< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الفقه الاقتصادی/الربا و البنوک /الطریق التاسع عشر؛ فهنا مباني مهمة نحتملها

 

فهنا مباني مهمّة نحتملها:

المبنی الأول:
(مختار المشهور)

إنّ البنك مثلاً یملّك لطرفه أمرین: الأول: العین الشخصيته للورق، و الثاني: الاعتبار الشخصيّ القائم بها، مع اشتراط التحفّظ على النقود الورقیة أو التأکید علیه من غیر اشتراط. فحینئذٍ لا علاقة ملکیة بین الدولة مثلاً و تلك النقود الورقیّة و الشعب مختارون في أيّ تصرّف في تلك النقود إلا إذا اشترط علیه عدم التصرّفات الموجبة لاستهلاکها.

المبنی الثاني:

تملیك الاعتبار الشخصي القائم بهذه العملة مع اشتراط التحفّظ على العین الشخصیّة للنقود الورقیة أو التأکید علیه من غیر اشتراط و حینئذٍ تبقی الحیثیّة الأولى تحت ملکیّة المالك الأصليّ الأوّلي الذي هو بیت المال أو الدولة أو البنك المرکزي.

المبنی الثالث:

تملیك الکلّي في المعیّن مع بقاء العین الشخصیة للورق في ملک المالک الأصلي، فملکیة العملة الورقیة (الإسکناس) للدولة أو لبیت مال المسلمین أو للبنك المرکزي.

فلو قیل ببطلان المعاملات الشخصیّة الواقعة علی المال المتعلّق للخمس، أو المتعلّق لحقّ الغیر، فنجیب عنه بأنّ المستفاد من المبنی الثالث صحّة جمیع تلك المعاملات من باب بیع الکلّي و هذا من نتائج الالتزام بالمبنی الثالث.

مقتضی التحقیق:

هو أنّ البنك أو الدولة لابدّ أن یملّك لطرفه الحیثیّة الثانیة و هي الاعتبار المالي الشخصي القائم بالعملة دون الحیثیّة الأولى.

و الظاهر من الأمور التي نذکرها و من مصلحة بیت مال المسلمین اللازمة رعایتها بقاء العلقة الملکیة بین الدولة أو بیت المال مثلاً و بین الخصوصیة الشخصیّة لتلك النقود الورقیّة التي صنعها البنك المرکزي بتوصیة الدولة.

و الوجه في ذلك: هو أنّ المتولّي لبیت المال لا یجوز له أن یتصرّف فیه بتملیکه للغیر في ما إذا لم یلزم ذلك، فإنّ الغرض من إعطاء العملة الورقیة لآحاد الناس یحصل بتملیك الاعتبار الشخصي القائم بالعملة فلا حاجة لتملیك نفس العملة الورقیة التي هي من أموال بیت مال المسلمین و مع عدم وجود المصلحة في ذلك فلا یبقی وجه شرعي لتملیکه بل لا یمضی تملیکه إن اتّفق، فهي باقیة في ملك بیت المال، و یکون تحت إشراف المتولّي الشرعي لذلك.

و لذا نری أنّ الدول قد تسقطها عن الاعتبار بتعویضها و تبدیلها بعملة أُخری و یؤکّدون على لزوم التحفّظ علیها من جهة أنّها رأس المال الملّي و یقوم البنك المرکزي بتبییض العُملة الورقیّة و غسلها و إصلاحها بل تعویضها في ما إذا استهلك.

أمّا المبنی الثالث و هو تملیك الاعتبار المالي بنحو الکلّي في المعیّن فهو بعید عن ظاهر الحال، فإنّ البنك یملّك لطرفه الاعتبار المالي الشخصي القائم بالعملة قطعاً، أمّا تملیك الحیثیّة الأولى فهو محلّ البحث و الإشکال.

أمّا مقتضی الأصل العملي في المقام:

لو شککنا في أنّ البنك مثلاً یملّك لطرفه الحیثیّة الأولى و الثانیة معاً أو یملّکه خصوص الحیثیّة الثانیة دون الأولى، فالقاعدة تقتضي بقاء الحیثیّة الأولى في ملکیة البنك

نعم للمودع حقّ بالنسبة إلى خصوص العین و لذا لا یجوز لغیره التصرّف فیه، و المودِع بإیداع المال في البنك یُسقط حقّه.

و بالنتیجة: الظاهر من القرائن التي بأیدینا هو ملکیة الدولة لنفس الأعیان الشخصیة لتلك النقود و مالکیة من بیده العملة الورقیة لاعتبارها الماليّ الشخصي، فالتحقیق یقتضي تمامیة المبنی الثاني.

و بذلك ینحلّ کثیر من المسائل العویصة.

هذا تمام الکلام في ماهیة العملة الورقیّة.

الرجوع إلى محلّ البحث و هو الجواب الخامس:

قد تقدّم الإشکال على أنّ إیداع النقود الورقیة في البنك من باب الودیعة، و الجواب الخامس عن هذا الإشکال هو أنّه لابدّ من افتراق ماهیة الودیعة و حکمها، فإنّ ما ورد في روایات باب الودیعة من ظهورها في وجوب التحفّظ على عین الودیعة، لایدلّ على أنّه لابدّ أن تکون الودیعة عیناً خارجیاً دون الاعتبار المالي الشخصي، بل إنّه حکم الودیعة في ما إذا أودع العین الشخصیة و لم تقم قرینة على إعراضه عن الخصوصیة الشخصیة، و بعبارة أُخری إنّ مقتضی إطلاق الودیعة حفظ العین الشخصیّة الخارجیّة.

أما إذا قامت قرینة عامّة أو قرینة خاصّة على إعراضه عن الخصوصیة الشخصیة، فالودیعة هي الاعتبار الکلّي، و حینئذٍ الخصوصیّة الشخصیّة للعُملة الأعمّ من الخصوصیة الخارجیة للورقة و الاعتبار الشخصي القائم بها مورد لإعراض المودع.

و الدلیل على تعمیم الودیعة لهذه الصورة: هو أنّ المستفاد من إطلاق الروایات، صدق الودیعة على کلّ ما یصدق علیه أنّه أمانة، و التحفّظ علی خصوص الحیثیة الثانیة و هي الاعتبار المالي الشخصيّ القائم بالعُملة أو التحفّظ على الحیثیّة الثالثة و هي الاعتبار المالي الکليّ من مصادیق الأمانة، فلو شککنا في صدق الودیعة على التحفّظ على الحیثیة الثانیة أو الثالثة فلا نشك في صدق الأمانة على التحفّظ على الحیثیتین.

فالمودِع یعطي للبنك العملة الورقیة بعینها الشخصیّة و یعرض عن خصوصیتها الشخصیة و یقصد بذلك أن یکون اعتبارها المالي أمانة لدی البنك.

نعم، إنّ عین العملة بخصوصیّتها الشخصیة لیست ملکاً له بل هي ملك لبیت مال المسلمین کما تقدّم إلّا أنّ العملة بشخصها مختصّة به و إضافة عین العُملة إلیه لیس من قبیل إضافة الملکیّة بل من قبیل حقّ الاختصاص.

مناقشة في الجواب الخامس:

إنّ العُملة الورقیة المودعة في البنك ما هو متعلّق حقّ المودع و الاعتبار الشخصي قائم بها فمع اختلاط العُملة بشخصها یختلط اعتبارها الشخصي بسائر الاعتبارات، فإیداعها مع العلم باختلاطها بل مع قصد اختلاطها بسائر أموال البنك متنافیان، فهذا الإیداع ینافي ماهیة الودیعة، فلا یتحقّق عقد الودیعة فهذا المبنی لا یجدي في المقام.

و الجواب عن هذه المناقشة:

هو أنّه تصدق الأمانة على حفظ الاعتبار المذکور الشخصي بعنوانه الکلّی، فإذا قلنا بعموم الودیعة لما تصدق علیه الأمانة ینحلّ هذا الإشکال أیضاً.

فلإیداع الاعتبار المالي الشخصي مصداقان:

الأول: إیداع الاعتبار الشخصي

و الثاني: إیداع الاعتبار الکلّي

و تصدق الودیعة على کلا المصداقین، و ما یتعارف في البنك هو المصداق الثاني.

مقتضی التحقیق: الجمع بین النظریّتین (القرض و الودیعة)

إنّ الالتزام بهذه الصیاغة أعني أُطروحة السید الصدر، لا یوجب انحصار إیداع المال في البنك في عنوان الودیعة بل یناسب الإیداع في البنك بعنوان القرض أیضاً، و ذلك بأنّ البنك یتّفق مع العامل في المضاربة وکالةً عن المودِع، ثمّ البنك یُعطي المال العامل من قِبَل المودِع، فیکون المودِع ضامناً للمال الذي أعطاه البنك العامل و مدیوناً للبنك، فیتهاتر دینهما.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo