< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /رأس المال؛ في الفرع التاسع؛ المسألة الثانیة

 

المسألة الثانیة: جواز التأخير إرفاقاً مع عدم العلم بطروّ المؤونة

هنا أدلّةٌ علی جواز التأخیر في أداء الخمس في هذا المقام:

الدليل الأوّل: الإجماع

قال المحقق الحكيم: صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافاً، بل الظاهر الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و نحوه - في دعوى ظهور الإجماع - شيخنا الأعظم في الرسالة. و في المستند: استدل بالإجماع، و احتياط المؤونة. و يظهر من جماعة أخرى أنه كذلك، لارسالهم له إرسال المسلمات. فان كان إجماع فهو المعتمد، و إلا فإطلاق ما دل على عدم حل مال المسلم بغير إذنه يقتضي العدم. و احتمال وجود المؤنة منفي بالأصل. مع أنه قد يعلم بعدمها.[1]

قال المحقق الخوئي: فقد صرّح جماعةٌ بل ادُّعي الإجماع عليه في غير واحد من الكلمات بجواز التأخير إلى نهاية السنة، إرفاقاً و احتياطاً من جهة المؤونة.

ثمّ إنّ المحقق الخوئي ذکر هنا إشکالاً علی القول بجواز التأخیر من جهة أنّ مستند هذا لقول هو الإجماع فقط، ثم، أجاب عن ذلک بوجوه أخر کلّها دالة علی القول بجواز التأخیر.

قال في تقریر الإشکال: إنّه لولا قيام الإجماع بل إرسالهم له إرسال المسلّمات لَما أمكن تتميمه بالدليل، إذ كيف يسوغ التأخير في أداء حقّ الغير، الثابت بمجرّد ظهور الربح، كما هو المفروض مع إطلاق ما دلّ‌ على عدم حلّ‌ مال المسلم بغير إذنه‌؟! و احتمال وجود المؤونة منفي بالأصل.

مع أنّه قد يعلم بعدمها سيّما إذا كان الربح كثيراً جدّاً بحيث يقطع عادةً‌ بعدم صرف الجميع، فغايته استثناء المقدار المتيقّن صرفه في المؤونة دون المشكوك، فضلاً عمّا يقطع بالعدم، بل لا معنى للاحتياط حينئذٍ كما لا يخفى.

ثمّ إنّ المحقق الخوئي أجاب عن الإشکال بقوله: يندفع بإمكان الاستدلال عليه مع الغضّ‌ عن الإجماع بوجوه» ثمّ أشار إلی الأدلّة التالیة، من السیرة القطعیة و صحیحة ابن مهزیار و صحیحة ابن أبي نصر.

الدلیل الثاني: السیرة القطعیة

قال المحقق لخوئي: السيرة القطعيّة العمليّة القائمة من المتشرّعة على ذلك، فإنّهم لا يكادون يرتابون في جواز التأخير إلى نهاية السنة، و لا يبادرون إلى الإخراج بمجرّد ظهور الربح بالضرورة، و لو كان ذلك واجباً لكان من الواضحات التي لا تعتريها شائبة الإشكال.

الدلیل الثالث: صحيحة ابن مهزيار

«فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ‌ عام ... »[2]

قال المحقق لخوئي: دلّت على أنّ‌ الإخراج إنّما يجب في كلّ‌ عام مرّةً، لا في كلّ‌ يوم، ولدى ظهور كلّ‌ فرد فرد من الأرباح. و نتيجته: جواز التأخير إلى نهاية السنة.

الدلیل الرابع: صحيحة ابن أبي نصر

قال: كتبت إلى أبي جعفر: الخمس، أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة‌؟ فكتب: «بعد المؤونة»[3] .

قال المحقق لخوئي: فإنّ‌ السؤال عن الإخراج الذي هو نقل خارجي لا عن التعلّق، و المراد بالمؤونة كما مرّ ليس هو مقدارها، بل نفس الصرف الخارجي، فقد دلّت على أنّ‌ الإخراج إنّما هو بعد الصرف في المؤونة في آخر السنة و إن كان التعلّق من الأوّل.

لكن ذكرنا سابقاً أنّ‌ هذه الصحيحة يمكن أن تكون ناظرة إلى مؤونة الربح لا مؤونة السنة، فهي حينئذٍ أجنبيّة عن محلّ‌ الكلام.

الدلیل الخامس: تهافت جواز الصرف في المؤونة مع وجوب التعجیل

قال المحقق لخوئي: و هو العمدة في المقام: أنّ‌ المؤونة على قسمين:

أحدهما: المصارف الضروريّة الّتي لا بدّ منها من المأكل و المسكن و الملبس و نحوها ممّا يحتاج إليه الإنسان في إعاشته، فإنّها غالباً محدودة بحدٍّ معيّن ربّما يعلم الإنسان بمقداره و ربّما يشكّ‌ و يكون لها قدر متيقّن.

ثانيهما: المصارف غير الضروريّة ممّا يكون باختيار الإنسان، له أن يفعل و أن لا يفعل، كالهبة اللّائقة بشأنه و الحجّ‌ المندوب و الزيارات و ما يصرف في سبيل الخيرات و المبرّات، فإنّ‌ هذه أيضاً تعدّ من المؤن. و من ثمّ‌ جاز الصرف فيها من غير تخميس كما تقدّم، و ليست محدودة بحدّ، كما أنّ‌ الجواز لم يكن منوطاً بالصرف الخارجي، فهو ثابت حتى في حقّ‌ من يقطع من نفسه بعدم الصرف في هذه السنة في شيء من ذلك.

و قد تقدّم في المقام الأوّل أنّ‌ الخمس و إن تعلّق من لدن ظهور الربح لكنّه مشروط وضعاً أو تكليفاً بعدم الصرف في المؤونة بقسميها بنحو الشرط المتأخّر على ما استفدناه من قوله: «الخمس بعد المؤونة» حسبما تقدّم[4] .

و قد ذكرنا في الأُصول: أنّ‌ الواجب المشروط لا ينقلب إلى الواجب المطلق بحصول شرطه فضلاً من العلم به، فالحجّ‌ مثلاً مشروط بالاستطاعة دائماً حتى بعد حصولها و تحقّقها خارجاً، فإنّ‌ موضوع الحكم لا ينقلب عمّا هو عليه بوجه، و لأجل ذلك كان الواجب المهمّ‌ المشروط بعصيان الأهمّ‌ مشروطاً مطلقاً حتى مع فعليّة العصيان، كما فصّلنا البحث حول ذلك في مبحث الترتّب مشبعاً[5] .

و عليه، فلو فرضنا القطع بعدم الصرف في المئونة إلى نهاية السنة بحيث تيقّنّا بحصول الشرط مع ذلك لم يجب الأداء فعلاً و إن كان متعلّقاً للخمس فيجوز التأخير، و ذلك لجواز الصرف في المؤونة من غير إناطة بفعليّة الصرف كما عرفت، فإذا جاز الصرف المزبور جاز الإبقاء إلى نهاية السنة بطبيعة الحال، و من الضروري أنّ‌ جواز الصرف أو الإبقاء لا يجتمع مع وجوب الأداء فعلاً.

و بالجملة: القطع بعدم فعليّة الصرف خارجاً لا ينافي جوازه شرعاً، لعدم استلزام الجواز تحقّق الصرف بالضرورة، فهو مرخّص في إعدام موضوع الخمس و إسقاطه بالصرف في المؤونة إلى نهاية السنة، و من الواضح أنّ‌ هذا ملازم لجواز الإبقاء، فكيف يجتمع ذلك مع وجوب الإخراج فوراً و من لدن ظهور الربح‌؟! للتهافت الواضح بين الإلزام بالإخراج في هذا الحال و بين الحكم بجواز الصرف في المؤونة إلى نهاية السنة كما هو ظاهر جدّاً.

و هذا الوجه هو العمدة في الحكم بجواز التأخير مضافاً إلى ما عرفت من الروايات.

 


[4] ذكر ذلك في ص٢٠٩.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo