< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة65؛ المطلب الأول؛ النظریة الثانیة: وجوب الخمس

 

النظرية الثانية: وجوب الخمس

ذهب إليها كاشف الغطاء، و صاحب الجواهر في نجاة العباد و الجواهر، و الشیخ الأنصاري، و المحقق الهمداني، و السید أبو الحسن الإصفهاني، و المحقق البروجردي، و بعض الأکابر، و المحقق الحكيم، و المحقق الخوئي و المحقق البهجت و بعض الأساطین و المحقق السیستاني و المحقق المیرزا جواد التبریزي و الشیخ اللنکراني و الشیخ السبحاني غيرهم من معلّقي العروة و المنهاج.

قال كاشف الغطاء: ليس مضيّ الحول وقتاً للوجوب، و إنّما يؤخّر إليه جوازاً؛ احتياطاً لمئونة السنة.

فما بقي من ربح السنة الماضية إلى دخول السنة المستقبلة و لو كان ممّا سببه التقتير، و لم يُتّخذ للقنية، كالحبوب و نحوها يلزم إخراج خمسه. و كذا ما اتّخذ للقنية إذا أُريد بيعه. أمّا إذا أُريد بقاؤه فيجري في مئونة العام الداخل.[1]

و قال: ... و لو اتخذ من الدور أو الأزواج أو المراكب أو اللباس أو الفراش أو المأكل أو الظروف أو الكتب أو الآلات ما يزيد على حاله كما أو كيفا أدخل التفاوت فيما فيه الخمس و لو اقتصر في قوت أو لباس أو آلات أو مساكن أو أوضاع و لم يفعل ما يناسبه و لم يحسب التفاوت من المؤونة على الأقوى و أخذ الخمس من تمام الربح.[2]

و قوّاه صاحب الجواهر في نجاة العباد: لو لم يسافر مع سير الرّفقة [أي رفقة الحج] عصياناً فالأحوط ان لم يكن أقوى اخراج الخمس، كسائر ما قتّربه على نفسه، سيّما فيما لا یعدّ تركه نقصا عليه.[3]

و قال في الجواهر: ... فلو فضل من مؤونته حينئذ بسبب التقتير مما لم يتخذ للقنية كالحبوب وجب الخمس فيه، و أولى منه الفاضل لا للتقتير.[4]

و قال الشیخ الأنصاري: ... انّ‌ الظاهر من المؤونة في الأخبار ما أنفق بالفعل على غير وجه الإسراف، و ليس المراد منه مقدار المؤونة المتعارفة حتّى لا يتعلّق بها الخمس، سواء صرفت أم لم تصرف.[5]

و قال المحقق الهمداني: فقد حكِي عن غير واحد كالعلاّمة و الشهيدين و المحقّق الثاني: التصريح بأنّه لو قتر حسب له. بل عن المناهل أنّه استظهر عدم الخلاف فيه . فكأنّ‌ محط نظرهم أنّ‌ مفاد النصوص و الفتاوى إنّما هو تعلّق الخمس بما عدا مقدار المؤونة، فمقدار المؤونة مستثنى عمّا يتعلّق به الخمس سواء أنفقه أم لا. و هو لا يخلو عن نظر.[6]

و صاحب العروة احتاط في إخراج الخمس ثمّ قوّى وجوب الإخراج و لم نجد مِن المعلّقين مَن علّق على كلامه مع كثرتهم إلا السید عبد الأعلی السبزواري حیث یقیّده بعدم الحرج کما سیأتي.[7]

و قال السید أبو الحسن الإصفهاني: و المناط في المؤونة، ما يصرف فعلاً، لا مقدارها؛ فلو قتر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع، لم يحسب له؛ بل لو وجب عليه في أثناء السنة، صرف المال في شيء كالمشي إلى الحج أو أداء دين أو كفّارة و نحو ذلك و لم يصرف فيه عصياناً لم يحسب مقداره منها على الأظهر.[8]

و مثله عبارة بعض الأکابر.[9]

و قال المحقق البروجردي: ... يقال إنّ‌ المؤونة المستثناة و هي التي يصرفها الإنسان في حوائجه فعلاً، فإذا قتّر على نفسه و ضيّق عليها في معاشه، وجب عليه إخراج خمس ما بقي من فوائده المكتسبة و استثناء ما صرفه منها فعلاً ... و هذا هو الحق فإنّ‌ المؤونة عند العرف هو ما يصرفه فعلا، لا ما يصرفه شأنا.[10]

و قال في رسالته «توضیح المسائل»: إن قتّر بسبب القناعة و زاد شيء على مخارج سنته لا يحسب له و وجب عليه إخراج خمسه.[11]

و تبعه من علّق على الرسالة المذكورة كالمحقق البهجت[12] ، و الشيخ اللنكراني [13] ،و الشيخ السبحاني[14] ، و غيرهم.

قال المحقق الخلخالي: و الصحيح ما في المتن لظهور قوله «الخمس بعد المئونة» في ما يصرف بالفعل في المئونة لا مقدارها، لظهور المشتق في الفعلية دون القوة، سواء صرفت بالفعل أم لا، فلو قتر على نفسه، أو تبرع بها متبرع، لم يحسب له مقدارها، بل يجب الخمس في الجميع.[15]

قال المحقق الحكيم: لا بد في المؤنة المستثناة من الصرف فعلا فإذا قتر على نفسه لم يحسب له.[16]

و مثله غيره من المعاصرين كالمحقق الخوئي[17] ، و بعض الأساطين[18] ، و السيد المحقق السيستاني[19] ، و المحقق التبريزي[20] .

الدليل الأول: انصراف المؤونة عرفاً إلى ما یصرفه و یتلفه و ینفقه

البیان الأول: انصراف المؤونة عرفاً إلى ما يتلفه في حوائجه إرفاقاً

قال صاحب الجواهر: ... انصراف المؤونة عرفاً إلى ما يتلفه في حوائجه و مآربه إرفاقاً من الشارع بالمالك، خصوصاً بالنسبة إلى بعض الأشياء التي لا يعدّ تركها نقصاً في حقّه من شراء كتب و مراجعة أطبّاء و صنعة ولائم و نحوها و إن كانت هي لو فعلها من مُؤَنه ... .[21]

إيراد المحقق السيد محمد سعيد الحكيم علي البیان الأول:

قال المحقق السید محمد سعید الحکیم رداً علی وجه الإرفاق الذي جاء في کلام صاحب الجواهر: ... ذكر في الجواهر أن منشأ الانصراف المذكور هو ابتناء استثناء المؤونة على الإرفاق بالمالك، فإذا هو لم ينفق لم يبق موضوع للإرفاق. لكنه لم يتضح بنحو يصلح لتقييد الإطلاق، حيث تقدم عدم الإشعار في النصوص بابتناء استثناء المؤونة على الإرفاق بالمالك، مع أن استثناء ما لم يصرف إرفاق أيضاً.

و اختصاص الإرفاق الذي هو منشأ استثناء المؤونة بما يكون بالإضافة إلى خصوص ما يصرف فعلاً أول الكلام. ومن ثم حكم بعموم الاستثناء لما لم يصرف تقتيراً في المسالك والروضة ومحكي البيان والكفاية ... .[22]

ملاحظاتنا علی البیان الأول:

أولاً: لا وجه للقول بانصراف المؤونة إلی ما یتلف و یصرف، لأنّ الانصراف یحتاج إلی دلیل علیه، و لا دلیل في المقام علی ذلک الانصراف.

ثانیاً: إنّه إذا جعل مالاً من الفوائد بازاء ما یحتاجه، تصدق علیه المؤونة أیضاً فلا یمکن الالتزام بأن المؤونة الواردة في الدلیل منصرفةٌ عنها.

ثالثاً: عموم الإرفاق یقتضي عدم الخمس بالنسبة إلی ما قتّر فیه.

البیان الثاني: انصراف المؤونة إلى ما ينفقه بالفعل لا مقدارها

قال المحقق الهمداني: ... لما أشرنا إليه من أنّ‌ المتبادر من الأخبار إنّما هو استثناء ما ينفقه بالفعل كمؤونة المعدن و نحوها، لا استثناء مقدارها، فلو تبرّع متبرّع بنفقته فالظاهر أنّه لا يحسب له ما يقابله من الربح، فضلا عمّا لو قتر فيه، كما صرّح به غير واحد من مشايخنا رضوان اللّه عليهم، بل لا يبعد أن يقال [كصاحب الجواهر في الجواهر]: إنّه لو قصّر في أداء بعض التكاليف المتوقّفة على صرف المال - كالحجّ‌ و نحوه في عام استطاعته - فزاد ربحه عن مؤونته، وجب عليه الخمس في ما زاد.[23]

ملاحظتنا علی البیان الثاني:

إنّ ما أفاده استدلالاً علی النظریة الثانیة یشتمل علی جهتین:

الجهة الأولی: ادّعاؤه من أنّ‌ المتبادر من الأخبار إنّما هو استثناء ما ينفقه بالفعل.

و هذا الادّعاء لا یصحّ، لما تقدّم مراراً من أنّه لا وجه لتقیید المؤونة الفعلیة بالصرف و التلف و الإنفاق.

الجهة الثانیة: ما أفاده في ردّه علی القول باستثناء مقدار المؤونة.

فهذا الردّ صحیحٌ، و لکن لا یخفی أنّ ردّ القول بتقدیر کلمة المقدار، لیس بمعنی تمامیة القول بلزوم الخمس في ما قتّر علی نفسه، بل نحن نعتقد بعدم تقدیر کلمة المقدار في ما ورد من «الخمس بعد المؤونة» و لکن نفسّر هذه الروایات بأنّ المراد «المؤونة الفعلیة عیناً أو ثمناً و مالاً»

الدليل الثاني: ظهور الأخبار في المؤونة الفعلیة، التي تصرف بالفعل

و هنا أیضاً بیانان: أحدهما استدلّ بحمل المؤونة علی المؤونة الفعلیة، و ثانیهما استدلّ بحمل الصرف علی الصرف الفعلي.

البیان الأول: ظاهر الأخبار المؤونة الفعلية

قال المحقق المیلاني: المؤونة هي النفقة التي تتحقق في الخارج و تصرف في الحوائج و المآرب، أي ما هي تكون مؤونة بالفعل، لا بالقوّة و الشأنية. و الدليل على ذلك هو أن المؤونة و إن كانت لفظا جامداً، لكن تتضمن معنى الوصفية، و كل وصف ظاهر في الفعلية.[24]

ملاحظتنا علی البیان الأول:

قد تقدّم أنّه لا وجه لتقیید المؤونة الفعلیة بالصرف و التلف و الإنفاق، لعدم الدلیل علی التقیید المذکور.

البیان الثاني: ظاهر الأخبار الصرف بالفعل

قال الشیخ الأنصاري: «لا إشكال في أنّ‌ المخرج من الربح هو المؤونة المتعارفة، فلو أسرف حُسِب عليه؛ لأنّه أتلف حقّ‌ أرباب الخمس، و لو قتّر، فظاهر المصنّف و الشهيدين و المحقّق الثاني أنّه يُحسب له، بل عن التذكرة الاتّفاق عليه. و استظهر في المناهل عدم الخلاف فيه، و لعلّه لما مرّ في الإسراف من أنّ‌ المستثنى هي المؤونة المتعارفة، فالخمس إنّما يتعلّق بما عداها، فمن ربح ألفا و مؤونته خمسمائة، فلم يتعلّق الخمس إلاّ بنصف الألف، سواء صرف النصف أو أنقص منه أو أزيد منه. و تأمّل في ذلك المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه عليه[25] ، و بعده جمال الدين الخوانساري[26] ، و صرّح باختيار خلافه كاشف الغطاء[27] و لعلّ‌ وجهه أنّ‌ الظاهر من المؤونة في الأخبار: ما أنفقها فعلاً في حوائجه.[28]

قال المحقق الخوئي: فيجب الخمس فيما قتّر، لزيادته على المؤونة و إن كان لم يجب لو صرفه فيها، لكون العبرة كما عرفت آنفاً بالصرف الفعلي لا التقديري، فلا يستثني المقدار إن لم يصرف إمّا للتقتير أو لتبرّع شخص آخر، بل المستثنى خصوص ما صرفه خارجاً في المؤونة.[29]

قال السید محمد سعید الحکیم: و هو [وجوب الخمس في المال الزائد بسبب التقتیر] ظاهر بناء على ما سبق منا من أن المؤونة هي الجهد المبذول، ويراد منها في المقام المال المبذول.[30]

قال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: لا إشكال في أنّ‌ الظاهر من دليل الاستثناء هو الثاني [ما يصرف في المؤونة بالفعل‌]، أمّا إذا قلنا بأنّ‌ استثناء المؤونة قيد للحكم التكليفي بوجوب دفع الخمس، بأن يكون كل ربح فيه الخمس وضعاً و لكن أجيز إرفاقاً صرفه في المؤونة فالأمر واضح، لأنّ‌ الإجازة و الإرفاق إنما يكون في الصرف في المؤونة. [31]

ملاحظتنا علی البیان الثاني:

قد تقدم عدم تقیید المؤونة بالصرف مع أنّ عموم الإرفاق یقتضي عدم وجوب الخمس في ما قتر.

النظرية الثالثة: الاحتیاط في وجوب الخمس

قال المحقق القمي: فلو أسرف حسب عليه ما زاد، و إن قتّر حسب له ما نقص، و الأحوط عدم احتساب الأخيرة.[32]

قال الشیخ الأنصاري في صراط النجاة: إذا أسرف شخص أثناء السنة من أرباحه، یجب أن یؤدي خمسه و إن قتّر علی نفسه فالأحوط أن یؤدي خمسه أیضا.[33]

و علّق المیرزا الشیرازي و صاحب العروة علی هذه المسألة بعدم ترك هذا الاحتیاط.

جمال الدین الخوانساري: قوله [أي الشهید الثاني] «فبأيّ‌ أسرف حسب عليه ما زاد» لا ريب في هذا و امّا انه «اذا قتر حسب له ما نقص» ففيه تأمّل إذ لا يبعد أن يكون المراد بالاستثناء قدر الاقتصاد استثناء ما بذله في مؤوناته ما لم يتجاوز الاقتصاد لا أنه يستثنى له قدر الاقتصاد حتما فالأحوط موضع التقصير الاكتفاء باسقاط ما بذله فقط.[34]

و تأمل في الحکم المحقق الأردبیلي، و قال: و لو قتر يمكن الاستثناء فلا يخرج خمس ما قتر فيحسب له القوت المتعارف و يخرج من الفاضل لو كان، و يحتمل عدم اعتبار ذلك و الإخراج عن الكلّ‌ بصرف المؤونة على ما يخرج و ينفق... .[35]

ملاحظتنا علی النظریة الثالثة:

بعد تمامية ما استدللنا به للنظرية الأولی لا يلزم الاحتیاط و إن کان حسناً.

النظرية الرابعة: تقیید وجوب الخمس بعدم وقوعه في الحرج

علّق السید عبد الأعلی السبزواري علی کلام صاحب العروة في وجوب الخمس بأنه: إن لم يقع في الحرج بإعطاء خمس ما قتّر فيه، وإلّا فلا يجب عليه شيء.[36]

ملاحظتنا علی النظریة الرابعة:

قد تقدّم الاستدلال علی النظرية الأولی و ثبت عدم وجوب الخمس في الفاضل بسبب التقتير من غیر التقیید بصورة الوقوع في الحرج ففي غیر صورة الحرج إیضا یسقط وجوب الخمس عنه.


[7] العروة الوثقى و التعليقات عليها، ج12، ص146، م65.
[11] اگر به واسطه قناعت، منفعت كسب را كمتر مصرف كند و چيزى از مخارج سال زياد بيايد، بايد خمس آن را بدهد. توضيح المسائل، ص354، م1765.
[13] توضیح المسائل، ص293، م1807.
[24] محاضرات في فقه الإمامیة (الخمس)، ص86.
[26] التعليقة على الروضة، ص314.
[27] كشف الغطاء، ص362.
[33] «هرگاه شخص در بين سال از ارباح مكاسبش اسراف خرج كند، بايد خمسش را بدهد و اگر بر خود تنگ بگيرد، احوط اين است خمس آن را هم بدهد.» (صراط النجاة (للشیخ الأنصاري.)، ص203، مسأله825.)
[34] التعلیقات علی شرح اللمعة الدمشقیة، ص314.
[36] العروة الوثقی و التعلیقات علیها، ج12، ص146.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo