.

 

للمطالعة

السيد حيدر الآملي

الشخصية التي للمطالعة السيد حيدر الآملي هوالسيد حيدر بن علي بن حيدر عرف بألقاب عديدة منها ركن الدين العلوي الحسيني المازندراني وأما أشهر ألقابه فهو الآملي نسبة إلى آمل شمال إيران وهي البلدة التي ولد فيها وترعرع ولد عام 719 هجرية.

اللطيف في شخصية السيد حيدر الآملي أن بداية شبابها كان مع السلاطين والأمراء ثم أواخر حياته انعزل وانقطعت أخباره درس مبادئ العلوم وأصول العقائد في بلدته ثم في مدن الجوار كخراسان واسترآباد بعد ذلك قصد أصفهان كانت أحدى أهم المراكز الفكرية والسياسية معروف عاصمة الدولة الصفوية أصفهان والحوزة العلمية كانت في أصفهان لا نعلم شيئا عن أساتذته أو الكتب التي درسها إلا أنه يشير في بعض المقاطع التي كتبها إلى أنه واظب على العبادات والرياضات حصلت له بعض المكاشفات في أصفهان ترك أصفهان بعد مدة من مكوثه فيها ورجع إلى بلدته آمل اشتغل بصحبة الملوك وتعاطي أمور السياسة تولى مناصب حكومية أصبح في مدة وجيزة من أصحاب الحظوة لكن بعد ثلاثين من عمره ترك آمل قاصدا أماكن أخرى للتعلم والرياضة وانقطعت أخباره بعد عام 782 كانت هذه المرحلة عبارة عن مرحلة النضوج الروحي والاشتغال بالعلوم الارثية والمواظبة على انجاز الإنتاج الفكري في هذه المرحلة قرأ العديد من الكتب العرفانية ككتاب فصوص الحكم لابن العربي وكتاب منازل السائرين للخواجة عبد الله الأنصاري وتتلمذ على يد أساتذة من أبرزهم عبد الرحمن بن احمد المقدسي والشيخ فخر الدين الحلي وأقام عقد الأخوة والفتوة مع الشيخ المحقق نور الدين الطهراني كما النبي آخى بين المهاجرين والأنصار وبقي الإمام علي قال (لم تآخي بيني وبين أحد يا رسول الله قال أنت أخي) عقد الأخوة اختص به النبي "صلى الله عليه وآله" خصه لعلي بن أبي طالب وجرت العادة أنه يعقدون عقد أخوة.

لم يحدد المؤرخون عام وفاة السيد الآملي إلا أن أخبارهم انقطعت بعد العام 782 هجرية تميز السيد حيدر الآملي بالأخص بالفترة الثانية من حياته بانغماسه في الرؤى والمكاشفات وقد ذكر ما حصل له في اليقظة والنوم وأورد ذلك في كتبه.

من أهم كتبه التفسير الذي طبع له مؤخرا تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم عدة مجلدات له كتاب أيضا أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة تحقيق محمد الخاجوئي طبع في طهران مؤسسة الدراسات والتحقيقات الثقافية له كتب أخرى غير أسرار الشريعة أيضا له كتب أخرى السيد حيدر الآملي "رحمة الله عليه" من العرفاء المشهورين والمعروفين من شيعة أمير المؤمنين "قدس"، هذا تمام الكلام في الدرس التاسع

الدرس العاشر عرفان الإمام الخميني "رضوان الله عليه" يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo