< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث العرفان

39/12/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف العرفان وأقسامه وموضوعه وغايته

 

الدرس الأول علم العرفان[1]

ونتناول فيه:

أولا تعريف علم العرفان في اللغة والاصطلاح.

وثانيا أقسام علم العرفان وتقسيمه إلى عرفان نظري وعرفان عملي.

وثالثا موضوع علم العرفان وأهم مسائله.

ورابعا غاية علم العرفان.

هذه نقاط يأتي عليها الكلام تباعا إن شاء الله وفقا لما ذكره المؤلف.

تعريف علم العرفان

العرفان في اللغة بمعنى المعرفة وفي الاصطلاح عبارة عن المعرفة الحاصلة عن طريق المشاهدة القلبية والكشف والشهود، ولكي نفهم تعريف علم العرفان الذي ذكره أهل الاختصاص كالقيصري وغيره لابد من معرفة وشرح مصطلحين:

المصطلح الأول النفس الكلية والفارق بينها وبين النفس الجزئية.

المصطلح الثاني وحدة الوجود الشخصية والفارق بينها وبين وحدة الوجود التشكيكية إذا عرفنا هذين المصطلحين فإن بقية مباحث هذا الدرس الأول ستكون واضحة.

المصطلح الأول الفارق بين النفس الكلية والنفس الجزئية

يوجد بحث في الفلسفة القديمة يقال له العقول العشرة وقد ذكرها السيد محمد حسين الطباطبائي في كتابيه بداية الحكمة ونهاية الحكمة فالفلاسفة يقولون إن الله “عز وجل” قد خلق العقل الأول ثم العقل الأول خلق العقل الثاني والعقل الثاني خلق العقل الثالث إلى أن نصل إلى العقل العاشر هذه الفكرة باختصار بقطع النظر عن صحتها وسقمها ويقولون الصادر الأول الصادر الثاني إلى الصادر العاشر هذا اصطلاح الفلاسفة.

المراد بالنفس الكلية هي التي صدرت عن العقل الأول الصادر عن الله مباشرة فالنفس الكلية هي النفس التي تألفت منها جميع الأنفس أما النفس الجزئية فهي التي تجزأت من النفس الكلية وتفردت لتحمل شخصية فردية لكل مخلوق كنفوس البشر والحيوان والنبات فالنفس الكلية تفيض النفوس الجزئية دون أن تنقسم إلى أجزاء

ويرى أفلوطين وهو أحد الفلاسفة اليونانيين القدماء أن النفس الكلية واحدة فهي لا تنقسم لكنها تتوزع طبقا للأقسام فالنفس الكلية كامنة في جميع النفوس الجزئية، إذاً تصدر الموجودات الأرضية من النفوس الكلية فالنفس الكلية تفيض النفوس الجزئية دون أن تنقسم إلى أجزاء، نعم الفوارق بين النفوس الجزئية في الخلق والأفعال منشأها من أجسامها

وبتعبير مختصر مبسط درسنا في الفلسفة أن الجوهرة أقسامه خمسة وأن العرض أقسامه تسعة وهذا ما يبحث في بحث المقولات العشر مقولة الجوهر وتسع مقولات عرضية تلك عشرة كاملة وذكر في الفلسفة إن الجوهرة أقسامه خمسة عقل نفس جسم مادة وصورة وذكر في الفلسفة أن النفس مجردة عن المادة فالنفس الإنسانية مجردة عن المادة والمراد إن النفس الأولى التي صدرت عن العقل الأول هي نفس كلية ولم تشبها شائبة الأجسام والجزئيات لكن هذه النفس الكلية الواحدة التي خلقها العقل الأول تتنزل وهذه النفس الكلية إذا ارتبطت بالأجسام المختلفة فإنها تتنوع إلى نفوس جزئية مختلفة فنفس الإنسان الجزئية تختلف عن نفس الأسد الجزئية تختلف عن نفس النمر الجزئية تختلف عن نفس النبات الجزئية

فإذا أراد الإنسان أن يصعد إلى الله تبارك وتعالى عليه أن يتخلص من مقيدات النفس الجزئية لأن نفس الإنسان مقيدة بجسم الإنسان ونفس الأسد والحيوان مقيدة بجسم الأسد والحيوان ونفس النبات مقيدة بجسم النبات فإذا أراد الإنسان أن يعرج إلى الله عليه أن يخلص النفس من مضائق ومقيدات النفس الجزئية لكي يصل إلى النفس المطلقة والنفس الكلية وهي النفس التي ليست مقيدة بالأجسام وشوائبها.

الخلاصة النفس الكلية هي النفس الأولى وهي مجردة، النفس الجزئية هي النفس التي تنوعت باختلاف أنواع الأجسام والكائنات، هذا تمام الكلام في بيان المصطلح الأول وهو المقصود من النفس الكلية أنها النفس الأولى الصادرة من العقل الأول الذي خلقه الله والفارق بينها وبين النفس الجزئية التي هذه النفس الجزئية هي عبارة عن النفس المفاضة من النفس الكلية لكنها تنوعت باختلاف تنوع الأجسام.

المصطلح الثاني الوحدة الشخصية للوجود والفارق بينها وبين الوحدة التشكيكية للوجود

سؤال يطرح نفسه هل الوجود واحد أو متعدد والمراد بالوجود الموجود أي أنه هل الموجودات واحدة أو متعددة هذا السؤال لو طرحته على أي فرد وعلى أي أحد لأجاب بالبداهة إن الموجودات متعددة فوجود الله يختلف عن وجود الإنسان ووجود الإنسان يختلف عن وجود الحيوان ووجود الحيوان يختلف عن وجود النبات ووجود النبات يختلف عن وجود الجماد، لكن المقصود من السؤال ليس وحدة أو اختلاف الموجودات بحسب العرف أو بحسب النظر الأولي والنظر العام وإنما السؤال عن وحدة أو تعدد الموجودات واقعا أي أنه في الواقع ونفس الأمر هل الموجودات واحدة أو متعددة.

نضرب مثالا للتوضيح الألوان يوجد اللون الأحمر والأزرق والبني والأبيض والأسود يقال إن الألوان في الواقع غير موجودة يعني لا يوجد أبيض وأصفر وأحمر وأزرق ولكن إذا انعكس الضوء على الجسم بزاوية معينة ولد اللون الأسود وإذا انعكس بزاوية أخرى ولد لون الأبيض فإذا انعكس بزاوية حادة ولد اللون الأسود مثلا وإذا انعكس بزاوية منفردة ولد اللون الأبيض

فبحسب العرف العام الألوان واحدة أو متعددة؟ متعددة بحسب العرف العام الناس ترى هذا اللون ابيض احمر اصفر ازرق ولكن بحسب الواقع لا يوجد إلا لون واحد ولا توجد ألوان متعددة من هنا تساءل العرفاء هل يوجد موجود غير الله “عز وجل” أو لا؟ هذا سؤال إذا تسأل الناس يقولون نعم وجود الله غير وجود الإنسان غير وجود الحيوان فهناك موجودات متعددة غير وجود الله “عز وجل” لكن العرفاء يقولون لا يوجد إلا موجود واحد وهو الله "عز وجل" وأما باقي الأشياء فهي تجليات وانعكاسات لوجود الله فوجود الإنسان مظهر من مظاهر وجود الله لأن الله “عز وجل” علة العلل مسبب الأسباب (يا مسبب الأسباب من غير سبب سبب لنا سببا لن نستطيع له طلبا).

النظريات في وحدة أوتعدد الوجود

بخلاف الفلاسفة الذين ذهبوا إلى تعدد الموجودات وأن الوجود متعدد وإذا أردنا أن ندقق أكثر سنجد النظريات ثلاث في وحدة وتعدد الوجود نظريات وحدة وتعدد الوجود.

النظرية الأولى الكثرة المحضة وهي للشيخ الرئيس أبي علي بن سينا.

النظرية الثانية في مقابلها الوحدة المحضة أو الوحدة الشخصية للوجود وهي نظرية العرفاء.

النظرية الثالثة الوحدة التشكيكية للوجود وهي نظرية الملا هادي السبزواري صاحب المنظومة وصاحب الميزان في كتابيه بداية الحكمة ونهاية الحكمة بمعنى وتنسب إلى صدر المتألهين بمعنى آخر أي أن الوحدة الشكيكية لها معنيان الأول لصاحب الميزان وصاحب المنظومة والثاني لصدر المتألهين "رضوان الله عليهم أجمعين".

نشرح الآن هذه المصطلحات باختصار وهذا البحث بحث مفتاحي للعلوم لأن العرفاء في عرفانهم النظري بنو كل نظريتهم العرفانية على مبدأ وحدة الوجوب الشخصية فإذا أنكر شخص مبدأ وحدة الوجود الشخصية سقط العرفان بأكمله أنكر العرفان بأكمله.

أما النظرية الأولى وهي الكثرة المحضة فيرى أبن سينا أن الموجودات في الواقع متعددة وأنه توجد كثرة بين الموجودات فوجود الله غير وجود الإنسان غير وجود الحيوان والله موجود والإنسان أيضا موجود والحيوان أيضا موجود ووجود الإنسان يختلف عن وجود الله ووجود الله يختلف عن وجود الحيوان وهكذا فوجود الله هو واجب الوجود ووجود الإنسان ممكن الوجود إذاً هناك كثرة محضة فكما توجد كثرة بحسب النظر العرفي والأولي توجد أيضا كثرة بحسب الواقع.

النظرية الثانية للعرفاء الوحدة المحضة للوجود أو وحدة الوجود الشخصية كما يقول الفلاسفة الماهية ما لم تتشخص لا توجد والذي تشخص هو وجود واحد وليس متعدد فقد جاء في دعاء المجيب (تعاليت يا موجود إلى أن يقول أجرنا من النار يا مجير) فخاطب الله “عز وجل” وحصر فيه الموجودية وإن الموجود واحد فقط وما عدا الله ليس بموجود وإنما هو مظهر من مظاهر وجود الله فالله “عز وجل” واجب الوجود هو الموجود وما عداه ليس بموجود، إذاً بحسب الواقع الموجود شيء واحد فقط شيء شخصي وجود واحد شخصي وهو الله “عز وجل” الحق تبارك وتعالى وما عداه كالإنسان والحيوان والكون فهو مظهر من مظاهر وجود الله “عز وجل” يعني الإنسان مظهر صنع الله “عز وجل” وخلق الله “عز وجل” الكون هكذا وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فالإنسان العادي يرى تعدد الموجودات فالله موجود والكون موجود والإنسان موجود يراها وجودات متعددة وموجودات متعدد ولكن بالنظر الواقعي والدقيق لا يوجد إلا الله وما عداه مرجعه إلى الذات الأحدية فالعرفاء يرجعون جميع الأشياء إلى الوجود الأحدي للذات الإلهية.

النظرية الثالثة وحدة الوجود التشكيكية ومفادها أن الوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة فالوحدة ناظرة إلى الحقيقة والمعنى والكثرة ناظرة إلى الواقع والمصداق فوجود الله معناه نفس معنى وجود الإنسان نفس معنى وجود الكون معنى الوجود بديهي وهو واحد في جميع الأشياء والموجودات فالوحدة موجودة في معنى الوجود لكن الاختلاف والتعدد والكثرة ينشأ من الواقع والمصداق فوجود الإنسان يختلف عن وجود الله وجود الله واجب الوجود ووجود الإنسان ممكن الوجود، إذاً توجد وحدة وتوجد كثرة الوحدة بلحاظ المعنى بلحاظ حقيقة الوجود بلحاظ مفهوم الوجود والكثرة بلحاظ مصاديق الوجود والموجودات، التعدد بلحاظ واقع الموجودات، إذاً لنا أن نقول أن الوجود واحد بنحو التشكيك لا بنحو التواطئ فمعنى وجود الله ومعنى وجود الإنسان ومعنى وجود الكون واحد من ناحية المفهوم من ناحية معنى الوجود جميع هذه الموجودات واحدة لكنها مشككة أي أنها تنطبق على مصاديقها بالتفاوت ولا تنطبق على مصاديقها بالتواطئ، إذاً الوجود واحد مشكك وهذا ما بحثه صاحب الميزان في بداية بداية الحكمة أولا تطرق إلى أصالة الوجود، ثانيا تطرق إلى أن الوجود مشترك معنوي يعني معنى الوجود واحد ثالثا تطرق إلى الوحدة التشكيكية للوجود وأن هذا الوجود الذي معناه واحد ينطبق على مصاديقه بالتشكيك والتفاوت ولا التساوي والتواطئ هذا المعنى الأول للتشكيك المعنى الأول للتشكيك أن الوجود واحد من ناحية الحقيقة والمعنى ومتعدد من ناحية الواقع والمصداق ويوجد معنى ثان لتشكيك الوجود فالشهيد مطهري يقول إن صدر المتألهين يؤمن بهذا التشكيك وأن الوحدة من ناحية الحقيقة والتشكيك من ناحية الواقع والمصاديق لكن ليس المراد من صدر المتألهين من تشكيك الوجود هذا وإنما مراده معنى أعمق ولتوضيحه نطرح هذا المثال.

الطفل قبل أن يخرج من بطن أمه هل هو موجود في الدنيا أم لا؟ الجواب غير موجود بعد أن ولد وتعلم أصبح عالما وأصبح كريما وأصبح مثقفا، سؤال هل توجد ثقافة الولد وعلم الولد وكرم الولد قبل ولادته؟ لا إذاً وجود الولد عين كرمه وكرمه عين وجوده وجود الولد عين علمه وعلمه عين وجوده ومن هنا يقال إنما يقال بالنسبة إلى الذات الإلهية من أن الذات الإلهية عين صفاتها وعين أسمائها وأن الصفات عين الذات والذات عين الصفات ولا تفكيك بينها هذا كما هو في الذات الإلهية هذا أيضا موجود في الموجودات الممكنة أن الذات هي عين الصفات يعني هذا الولد ذاته عين علمه لو العلم غير الذات؟ العلم موجود بوجود ذاته هذا بشكل أولي هل هذا صحيح أو غير صحيح نحن الآن ليس بصدد بيان أن هذا صحيح أو غير صحيح.

الخلاصة لكي نخرج بنتيجة نحن الآن ندرس المصطلح الثاني وهو وحدة الوجود الشخصية هل الوجود واحد أو متعدد توجد ثلاث نظريات رئيسية:

النظرية الأولى للشيخ الرئيس بن سينا الكثرة المحضة وأن الموجودات متعددة في الواقع كما هي متعددة بالنظر العرفي.

النظرية الثانية للعرفاء وحدة الوجود الشخصية أو الوحدة المحضة للوجود أي أن في الواقع لا يوجد إلا موجود واحد وهو الله الحق وما عداه مظاهر لتجلي الحق تبارك وتعالى فالعرفاء يرجعون وجود جميع الموجودات إلى وجود الله ولا يوجد ما سوى الله لذلك يقولون لا يؤثر في الوجود إلا الله لا يوجد موجود إلا الله فلا يؤثر في الوجود إلا الله.

النظرية الثالثة نظرية وحدة الوجود التشكيكية يعني نعم الوجود واحد يعني معناه واحد مشكك يعني ينطبق على مصاديقه بالتفاوت فالوحدة من ناحية الحقيقة والتشكيك من ناحية الواقع والمصاديق، إذا تم هذا نقول أقسام العرفان عرفنا العرفان في اللغة مأخوذ من المعرفة وفي الاصطلاح العرفان يراد به المعرفة الحاصلة من الكشف والشهود القلبي والطريق لمعرفة ذلك رياضة النفس بالمواظبة على الطاعات والعبادات وبصقل النفس يحصل كشف الحقائق ومعاينة الواقع الحقيقي

أقسام العرفان

والعرفان على قسمين:

القسم الأول العرفان النظري وهو المختص بدراسة ذات الحق وأسمائه وصفاته يعني بدراسة الموجود الواحد ومظاهره لان بقية الأشياء هي مظاهره فالعرفان يدرس أهم شيء ثلاثة أشياء أولا ذات الإلهية ثانيا ذات الإنسان ثالثا ذات الكون فالإنسان والكون مظهران من مظاهر الذات الإلهية فالعرفان النظري يدرس ذات الحق وأسمائه وصفاته وهناك سلسلة كتب في دراسة العرفان النظري أول كتاب يدرس كتاب تمهيد القواعد لصائن الدين بن تركة الأصفهاني التمهيد في شرح قواعد التوحيد ثاني كتاب شرح فصوص الحكم للقيصري كتاب فصوص الحكم هو للشيخ محي الدين بن عربي وله شروح أشهرها شرح فصوص الحكم لداود محمود القيصري هذا في المرحلة الثانية والوسطى المرحلة الثالثة والأخيرة كتاب مصباح الأنس لمحمد حمزة الفناري وكتاب مصباح الأنس للفناري شرح لكتاب مفتاح الغيب لصدر الدين القونوي مفتاح الغيب وليس مفاتيح الغيب كتاب مفاتيح الغيب هو للشيخ صدر الدين الشيرازي الملا صدرا هذا بالنسبة إلى العرفان النظري دراسة أسماء الله وصفاته ومظاهره ودراسة حقيقة الوجود هناك أربعة مباحث مهمة في العرفان النظري أولا حقيقة الوجود ثانيا وجود الله ثالثا وجود الإنسان رابعا وجود الكون.

القسم الثاني وأما العرفان العملي فهو ما يدرس السير والسلوك إلى الله بحيث يدرس نقطة البداية وهي اليقظة ونقطة النهاية وهي الوصول إلى الله والفناء فيه والوصول إلى التوحيد ويدرس المقامات مقام الزاهدين مقام العارفين ويدرس الرتب مرتبة الأبرار مرتبة الصديقين ومن أهم الكتب في العرفان العملي كتاب منازل السائرين للخواجه عبد الله الأنصاري أبو إسماعيل عبد الله الأنصاري وله شروح أشهرها شرحان شرح منازل السائلين لعبد الرزاق الكاشاني وله أيضا كتاب مهم هو اصطلاحات الصوفية يبين اصطلاحات علم العرفان والشرح الثاني شرح التلمساني شرح منازل السائرين.

أما بالنسبة إلى كتب الإمامية أهم الكتب في العرفان العملي هي رسائل السير والسلوك إلى الله وأهم رسالة في السير والسلوك إلى الله على الإطلاق هي رسالة السيد مهدي بحر العلوم وتوجد عدة رسائل في هذا العنوان مثلا الميرزا جواد الملكي التبريزي له رسالة السير والسلوك إلى الله السيد مهدي بحر العلوم لديه رسالة السير والسلوك إلى الله توجد رسالة لب اللباب الطهراني لب اللباب في معرفة أولي الألباب وهكذا والآن كثير منها طبع تحت عنوان السير والسلوك إلى الله وبعضها تحت عنوان تذكرة المتقين وسيأتي الفارق بين الأخلاق وبين العرفان، الأخلاق مفاهيم عامة عن الصبر عن الحلم الغضب ولكن العرفان عبارة عن طريقة خاصة لها شيخ يشرف عليها لها منازل لها مراتب لذلك وقع الكلام في صحتها وعدم صحتها فالأخلاق الإسلامية مسلمة ولكن العرفان الإسلامي أصبح محلا للنقض والإبرام لأن بعض العرفاء والمتصوفة ادعوا ادعاءات باطلة وبعضهم وقع في اشتباهات كبيرة فصار هذا العلم موضع للرد والأخذ والعطاء والبدن.

 

تطبيق العبارة

مبادئ علم العرفان

الدرس الأول علم العرفان على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن يتعرف على ثلاثة أمور:

أولا أن يتعرف إلى علم العرفان وأقسامه وذكرنا علم العرفان في اللغة بمعنى المعرفة وفي الاصطلاح المعرفة الحاصلة من الكشف والشهود القلبي وتعرفنا على قسمي العرفان، العرفان النظري الذي يدرس أسماء الله وصفاته ومظاهره والقسم الثاني العرفان العملي الذي يدرس السير والسلوك إلى الله “عز وجل”.

النقطة الثانية أن يبين موضوع علم العرفان ما هو موضوع علم العرفان؟ ذات الحق “عز وجل” الله هذا علم العرفان وأهم مسائل علم العرفان ما هي أهم مسألة الوحدة الشخصية للوجود لأن علم العرفان يبتني على هذه المسألة فإذا أنكرت هذه المسألة يتم إنكار علم العرفان تماما كما أن علم المنطق الأرسطي يتكأ على مقولة إن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان فإذا أنكر شخص مقولة أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان وقال باجتماع النقيضين أو ارتفاعهما أنكر المنطق الأرسطي.

النقطة الثالثة يذكر هدف علم العرفان وغايته، وغايته الوصول إلى الله والفناء فيه والوصول إلى التوحيد.

علم العرفان الإسلامي واحد من العلوم التي نشأت في خضم تعاليم الدين الإسلامي واستقت منه أسسه وقواعده وأخرجته في مرحلة لاحقة على نزول الوحي إلى عالم الوجود الخارجي أي أن العرفان كعلم لم يكن أيام رسول الله "صلى الله عليه وآله" لكن تحددت معالمه كعلم بعد ذلك فأضحى منذ القرنين الثالث والرابع على أقل تقدير علما قائما بنفسه يمتلك كل المقومات الأساسية للعلم وهذا يعني أن العرفاء حددوا لهذا العلم موضوعا خاصا به وهو ذات الحق مستقلا عن كافة العلوم ومسائل يجري البحث فيها مثل وحدة الوجود الشخصية وبينوا المنهج المعرفي الذي يمكن من خلاله القيام بمهمات الإثبات والنفي والقبول والرفض على مستوى المسائل وما هو المنهج المعرفي الكشف القلبي، الكشف العرفاني لا الاستدلال العقلي أو الاستدلال النقلي أو التجريبي.

تعريف علم العرفان

العرفان في اللغة مشتق من عرفة ويعنى بها العرفة، يقول بن منظور في لسان العرب عرف العرفان العلم إلى أن يقول عرفه يعرفه عرفة وعرفانا وعرفانا ومعرفة واعترفه إلى أن يقول ورجل عروف وعروفة عارف يعرف الأمور ولا ينكر أحدا رآه مرة إلى أن يقول والعريف والعارف بمعنى مثل عليم وعالم والجمع عرفاء، لسان العرب لابن منظور مادة عرفة الجزء التاسع صفحة 236، هذا العرفان في اللغة.[2]

العرفان في الاصطلاح عبارة عن المعرفة الحاصلة عن طريق المشاهدة القلبية لا بواسطة العقل ولا التجربة الحسية، فالأداة التي يعتمدها العارف هي خصوص الكشف الشهودي والقلبي دون الاستدلال العقلي والبرهاني أو الاستدلال الحسي والعلمي وهذا اللون من المعرفة يحصل في ظل العمل المخلص بأحكام الدين وهو الثمرة الرفيعة والنهائية للدين الحقيقي

وعلى هذا الأساس قدم أصحاب الاختصاص تعاريف متعددة للعرفان من أبرزها ما جاء على لسان القيصري:

هذا الكتاب لغته سهلة ولكن ينقل عبائر أكابر القوم وأكابر القوم عبائرهم مغلقة لأنها تبتني على اصطلاحات هذا الذي دعانا أن يكون درسنا اليوم أكثر في بيان مصطلحين، الأول الفارق بين النفس الكلية والنفس الجزئية الثاني الفارق بين الوحدة الشخصية للوجود والوحدة التشكيكية للوجود، الآن إذا نقرأ التعريف سوف يكون واضح جدا.

قال القيصري في رسائله صفحة 7 هو العلم بالله سبحانه إذاً أولا يدرس ذات الله من حيث أسمائه أسماء الله “عز وجل” وصفاته وصفات الله “عز وجل” ومظاهره يعني ومظاهر وجود الله لأن ما عدا الله ليس بموجود الإنسان والكون ليس بموجود بنظر العرفاء نعم الإنسان والكون مظهران من مظاهر وجود الله “عز وجل” فإذا درس العرفاء الكون والإنسان لأنهما مظهران من مظاهر وجود وتجليات لوجود الله “عز وجل” وأحوال المبدأ والمعاد المبدأ الله “عز وجل” هو الذي بدأ الحياة والوجود والمعاد معاد يوم القيامة كثير من الفلاسفة والعرفاء عدهم رسالة المبدأ والمعاد ابن سينا عنده المبدأ والمعاد صدر المتألهين عنده المبدأ والمعاد أكثرهم كتبوا في المبدأ والمعاد أهم أصلين من أصول الدين المبدأ توحيد الله المنتهى المعاد والواسطة بينهما وهي النبوة ثم يأتي العدل فرع التوحيد والإمامة فرع النبوة فتكون أصول الدين خمسة.

وأحوال المبدأ والمعاد والعلم بحقائق العالم أنها غير موجودة والموجود هو الله فقط وأن العالم مرجعه في حقيقته إلى وجود الله وأن العالم مظهر من مظاهر وجود الله قال والعلم بحقائق العالم وبكيفية رجوعها يعني رجوع حقائق العالم يعني الموجودات التي نراها متعددة بالنظر العرفي إلى حقيقة واحدة يعني إلى وجود واحد بالوحدة الشخصية هي الذات الأحدية ذات الواحد الأحد الله “عز وجل” ومعرفة طريق السلوك والمجاهدة لتخليص النفس عن مضايق القيود الجزئية يعني النفس لها قيود جزئية وهي المادة الجسم واتصالها النفس إلى مبدئها الله “عز وجل” واتصافها اتصاف النفس بنعت الإطلاق والكلية والمراد النفس الكلية وهي النفس الأولى التي صدرت من العقل الأول

ويتضح من خلال التعريف المتقدم أمور أبرزها أقسام علم العرفان موضوعه ومسائله.

أقسام العرفان

يظهر من التعريف المتقدم أن العرفان يقسم قسمين العرفان النظري والعرفان العملي وقد درسناهما أمس حينما درسنا المقدمة

أما العرفان النظري فهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وتجلياته الآن واضح معنى تجليات الله يعني هناك مظاهر لوجود الله كالكون والإنسان ويراد منه أعطاء رؤية كونية عن المحاور الأساسية في عالم الوجود وهي الله والإنسان والعالم يعني الله وأهم مظهرين له وهما الإنسان والكون

والعرفان العملي عبارة عن العلم بطريق السير والسلوك فمن أين يبدأ اليقظة وإلى أين ينتهي الفناء في ذات الله والتوحيد وما هي المنازل والمقامات التي يجب أن يسلكها العارف للوصول إلى الله تعالى يراجع منازل السائلين وكيفية مجاهدة النفس للتغلب على ميولها وتحريرها من علائقها هذا موجود في العرفان وفي الأخلاق تهذيب النفس المشارطة والمراقبة والمحاسبة حتى تستطيع طي المراحل والجد في سيرها إلى الله تعالى.

أما القسم الأول من العرفان فهو يشبه علم الفلسفة لجهة محاولته تقديم تفسير للوجود يراد منه تقديم رؤية كونية عرفانية يكون لله فيها الأصالة الأساسية والوحيدة في مقابل الفلاسفة الذين يرون الأصالة لله والموجودات لأن الفلاسفة كابن سينا يرى الكثرة المحضة يعني كما أن الله موجود كذلك الإنسان وسائر الممكنات أيضا موجودة فإذاً الأصالة للوجود بمختلف مصاديقه إذاً العرفاء يرون الأصالة لوجود الله فقط ولا يوجد شيء غير الله “عز وجل” الفلاسفة يقولون الأصالة لله ولغيره من الموجودات هذا تعريف بالفلاسفة طبعا الفلاسفة الذين يقولون بأصالة الوجود مثل مدرسة الحكمة المتعالية في مقابل مدرسة حكمة الإشراق للشيخ الإشراق السهروردي الذي يرى بأصالة الماهية واعتبارية الوجود فبحث اليوم ما يأتي بالنسبة إلى فلسفة الإشراق لأن فلسفة الإشراق قائمة على أصالة الماهية وتنكر أصالة الوجود فلا معنى للبحث أن الوجود واحد أو متعدد.

يكون لله فيها الأصالة الأساسية والوحيدة يعني دون غيره من مظاهره وكل ما سوى الله ما هو إلا مظهر وتجلي لتلك الحقيقة الواحدة ذات الحق “عز وجل” وإذا كان الفيلسوف يحاول تقديم رؤية ترتكز على محورية الله كواجب للوجود الآن يريد أن يشير إلى هذه النقطة غاية كمال الفيلسوف أن يأتي برؤية أن يكوّن فكرة ورؤية فلسفية عن الله والوجود هذا يكفي يعني يكفي أن يحصل عنده تصور ذهني كامل عن الله هذا غاية الكمال عند الفيلسوف ولكن عند العارف لا هذا لا يكفي تكوين رؤية الوصول إليه والفناء فيه أما تكوين رؤية ذهنية فقط هذا لا معنى له ولا يعترف به العارف العارف لا يعتني بالمفاهيم الذهنية بقدر ما يعتني بالوصول إلى الله يقول وإذا كان الفيلسوف يحاول تقديم رؤية ترتكز على محورية الله كواجب للوجود وتكوين صورة جامعا عن الله وعلى علاقته بالكون فقد استخدم الفيلسوف لذلك الدليل والبرهان أما العارف في محاولته تقديم رؤيته الكونية هذه فهو غير مهتم بالعقل والفهم يعني ليس المراد غير مهتم هو يهتم بالعقل والفهم ولكن ليس غايته وطموحه العقل والفهم بل العارف يقدم رؤية ليصل كنه وحقيقة الوجود.

أقرأ عبارة الشهيد مطهري أوضح، يراجع العرفان للشهيد مطهري صفحة 64 يقول إن رؤية الفيلسوف تختلف عن رؤية العارف فالفيلسوف يريد فهم الكون أي أنه يحاول الوصول إلى تصور صحيح وجامع وكامل للكون ويرى أن الحد الأعلى للكمال الإنساني هو أن يدرك بعقله الكون على ما هو عليه حتى يكون للكون وجود عقلاني في وجوده فيغدو هو عالما عقليا ولذلك قيل في التعريف الفلسفي صيرورة الإنسان عالما عقليا مضاهيا للعالم العيني بينما العارف لا يعطي أي اهتمام للعقل والإدراك وإنما يروم الوصول إلى كنه الوجود وهو الله حتى يشاهده ويتصل به، إن كمال الإنسان لا ينحصر لدى العارف بمجرد أن يكون تصور عن الوجود في ذهنه بل لابد عليه أن يسير ويتجه نحو المبدأ الذي أوجده وأن يحطم الفواصل بينه وبين ذات الحق تعالى ويتقرب منه حتى يفنا فيه ويبقى ببقائه، العرفان صفحة 64.

نرجع إلى نص الكتاب أما القسم الثاني من العرفان أي العرفان العملي فهو عبارة عن ذلك الجانب الذي يبين العلاقات والواجبات المفروضة على الإنسان مع نفسه ومع العالم ومع الله فيوضح فيه للسالك من أين يجب أن يبدأ وإلى أين يجب أن ينتهي وكيف يسلك ليصل إلى تلك الحقيقة الواحدة ويتطلب الأمر توضيح المقامات والمنازل التي يجب قطعها للوصول.

لاحظ الحاشية رقم 2 ينقل عن الشهيد مطهري صفحة 22 من كتابه العرفان يشار هنا إلى نظرية العرفاء في الوجود حيث يعتقدون بأن الوجود هو الحق تعالى من باب أن الوجود لا يمكن أن يحمل بالحقيقة إلا على موجود واحد هو الحق تعالى أي علة العلل حيث إن كل ما سواه يحتاج في الوجود إليه.

موضوع علم العرفان ومسائله

يتضح من التعريف السابق إن موضوع علم العرفان هو الحق تعالى طبعا يدرس العرفاء موضوعهم باعتبار تعينه بواحد يعني تعين الحق بواحد من تعيناته الخاصة على أساس أن العرفاء يعتقدون بالوحدة الشخصية للوجود في مقابل الوحدة التشكيكية للوجود وهذا يعني أن الموضوع الجدير بالبحث عندهم هو الله تعالى ومعرفة وجوده ولكن إذا كان الله تعالى الكامل على الإطلاق يفيض منه الوجود بمقتضى كماله ثم إن الموجودات لابد أن تتحرك للوصول إلى الله تعالى هنا لم يجد العرفاء بدا من دراسة المسائل التالية

أولا توضيح حقيقة الوجود

ثانيا معرفة الله

ثالثا معرفة العارف

رابعا معرفة الإنسان،

هدف العرفان الإسلامي يأتي عليه الكلام.

 


[1] مبادئ علم العرفان ص16.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo